يتعرض الجنيه لهبوط حاد في القيمة أمام الدولار الأمريكي، تاركًا خلفه آثارا سلبية علي جيب رجل الشارع البسيط، ورغم تحركات الحكومة برئاسة شريف إسماعيل، تحت توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، للسيطرة علي الأسعار من ناحية ومواجهة ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الجنيه، يبدو أن الأخير قليل الحيلة يتعرض لانتقاص القيمة بشكل دوري بما يهدد بتفاقم الأزمة. "آخر ساعة" استطلعت عددا من خبراء الاقتصاد الذين أكدوا أن الجنيه سيعاني طالما ظلت الأزمة الأساسية قائمة ألا وهي ضعف مصادر تمويل الخزانة بالعملة الصعبة نظرًا لانخفاض الإيرادات السيادية من السياحة بشكل قياسي مرورًا بقلة حجم الاستثمارات الأجنبية التي دخلت السوق المحلي بعد سنوات من عدم الاستقرار السياسي وليس انتهاء بتراجع منح دول الخليج لدخولها أزمة مالية بسبب تراجع أسعار النفط عالميًا. وأحد أهم متاعب الجنيه تتلخص في تزايد الواردات المصرية مقابل تراجع الصادرات، ما يعني أن عملية نزوح للدولار من السوق المحلية لتغطية كلفة الواردات، ما انعكس سلبا علي احتياطي البلاد من العملة الصعبة، فوفقا لدراسات مصرفية فإن موارد مصر من العملة الأجنبية بلغت نحو 60.5 مليار دولار في مقابل كلفة الواردات المقدرة ب 60.8 مليار دولار، ما يعني زيادة الأخيرة ما يتسبب في عملية سحب الدولار من السوق المحلية، وبالتالي ارتفاع سعر صرفه أمام الجنيه. الجنيه يعتمد في بقاء قيمته ثابتة أمام الدولار، علي عائدات عدة أنشطة كانت قادرة علي كبح جماح العملة الأمريكية، وتأتي السياحة في المرتبة الأولي، إذ بلغت إيرادات السياحة عام 2010 نحو 12.5 مليار دولار، مع 14.7 مليون سائح، ساهمت بنسبة 11% من الناتج المحلي الإجمالي وجلبت السياحة 14.4٪ من إيرادات العملة الأجنبية لمصر، فضلا عن الأنشطة الجانبية المواكبة لرواج السياحة، والتي كانت تحقق عدة مليارات إضافية من الدولارات. كل هذا تبخر وفقا لأحمد محروس، مرشد بإحدي شركات السياحة، لأن السياحة تعاني من مشاكل مزمنة بسبب حالة عدم الاستقرار التي أعقبت ثورة 25 يناير 2011، ولكن رغم أن الوضع تحسن في السنتين الأخيرتين حيث حققت السياحة عائدات بلغت 7.5 مليار دولار في عام 2014، إلا أنها عادت وتراجعت بسبب حادث مقتل السائحين المكسيكيين علي طريق الواحات عن طريق الخطأ، ما أثر سلبا علي صورة مصر السياحية في الخارج وألغيت بالفعل عدة رحلات محجوزة مسبقة، معتبرا أن تراجع عائدات السياحة واحداً من أهم أسباب تراجع قيمة الجنيه أمام الدولار، مطالبا الحكومة بدعم قطاع السياحة لأنه أحد أهم الحلول الأساسية لإنعاش الجنيه، فضلا عن أن السياحة قادرة علي جر قطار الاقتصاد ككل عبر خلق فرص عمل وتعزيز نشاطات عديدة مرتبطة بالسياحة. المصدر الثاني للإيرادات السيادية تمثل في ضخ الاستثمارات الأجنبية في السوق المحلي، إلا أنها بدورها تراجعت بصورة قياسية في الأعوام الخمس الماضية فمن 13 مليار دولار في عام 2008 تراجعت إلي 2.2 في عام 2011 ثم ارتفعت بنسبة طفيفة لتبلغ 4 مليارات دولار في العام الماضي، ما يكشف عن ارتفاع دون المستوي، رغم الإصلاحات التي تجريها الحكومة لرفع مستوي الثقة ببيئة الأعمال في مصر من خلال نجاح المؤتمر الاقتصادي في مارس الماضي، وإنجاز مشروع قناة السويس الجديدة، وإجراء إصلاحات في التشريعات المتعلقة بتيسير إجراءات الاستثمار، إلا أن ظروف أزمة التباطؤ في الاقتصاد العالمي أخرت تدفق الاستثمارات الأجنبية. وتعد قناة السويس أحد أهم موارد العائدات السيادية، خاصة بعد افتتاح القناة الثانية، إلا أن القناة ستحقق دخلها الأقصي نحو العام 2023 والمقدر بنحو 13.5 مليار دولار، والأمل يظل معقودًا علي المشروعات التي يفترض أن تظهر تباعا في إقليم القناة خلال الأعوام القليلة المقبلة، والتي يمكن لها زيادة عائد القناة من الدولارات عبر جذب استثمارات أجنبية فضلا عن توفير فرص عمل تساعد في تحجيم البطالة. من جهتها، أكدت نادية حسين، الخبيرة المصرفية، ل"آخر ساعة"، أن الجنيه مرشح لمزيد من التراجع طالما ظلت العائدات السيادية تسجل تراجعا، مطالبة بضرورة التفكير خارج الصندوق للبحث عن حلول حقيقية فمثلا يجب النظر في ارتفاع فاتورة الواردات وبالتبعية ارتفاع أسعار العديد من السلع المحلية، وهو ما يمكن تجنبه بدعم البديل المحلي الأرخص ما سيؤدي إلي تقليص فاتورة الاستيراد من ناحية وإعطاء قبلة الحياة للعديد من الصناعات المصرية خاصة المنسوجات والصناعات الغذائية. وطالبت حسين الحكومة بضرورة العمل علي دعم البنية التحتية لتوفير مغريات تجذب الاستثمارات الأجنبية التي تعد المحرك الأساسي لدوران عجلة الاقتصاد لتدر العملة الصعبة التي تزيد من حجم الاحتياطي النقدي، كما أن نمو القطاع الخاص واضطلاعه بدوره التصنيعي الحقيقي سيرفع من حجم عائد الصادرات من العملة الصعبة، فضلا عن ضرورة تكثيف الدعاية لترويج المدن المصرية سياحيا علي مستوي العالم، مع توفير الأمن في الشارع من أجل ضمان استمرار توافد السياح علي المدن المصرية، خاصة أن السياحة تعد أحد أهم مصادر توفير العملة الصعبة للاقتصاد المحلي. بدورها، رأت الدكتورة عالية المهدي، عميدة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية سابقا، أن "الجنيه كان مقوما بأعلي من قيمته الحقيقية في الأصل، وكان لابد من عملية مراجعة لتخفيض قيمته ضمن سياسة التحرير النسبي لقيمة الجنيه، لكن انخفاض الجنيه بنسبة كبيرة يؤدي إلي ارتفاع الأسعار ما يعني أن تكلفة انهيار أو خفض قيمة الجنيه ستقع علي الفئات محدودة الدخل التي ستعاني مع ارتفاع الأسعار، هذا علي الجانب السلبي لخفض قيمة الجنيه، أما الجانب الإيجابي فيتمثل في ارتفاع ونمو الصادرات بشكل أساسي للاستفادة من انخفاض قيمة الجنيه". وأضافت المهدي ل"آخر ساعة" أن الحكومة مطالبة بالاهتمام بتنمية الأصول الإنتاجية، بداية من فتح المصانع المغلقة وحل أزمة المصانع المتعثرة والبدء في إنشاء أخري جديدة، لرفع قدرة مصرالتصنيعية بما ينعكس بشكل إيجابي علي صادرات مصر، ولو ارتفعت الصادرات بشكل ملحوظ، سيكون العائد من الصادرات كفيلا بسد تكلفة خفض قيمة الجنيه وتهميش آثاره الجانبية علي فئات محدودة الدخل". في السياق، قال علي الحريري، سكرتير شعبة شركات الصرافة بغرفة تجارة القاهرة، ل"آخر ساعة" إن المشكلة في تراجع قيمة الجنيه مرتبطة بعدم وجود حركة تصدير قوية، تأتي بعملة صعبة توفر ما تحتاجه الدولة لشراء الاحتياجات الأساسية، فضلا عن تراجع عائدات السياحة إلي أدني مستوي، وبالتالي ستحدث حالة ركود في الأسواق لأن المواطن البسيط لن يستطيع تعويض فرق الأسعار، فمواطن راتبه ألف جنيه لن يشتري ما كانت يشتريه منذ سنة، وهي ترجمة فورية للأزمة لأن فروق الأسعار سيضيفها المستورد علي سعر البيع النهائي للسلعة، ما يعني أن المستهلكين من عموم الشعب هم من سيشعرون بتراجع قيمة الجنيه في جيوبهم. وتوقع الحريري أن يقود طارق عامر، محافظ البنك المركزي الجديد، سلسلة من الإجراءات التي ستساعد في خفض قيمة الدولار والعودة به إلي ما دون 8 جنيهات، متمنيا أن يكون أول لقاءات عامر بعد توليه منصبه نهاية الشهر المقبل مع أعضاء شعبة الصرافة، للاستماع لمقترحاتهم من خلال خبرتهم في التعامل اليومي في سوق تبادل العملات.