يملأ اسم الغيطاني الأسماع.. فهو روائي عالمي حصل علي العديد من الجوائز الأدبية، ومراسل حربي خاض المعارك بشجاعة نادرة وعاد بانتصارات صحفية كبيرة.. ومؤسس أخبار الأدب وسيدها الذي مد يديه الكريمتين يزيح التراب عن مواهب مدفونة مهد لها الطريق إلي المنصات. أبدع الغيطاني مشروعا روائيا لم يقلد فيه أحدا، استلهمه من تراث مصري مليء بالجواهر، ليبرهن علي أصالة الشخصية المصرية وصلابتها علي مر الأزمان وترجمت أعماله إلي العديد من اللغات العالمية. وإذا كانت الجمالية التي نشأ فيها الغيطاني قد فتحت أمامه أبواب التاريخ فإن علاقته بالأستاذ نجيب محفوظ كان لها تأثير كبير عليه. يدين الغيطاني للقاهرة بالفضل في تكوينه فيقول: رغم أنني ولدت في جهينة مديرية جرجا (كما كانت تسمي إداريا في الأربعينيات) فإن أول صورة في الذاكرة تنتمي إلي سنة 1948 أثناء الحرب، حيث درب الطبلاوي شارع قصر الشوق، وبيتنا الذي كان يتكون من خمسة طوابق أذكر صورة للوالد يصعد بنا إلي السطح ونحن خلفه! وحين عملت كمراسل حربي وأثناء قراءتي حول الحرب اكتشفت أن سلاح الجو كان ناشئا ولم يشن سوي غارة قُدّر لها أن تكون في هذا المكان. لا يستنكف الغيطاني أن ينعت أسرته بالبسيطة، ويسرد رحلة والده الشاقة من الجنوب ليقيم في هذا الطابق الأخير من بيت يتكون من خمسة أدوار وهو ما أتاح لطفولته أن تشاهد من فوق السطح معالم القاهرة من بناية عالية وشاهقة بمقاييس ذلك العصر. هو صاحب مقولة: الأزمنة لا تتوالي ولكن تتجاور، ومن فوق المنزل في درب الطبلاوي كان يمكن ان أري اهرام دهشور والجيزة وسقارة وهي القاهرة الفرعونية إذا ولينا الوجه غربا، فالقاهرة التي أُسّست في القرن الرابع الهجري علي يد جوهر الصقلي احتوت عواصم كثيرة من خلال تاريخها الممتد ل 10 آلاف عام. وتري في الجنوب أبراج كنائس مصر القديمة وكانت تتركز في حصن بابليون حيث توجد الكنيسة المعلقة علي شكل سفينة نوح. ويلاحظ الغيطاني أن شرط البناء علي النيل أساسي في أي مدينة مصرية وخاصة للأماكن المقدسة؛ معبد الأقصر، والكرنك، وأبيدوس، ودندرة.. النيل مقدس باعتبار أن الماء أصل الحياة فضلا عن أن النيل في الفسطاط كانت تطل عليه الكنيسة المعلقة وجامع عمرو بن العاص قبل أن يتحرك النيل غربا لمسافة 500 متر. ويحكي عن زمن كان فيه النيل يخترق ميدان التحرير وكان فيه الخليج المصري الذي يمر بقرب القاهرة القديمة. ويعود إلي جنوبالقاهرة القديمة الذي تخترق سماءه أروع مآذن العالم الإسلامي فكل مئذنة حالة بذاتها، ويسرف في عشقه لمسجد السلطان حسن بمآذنه المصرية الصميمة، بينما كان يثير خياله في سن الرابعة مسجد محمد علي ولكنه عندما تردد علي اسطنبول اكتشفت الأصل المعماري له. ويصف ما بين مسجد السلطان حسن ومسجد الرفاعي، وفي هذا الشارع الفاصل بينهما مر أول خط للترام سنة 1896يصل بين الإمام الشافعي والسبتية التي يوجد بها محطة الكهرباء التي كانت إذا انقطعت عن «أخبار اليوم» يقول مصطفي أمين رحمه الله إن فار السبتية يقرض الأسلاك ويقطع التيار! يقول الغيطاني: كان تكويني ذاتيا اكتشفت نفسي بنفسي وبدأت القراءة مبكرا عن طريق الوالد الذي يقرأ الصحف متمهلا مما جعلني أحفظ شكل الحرف قبل أن أراه في المدرسة. تعلقت بالحسين منذ الصغر ورأيت الكتب ملقاة علي الأرصفة، ذلك لأن بجواره أعرق جامعة موجودة علي بعد أمتار وهي الأزهر الذي كان مركزا ثقافيا، فالتصقت بباعة الكتب مما مكنني من قراءة الأعمال الكبري دون العاشرة، وعرفت الطريق الي دار الكتب وكان لديّ اهتمام خاص بقضية الزمن وسؤالي «إمبارح راح فين» أين تذهب اللحظة الماضية وهذا ما جعلني مهتما بالتاريخ وأتساءل عمن عاش ومر من هنا من قبل ولماذا سُمّي الشارع بالطبلاوي. اهتممت بوسائط سرد لم يكن أحد يهتم بها وتعرفت علي محفوظ وأنا في الخامسة عشرة، جنوب دار الأوبرا في شارع عبدالخالق ثروت لتبدأ علاقتنا، ومحفوظ فيه جانب لا يعلمه الكثيرون كان ذاكرة للقاهرة لم يغادرها إلا مضطرا، والإسكندرية هي الوحيدة التي كان يسافر إليها برغبته في الصيف لقضاء شهر فقد كان صاحب نوبل من الطبقة المستورة وكان والده يكافئه بعشرة جنيهات فيذهب إلي الثغر ويقيم في بنسيون مريح، أما المرات الأخري التي خرج فيها فكانت إلي يوغسلافيا مع فد ثقافي وإلي اليمن مع وفد أدبي وأخيرا إلي لندن لإجراء عملية جراحية. وركب مرة الطائرة حين أعلنت شركة مصر للطيران عن خط جوي بتذكرة قيمتها 25 قرشا ورجع في نفس اليوم، وقد اعتمدت علي محفوظ في التأريخ للقاهرة لأنه عاشقها ولولاه لما كان أحد اهتم بالقاهرة القديمة فهو يشبه كولومبو الذي اكتشف أمريكا بينما اكتشف هو بين القصرين والسكرية وقصر الشوق. ويستطرد: «بدأت طفولتي في الجمالية ورأيت في القاهرة علي عمارة في شارع رمسيس إعلان بيبسي كولا في أوائل الأربعينيات وهو المشروب الذي قضي علي الخروب والتمر هندي ولم ينافس عمارة غمرة إلا عمارة المنيل وبُنيت علي شكل الأممالمتحدة كناطحة سحاب. تربيت في الجمالية وكان الوالد له أصدقاء في خان الخليلي وكان إيرانيا وينطق العربي «مكسر» ولما كان هناك إيرانيون يسكنون الحارة حضرت عاشورا علي الطريقة الشيعية «زفة العجم» وبعد ذلك ولد للرجل أبناء ليس لهم علاقة بالأصل الفارسي، وفي منتصف الستينيات ظهر في شارع رمسيس «أحمد الصيني» وهو رجل جاء من الصين والناس أطلقوا عليه أحمد الصيني وله محل خردوات مازال قائما وبعد مرور عامين علي الأكثر بدأ يتحدث العربية حتي ملامحه تغيرت وصارت مصرية! رفض الغيطاني تزوير الشخصية المصرية في زمن الإخوان وكان يقول: مصر تهضم ما لا يتفق معها وبونابرت تحدث العربية وذهب إلي الأزهر وجلس إلي العلماء. والإنجليز الذين غيّروا لغة الهند التي تمتلك 600 لغة لم يؤثروا في مصر وكذلك الحال في الجركس الذين حكمونا 200 سنة ولم يغادروا أثرا. ومن استمر منهم أصبح مصريا خالصا ومن مشي خسرناه. خسرنا التنوع الثقافي الإنساني وأقول: ما يتناقض مع جوهرها لا نقبله وفهم هذا علي المستوي الثقافي مهم جدا لإدراك أي لحظة صعبة نمر بها في هذا البلد العريق. مشواره المهني في عام 1963 استطاع الغيطاني أن يعمل كرسام في المؤسسة المصرية العامة للتعاون الإنتاجي حيث استمر بالعمل مع المؤسسة إلي عام 1965. إلي أن تم اعتقاله في أكتوبر 1966، وأطلق سراحه في مارس 1967. في عام 1969، مرة أخري استبدل الغيطاني عمله ليصبح مراسلا حربيا في جبهات القتال في مؤسسة أخبار اليوم. وفي عام 1974 انتقل للعمل في قسم التحقيقات الصحفية، وبعد أحد عشر عاما في 1985 تمت ترقيته ليصبح رئيسا للقسم الأدبي بأخبار اليوم. قام الغيطاني بتأسيس جريدة أخبار الأدب في عام 1993، حيث شغل منصب رئيس التحرير. الجوائز حصل الغيطاني علي عدة جوائز منها التشجيعية للرواية عام 1980، وجائزة سلطان بن علي العويس، عام 1997، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولي. ووسام الاستحقاق الفرنسي من طبقة فارس، Chevalier de l›Ordre des Arts et des Lettres عام 1987، وجائزة لورباتليون,Prix Laure-Bataillon لأفضل عمل أدبي مترجم إلي الفرنسية عن روايته التجليات مشاركة مع المترجم خالد عثمان في 19 نوفمبر 2005، وجائزة الدولة التقديرية (مصر) عام 2007 والتي رشحته لها جامعة سوهاج فضلا عن جائزة النيل. أعماله: بدأ الغيطاني الكتابة مبكرا فكتب أول قصة عام 1959، بعنوان نهاية السكير. وصدر له في مارس 1969، كتابه أوراق شاب عاش منذ ألف عام الذي ضم خمس قصص قصيرة، واعتبرها بعض النقاد بداية مرحلة مختلفة للقصة المصرية القصيرة ومن أعماله الزويل، حراس البوابة الشرقية، متون الأهرام، شطح المدينة، منتهي الطلب إلي تراث العرب، سفر البنيان، حكايات المؤسسة، التجليات (ثلاثة أسفار)، دنا فتدلي، نثار المحو، خلسات الكري، رواية الزيني بركات تحولت إلي مسلسل ناجح بطولة أحمد بدير، رشحات الحمراء، نوافذ النوافذ، مطربة الغروب، وقائع حارة الزعفراني، الرفاعي، رسالة في الصبابة والوجد، رسالة البصائر والمصائر، الخطوط الفاصلة (يوميات القلب المفتوح)، أسفار المشتاق، سفر الأسفار، نفثة المصدور، نجيب محفوظ يتذكر، مصطفي أمين يتذكر، المجالس المحفوظية، أيام الحصر، مقاربة الأبد، خطط الغيطاني، وقائع حارة الطبلاوي، هاتف المغيب.