فجرَّت الدكتورة هبة هجرس الأمين العام للمجلس القومي لشئون الإعاقة مفاجأة بتأكيدها أن جهاز التعبئة والإحصاء يقدم أرقاماً غير صحيحة بالنسبة لأعداد المعاقين في مصر، الذين قدرتهم - وفق منظمة الصحة العالمية - ب12 مليون معاق، لافتة في حوار مع «آخرساعة» إلي حجم المشكلات التي تواجه هذا العدد الكبير من المعاقين وقالت «من حقهم أن يعيشوا بطريقة تحترم آدميتهم»، كاشفة عن مسودة مشروع قانون جديد للمعاقين من المقرر طرحه للنقاش المجتمعي خلال أسبوعين، مؤكدة أن المجلس بيت خبرة ووسيط بين الحكومة والمعاق وبالتالي يقدم للوزارات المختلفة الدعم الفني وليس خدمات مباشرة للجمهور. ما طبيعة عمل المجلس والأدوار التي يقوم بها؟ - المجلس له الكثير من الأدوار، إنه وجهان لعملة واحدة؛ لسان الأشخاص ذوي الإعاقة عند الحكومة، يرفع كل مشاكلهم، ويطالب بحلها، ولسان حال الحكومة أمام المعاق، نحن بيت خبرة نمتلك فنيات الإعاقة، فنحن مثلا من يدرك كيفية تعليم شخص يعاني من أي إعاقة، وفي هذه الحالة نقدم اقتراحاتنا للوزارة وبالتالي فدور المجلس ليس خدميا وإنما تنسيقيا أو استشاريا ورقابيا وداعما. هل تقصدين المدارس الخاصة بالمعاقين؟ - التوجهات الحديثة للتعليم تشير إلي أنه لم يعد يجدي نفعا عزل المعاقين في مدارس متخصصة كمدارس للمكفوفين أو الإعاقات السمعية، وثبت فشل كل المدارس المتخصصة في إعاقة معينة، وبالتالي نتعامل مع الوزارة في كيفية إعطائها فنيات لدمج المعاق، نخبرها باحتياجاته وكيف تقوم بتنفيذها بحيث يمكن إلحاقه بأي مدرسة. ماذا عن بقية الوزارات؟ - المجلس بمثابة مكتب فني يعطي الدعم لأي وزارة لتقوم بتأدية خدماتها، نحن لا نقدم خدمات مباشرة للجمهور والوزارة هي التي تقدم لهم الخدمات، والمركز يعمل علي تسهيل مهمة الوزارات، وهو ما يسبب الخلط، فكثيرون لا يدركون طبيعة عملنا ويتهموننا بعدم مساعدتهم. والإعاقة مشكلة حياتية فاحتياجاتنا تتوزع علي الكثير من المجالات مشكلتنا مع المواصلات والتعليم والصحة.. ولا يمكن أن أنشئ وزارات مصغرة داخل كل وزارة تختص بشئون الإعاقة لكني أدعم هذه الوزارات وعلي سبيل المثال نعمل الآن علي استراتيجية وزارة الصحة وسبقها فريق يعمل علي وزارة التضامن، نسألهم ما هو وضع الإعاقة في وزاراتكم وكيف يتم خدمة الشخص ذي الإعاقة، وهناك شيء هام آخر نحن من نجعل الوزارات تضع من ميزانيتها مبالغ مالية تخصصها للإعاقة وموازنة لاحتياجاتهم. لكن هل هناك مسئول بعينه في الوزارة يتم مخاطبته؟ - نطلب من كل وزارة أن تخصص شخصا نتحدث معه ونرفع له كل الملفات ويكون علي اتصال مباشر بالوزير وهنا تأتي قصة الإرادة السياسية التي تجعل الوزراء يهتمون بهذا الملف أو يلقونه في سلة المهملات. وهل يتم الآن الاهتمام بالمعاقين؟ - بالطبع، هناك إرادة سياسية قوية وفرق واضح وملحوظ، فأثناء جلوسنا في وزارة الصحة بحضور الخبير الذي سيقوم بعمل الاستراتيجية، قالوا لنا إن الاهتمام بشئون ذوي الإعاقة بناء علي توجيهات من الرئيس، فالقصة لدينا في مصر تبدأ من الأعلي نظرا لأننا لازلنا ننتمي للشعوب النامية، فعندما حضر الرئيس السيسي رياضة المعاقين وذوي الإعاقات الذهنية والأوليمبياد الخاصة بهم، أصبح هناك اهتمام قوي، وهو دائما يحث علي الاهتمام بنا ويشدد علي تلبية احتياجاتنا. مهدت ثورة يناير لإنشاء المجلس، فهل تعملون علي ملف مصابي الثورة؟ - كلا.. مصابو الثورة لديهم مجلسهم الخاص بهم، وليس لهم علاقة بنا.. إلا إذا تم التعامل معهم علي أنهم معاقون فقط مثل أقرانهم. يوجد تضارب في أرقام المعاقين.. ما تعليقك؟ - صحيح.. الإحصاءات التي يقدمها جهاز التعبئة والإحصاء غير صحيحة، وهذا ما ناقشناه مع خبير منظمة الصحة العالمية الذي قال إنه لم يصدق الإحصاءات التي قدمتها الحكومة خاصة أن نسبة الإعاقة في الدول النامية لابد أن تكون مرتفعة.. فضلا عن أن التعريفات التي يعتمد عليها "التعبئة والإحصاء" بالية.. ولذلك نحن نعتمد علي تعريف منظمة الصحه العالمية الذي يقول إن كل مجتمع نام يكون معدل الإعاقة فيه 15%، فإذا كنا 90 مليونا في مصر سنحصل علي رقم 12 مليون معاق. هل يقوم المجلس بدوره التثقيفي؟ - بالطبع.. فالتوعية دورنا تجاه المعاقين، ويجب تعريفهم للمجتمع وتقديمهم علي أنهم أشخاص عاديون لديهم بعض الاختلاف لكننا قد نحتاج بعض الأدوات لكي نتساوي، فلابد أن يتعامل المجتمع بهذا المنطق. هل هذا يعني أن قصار القامة معاقون؟ - نعم.. وتم ضمهم منذ عدة أيام إلي المجلس فالأقزام نتيجة قصر أعضائهم لديهم مشاكل فهم لا يستطيعون قيادة السيارة.. أو رن الجرس أو الجلوس علي المقاعد العادية وغير ذلك.. للأسف تعريف المعاق مر عليه دهر دون أن يتطور بمرور الوقت فعلي سبيل المثال مرضي الكلي معاقون. وتضيف: وقف تعريف المعاقين عند عام 1975 وقالت منظمة الصحة العالمية أننا حدثناه لكنه لم يتم تحديثه في القانون الخاص بنا وهو ما يعني أهمية تفعيل القانون الخاص بذوي القانون. الدستور يلزم البرلمان بتوفير 8 مقاعد للمعاقين... تعليقك؟ - هي مرحلة جديدة في تاريخ ذوي الإعاقة في مشاركتهم وممارستهم للعملية السياسية فلأول مرة يذهب للتصويت وفي ذهنه أن هناك ثمانية أشخاص سيمثلونه علي مستوي الجمهورية في البرلمان المقبل وفي نفس الوقت سيكون كل المرشحين لديهم خلفيه عن قضية الإعاقة وهو ما يعني أن المرشح سيجاهد للحصول علي صوت المعاق... ففي الحياة العادية إذا كان لدينا 12 مليون معاق فكم شخصاً من غير المعاقين مهتما بقضاياهم إذا كانوا أبا أو أما أو أخا أو أختا.. علي أقل تقدير إذا قلنا واحد مقابل واحد فسيصبح العدد 12 مليوناً + 12 مليون شخص، وهو ما يعني أن المعاقين أكبر حزب أغلبية في الحياة السياسية في مصر. وكيف سيتم تأهيلهم ؟ - سيتم تدريبهم كمجلس علي ممارسة الحياة البرلمانية بشكل كامل، وشرح كيفية خوض حملة انتخابية وكيفية الوصول للناس والتفاعل معهم من خلال حملتهم الانتخابية، وما بعد الوصول للبرلمان من خلال وجودهم تحت القبة، كيف يكون الثمانية مقاعد إضافة حقيقية للبرلمان القادم يعطيه قوة ولا يخصم منه وسيعكس المجلس كل هذا من خلال حملة سياسية مكتملة للتوعية، وسنحاول الوصول من خلال هذه الحملة إلي مستهدفينا من الجمهور، ومن أهم مفردات هذه الحملة التوعية بأهمية مشاركة الأشخاص ذوي الإعاقة في الحياة السياسية، فنحن نحاول الوصول للناس بكافة الوسائل الممكنة سواء الندوات المباشرة أو عبر وسائل الإعلام أو المواقع الإلكترونية وصفحات "فيسبوك". ماذا حقق المجلس منذ توليك أمانته؟ - 4 شهور فقط منذ أن توليت العمل هنا.. وهي فترة قصيرة وهناك الكثير من المشكلات داخل المجلس، فنحن نحاول ضبطه وإعادة هيكلته وفي الوقت نفسه لا نتوقف عن العمل ورئيس الوزراء يطالبنا بنتائج.. استطعنا في هذه الفترة إدخال قصار القامة زمرة المعاقين بعد أن كانت حقوقهم مهدرة.. كما نجحنا في إلحاق الصم والبكم بالجامعة .. وأول مجموعة منهم (70 طالبا) في طريقها للالتحاق بكلية التربية النوعية. ولماذا التربية النوعية فقط؟ - نظرا لأنهم متخرجون من التعليم الفني، فبعد الشهادة الإعدادية يفرض علي أصحاب الإعاقات التعليم الفني وهذا خطأ كبير ففي العالم كله يدخلون الجامعة وهذا يعني أنهم تخرجوا في مدارس ثانوية. المشكلة الأكبر تبسيط المناهج لهم بعد الشهادة الابتدائية ولا أعلم لماذا وهو ما يضعف معلوماتهم، هناك اعتقاد سائد بأن أي إعاقة يجب أن تكون مصحوبة بإعاقة ذهنية أنهم يتصورون أن الجالس علي مقعد ولا يمشي علي قدميه متخلف عقليا.. ونفس الحال من يتحدثون إلي الأصم يعتقدون أنه غير فاهم أو مدرك لأي شيء.. سأحكي لك عن موقف صادفني: أردت شراء "بوك مارك" فرعونية لأحملها كهدية لطبيبي المعالج في إنجلترا فوجئت بالبائع يقترب مني ويسألني " أنت عارفة ده إيه؟" .. وجبرني فضولي علي مسايرته في الحديث وهو يشرح لي قائلا:" دي حروف مثل ال (أ)، (ب) بس بالهيروغليفي، لغة الفراعنة، كانوا بيكتبوا بيها"، وحدث له حالة ذعر عندما جاء مالك المحل الذي يعرفني فصافحني وهو يقول أمامه أزيك يا دكتورة.. فما كان من الرجل إلا أن فرّ هاربا واختفي من المكان وكيف نحد من هذه النظرة ؟ - بالتعامل الجيد مع المعاق، وتقدير كل ما يقوم به من أعمال. فهناك نظرة سلبية لا يمكننا إنكارها بل وعدائية، وأذكر ذات مرة في إنجلترا لامس الكرسي الخاص بي قدم إحدي الراكبات فظلت تصرخ في وجهي للابتعاد عنها ظنا منها أنني أحمل مرضا معديا.. ولكني كشخص دارس جيد للإعاقة تفهمت هذا ولكن غيري سيتأذون نفسيا.. لدينا اعتقاد بأن الطفل الذي لديه إعاقة قد انتهت حياته ودمر مستقبله فنتركه في البيت ولا ننفق عليه للعلاج، ولكن مشاكل الإعاقة تم حلها في الخارج ولم يصبحوا هؤلاء الأشخاص الذين يتلقون الحسنات. بم تفسرين ادعاء الشحاذين للإعاقة؟ - نحن شعوب متدينة، والعطف علي الفقراء والمساكين لعبة المتسول الذي يبتكر أساليب جديدة تدور معظمها حول الإعاقة، وهناك فرق كبير جدا بين الإعاقة والعجز، فالعجز هو الشيء الثابت في الجسد، ولكن الإعاقة أنني لا أستطيع إيجاد الوسيلة التي تجعلني أتعامل مع عجزي، فالإعاقة شيء خارجي أما العجز فهو شيء داخلي. ما هي البشائر التي يحملها المجلس للمعاق؟ - نرغب في عمل أكبر مكتبة في مصر للإعاقة، تضم أبحاثا وأفلاما وكتبا وصورا تهم المعاقين فمشكلتنا نقص المعلومات، وهي مكتبة متخصصة للمعاقين، لطرح معلومات علمية صحيحة، وقررت أن أتبرع بمكتبتي كاملة للمجلس وبالمناسبة هي أعظم مكتبة في مصر متخصصة في الإعاقة، فقد كنت طوال العشرين عاما الماضية أجمع كتبا متخصصة في الإعاقة من كل البلاد التي زرتها وأمتلك كتبا أثرية في هذا الشأن. متي سيتم طرح قانون الإعاقة الجديد للنقاش؟ - خلال أسبوعين.. وهذا القانون هو المحطة الرابعة في تاريخ الإعاقة في مصر فالمعاقون مروا بثلاث مراحل حاسمة في مصيرهم: توقيع مصر وتصديقها علي الاتفاقية الدولية للإعاقة، وإنشاء هذا المجلس وثالثها الدستور. أما الرابعة والحاسمة هي هذا القانون، ذلك لأننا نتعامل بقانون عام 1975 في حين أن فلسفة القانون تغيرت وكذلك فكر الإعاقة وحتي الدستور، فعندما صدر هذا القانون كان مواكبا لعصره ولكن لا يلائم هذا العصر فقديما تعاملوا مع المعاقين كمساكين أما اليوم فيجب أن يكون لهم حقوق في التعليم والتوظيف فهي فلسفة حقوقية وليست فلسفة رعاية، فالقانون يبني علي فكرة الحق، إلي أن أصل علي قدم المساواة مع الشخص غير المعاق، أي إلغاء كل أشكال التمييز السلبي ضد المعاقين.