حينما قال عمر الشريف الفنان العالمي رأيه في إسماعيل يس بأنه لم يكن ممثلا.. قامت الدنيا ولم تقعد.. وتناولته الأقلام بالهجوم والشتائم بسبب النجم المحبوب الذي بدأ حياته منولوجستا .. وسنيدا للأبطال.. ثم بطلا للكوميديا.. فقدم أكبر عدد من الأفلام التي قد تزيد علي الألفين.. منها 15 فيلما تحمل اسم اسماعيل يس.. وحقق المنتجون من ورائه عشرات الألوف.. فقد كان بالنسبة لهم الفرخة التي تبيض ذهبا. ❊ ❊ ❊ لم يولد إسماعيل يس وفي فمه ملعقة من الذهب مثل عمر الشريف.. ولكنه ولد في فمه ملعقة من المرارة فقد ولد في السويس.. وماتت أمه وهو طفل لتربيه جدته.. أما والده فقد كان تاجرا صغيرا وأصبح بعد ذلك أجيرا. كان إسماعيل يري في نفسه موهبة الغناء.. وكان يقلد عبدالوهاب فهرب من بلدته »السويس« بعد أن اختلس ستة جنيهات من جدته إلي القاهرة ليضع نفسه تحت الأضواء.. ولم يكن يمتلك سوي البدلة اليتيمة القديمة التي يلبسها وجلباب نوم.. لكن قريبته التي كانت ستؤويه طردته ونصحته بالعودة إلي بلده لكي لايجلب لهم العار.. فكان يتسلل إلي الجوامع ليلا ليضمن المأوي.. وإذا اكتشفه خادم المسجد ينتقل إلي مسجد آخر.. وكأن القاهرة ترفض المطرب القادم من السويس لغزو القاهرة. وعاد إسماعيل إلي بلده لكنه لم ينس موهبته فكان يغني في حفلات بيوت الأغنياء وفي الأفراح وأعجب أحد الزائرين الذين يحبون الفن به وأخذه إلي القاهرة ليغني في سهرات البيوت في ذلك الوقت استطاع أن يعمل في كازينو بديعة ليغني لكن حينما شاهده الناس رشحوه ليغني المنولوج لأن شكله لايناسب الغناء.. وقدم إسماعيل بعد ذلك أدوارا صغيرة في الأفلام وسنيدا للبطل.. ورشحه أنور وجدي في أحد أدوار »ليلي بنت الفقراء« ثم »ليلي بنت الأغنياء« ومن لايعرف دوره في فيلم ليلي مراد »عنبر« وهو يغني بين المجموعة.. »أهو أنا ولاحد ينفع إلا أنا.. شكلي صحيح مالوش دوا لكن اختصاصي في الهوي؟ وأصبح إسماعيل يس بعد ذلك أهم كوميديان في مصر.. فمثل بطولات مطلقة.. لتصل أفلامه إلي 200 فيلم وأكثر.. وهو عدد من الأفلام لم يحققها الكبار. ولم يجد إسماعيل يس بعد ذلك مايقدمه للسينما بعد كل ماقدمه فكتب له صديقه أبوالسعود الإبياري بعض المسرحيات التي لم يطرقها.. اقترح عليه في البداية تكوين فرقة استعراضية غنائية تضم شادية وتحية كاريوكا وإسماعيل يس وهم ذوو شهرة كبيرة.. لكن الفكرة لم تنفذ لاحتياجها إلي رأس مال كبير.. وتطورت الفكرة لتقديم مسرحيات كوميدية.. لكن الظروف تغيرت بعد قيام الثورة ودخل التليفزيون حياتنا وأصبحت تُقَدم مسرحيات التليفزيون التي تضم شباب المسرح من خريجي معهد السينما أيضا من المخرجين والفنيين لتغطية ساعات الإرسال ولم يقدم إسماعيل يس بعد ذلك سوي 3 مسرحيات يقابلها في السينما ستة أفلام. ❊ ❊ ❊ وذهبت إلي المسرح لأشاهد إحدي مسرحياته الأخيرة.. فرأيت إسماعيل يس آخر غير الذي عرفناه.. لقد هزمه المرض ونقص وزنه جدا وكان يتحرك ببطء علي المسرح.. يلبس حذاء.. كاوتش »لإصابته بمرض النقرس«.. ومشاكل في المعدة.. قال لي المخرج وقتها إنه لايلتزم بأوامره بدون قصد.. يخرج من الباب الأقرب منه ليتحدث بالتليفون إلي زوجته.. الجمهور قليل جدا.. لم يضحك أيضا إلا القليل.. جلست معه في حجرته بالمسرح بين الكواليس.. كان مهموما يبدو عليه الحزن العميق.. يتكلم بمرارة شديدة.. قال لي:»إنهم يبيعون أفلامي للدول العربية بمبالغ كبيرة لا أحصل منها علي أي عائد«.. وهو الذي عاندته الظروف طوال مشوار حياته.. وضحي كثيرا خلال هذا المشوار.. وفشل أخيرا في الوقوف تحت بريقها.. وهرب من فرقته الكثير من الزملاء إلي مسارح التليفزيون. وعاد إسماعيل إلي كازينو بديعة كما بدأ حياته ليلقي المنولوجات لكن الجمهور تغير في هذا الزمن ولم يعد هو جمهور ملهي رمسيس وغيره ودب المرض في جسده ولم يعد هذا الفنان الكبير الذي كان شعلة من النشاط والحركة وخفة الظل.. فتقرر له الدولة معاشا استثنائيا. وتعلن مصلحة الضرائب عن بيع عمارته التي يمتلكها للضرائب المستحقة عليه.. ويعاوده المرض وينصحه الأطباء بالراحة والبعد عن الحزن يستعيد إسماعيل يس ذكرياته منذ بدأ رحلة السويس بحثا عن مكان تحت الأضواء.. وتساقط الأصدقاء من حوله وحتي من زملائه الفنانين. لقد شاهدت مرة ندوة من خلال التليفزيون تناقش محاولة تفسيرحب الناس لهذا الغائب الحاضر.. وأعتقد أن سر بقائه هو »البراءة« في زمن ضاعت فيها البراءة وليست البلاهة.. هذه البراءة التي تجدها في أفلامه فقد ضقنا إلي حد ما بالملل من المغامرات والانتقامات الدموية.. فكانت أفلامه فيها أخلاق الزمن الجميل وشهامة ابن البلد والضحك الذي لايخدش الحياء.. فما أجمل الضحك عندما يكون إنسانيا.. وتبقي أفلامه تدهش الجميع. هكذا كان فنان الكوميديا الإنسان إسماعيل يس أيها النجم العالمي الكبير عمر الشريف.!!