مشهد مؤثر بلجنة طامية.. رئيس لجنة انتخابية يساند كبار السن وذوي الهمم في الفيوم    محافظ الجيزة يتابع سير العملية الانتخابية ميدانيًا بأحياء الدقي وجنوب الجيزة    في أكبر تجمع للعباقرة.. 8000 متسابق يتنافسون في "البرمجة" بالاكاديمية العربية    نيروبي: تشكيل حكومتين في السودان يثير الجدل حول مسار البلاد ( تحليل )    خطة عسكرية اسرائيلية جديدة في غزة واستهداف لقادة حماس في الخارج    وسط ترحيب خاص من اللاعبين .. عدى الدباغ يشارك فى تدريبات الزمالك    مصدر مقرب من أحمد عيد ل في الجول: اللاعب جدد طلبه في الرحيل عن المصري    أمن بني سويف يكشف لغز العثور على رأس طفل صغير داخل صندوق قمامة أمام مدرسة.. تفاصيل    منتخب السباحة بالزعانف يطير إلى الصين لخوض دورة الألعاب العالمية    الدباغ ينتظم في تدريبات الزمالك.. والفريق يستقبله بممر شرفي    المفوضية الأوروبية تنتقد وصف ألمانيا للاتفاق التجاري مع واشنطن ب"الضعيف"    رئيس هيئة النيابة الإدارية يواصل متابعة سير العملية الانتخابية    إصابة شخص بحالة إغماء أثناء الإدلاء بصوته بالفيوم    وزير السياحة والآثار يترأس مجلس إدارة المجلس الأعلى للآثار    انتخابات الشيوخ 2025.. محافظ أسوان يشيد بتواجد الفرق الطبية بمحيط اللجان    البنك المركزي يطلق برنامج بكالوريوس العلوم المصرفية رسميا بالتعاون مع 5 جامعات حكومية    أمين عام "حزب الله": برّاك اشترط أن يفكك 50% من قدرتنا في غضون شهر ولكنهم لا يعلمون مستوى قدرتنا    أشرف زكى : حالة محمد صبحى مستقرة ولا يزال فى العناية المركزة    لو حد من قرايبك يؤذيك تتصرف إزاى؟.. أمين الفتوى يجيب (فيديو)    رئيسة سويسرا تزور واشنطن لبحث ملف الرسوم الجمركية    مصرع شخص وإصابة آخر في مشاجرة بمنطقة المهندسين في الجيزة    الأهلي يصعد في ملف تسوية مديونيات الزمالك    "نعلمهن قيمة المشاركة".. فتيات يدلين بأصواتهن برفقة أخواتهن الصغار داخل لجان انتخابات الشيوخ بقنا    قصور الثقافة تطلق مسابقتين للأطفال ضمن مبادرة النيل عنده كتير    السيدات يتصدرن المشهد لليوم الثاني علي التوالي بلجان الشروق    لجنة الحكام تُفاضل بين "معروف" و"الغندور" لإدارة مباراة الزمالك وسيراميكا    في جولة مفاجئة.. محافظ الدقهلية يتفقد مستشفى أجا المركزي    إنفوجراف| تعرف على أنشطة مديريات الزراعة والطب البيطري خلال أسبوع    انتخابات الشيوخ 2025.. إقبال متزايد وانتظام في سير العملية الانتخابية بالسويس    محافظ الفيوم يوجه برعاية شابين توأم يعانيان من صرع كهرباء زائدة بالمخ    عاجل- الرئيس السيسي: الأهرام منارة التنوير.. وركيزة أساسية في تشكيل الوعي الوطني على مدار 150 عامًا    إيرادات "روكي الغلابة" تقفز إلى 16 مليون جنيه خلال أسبوع    فاروق جعفر: أحمد عبدالقادر لن يفيد الزمالك.. وزيزو لم يظهر مستواه مع الأهلي    محافظ القليوبية يباشر حادث تصادم على طريق شبرا بنها ويوجّه بإعادة الحركة المرورية    وزيرا التعليم والزراعة يشاركان في ورشة عمل التعاون مع القطاع الخاص لتطوير التعليم الفني الزراعي    تفاصيل تعرض الأولى على الثانوية العامة لحادث سير وإصابة والدها    عالم أزهري: عدم غض البصر في تلك الحالة قد يكون من الكبائر    قرار حكومي.. تكليفات ومهام جديدة لنائب وزير الكهرباء    بالزي الصعيدي.. صابرين تشارك جمهورها أول صورة من كواليس "المفتاح"    انتخابات الشيوخ 2025.. 30 صورة ترصد جولات محافظ الأقصر لمتابعة عملية التصويت    «بيحبوا ياخدوا حذرهم».. 5 أبراج شكاكة بطبعها    انتخابات الشيوخ 2025.. وحدات تكافؤ الفرص بالشرقية تشجع السيدات على التصويت    فضيحة تهز فرنسا.. اعتداء جنسى داخل مستشفى للأطفال واعتقال رجل وممرضة    في ذكرى رحيله.. «مصطفى متولي» ابن المسرح وصاحب الوجه الحاضر في ذاكرة الجمهور    جامعة قناة السويس تعتمد نتائج بكالوريوس الزراعة    انتخابات الشيوخ 2025.. السيدات يتصدرن المشهد في ثاني أيام التصويت بلجان المهندسين    تسجل 41 درجة وأجواء صيفية ممطرة.. بيان هام من الأرصاد يكشف حالة الطقس اليوم الثلاثاء    عيد مرسال: العمال يتصدرون المشهد الانتخابي في اليوم الثاني لانتخابات الشيوخ    تدريب 42 ألفًا من الكوادر الطبية والإدارية خلال النصف الأول من 2025    للوقاية من الجلطات.. 5 أطعمة تدعم صحة قلبك    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الثلاثاء 5 أغسطس 2025    "قصص متفوتكش".. صور احتفال حسام عبد المجيد بعقد قرانه.. ونجوم الزمالك باحتفالية بيراميدز    جوائز تتخطى 1.5 مليون جنيه.. كيفية الاشتراك في مسابقة الأزهر وبنك فيصل لحفظ القرآن    فريق طبي بالدقهلية ينجح في تفريغ نزيف بالمخ وزراعة عظام الجمجمة في جدار البطن    المحكمة العليا البرازيلية تأمر بوضع الرئيس السابق بولسونارو قيد الإقامة الجبرية    كندا تعلن تسليم مساعدات إنسانية إضافية لقطاع غزة    ردده قبل كتابة رغبات تنسيق الجامعات 2025.. تعرف على دعاء وصلاة الاستخارة    هل التيمم مقصورًا على التراب فقط؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إحنا اللي حفرناها

"أمامكم عام واحد فقط"، هكذا قال الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ نحو سنة، مطالبًا بإنجاز عمليات الحفر في قناة السويس الجديدة في مدة لا تتجاوز العام، أراد الانتهاء من عمليات الحفر التي بدأت في أغسطس الماضي سريعا، ما قاله تم تنفيذه بأياد وسواعد مصرية، كشف العامل المصري عن معدنه الحقيقي وأعلن تصميمه لتنفيذ عمليات الحفر والانتهاء من تجهيز القنال الجديدة أمام الملاحة الدولية في زمن قياسي.
العامل القادم من القري والنجوع، من قلب الدلتا ومن أقصي الصعيد، عزف سيمفونية خاصة علي أنغام السمسمية، العامل المصري الذي تم اتهامه بالكسل وقلة الإنتاجية والتهرب من مهام العمل علي مدار سنوات وعقود، عرف كيف يعيد اكتشاف نفسه، وكيف يبدد الاتهامات تباعًا، فساعات الليل متصلة بساعات النهار من العمل الشاق في ظروف صعبة، لكن تكاتف الجميع بداية من الشركات المنفذة للمشروع مرورًا بالمقاولين والمهندسين وليس انتهاء بالعمال، أكد للجميع أن المصري يستطيع.
قصص البطولة التي سطرها العمال في عملية الحفر تستحق أن تسجل وتخلد سواء بإقامة متحف يضم أعمال العمال وأسماءهم وقصص كفاحهم، ليتصل الحاضر بالماضي، فما جري من أعمال لا تقل بأي حال من الأحوال عن كفاح المصريين في حفر القنال القديمة التي افتتحت سنة 9681، فالتاريخ ينصف العمال الذين تخلي عنهم الجميع لفترات، والمهندس المصري أكد أنه لا يقل كفاءة عن نظيره الأوروبي أو الأمريكي، والجميع أثبت أننا لا نريد أكثر من فرصة وقيادة واعية مخلصة تدفع في الطريق الصحيح لينطلق إبداع ابن النيل، الذي قهر المستحيل في تنفيذ المشروع في زمن قياسي، كما قهر اليأس والإحباط وسط هجوم من جهات خارجية لا تريد لمصر إلا كل سوء، أشاعت الكثير من الأنباء المحبطة حول فشل المشروع.
فالتاريخ والوثائق تلتزم الصمت أمام قصص كفاح العمال الذين حفروا القنال الأولي علي مدار عشر سنوات، كانت في معظمها سنوات شقاء وعذاب للمصريين، بعدما تحكم فيهم الأجنبي والمستعمر، تم تجاهل أعمال السخرة التي أدت لوفاة العشرات من العمال، الذين لف قصصهم الصمت، فيما حظي المهندس الفرنسي فرديناند ديليسبس، بالمجد كله، وخطف الأضواء من العمال الذين رووا القنال بدمائهم وعرقهم، الآن يبدو الوضع مختلفا فالقصص تسجل والتاريخ يجلس ليسجل كل همسة، فالقنال هذه المرة مصرية يشرف عليها أبناء الأرض السمراء من مهندسين وعمال ومقاولين، يحتفظون في الذاكرة بالكثير من لحظات المجد والفخر.
القصص كثيرة، نماذج منها تكفي لتعبر عن الروح السائدة بين العمال والمهندسين والمقاولين الذين شاركوا في ملحمة الحفر، "آخر ساعة" تشاركهم فرحتهم، بعرض بعض قصص كفاحهم.
لم أر مولودي الأول
محمود شكري، سائق إحدي عربات نقل الرمال من أبناء مدينة منشية القناطر، روي قصته ل"آخر ساعة" قائلا: "أخذنا كلام الرئيس السيسي كتكليف رسمي لا يمكن التخاذل أو التهاون فيه، واصلنا الليل بالنهار، ورفضنا الإجازات الطويلة، حتي إجازة عيد الفطر رفضناها، وقررنا المواصلة في العمل لإنجاز عمليات الحفر في الموعد المناسب"، وتابع: "روح العمل كانت أكثر من ممتازة كنا نأكل من نفس الطبق، لا فرق بين عامل أو مهندس، اتفقنا جميعا علي الإنجاز في الوقت المحدد"، وأشار إلي أن "أهالينا يقدرون حجم التضحية، لذلك لم يعترض أحد علي غيابنا الطويل".
وأكد شكري أن "الجميع هنا يوفر لنا كل ما نحتاج إليه في شتي الأمور ونعمل علي قلب رجل واحد ليشهد العالم علي عظمة جيلنا كما شهد علي عظمة أجدادنا الذين قاموا بحفر القناة الرئيسية، لذلك لم أذهب إلي بلدتنا عندما وضعت زوجتي مولودنا الأول، تفهمت عدم إمكانية حصولي علي إجازة ودعت لي بالتوفيق".
وقال شكري إن المشاركة في أعمال الحفر والإنشاءات في ظروف مناخية غير مواتية مع ارتفاع درجة الحرارة في فصول الصيف، لم يؤثر في عزائم الرجال الذين تكاتفوا فيما بينهم من أجل إنجاز العمل، خصوصا أن روح الألفة والتعاون كانت سائدة في جميع مراحل العمل بين الجميع علي مختلف مستوياتهم.
المهندس عبدالفتاح خالد: الحدث الأهم في حياتي
لم يكن يعرف أنه علي موعدٍ مع الحدث الأهم في حياته، حتي قرأ إعلاناً في إحدي الصحف عن احتياج هيئة قناة السويس إلي مهندسين للمشاركة في مشروع حفر القناة الجديدة. بادر بتقديم أوراقه ليجد المهندس عبدالفتاح خالد نفسه بعد أيام علي أرض القناة، مشرفاً علي المنطقة الخامسة بالمشروع، ومسؤولاً عن أعمال التكريك بالموقع الممتد من الكيلو 66 - 67 الذي يقود فيه كتيبة من 052 عاملاً.
ثمانية أشهر هي المدة التي قضاها بعيداً عن أهله، في رِحاب القناة الجديدة منذ بدء أعمال الحفر المائي. كان يشعر أنه مجندٌ في مهمةٍ قوميةٍ ستشقُ لمصر طريقها صوب المستقبل. ومع كل شمسٍ جديدةٍ تُشرق علي القناة يوقظ أمله في تحقيق الحلم الذي كنّا نظنه مستحيلا، ورغم الظروف الشاقة التي واجهها في موقع العمل مشرفاً علي العمال ملتحماً بهم، لم يفقد يقينه في قدرة العمال علي إتمام حفر القناة الجديدة قبل الموعد المحدد لها. ولم يمسح التعب عن جبينه غير صوت صافرات السفن العملاقة وهي تعبر القناة في التشغيل التجريبي لها، لتكون بمثابة إعلان عن نجاح المشروع.
يفخر المهندس عبدالفتاح بأنه كان أحد المشاركين في حفر القناة الجديدة، ولا يثق في قدرته علي وصف المشاعر التي امتلأ بها خلال هذه التجربة الفريدة. يحكي عن الصعوبات التي واجهتهم أثناء عمليات التكريك: كان أمامنا تحدٍ هائل في التخلص من ناتج الحفر، من خلال إعادة تأهيل أحواض الترسيب القديمة وإنشاء أحواض جديدة لتستوعب هذا الكم الكبير من مخلفات الحفر، دون أن نتسبب في أي خسائر مادية أو بشرية للأهالي المحيطين بالقناة الجديدة، خاصة سكان قرية الأبطال والقري المجاورة لها، فنتاج الحفر كان بإمكانه ردم هذه البيوت لو لم نتحر الدقة الشديدة في تصريفه، وإعادة تدويره في الأحواض لتعود المياه إلي القناة دون أن تمتلأ هذه الأحواض.
محمد رشاد: كُنا سواسية في العمل
شاب مثله، ربما لا يزال جالساً علي القهوة يفكر كيف يبدأ حياته. لكن محمد رشاد لم ينتظر طويلاً؛ حين سمع صافرة بدء العمل بالقناة، شجع من يعرفهم من العمال وأصحاب المعدات للمشاركة؛ "كنت حاسس إن فيه حاجة كويسة مستنيانا"، وقد كان، يكفي أنه يشعر بالفخر، وأنه حقق أول إنجاز، وهو في العشرين من العمر.
يقول: "كنت أصغر عامل في القناة، وأخذت شهادة تقدير من المهندس المُشرف علي الموقع اللي اشتغلت فيه.. قبل القناة كنت خايف اني ماوصلش، لأن مش معايا شهادة، لكن دايما كان طموحي كبير، واشتغلت في مصانع كتيرة، لحد ماجت الفرصة، كفاية إن أبويا يفتخر بيا وسط الناس، ويردد (محمد ابني شغال في القناة)".
تولي محمد مهمة نفي الشائعات التي يتم تداولها عن القناة، بين البسطاء من أهله وجيرانه، أحدهم سأله إن كان حقا يظهر لهم ثعابين، وإن كان المشروع حقيقيا من عدمه. وفي الإجازات يحكي لهم ما تم إنجازه من الحفر، وينقل لهم الروح السائدة بين العمال، خلال الأربعة أشهر التي قضاها هناك، كسائق لودر.
يضيف أنهم لم يتوقعوا الانتهاء من العمل في الموعد الذي تم تحديده، لذلك عملوا ليل نهار، ولم يكن هناك رفاهية، الكل يعمل ويتعاون، هناك فقط كان المسئول وأصغر عامل سواسية أمام الحفر. في المقابل حرصت قيادات مشروع القناة علي أن يوفروا لهم كل الاحتياجات، من معدات وأدوات وسيارات. قائلا: "القناة كانت نجدة، لأن الشغل كان واقف، وكان معانا عمال من كل المحافظات".
عمر كامل:
مستعد أحفر قناة ثالثة
الخوف من المخاطرة، وتحمل المسئولية، جعلت عمر كامل (43 عاماً) يتردد في المشاركة في حفر القناة، فهو صاحب مُعدة يعمل معه عدد من العمال، لكن "وقف الحال" حينها وعدم وجود بدائل، دفعته إلي حسم الأمر، أن يذهب إلي السويس بصحبة زملائه أصحاب المُعدات، الذين لم يتصوروا أن العمل هُناك سيغير حياتهم، إذ قضوا هناك ثمانية أشهر حُفرت في ذاكرتهم أبدا.
"لأول مرة أشعر أني أقوم بعمل مُفيد، وأني سعيد، وأني فخور بنفسي" يقول عمر، الذي كان يحفر في أصعب منطقة، وهي نقطة التقاء القناة الجديدة بالقديمة.
سأحكي لأحفادي ما رأيته، سأخبرهم أني شاركت في عمل وطني، وأني حملت الرمال التي ارتوت من دمائنا، إحساس لا يوصف". عاد عمر لحياته في منطقة البدرشين بمحافظة الجيزة، ولعمله في مصانع الطوب بحلوان، لكنه يحلم بأن يشارك في مشروعات قومية جديدة قائلاً: "مستعد أحفر قناة تالتة".
بدر خليفة: تركت التدريس
كغيره من خريجي الجامعات، لم يعمل بدر خليفة (63 عاماً) بشهادته، وهو الحاصل علي ليسانس آداب قسم تاريخ، وفضل أثناء دراسته أن يلتحق بأي مهنة كي يزيد من دخله، وصار سائق لودر، ضارباً بنظرة المجتمع عرض الحائط. يقول: "حمدت ربنا إني لم أعمل كمدرس، لأني حينها لن أفكر في المشاركة في حفر القناة".
عمله بين أناس قد لا يحمل منهم أي مؤهل علمي، يعطيه مكانة مميزة، حيث يحترمه الجميع، ويقدره، ما يشعره أن اختياره أن يكون عاملا لم يكن خطأ. يضيف: "الآن أستطيع أن أقول بعلو صوتي إني عامل، شاركت في عمل وطني لن يتكرر، إذ ارتفعت معنوياتي الأيام الماضية، ولم أكن أتصور أنني سأواصل، فالعمل كان أصعب مما تخيلت".
ثلاثة أشهر، المدة التي قضاها في القناة، تخللها ليالي سمر، كانوا يشدون فيها الشعر، والأغاني الوطنية التي تدب فيها الحماس، وكان منهم من يجيد مواهب كثيرة، مثل تقليد المشاهير. ما هون عليهم المشقة، والبعد عن الأهل. يقول: "كنا سعداء، ونشعر أننا نجاهد في سبيل الوطن".
أشرف سيد: اللي ماكملش في القناة.. كسول
لا يغفر أشرف سيد (73 عاماً)، أحد أصحاب المعدات، لأي عامل أصابه اليأس، أو لم يستطع تحمل مشقة الحفر قائلاً: "اللي ماكملش في القناة كسول"، بل يتهمه بأنه لا يريد أن يصبح شيئاً، وأنه أضاع علي نفسه فرصة لن تعوض ثانية. وكان يحاول أن يقوي من عزيمة الكثيرين، تارة بأنه يقوم بعمل وطني، وتارة بأنه يعمل لأجل أبنائه.
"احنا تعبنا أوي، مكناش بنام الليل، وكان الضغط كبيرا علينا، والحفر كان صعبا" يواصل أشرف، الذي يملك سيارة نقل، رأس ماله الوحيد، الذي كان يشرف علي العمل، هو وباقي أصحاب المعدات، إذ اصطحبوا حوالي 51 سيارة من القاهرة، وكانوا مسئولين عن صيانتها وعن عمالها. يضيف: "قضيت صيفا وشتاء هناك، وكنا في أصعب منطقة، في الكيلو 84 وبعيدين عن المنصة، لذلك كنا نطلق علي أنفسنا العمال الغلابة".
يتذكر: "كانت تحدث إصابات لبعضهم، ولن أنسي عندما كانت إحدي العربات انقلبت علي لودر، وتعرض السائق لكسر شديد في ساقه. وتحملت إحدي الشركات المشرفة علي الحفر مهمة علاجه ونفقاته.
المهندس خالد الغاوي:
خسرت وظيفتي لأجلها
كان يؤمن أن المشاركة في حفر قناة السويس الجديدة واجبٌ وطني، ونداءٌ لا يملك إلا أن يلبيه بقلبٍ مفعمٍ بالعزيمة والإصرار علي تحويل الحلم إلي حقيقة. لم يكن ليفوّت علي نفسه تجربةً يراها الأعظم في حياته الشخصية والمهنية. 02 ديسمبر تاريخٌ يذكره المهندس خالد الغاوي جيداً، فأول يومٍ تطأ قدماه أرض القناة كان آخر يومٍ له في وظيفته بإحدي شركات البترول، والتي تركها ليلحق بكتائب العاملين بمشروع حفر القناة الجديدة، ضمن الفريق المسؤول عن أمن وسلامة بيئة العمل بالمشروع. فخبرته في مجال السلامة والصحة المهنية لأكثر من ثمانية سنوات كانت تؤهله لمهمةٍ شاقة، كان يعرف سلفاً أنها تتطلب قدراً كبيراً من الشجاعة والتضحية كونه مسؤولاً عن أرواح آلاف العمال.
لا ينسي المهندس خالد وجوه العمّال الذين التحم بهم طوال فترة عمله بالمشروع، والذين شدّوا الرحال إلي القناة الجديدة من جميع محافظات الجمهورية، وعربات النقل واللوادر التي كانت تتحرك في مواقع العمل كالنمل لا تقف دقيقة واحدة. لم يكن يشغله غير إتمام المشروع دون أي خسائر أو حالات وفاة في أوساط العمّال.
عصام تيسير :
أول نقطة مياه مرت من عندنا
"أشعر أنها بدايتي الحقيقية". هكذا قال المهندس عصام تيسير (73 عاماً)، مدير موقع القناة في شركة السر العربي بالكيلو 06 وهي منطقة التواصل بين القناتين القديمة والجديدة، عن مشاركته في الحفر، التي كانت بمثابة تحد له.
يضيف: "لم نصل إلي أي لحظة إحباط، وكان العمال يتساءلون هل سننهي المشروع في عام واحد، ويجيب القيادات بالإيجاب، وعندما أتت أول كراكة إلي الموقع زاد من يقينهم، وصاروا يهلّلون لأكثر من نصف ساعة.. وكانت أيضاً أول نقطة مياه تمر في القناة الجديدة من موقعنا، حينها كأننا نحن من ارتوينا". لافتا إلي أن الاستماع اليومي للمشكلات والملاحظات كان فارقاً في سرعة الإنجاز.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.