" كأننا كنا خلال هذا العام فى عقد عمل فى إحدى دول الخليج عدة سنوات"..هكذا وصف محمد التلاوى أحد من أسعدهم الحظ بالمشاركة فى مشروع القناة الجديدة ما طرأ على حياتهم من تغيير خلال الفترة الماضية. فلم يكن فقط عاما من الشقاء والتحدى ومواجهة الصعاب وتقلبات المناخ والتربة الذى عاشه صناع النجاح، من مهندسين وضباط وعمال ومقاولين فى كواليس مشروع مصر العظيم لينجزوه قبل موعده، لكنه كان أيضا عام خير على الجميع. فرص عمل..خبرات وتجارب جديدة..تعارف وصداقات ومشروعات جديدة..وقبلة حياة لآلاف المصريين بعد سنوات من الركود والبطالة والاحباط الذى أصاب الكثيرين بعد الثورة. واليوم هو عبور جديد يحمل آمال وأحلام الشعب إلى مستقبل أفضل.
" كل اللى جانا خير..عم على بيوتنا ..وعلى عيالنا.."..جملة رددها الكثيرون هنا. عمال ومقاولون ومهندسون أتوا من محافظات المحروسة المختلفة فرارا من البطالة أو سوء أحوال العمل أو الحياة بحثا عن رزق وأمل جديد ، والآن بعد أن كللت جهودهم بالنجاح لا يريدون مغادرة المكان ويتمنون المشاركة فى المزيد من مشروعاته التنموية . السيد أبو بدر وابراهيم متولى يلخصان الحالة قائلين: "ده مشروع مصر..استفدنا منه كتير.. رفع الروح المعنوية للناس بعد الثورة وسنوات من الركود والبطالة ..عايزين نشتغل....احنا هنا فى نعمة." أما محمد عياد، من منطقة القنطرة ويعمل فى مجال المقاولات فيؤكد أن فرص العمل هنا كثيرة و" كل واحد فينا بيجيب ناسه اللى يعرفهم من المحافظات المختلفة" .. المشروع كان فاتحة خير علينا كلنا، هكذا يصفه سليمان أبو عيد الشهير بابو غيث، من العيايدة ببئر العبد بسيناء. قائلا: ساهمنا فى المشروع ، ناس كافحت واشترت معدات بالتقسيط للمشاركة واستطاعوا تسديد ديونهم وتحقيق مكاسب، ليجدوا مصدرا للرزق جديدا والكثيرون وجدوا عملا مستقرا فى مجال المقاولات. فهنا كل مقاول يأخذ مساحة محددة حتى ينجز فيها والجميع يحاسب بالانتاج..فمن يعمل أكثر..يكسب كثيرا..وناس كتير فتح الله عليها بسبب المشروع..ويضيف : " من كان لديه سيارة نقل اشترى أخرى ومن لديه لودر اصبحوا اثنين." أما الشيخ سويلم أبو حماد فيشير أن القبائل السيناوية فى منطقة القنطرة و ما حولها هم من ساعدوا الجيش فى حماية المنطقة. " تعاملنا مع الجيش فى كثير من مراحل المشروع ورأينا كيف اثر انضباطهم فى انجاز المشروع قبل موعده خاصة انهم حريصون على منح كل ذى حق حقه. حتى أن العامل الذى كان يختلف مع المقاول كان يشكوه لهم ليعيدوا اليه حقه." مصريون من مطروح و الاسكندرية ..قنا وأسوان..الاسكندرية أو الاسماعيلية.. أنقذهم المشروع القومى من شبح البطالة التى التهمت كثيرا من الآمال بغد أفضل بعد ثورة منتهم بالكثير.. وأتت القناة الجديدة لتعيد لهم الأمل وفرص العمل والرزق ليس فقط فى مشروع الحفر لكن فى المشروعات المرتبطة به فى الإسماعيلية الجديدة وبناء الوحدات السكنية فى القنطرة وأيضا بعد استصلاح 2000 فدان فى منطقة أبو عروق استفاد منها الأهالى بالاضافة للمزارع السمكية والصوب الزراعية فى المناطق المحيطة بالقناة. فرص عمل وتجارب جديدة ومجال أيضا لمعرفة الآخر وهو ما حدث مع كثير من أهالى محافظات الدلتا الذين تعاملوا مع عدد من سكان سيناء واكتشفوا فيهم كما يقول محمد عبد الرحيم كرم الطباع وحسن الشيم. عمال ومهندسون وضباط اجتمعوا فى موقع واحد على هدف واحد وهو تحقيق مشروع مصر العظيم..تجربة أثرت فى حياة كل منهم ..بطريقة مختلفة. ابراهيم ومحمود عونى شركاء الاخ الاكبر محمد السيد عونى صاحب أهم شركات المقاولات المشاركة فى المشروع، يعتبران القناة الجديدة قبلة حياة لمصر والمصريين بعد أن عمل في حفرها وتكريكها آلاف المصريين، " فنحن فقط كان لدينا 137 سيارة نقل و62 لودر يعمل عليهم اكثر من 330 سائقا. مشيرا أنهم شاركوا فى مراحل الحفر وتم رفع 4 ملايين و800 متر تراب ناشف من 2 كيلو. ومليون و150 مترا من الحفر تحت المياه حيث كنا نعمل في هذه المرحلة على الرفع من تحت المياه على قدر المستطاع " عشان نفتح شغل للكراكات. ثم استكمال تمهيد الطرق وبناء المعديات واعداد ساحة لعرض المعدات التى شاركت فيه أثناء الاحتفال ثم تمهيد منطقة الجزيرة الوسطى بين القناتين لاستكمال سلسلة من المشروعات سوف يعلن عنها اثناء الافتتاح. ويشرح : " يحتاج العمل علي سيارات النقل واللودر خبرات خاصة في الأرض الرملية وأيضا لابد أن يكون حريصا جدا في " زحمة العجل" حتي لا يتعرض للخطر. وحرص ابراهيم على اختيار العاملين معه ممن يتسمون بالخبرة و الولاء للعمل.
إعارة داخل الوطن إ أما محمد التلاوى، مهندس مدنى فى المشروع، فيرى أن من عمل فى المشروع كما لو كان قد ذهب فى اعارة للسعودية عدة سنوات... كل من اجتهد حصل على حقه . محمد حسين وسامح عطية ومحمود حزيبة ومحمد فرج، يعملون فى هندسة الطرق شاء قدرهم أن يقضوا فترة تدريبهم العسكرى فى المشروع يرون أن التجربة أفادتهم كثيرا ويعتبرون أنفسهم محظوظين لمشاركتهم فى تحقيق حلم مصر. " أخذنا الكثير من الخبرة فى مجال الحفر و مواجهة صعوبات التربة وطرق التعامل معها لم تكن لتتاح لنا إذا لم نشارك هنا" ويضيف: نتمنى بعد هذه الخبرة والعمل الشاق أن يكون لنا نصيب فى وظائف الهيئة الهندسية بالقناة..تقديرا لدورنا فى المشاركة فى الحفر. أما اسلام بدر فكان نصيبه أن يعمل فى فريق تمشيط المنطقة لاكتشاف الألغام والدانات واصفا التجربة بأنها مؤثرة جدا خاصة المنطقة بجوار خط بارليف القديم حيث وجدوا هياكل عظمية لجنود تحمل أياديهم الكلابشات.." لم نستطع تحديد هويتهم لا ندرى أهو مصرى نترحم عليه أم اسرائيلى ..لكن وجود هياكل جنود ربما يكونوا مصريين تبدو كما لو أنها رسالة تدعونا إلى استكمال مشوارهم والعبور بمصر إلى بر الامان. مهندسون وضباط وعمال تعارفوا وكونوا علاقات و صداقات وأصبحوا كعائلة واحدة. تكاتفوا واجتمعوا على تحقيق حلم مصر. هنا لقمة عيش حلوة و لمة تذيب كل الخلافات وهو ما حدث بين العديد من أبناء من القبائل السيناوية المشاركين فى المشروع. يعملون معا ويبيتون ويتسامرون ويضحكون ولا يذكرون إلا أنهم مصريون فى خدمة الوطن . حتى الصغار أتوا لطلب الرزق و مساعدة أسرهم فى فترة الاجازة الصيفية عن طريق المشاركة فى بعض الاعمال البسيطة من نجارة و حدادة. مصطفي 14 سنة يحكى أنه جاء مع عم سيد جاره من الاسماعيلية ليعمل هنا: علشان " نرزق" في الاجازة لتوفير دخل لاسرتي فوالدي متوف وانا اكبر اخواتي الاولاد ولي شقيقية اكبر مني و6 اخوات وعملى هنا هو خلع مسامير ونقل بعض الاخشاب الصغيرة ومناولة العدة. عام مختلف و تجربة خاصة أثبتت أن مصر تدور وأن بشائر الخير قادمة لا محالة. وبقدر ما أصاب عبور السفن الثلاثة فى الافتتاح التجريبى للقناة الجديدة بعض الدول والتنظيمات ، بالحسرة بسبب فشل مخططاتهم لعرقلة قطار التنمية فى مصر، بقدر ما كان فرحة غامرة توجت مجهودات آلاف المشاركين فى المعجزة المصرية التى تبشر الجميع بالمزيد من الخيرات وشرايين الحياة والعمل والرزق. مشروع لن يؤثر فقط فى حياة الآلاف لكنه سوف يحول المكان حوله إلى طاقة عمل وأمل وحياة...فهناك مساكن جديدة ومشروعات تنموية ومدارس وجامعات فى منطقة ومساحات كانت مهدرة ومحرومة يتخيلها عم سيد " قطعة من الجنة" فى المستقبل القريب. أما سعيد الزمالوطى من أهل سيناء المشاركين فى المشروع، فيقول : " بعد ماشهدناه من انجاز وما حققناه من رزق كبير فتح بيوتنا ننتظر أي مشروع جديد لتنمية القناة لتنفيذه فورا. لتتقدم مصر ويعم الخير."
فريق الأهرام بين صناع الإنجاز حرصنا أن نكون بينهم فى موقع العمل وهم يضعون اللمسات الأخيرة ..أن نسمعهم..ليحكوا عن أيام الشقاء والعمل ..عن التحديات والأمل حتى انتهت المهمة ..ذهبنا إلى صناع الإنجاز لمشاركتهم فرحتهم بعد أن كللت جهودهم بالنجاح. قضينا معهم بعض اوقات العمل وأيضا الراحة والسمر. مصطفى عميرة على الونش فى أثناء التقاطه لبعض صور الموقع..نرمين قطب على عجلة القيادة..دعاء خليفة فى محاولة لقيادة اللودر..فخورون بأننا بينكم أيها الأبطال.