مسلسل "حارة اليهود" الذي يعرض حاليا علي عدد من المحطات الفضائية ويحكي قصة يهود مصر إبان القرن العشرين وتحديدا بين ثورة يوليو 1952 والعدوان الثلاثي، ردود فعل وجدل بين أساتذة التاريخ، لما يحتويه من مغالطات تاريخية. الدكتور أحمد حماد أستاذ الدراسات العبرية في جامعة "عين شمس" كشف في حوار مع "آخر ساعة" عن وجود مغالطات وردت في المسلسل، مؤكداً أن حارة اليهود لم تكن حارة بالمفهوم الشائع، بل حي يتمركز فيه اليهود بأغلبية كبيرة إلي جانب المصريين الآخرين من المسلمين والمسيحيين، لافتا إلي أن المكان كان يتسم بأنه سكن للبسطاء وبالتالي فظهور بعض مظاهر الثراء في الحي في المسلسل فيه مبالغة، مشيراً إلي أن هذه الأخطاء كان بالإمكان تلافيها بالرجوع إلي أهل الاختصاص، التفاصيل في السياق. اليهود المصريون عاشوا بيننا بلا عزلة.. والمسلسل لا يدعو للتطبيع وجود المعابد اليهودية يؤكد أن مصر مهد المحبة والتسامح كيف تري العلاقة بين اليهود والعرب؟ - أولاً لا يجوز الربط بين اليهود والعرب. اليهودية ديانة والعرب جنس. لكن عموما العلاقة بين العرب مسلمين ومسيحيين، ومن يدينون باليهودية مستمدة من تعاليم الدين الإسلامي، أي المحبة والتسامح ولا تفضيل لعربي علي أعجمي إلا بالتقوي. وبالتالي نحن كعرب لا نعادي اليهود ولا نكرههم، وإنما عداؤنا وكرهنا للصهاينة. هل يوجد فارق بين الصهيونية كحركة قومية وبين اليهودية كديانة؟ - فارق كبير. الصهيونية حركة سياسية أوربية هدفت الي استعمار فلسطين وإحلال اليهود الغربيين محل العرب الفلسطينيين مستعينة في ذلك بمفاهيم دينية تتمثل في الخلاص والعودة إلي فلسطين في انتظار المسيح المخلص الذي سيقود اليهود بعد ألف عام إلي مملكة الرب الأبدية. أما اليهودية فهي ديانة كباقي الديانات لا علاقة لها بالسياسة وقمع الشعوب الأخري واحتلال أرضها بالقوة بل وحتي طرد السكان الأصليين من وطنهم. ما تقييمك للفترة التي قضاها اليهود في مصر وهل شعروا بالعزلة وقتها؟ - لا بد أن نفرق بين نمطين من اليهود الذين عاشوا في مصر. هناك يهود مصريون ويهود "حماية" أي أجانب كانوا يتمتعون بالحماية الأجنبية باعتبارهم أجانب. اليهود المصريون لم يكونوا يشعرون بأي غربه أو عزله لأنهم في وطنهم. ربما كان شعور العزلة عند يهود الحماية لأنهم في النهاية أغراب عن المجتمع المصري. وقد تكون عزلتهم فيها ذاتية ومن منطلق التعالي علي أبناء المكان، ومن المعروف أن الحاخام "موسي بن ميمون القرطبي" أو رميام جاء للإقامة في مصر مع عائلته بعدما تنقل بين أسبانيا والمغرب وفلسطين كان من أهم اللاهوتيين اليهود في تاريخهم وعمل في مصر نقيبا للطائفة اليهودية كما اشتغل طبيبا وكان له علم بالفلسفة وبسبب علمه بالطب أنشأت دولة الاحتلال الإسرائيلي مستشفي ضخما سمي رميام يقع حاليا في مدينة حيفا. وماذا عن أعدادهم في تلك الفترة؟ - طرأت تغيرات جذرية علي الطائفة اليهودية في مصر وذلك بسبب الأحداث السياسية المتسارعة والكبيرة التي أثرت علي حياتهم أبرزها نشاط الحركة الصهيونية وما تبعها من محاولات جمع اليهود أمام فكرة الدولة العبرية في أرض فلسطين ففي عام "1937" بعد ثورة فلسطين الكبري قُدر عدد اليهود في مصر بنحو "65" ألفا وقد ارتفع العدد إلي "75" ألفا ثم "85" الفأ حتي عام" 1947" واقتراب إعلان قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي علي أرض فلسطين حيث تقلص العدد بشكل كبير وفي عام النكبة الفلسطنية عام "1948" وإقامة دولة الاحتلال هاجرمن مصر أكثر من"20" ألف يهودي ليستقروا بالدولة الجديدة، وبحسب ما جاء في توراة اليهود والعهد القديم يعتبر خروج اليهود من مصر بمرافقة "النبي موسي" حدثا فارقا أثر في كل مابعده، وقدخصص لهذه الأحداث عيد يعتبر الأهم عند اليهود هو عيد "الفصح" إلي جانب مناسبات أخري يتذكرون فيها الخروج الأول من مصر. هل شهدت تلك الفترة مصادمات بين المصريين واليهود؟ - لا يجوز الربط بين المصريين (كجنس) واليهود (كأبناء ديانة) مغايرة لديانة الغالبية في مصر. وإذا كانت هناك مصادمات فقد كانت في أوقات معينة وتحت ظروف طارئة لا علاقة لها بكونهم يهود. أو لأن العامة ربطوا بالحس الشعبي بين اليهودية والصهيونية. لكن في الإجمال لم تكن هناك صدامات بالمعني الكامل لهذا المصطلح. ويجب أن نلاحظ أن اليهود المصريين كانوا من كبار رجال الأعمال آنذاك وكانوا مندمجين كلية في المجتمع المصري. برايك هل تلاعب مسلسل حارة اليهود الذي يعرض حاليا بالتاريخ المصري؟ - مسلسل "حارة اليهود" عمل فني في المقام الأول ولا يمكن لأي عمل فني أن يؤرخ لفترة معينة في حياة الشعوب لأنه يدمج دائما بين المعالجة الدرامية والحقائق التاريخية. وبالتالي فإنه لا يُعّول عليه في دراسة تاريخ فترة معينة في مصر. ما أبرز الأخطاء التي وردت في المسلسل؟ - المسلسل اجتهد قدر المستطاع. لكن كان يجب- باعتباره عملا فنيا يتناول فترة تاريخية هامة في التاريخ المصري الحديث- أن يرجع الي أهل الاختصاص لأخذ رأيهم في الأحداث التي يتناولها. وعلي أية حال يمكن الإشارة الي بعض الأخطاء: حارة اليهود لم تكن حارة بالمفهوم الشائع بل كانت حيا يتمركز فيه اليهود بأغلبية كبيرة إلي جانب المصريين الآخرين المسلمين والمسيحيين. وكان يتسم بأنه مكان سكن البسطاء وبالتالي فظهور بعض مظاهر الثراء في الحي فيه قدر من المبالغة. وإن كان المسلسل أشار الي وجود مستوي اجتماعي آخر من اليهود علي علاقة بأهل الحارة لكنهم لا يقيمون فيها. وهذا كان طبيعيا آنذاك. أيضا الإنجليز لم يكن لهم وجود في القاهرة في ذلك الوقت لأنهم كانوا منسحبين إلي منطقة القناة. كما أن العلاقة بين اليهود القرائين والربانيين لم تكن متوترة إلي هذا الحد الذي ظهرت به في المسلسل. لأنهم في النهاية متوحدون بحكم شعور الأقلية. علي الرغم من وجود بعض المنغصات من آن لآخر، لكنها لم تظهر علي سطح العلاقات بينهم. هل عاش اليهود في مصر داخل الحارة فقط كما يصور المسلسل؟ - اليهود الأثرياء لم يعيشوا في الحارة. لكن الطبقة الوسطي والفقيرة هي التي عاشت في التجمع اليهودي وهذا كان شعورا طبيعيا لأي أقلية أن تلتحم مع بعضها البعض، وليس شعورا خاصا باليهود فقط. ماهي أشهر الأماكن التي عاش فيها اليهود داخل مصر؟ - في القاهرة عاش اليهود بكثافة في منطقة "الخرنفش والصاغة والغورية" إلي حد ما في العباسية أي مراكز التجارة المصرية في ذلك الوقت. أما الأثرياء منهم فقد عاشوا في الزمالك وجاردن سيتي والمعادي. وفي الإسكندرية كان يوجد تجمع يهودي كبير في العطارين، وكذلك في المنشية. وكذلك أيضا في الأحياء الراقية في الإسكندرية بوكلي وسان استيفانو. وماذا عن المعابد اليهودية في مصر وما أشهرها؟ - توجد معابد كثيرة في القاهرةوالإسكندرية وفي المدن الرئيسية الأخري. في القاهرة أشهر هذه المعابد معبد النبي "دانيال" ومعبد" بن عزرا "والمعبد الموجود في مجمع الأديان. ومعبد "القرائين" في العباسية وكذلك معبد مصر الجديدة في منطقة الكوربة. هذا إضافة الي العديد من المعابد الصغيرة المنتشرة في ربوع مصر مما يعد دليلا قويا علي أن مصر دائما وأبدا مهد المحبة والتسامح. كيف تري المعالجة التاريخية للمسلسل؟ - كما سبق القول بها حتي الآن بعض الأخطاء التاريخية التي كان يمكن تلافيها بالرجوع الي أهل الاختصاص. وكذلك أيضا المعالجة اللغوية. فقد جاءت في كثير من الأحيان في حاجة الي مترجم محترف بدلا من أسلوب الهواية الذي استخدم في المسلسل. هل يواجة المسلسل اتهاما بازدراء الأديان؟ - اطلاقا. فالمسلسل حتي الآن لا يتناول الدين بأي رؤية سلبية، بل علي العكس عرض اليهود والمسيحيين والمسلمين في الحارة وكأنهم لا يشعرون بأي فروق دينية ويوجد في كثير من المشاهد خاصة من الكبار في السن- احترام فائق للديانات. أما ما جاء علي لسان ابنة الفتوه بقولها" بنت اليهودي" كلفظ ازدراء واحتقار فإنه يمكن إرجاعه إلي الصراع العاطفي بينها وبين الفتاة اليهودية علي حب علي ولا علاقة له بازدراء الأديان. ما رأيك فيما يتردد بأن المسلسل دعوة للتطبيع مع إسرائيل؟ - أي تطبيع؟! المسلسل يتحدث عن اليهود وليس عن إسرائيل. وحينما تناول الصهاينة حتي الآن فصل بين اليهود والصهاينة وهذا في حد ذاته نجاح للمؤلف حتي الآن. كيف تفسر عرض المسلسل في هذا التوقيت وهل يخدم إسرائيل ؟ - المسلسل معروض في السوبر ماركت الرمضاني. دون أي علاقة بأي توقيت. أما كونه يخدم إسرائيل أم لا فإنه لا يمكن الحكم عليه حكما نهائيا الآن لأننا لم نعرف بعد تطور الأحداث. ولا داعي لتحميل الأمور أكثر مما تحتمل فإنه في النهاية عمل درامي يتحدث عن فترة معينة في التاريخ المصري . لكن كيف تري احتفاء الصحف الإسرائيلية بالمسلسل؟ - الصحف الإسرائيلية بعد أن رحبت بالمسلسل قبل عرضه انقلبت عليه بعد العرض حينما أدركت أنه لا يتحدث عن المحبة بين العرب والإسرائيليين، وإنما يتحدث عن العلاقة الودية بين المصريين العرب واليهود المصريين.