مع د. محمد أبو الفضل سيمر زمان وأجيال قبل أن نجد موهبة شعرية وبحثية في قامة الأبنودي، لأنه استطاع أن ينقل الشعر من الصفوة إلي الناس؛ من خلال أغانيه ومن خلال أمسياته ولقاءاته الإعلامية، فقد عبّر عن الناس في آمالهم وآلامهم ، في لحظات الحرب والهزيمة وفي حالات الحب والانتصار، وهذا الانتشار والجماهيرية حوّله إلي الشاعر النجم الذي حافظ علي إرضاء الجماهير وفي الوقت نفسه يحافظ علي مستواه الشعري فلا يفقد الشعر لديه حيويته وتخييله المدهش وإيقاعه الشعبي وفصحاه التي تبدو عامية لكنك لو أمعنت النظر فيها ستكتشف أنها فصحي قح لكنه وضع عليها بريشة الفنان لمساته الفنية الجميلة. قبل أعوام دعوته لأمسية شعرية في رحاب كلية الآداب بقنا قال لي "ياعم أبوالفضل لا يُكرم نبي في قومه" لكن عندما دخل القاعة الكبري بالجامعة هاله هذا الحضور الكثيف من الطلاب والانسجام الشعري معه فقال علي المنصة "أنا كنت خايف آجي مالقيش حد لكن أهلي وناسي لسه بيحبوني" وأخذ عبدالرحمن يلقي قصائده علي مدي ساعتين ونصف وقال"الأمسيه دي أطول أمسية واجمل أمسية في حياتي" بعدها هاتفني وقال لي أنا أمنيتي أن تحتفي الجامعات المصرية بشعر العامية ، فقلت له :مارأيك نقيم أول مهرجان لشعر العامية في رحاب جامعة جنوب الوادي ، وعرضت الفكرةعلي أ.د. عرفات كامل رئيس الجامعة آنذاك فوافق علي الفور ، وأقيم أول مهرجان لشعر العامية برئاسة الأبنودي واختارني أمينا للمهرجان ،بحضور محافظ قنا الأسبق المثقف اللواء صفوت شاكر، وأحضر الأبنودي معه معظم شعراء العامية ونقادها وإعلاميها وقال لهم في كلمته أنتم هنا بين أهلي وناسي فاتركوا ضغائنكم ومشاحناتكم علي مقاعد مقهي ريش وقهوة البستان" وعلي مدي ثلاثة أيام كان الأبنودي شعلة النشاط ،وقال مقولته الشهيرة: أخيرا اعترفت الجامعات بشعر العامية، هذا كان حلما واليوم رأيته حقيقة" في مؤتمر شعر العامية الأول الذي عُقد بكلية الآداب بقنا في 1998 وحضره لفيف من الشعراء والكتاب والنقاد، اخترنا الشعراء واحداً واحدا... في آخر أيام المؤتمر أدرك عبدالرحمن الأبنودي مجهودات الصديق محمد نصر يس في إنجاح المؤتمر، شكره وكتب له: "يا بومحمد نصْر/ ياوادْ يا مِتربي/ لكْ في قليبي قصر/ والقصر دا قلبي.." قرأ في المهرجان قصيدة "يامنه" ولمحتُ دمعتين مسحهما بسرعة، أصدر الصديقان الصحفيان الألمعيان مصطفي عبدالله وعبدالحكيم القاضي نشرة المهرجان اليومية أطلقا عليها "يامنه" فرح الأبنودي كثيرا بها واشترك في إصدارها الأصدقاء فتحي متولي وعبدالصبور بدر وسيد يونس وغيرهم، كان الأبنودي يسير بصعوبة بين الطلاب والطالبات في الجامعة؛ وانهالت الصور والتوقيعات، ولسان حاله يقول لجميع شعراء العامية أنا أمير شعراء العامية والمهرجان تتويج بالإمارة التي لم يكن الأبنودي في حاجة لمن يمنحها إليه لأن الناس منحته إياها من قبل. في أبوظبي هاتفني الأبنودي كنت بجامعة الإمارات العربية بالعين، ذهبت إليه وحضرت أمسيته الشعرية بمعرض أبوظبي للكتاب، كان الجمهور في حالة وجْد شعري، وحضر أناس من جميع الإمارات بل من دول خليجية مجاورة ليسمعوا الأبنودي ويرددوا معه أشعاره. السيرة الهلالية "إلياذة العرب" جمعها الأبنودي وكانت في حاجة إلي فريق عمل مموّل لكنه قام بهذا دون غيره متحملا الترحال والمشقة ولو لم يكن للأبنودي سوي هذا العمل لكفاه. قد تختلف مع الأبنودي في بعض رؤاه السياسية منذ عبدالناصر لكنه سرعان ما يفاجئك أنه قادر علي الجهر بآرائه بل الاعتراف بخطأ رأي قديم كرأيه في عبدالناصر مثلا، إنه يشبه الأديب الألماني Guenter Grass جونتر جراس الذي رحل في 12 أبريل 2015 الذي كان يجهر بآرائه السياسية؛ قد تختلف أو تتفق معه في آرائه السياسية لكنه لا يأبه بذلك، لقد تحول الأبنودي إلي ضمير مصر والرائد الذي لا يكذِب أهله. حكي لي عبدالرحمن أن اللواء عادل لبيب عندما كان محافظا لقنا أطلق اسمه علي أحد شوارع قنا ، وعندما ذهب ليري الشارع قرأ اللافتة "شارع عبدالرحمن الأبنودي، المعتقل سابقا" ويضحك عبدالرحمن.