يكن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أول من يقتنع من قادة الغرب بأنه لابد من تسوية سياسية مع إيران بخصوص برنامجها النووي، فقد سبقه إلي ذلك الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك، الذي صرح قُبيل أيام من مغادرته الإليزيه رئيساً ما يفيد بأنه أليس في امتلاك إيران لقنبلة أو قنبلتين نوويتين أمر خطير بل الخطورة في أن تمتلك ما هو أكثر من ذلك.. أعلم بأن الغرب يخشي علي أمن إسرائيل ولكن دعونا نتخيل ماذا لو قررت طهران مهاجمة تل أبيب بقنبلة نووية.. إن الطائرة التي تحمل القنبلة ستُقصف قبل أن تغادر الأجواء الإيرانية، وفُهم من كلام شيراك وقتها أنه يلوح بقبول التعايش مع إيران نووية، وهو ما لم يقبله البيت الأبيض بقيادة جورج بوش الابن وإسرائيل بقيادة إيهود أولمرت في ذلك الوقت، واضطر شيراك للاعتذار تحت وطأة ضغوط عنيفة مارستها واشنطن بأكثر مما فعلت تل أبيب. أوباما أكد أن الاتفاق يمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية.. وبنوده توضح أنه مجرد هروب للأمام بعد 8 سنوات استوعب الغرب الدرس وأدرك الجميع أن الصدام العسكري مع نظام الملالي في طهران حل لن يُقدم عليه سوي شخص مختل عقلياً، فطهران صاحبة الأذرع الطويلة في كل مكان يمكنها أن ترد الصاع صاعين وأن تحول المنطقة إلي قطعة من الجحيم. أوباما وصف الاتفاق بالتاريخي وبأنه سيمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية لو تم تطبيقه بشكل كامل، ولكن بنود الاتفاق كما نشرها البيت الأبيض علي موقعه توضح أن ما تم التوصل إليه ليس سوي هروب للأمام وكسب للوقت من الطرفين، كما أن هناك إجماعا في أوساط الوكالة الدولية للطاقة الذرية علي أن إيران امتلكت علي الأقل المعرفة اللازمة لتصنيع أسلحة نووية ويمكنها أن تفعل ذلك في أي وقت. أوباما اتصل بمقر رئاسة الوزراء الإسرائيلية، لينقل ابتهاجه وتهلله لبنيامين نتنياهو، غير أن هذا الأخير رد عليه ببرود، مصممًا علي معارضته لأي تسوية سلمية مع طهران، وطبقًا للصحف الأمريكية فإن نتنياهو قال لأوباما، بنبرة غلب عليها الحزم: "إن أي بناء علي ما تقوله يا سيادة الرئيس يهدد وجود إسرائيل، ولا يُغلق الطريق أمام إيران للحصول علي سلاح نووي، بل يفتحه علي مصراعيه"، ثم اختتم رئيس وزراء إسرائيل مكالمته مع الرئيس الأسمر قائلا: "الاتفاق يضاعف من مخاطر انتشار الأسلحة النووية، واحتمالات حرب مرعبة". وفي الولاياتالمتحدة نفسها، فإن النواب الجمهوريين في الكونجرس، أبدوا تشككًا كبيرًا تجاه الاتفاق، حيث صرح جون بوينر، زعيم الجمهوريين في مجلس النواب، بأن مؤشرات الاتفاق النهائي توضح تباعدًا كبيرًا بين ما تم التوصل إليه، وأهداف البيت الأبيض، وكان بوينر قد وجه الدعوة لنتنياهو، مارس الماضي، دون علم أوباما، للحضور إلي الولاياتالمتحدة، وإلقاء كلمة عبر فيها عن مخاوفه أمام الكونجرس من التوصل لتسوية مع إيران، ونظرًا لحالة الخوف، والتشكك في أوساط اليمين في تل أبيب وواشنطن، فإن هناك مشروع قانون يتم طرحه في مجلس الشيوخ الأمريكي، 14 أبريل الجاري، يكون بموجبه أوباما مجبرًا علي منح الكونجرس 60 يومًا، لتدارس الاتفاق مع إيران من الأبعاد كافة، مع احتمال التصويت علي رفضه، حال تبين أن ما تم التوصل إليه مع طهران ليس بالشيء الجيد. الوصول إلي الاتفاق الإطاري الذي عقدته إيران مع مجموعة القوي الغربية ال(5+1)، مر بمراحل مُتعددة، ولعل البداية الحقيقية كانت بمكالمة هاتفية تاريخية، أجراها أوباما مع نظيره الإيراني، حسن روحاني، في سبتمبر 2013، بعدما أنهي روحاني حضور فعاليات اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبينما أعلن أوباما عن ذلك وقتها في مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض، اختار روحاني أن يفعل ذلك عبر حسابه الشخصي علي "تويتر"، ليلقي الرجلان بذلك حجرًا في مياه ظلت راكدة 34 عاماً. مهندس المصالحة محمد جواد ظريف، هو أفضل رجل في النظام الإيراني يعرف الولاياتالمتحدةالأمريكية جيدًا، ويمكنه التحدث معها باسم الإيرانيين جميعًا فالرجل صاحب ال54عامًا، والنصف مليون متابع علي شبكة التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، الذي يبدو من لحيته القصيرة، وشعره الأبيض، وكأنه أستاذ في جامعة ما، يشغل منصب رئيس لدبلوماسية الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهو كما يحب دائمًا أن يردد عن نفسه: "أمضيت في أمريكا وقتًا أكثر مما قضيته في إيران"، فرسميًا شغل ظريف منصب سفير طهران في الأممالمتحدة في الفترة من 1988 إلي 1992، ثم من 2002 إلي 2007، وكانت نيويورك شاهدًة علي ميلاد طفليه. وفي عام 1975، وبينما كان في ال15 من العمر، حط ظريف رحاله في مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية، ليدرس نظم ومعلومات، ثم أعقب ذلك بدراسة العلاقات الدولية، وكان ظريف يدرس علي نفقة والده، أحد أشهر وأغني تجار النسيج في إيران، وبالرغم من أنه كان متدينًا إلي حد كبير، عُرف معاديًا للثورة الإسلامية عام 1979، وكان يفضل نظام الشاه علي ثورة آية الله الخميني. حينما استفحل العداء بين إيرانوالولاياتالمتحدة، واقتحم طلاب إيرانيون السفارة الأمريكية في طهران، واحتجزوا موظفيها رهائن، ما تسبب في قطع العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين، كان ظريف من ضمن هؤلاء الطلاب، وفي تلك الأثناء تعرّف إلي شاب يدعي سعيد إمامي، وآخر يُدعي محمود أحمدي نجاد، الذي أصبح رئيسًا لإيران فيما بعد، الرئيس السابق وتولي من يونيو 2005 حتي يونيو 2011، وكان ظريف دائم الخلاف مع نجاد وإمامي، بسبب تعصبهما اللا محدود، ولأنهما لا يتوقفان عن توجيه الاتهامات بالخيانة لظريف، ولكل المعتدلين، وإذ كان نجاد قد أصبح رئيسًا لإيران، لمدة ثماني سنوات قبل أن يتدرج في مناصب عدة، والآن لا يفارق منزله، فإن إمامي بدأ حياته جاسوسًا لإيران في واشنطن، ثم أصبح مسئولا عن جناح الاغتيالات في المخابرات الإيرانية، وكان العقل المدبر لتصفية معارضين إيرانيين في الداخل والخارج، قبل أن ينتحر، أو ربما قُتل في ظروفٍ غامضة عام 1999. ظريف كلمة السر للدبلوماسية الإيرانية في كل مفاوضاتها السرية مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، التي يلقبها النظام الإيراني بالشيطان الأكبر، ففي عام 1987 كان ظريف أحد أعضاء الوفد الدبلوماسي، الذي تفاوض علي قرار الأممالمتحدة رقم 598 بشأن وقف الحرب العراقية - الإيرانية.