هو ليس كالكذب «ملوش رجلين «فالفساد أقرب لأخطبوط ذي أذرع طويلة متعددة. يحاصر بها فرائسه ثم يقبض عليها ويلتهمها فلا تنجو منه أبدا. أو ربما يكون كحرباء متلونة تجيد الاختفاء والكمون للخداع والترقب انتظارا للحظة الانقضاض والتوحش. أو هو كخفاش لايمارس نشاطه إلا في ظلام الوطن ومتاهته. عندما يصبح عند مفترق طرق يأمل بسكة سلامة ويتخوف من سكة ندامة يتوغل فيها رغما عنه ويقتله الخوف أن يكون سائرا في سكة اللي يروح ومايرجعهش. في توهة الوطن يجد الفساد مناخا مهيأ للزحف والانتشار والتوغل. يبدأ محسوبا بطيئا ثم يصل حد البجاحة رافعا شعار «فاسد وأفتخر» يحاصرنا وجهه القبيح من خلال فضائيات تمهد وإعلانات تروج ودعائم من «حديد» تقوي ووعود كاذبة تغري وتخدع بسطاء مازالت نفوسهم تتعلق بقشة تنقذها من بؤس حياة متوحشة في قسوتها.. يحاصرنا الفساد فنشعر أننا ندور في حلقة مفرغة لانسمع فيها صوتا يعلو فوق صوته. ينهب ويخرب ويزيف ويجيد في النهاية تغطية كل جرائمه بقوانين يدرك ثغراتها فيكون أول المستفيدين منها لو قدر الوقوع تحت طائلتها. فيفلت من العقاب وسط دهشة المقهورين. بعد الثورة زاد الأمل في مواجهته والقضاء عليه. لكن الأمل تلاشي مع كل قرار تأخر للمواجهة ومع كل خطوة تباطأت للقضاء عليه. والغريب أنه في الوقت الذي تسخر فيه الدولة كل خطابها وقوانينها وقراراتها لمواجهة الإرهاب فتشن الهجمات فتأخذ أحيانا العاطل بالباطل ثم تطلب منا أن نقدر الظرف وحجم الخطر وطبيعة المرحلة. نحاول أن نلتمس الأعذار لكننا نعجز بعد أن يزداد يقيننا أن الإرهاب والفساد إيد واحدة. يستحيل أن تجتث أحدهما دون أن تصيب الآخر.