قوبل إعلان وزارة التعليم العالي، عن مشروع قانون جديد لتنظيم العمل في المستشفيات الجامعية بحالة من الرفض في الأوساط الطبية، لتضمنه مواد مثيرة للجدل، حيث أكدت هيئات طبية ومنظمات حقوقية عدة أنه يعيد إنتاج سيناريو خصخصة المستشفيات الجامعية عبر تحويلها إلي وحدات طبية مستقلة تستهدف الربحية علي حساب المواطن غير القادر، ما اعتبره البعض تخليا صريحا من جانب الدولة عن مسئوليتها في الإنفاق علي هذه المستشفيات التي يقبل عليها الفقراء، بالمخالفة للمادة 18 من الدستور التي تؤكد حق كل مواطن في الرعاية المتكاملة، وما فاقم من حدة الانتقادات لمشروع القانون تضمنه نصوصاً تبيح التعاقد مع أساتذة دون غيرهم للعمل في المستشفيات، ما يثير شبهة فتح باب المجاملات والمحسوبية عند التعاقد. نقيب الأطباء: يمنح وزير التعليم مزيداً من الهيمنة والسلطة أمين عام نقابة الأطباء: يلغي 30% من علاج الحالات الأولية المشروع يثير شبهة المجاملات لصالح الأساتذة عميد كلية طب «عين شمس»: يقضي علي استقلال الجامعات أبدي الدكتور خيري عبدالدايم نقيب الأطباء رئيس اتحاد المهن الطبية معارضة شديدة لهذا القانون المقترح، وأكد أنه لا يوجد به أي نوع من التطوير أو التحسين للخدمة الطبية المقدمة للمرضي فهو عبارة عن خصخصة كاملة للتعليم الجامعي والمستشفيات الجامعية عبر تحويلها إلي وحدات خاصة تقدم الخدمة الطبية بأجر للمواطنين، ما يعني تحولها إلي مجرد سوق لتحصيل الإيرادات من المرضي، كما أنها تضع شريحة واسعة من المرضي خارج إطار المظلة الصحية خاصة الحالات التي تتطلب عمليات معقدة تحتاج إلي مهارة خاصة مثل زرع الكلي وجراحات القلب المفتوح وعلاج الأورام، التي تقع ضمن ما يعرف بالمستوي الثالث من الرعاية الصحية المختصة به المستشفيات الجامعية. وأشار عبدالدايم إلي أن القانون الجديد سيتيح للمستشفيات الجامعية فتح حسابات في صناديق خاصة، ما يعد مدخلاَ للفساد والتلاعب وإهدار المال العام، وستصبح المستشفيات الجامعية مصدر دخل للدولة بدلا من إدارجها ضمن ميزانيتها، فالصناديق الخاصة في الدولة مطالبة بأن تحول 10% من إيراداتها للدولة، وهذا قلب للموازين، فضلاً عن أن مشروع القانون الجديد به مشاكل تتعلق بالنظام الخاص بالإدارة، فهو ينشئ مجالس إدارية تفوق سلطاتها سلطات مدير المستشفي الجامعي نفسه، ويخلق نظاما بيروقراطياَ شديد التعقيد من دون فائدة، سوي إعطاء المزيد من السلطة والهيمنة لوزير التعليم العالي. يتابع: المجالس الجديدة المزمع إنشاؤها ستنقسم إلي ثلاث درجات، هي المجلس الأعلي للمستشفيات الجامعية الذي يرأسه وزير التعليم العالي، وهو من خارج المجال الطبي، فكيف سوف يتسني له التخطيط للمستشفيات الجامعية دون أن تكون لديه خلفية عن هذا التخصص! ويليه مجلس أمناء برئاسة رئيس الجامعة، وهناك مجلس ثالث علي مستوي الكلية يرأسه العميد وتنحصر مهمته في إعداد التقارير ورفعها لرئيس الجامعة، دون التطرق إلي مشاكل المستشفيات الجامعية مباشرة. ويري نقيب الأطباء أن المستشفيات الجامعية في إطار هذا المشروع ستصبح منفصلة عن كليات الطب بحيث تدار كل منها بطريقة مختلفة، ما سيلقي بظلاله علي تدريب الأطباء والبحث العلمي، فالمستشفي الجامعي هو قلب الكلية والوسيلة التي تمارس من خلالها مهمتها في التعليم ومن غير الممكن أن تصبح كياناً منفصلاً عنها. في حين شدد عبدالدايم، علي أن نقابة الأطباء ستتخذ عدة خطوات لوقف مشروع القانون الجديد من بينها مخاطبة المسؤولين لبيان مدي خطورته علي المنظومة العلاجية وإيضاح تداعياته علي المواطنين البسطاء ممن هم في أمس الحاجة للعلاج، منوهاَ في الوقت ذاته إلي أنه في حال عدم استجابة الدولة لمطالبهم فإن النقابة ستتوجه بهذه القضية إلي مجلس النواب المقبل، فالحق في العلاج والرعاية الطبية كفله الدستور لكن ما يحدث الآن هو سير في الاتجاه المعاكس عن طريق خصخصة الخدمات الطبية وقصرها علي القادرين فقط وهو ما يخالف النص الدستوري. فيما أكد إيهاب الطاهر أمين عام نقابة الأطباء أن مشروع القانون الجديد يهدم جوهر التعليم في كليات الطب، فالأصل في مهام المستشفيات الجامعية أنها مستشفيات تعليمية للطلاب، تجري بها الأبحاث الطبية ويتم من خلالها علاج المرضي وبالنظر إلي نص القانون الجديد الذي يوصي بالتعاقد مع عدد محدود من الأساتذة سنجد أن المتضرر الأكبر منه الطلاب، لعدم تمكنهم من دخول المستشفي الجامعي مع الأساتذة المشرفين عليهم، كما أنه سيشكل ضغطاً كبيراً علي المستشفيات لتوفير الأجور للمتعاقدين، وتكمن خطورة مشروع القانون الجديد في إلغاء 30% من الخدمات الطبية للحالات العلاجية الأولية المقدمة للمواطنين التي تتحملها المستشفيات الجامعية، نظراَ لضعف الإمكانات لدي وزارة الصحة التي لا تستطيع حاليا تحمل علاج هذه الحالات. بينما اعتبر أحمد عماد، عميد كلية الطب في جامعة «عين شمس» أن مشروع القانون الجديد يقضي علي استقلالية الجامعة والمستشفيات الجامعية بمعني أنه يحول كل بنود القانون إلي ما يشبه المركزية في يد كل من وزير التعليم العالي ورئيس الجامعة، وهو ما يتعارض مع المادة الأولي من القانون الحالي التي تنص علي أن الجامعة مستقلة إداريا وماليا وفنيا وعند التطرق إلي ما هو موجود في بنود القانون الجديد نجد أن كل حيثياته تدور حول مركزية القرار من خلال وزير التعليم العالي ورئيس الجامعة، فالمجلس الأعلي للمستشفيات الجامعية يدار بواسطة وزير التعليم العالي ثم ممثلين من وزارة الصحة وزارة التخطيط ووزارة المالية والمفترض أن هذا المجلس هو الذي يرسم السياسات المستقبلية للمستشفيات وله اليد العليا في إدارة شئونها وهذا المجلس لا يوجد به أي تمثيل لعميد كلية أو رئيس قسم أو أساتذة كلية الطب نهائياً فكيف يتم إدارة منظومة لا يوجد لهم فيها أي تمثيل! مشيراً إلي أن كلية طب عين شمس وكلية طب القاهرة في قصر العيني قامتا بعمل مجلس مشترك في قصر العيني وأسفر عن رفض مشروع القانون بالإجماع. إلي ذلك أوضح محمود سعودي نقيب الصيادلة، أن السبب الرئيس لطرح مشروع هذا القانون هو انعدام التمويل للمستشفيات الجامعية من الدولة وضعف مخصصاتها، بالإضافة إلي تدني الحالة الاقتصادية في الفترة الأخيرة، لذلك فالأجهزة الحكومية تحاول أن تجعل كل إدارة تقوم بتوفير مواردها المالية ذاتياً دون الاعتماد علي ميزانية. وعن سبب طرح هذا القانون في هذا التوقيت أكد أن هناك قوانين عديدة تُطرح دون تنسيق أو توافق مجتمعي مثل مشروع التجارب الإكلينيكية علي المرضي المصريين والذي تم طرحه خفية من قبل وزارة البحث العلمي دون أخذ رأي النقابات المهنية مثل نقابة الأطباء ونقابة الصيادلة وهذا يرجع إلي غياب فكرة العمل المؤسسي أو الجماعي لدي السلطة التنفيذية. ويري سعودي ضرورة أن يتم وضع نظام موحد يكفل للمريض غير القادر دخول المستشفيات والعلاج مجانا بدلاَ من وجود أنظمة مختلفة للمستشفيات الجامعية ومستشفيات التأمين الصحي وأيضا للمستشفيات التابعة لوزارة الصحة، فهذا الأمر يجنب المريض الروتين ويمنع إصدار قرارات ورقية لاتطبق علي أرض الواقع، مثل قرارات العلاج علي نفقة الدولة في حالات الطوارئ. في المقابل، قال حسام عبدالغفار المتحدث باسم وزارة الصحة أن الضجة المثارة حول مشروع القانون غير مبررة، فهو عبارة عن مقترحات تم تقديمها لتعديل مواد موجودة بالفعل في القانون الحالي وهو القانون رقم 330 الصادر عام 1965 لتنظيم العمل بالمستشفيات الجامعية، والمنطق البسيط يقول إن ما كان يصلح لتنظيم عمل المستشفيات الجامعية في ذلك الوقت لا يمكن أن ينظم نفس العمل في وقتنا الحالي، فهذه المقترحات تمت بناء علي دراسات محددة تم إجراؤها عام 2008 ما بين مديري المستشفيات الجامعية ووزارة التنمية الإدارية في إطار إصلاح الهيكل الإداري داخل تلك المستشفيات. يتابع: هذه المقترحات الجديدة ليس لها علاقة من قريب أو بعيد بكيفية أداء الخدمات داخل المستشفيات الجامعية أو مصادر تمويلها ولاحتي بالمريض ولكن تتعلق بنظام العمل نفسه ووضع أطر محددة لعلاقة مؤسسية جديدة بين إدارة المستشفيات الجامعية والعاملين بها من أعضاء هيئة تدريس وغيرهم. فاللائحة التنفيذية لقانون إدارة المستشفيات الجامعية تنص علي أن مدير المستشفي الجامعي ليس له سلطة علي أعضاء هيئة التدريس وكذلك المعيدين بالرغم من أنهم يمثلون أساس المنظومة العلاجية بالمستشفي الجامعي ، فكيف سيتمكن مدير المستشفي من إدارتها وهو لا يملك سلطات مباشرة أو غير مباشرة عليها. ونفي أن يكون مشروع القانون الجديد يستهدف فصل كليات الطب عن المستشفيات الجامعية حيث إن المادة رقم واحد من مشروع القانون الحالي تنص علي أن المستشفيات الجامعية بكل كلية من كليات الطب عبارة عن وحدة مستقلة من النواحي الفنية والمالية والإدارية وتنص أيضا علي أن مجلس إدارة المستشفي هو السلطة المهيمنة علي شئونها. وأوضح أن توقيت طرح مشروع القانون الجديد يتماشي مع رغبة المواطنين في رؤية إصلاحات داخل المنظومة العلاجية، مبديا اندهاشه من مهاجمة نقابة الأطباء لهذا القانون الجديد علي الرغم من عدم الاستقرار عليه أو صياغته بعد، كما اعتبر أن هذا الهجوم الكبير بمثابة استباق لدور النقابة الطبيعي فالمفترض أن يتم عرضه أولاَ علي أعضاء هيئة التدريس وبعد ذلك يتم وضع تصور له ليتم بلورته، ثم تأتي نقابة الأطباء لتوضح رأيها فيه سواء بالموافقة أو الرفض.