في الوقت الذي يبحث فيه الشباب عن أربعة جدران تأويهم يغالي آخرون في ثمن المقابر، فلم يعد البحث عن العيش هو فقط المشكلة التي تواجه الأحياء في مصر ولكن الموت أيضاً أصبح مشكلة عويصة، وهناك كثيرون يبحثون عن مقبرة تأويهم بعد مماتهم وقبل التحاقهم بالدار الآخرة ويبدو أن ذلك بات أمراً صعب المنال في ظل ارتفاع أسعار المدافن، حيث يلجأ البعض إلي دفن موتاهم في مقابر الصدقة، في حين ترقد جثامين آخرين من طبقة الأغنياء في مقابر أشبه بالقصور، تضم استراحات مكيفة لاستقبال الضيوف وحدائق غناء وديكورات فخمة. بموازاة ذلك، أعلنت وزارة الإسكان في إعلان نشرته أخيراً عن طرح 8 آلاف مقبرة جاهزة في مدينتي 6 أكتوبر والقاهرة الجديدة، بنظام حق الانتفاع، بمساحة40 مترا مربعا للمقبرة، بسعر إجمالي 73 ألف جنيه، حيث تبلغ قيمة المقبرة 68 ألف جنيه، بخلاف مبلغ 5 آلاف جنيه وديعة، ويتم سداد مبلغ 30 ألف جنيه، كدفعة حجز، بعدها يتم سداد 38 ألف جنيه، باقي قيمة المقبرة عند الاستلام وكذا مبلغ 5 آلاف جنيه، قيمة وديعة. «آخر ساعة» قامت بجولة لترصد بعدستها أسعار المقابر الفاخرة منها والمتواضعة الخاصة بالفقراء ومدافن الصدقات، فبدأت الجولة بمقابر المماليك التي حوي ترابها أموات المماليك والأتراك، مروراً بمقابر الوزراء والفنانين، فعندما تمر بمقبرة لإحدي الأسر العريقة بالطبع تعرفها من المدخل إن كان صاحب هذه المقبرة فقيرا أم من الأعيان. يقول مسعد الفلاح «تربي» إن مقابر المماليك من أقدم المناطق للمقابر من عهد المماليك فكانت تحرس هذه المنطقة الخيول، مازالت مقابر المماليك موجودة حتي الآن فكانوا يزينون المقابر ويضعون مقتنياتهم النادرة الثمينة داخل المقبرة، لكنها تتعرض من حين لآخر للسرقة حتي وضعت الحكومة عليها حراسة للحفاظ عليها، وأشهر المدفونين هنا بالمماليك الفنانة نعيمة عاكف وفايزة أحمد، وأغلي مقبرة هنا هي مقبرة الفنان جميل راتب التي عرض أحد رجال الاعمال شراءها بخمسة ملايين جنيه لكنه رفض حيث إن مساحتها كبيرة وتضم أكثر من 25 مقبرة. يتابع: يبدأ سعر الحوش من مائة ألف ويصل إلي ملايين الجنيهات، حيث تتحدد قيمة الحوش حسب المساحة والموقع إن كان علي الشارع أم داخلي وكذا حسب نوع التشطيب والدهانات، ويمكنك أن تشتري تربة في حوش فليس من الضروري شراء حوش كامل، ولكن علي صاحب الحوش أن يداوم علي زيارته فمن الممكن أن يقوم حارس المدفن بييعه لآخر وعليك أن تثبت أنه ملكك. انتقلنا إلي مقابر باب النصر وهناك قابلنا محمد أسعد «تربي» الذي قال: أسعار المقابر هنا «مهاودة» عن كثير من المناطق الأخري، وإن كانت الأسعار تختلف بين «تربة» مساحتها صغيرة وأخري كبيرة، فسعر المقبرة من 2 إلي 6 أمتار لا يقل عن 60 ألفا. أما الأحواش فلها أسعار أخري علي حسب شكل الحوش وتشطيباته، فحوش مشطب بتشطيبات الطوب الحراري أقل سعرا من حوش آخر تشطيباته من الرخام، كما يختلف إذا ما كان مجهزا بأماكن لاستقبال الزوار أم لا، وتوجد أحواش بها غرفة أو اثنان، ولذا يختلف السعر بناء علي المساحة وقد يصل السعر إلي 200 ألف جنيه للحوش الواحد. أما مقابر مدينة نصر، فهي مقابر سوبر لوكس للأغنياء فقط وهو ما أكده لنا محمد إسماعيل «تربي» قائلاً: إن المقابر بمدينة نصر ومقابر الكومنولث بمصر الجديدة معظمها مقابر تشطيب سوبر لوكس، تضم شبابيك ومصاطب من الرخام ومدخل المقبرة من الطوب الحراري والشبابيك من الجرانيت أو الزجاج المزخرف وباب حديدي وزهور مختلفة الأشكال والأنواع، فمقبرة مساحة 120 مترا يصل ثمنها إلي 500 ألف بها 4 غرف وبها جميع الكماليات، أما المقابر الصغيرة مساحة 6 أمتار وبها عينان واحدة للرجال وأخري للسيدات فقد يصل سعرها الي 170 ألفا. وفي منطقة التجمع الخامس فقد يتجاوز ثمن الحوش المائة والخمسين ألفا حيث يقول حارس مقابر بالمنطقة إن مستوي الأسعار لا يقتصر علي ثمن المقبرة أو مساحتها، فهناك عوامل أخري مثل التشطيب والحدائق فمعظم المدافن هنا تحتوي علي حدائق وأماكن لاستقبال أهل الميت لذا فسعر المقابر الذي أعلنته وزارة الإسكان ليس بالكثير فيما يخص التجمع فمستوي الأسعار هنا كذلك وسعر المتر يتعدي الألفي جنيه. أما مدافن الغفير فهي أرخص سعرا حيث يتراوح ثمن الحوش بين 40 -50 ألف جنيه، وتقول مجيدة حسين «سيدة عجوز» تعيش في المقابر: «الموت درجات» فسعر المقبرة هنا يختلف عن منطقة المماليك وعن مدينة نصر فهنا أرخص بكثير وتقول إن السعر في البساتين مثل الغفير من حيث مستوي الأسعار والتشطيب فقد يتراوح السعر ما بين 25-35 ألف جنيه أما أن كانت علي الشارع فالسعر قد يصل إلي 40 ألف جنيه. لم تكن قصص الذين يبحثون عن مدفن أقل ذهولاً من أسعار المقابر فعم محمد الرجل البسيط من أسوان يبحث عن مدفن يمكن له أن يشتريه ويدفع تكاليفه منذ 15 عاما وحتي الآن في كل مرة ينزل فيها للبحث عن مدفن بسعر مناسب يرجع علي حد تعبيره «إيد ورا وإيد قدام»، قائلا: أنا راجل من أسوان جيت من أكتر من 30 سنة للقاهرة بصحبة مجموعة من أقاربي واستقررنا هنا ولأن مدافن العائلة بأسوان كان لابد أن أبحث عن مدفن للزمن، إلا أن الأسعار التي وجدتها جعلتني أتراجع حيث إن أقل مدفن لا يقل سعره عن 50 ألف جنيه، حاولت أن أشارك أحد أقاربي الذين أتوا معي من الصعيد ولكنهم رفضوا ومعهم حق فالكثير منهم مازال يبحث حتي الآن عن مسكن ملائم له ولأولاده، في حين أن هناك حالات كان مصيرها مقابر الصدقات. «تعبت من كتر المشاوير لشراء مقبرة أدفن فيها في نهاية حياتي». هكذا بدأ محمد إبراهيم - رجل في الأربعينات من عمره - حديثه مضيفاً: «حتي الموت مش هنطوله»، فبعد أن كان إكرام الميت دفنه، أصبح البحث عن مدفن للميت بعد موته مستحيلا إذا لم يكن يملك مقبرة. من جانبه يقول المهندس مجدي فرحات، نائب رئيس هيئة المجتمعات العمرانية للشئون العقارية إن سعر المقبرة التي طرحتها الهيئة ممثلة في هيئة المجتمعات العمرانية 68 ألف جنيه، و5 آلاف جنيه كوديعة ترد يصرف من عائدها علي أعمال صيانة المقابر ولكن يتم السداد علي مرحلتين، المرحلة الأولي عند الحجز، والثانية عند الاستلام، لافتا إلي أنه سيتم التخصيص بأسبقية سداد مبلغ الحجز، موضحا أنها تضمن للمواطنين حقوقهم بعيدا عن عمليات النصب والسمسرة واستيلاء البعض علي مقابر تركها أصحابها واستغلالها مرة أخري وبيعها لمواطنين بدون أوراق رسمية. يضيف: هذه المقابر بمدن جديدة مثل السادس من أكتوبر والقاهرة الجديدة ومساحتها 40 مترا مربعا، كما أنه قبل طرح الأسعار يتم عمل دراسة شاملة للتأكد من إمكانية خدمة قطاع عريض من المواطنين من خلال وضع الشروط المناسبة قانونياً التي يجب أن يستوفيها المواطن التي يتم إدراكها بكراسة الشروط.