كرّست الجماعات الإسلامية المتشددة من إفلاسها السياسي مع إصرارها علي الدعوة لمظاهرات هدفها دفع البلاد إلي حافة الاحتراب الأهلي، اختبأت جماعة "الإخوان" الإرهابية خلف الجبهة السلفية المتشددة التي تبرعت لتبني الدعوة ل"انتفاضة الشباب المسلم"، في 28 نوفمبر الجاري، والدعوة لرفع السلاح في وجه المصريين، وحمل المصاحف في مواجهات يراد لها أن تدفع البلاد إلي حافة الاحتراب الأهلي، لكن وزارة "الداخلية" أعلنت الاستنفار لمواجهة هذه الدعوات التخريبية.. الغريب في أمر رفع المصاحف أن من دعا لرفعها الفريق الأكثر بعدا عن صحيح الدين وتطبيقه في صراع الفتنة الأولي، ولم يكن خدمة للدين بل استخداما له، ولم يكن لتقديس القرآن بل لامتهانه، ولم يكن استدعاء له بقدر الاختباء خلفه.. حيلة سياسية لاستخدام المقدس في صراع دنيوي، كانت لها أثرها في وقتها لجدتها ولعبها علي تناقضات خطاب علي بن أبي طالب ومعسكره، وعليه تبدو الدعوة لرفع المصاحف من قبل أهل الصحوة مثيرة للرثاء أكثر من كونها مثيرة للاستياء. فالدعوة في حد ذاتها تكشف عن الإفلاس النهائي لخطاب الصحوة ورجالها وسط واقع هذه الأفكار هنا وهناك، في وقت تبدو الصحوة في مصر مضغوطة بفشل الداخل ونجاح شركاء الأفكار في الخارج (داعش والقاعدة)، فيبدو أن الصحوة المفلسة فكرا وأداء قررت التخلص من حالة الازدواجية الخطابية (بترويج خطابها الخارجي المعتدل بين العامة والاحتفاظ بخطابها الداخلي الأكثر تعبيرا عن أفكارها المنغلقة والمتشددة ببن أنصارها)، الإفلاس المعلنبعدم القدرة علي التعاطي المستجد فكريا وسياسيا دفع رجالها إلي مراجعة مواقفهم والانتهاء إلي كشف الغطاء عن طبيعة المشروع دفعة واحدة كونه استخداما سياسيا للدين واعتناقا واضحا للعنف ومخاصمة وجودية للعصر، يكرس بكل وضوح ميل الإسلاميين للعنف فكريا ورغبتهم غير المنكرة لممارسته واقعيا عبر دعوة رفع المصاحف، بعدما ضاقوا ذرعا بهزائمهم وانسحاب ألق الإرهاب من الداخل (الإخوان وأشباهها) إلي الخارج حيث داعش ونظائرها. ودخل الأزهر الشريف علي خط الأزمة، مدينًا دعوات التظاهر الجمعة المقبلة، متهمًا القائمين علي تلك التظاهرات ب"خيانة للدِّين والوطن والشعب"، وأكد الأزهر في بيان شديد اللهجة (الجمعة) الماضي، أن دعوات رفع المصاحف في تظاهرات دعت لها "الجبهة السلفية" المتشددة يوم (الجمعة) المقبلة 28 نوفمبر الجاري، "ليست إلا إحياء لفتنة كانت أوّل وأقوي فتنة قصمت ظهر أمّة الإسلام ومزّقتها". وذهب الأزهر إلي أن دعوة التظاهر "في الوقت الذي تقودُ فيه مصر حربًا حقيقية في مواجهة إرهاب أسود في سيناء من جماعات مدعومةٍ بالسلاح والتمويل والمعلومات، لهي خيانة للدّين والوطن والشعب"، محذراً من الجماعات الداعية للتظاهر بالتلميح إلي انتهاجها نهج الخوارج بمفارقتها إجماع المصريين "ومحاربتها للدولة، وخِيانتها للوطن". موقف "الأزهر" تناغم مع موقف وزارة "الأوقاف" التي وزعت خطبة موحدة علي جميع المساجد المصرية لإلقائها عقب صلاة الجمعة الماضية، حيث بدا استباق منابر "الأوقاف" لتظاهرات القوي الإسلامية، بالتحذير من "الدعوات الهدامة"، والتأكيد علي "حُرمة الدماء في الإسلام، ووعيد الله لمن يحرضون علي الاقتتال". هجوم المؤسسة الدينية الرسمية تزامن مع تناغم تحركات الجماعات الإرهابية علي اختلاف مسمياتها في الفترة الأخيرة في تصعيد واضح مع استمرار العمليات الإرهابية هنا وهناك، مع مبايعة تنظيم "أنصار بيت المقدس" لزعيم "الدولة الإسلامية" أبو بكر البغدادي، ودعوات الإخوان والسلفيين للتظاهر المسلح، فإن المتحقق هو وحدة الصف بين التنظيمات الإرهابية في بث العنف في الشارع المصري والسعي إلي جر البلاد إلي سيناريو الفوضي الذي يعصف بالمنطقة وتكرار السيناريو السوري، في تصعيد يأتي بحسب محللين رداً علي حملة الجيش لتطهير سيناء وإحكام القبضة علي الحدود مع قطاع غزة. من جهته، أكد نبيل نعيم، الخبير في الحركات الإسلامية المتشددة، ل"آخر ساعة" أن دعوات التظاهر تأتي بهدف إلهاء الجيش والشرطة عن مهمة تطهير سيناء من البؤر الإرهابية، في ظل نجاح الجيش في توجيه ضربات قوية للعناصر التكفيرية في سيناء، لأن جميع الجماعات الإرهابية. وشدد نعيم علي أن لهجة التصعيد المتبعة في الآونة الأخيرة من قبل تنظيمات "الإخوان" و"داعش" و"أنصار بيت المقدس" تعكس مدي قلقها من الانهيار الوشيك لتجارة الأنفاق، بما يسبب خسائر فادحة لحركة "حماس" التي تحصل علي ملايين الدولارات من هذه التجارة. في السياق، قال صبرة القاسمي، مؤسس الجبهة الوسطية، ل"آخر ساعة" إن التصعيد الأخير في خطاب الجماعات الإرهابية مع تصاعد العمليات "الجبانة" التي تهدف إلي بث الذعر في نفوس المواطنين "متوقعة لأن هذه الجماعات أفلست، وتدرك جيداً أن البيئة في مصر لم تعد مناسبة لممارسة نشاطها التخريبي، وهو ما تعاظم مع إحباط أكثر من مخطط لتسلل عناصر من تنظيم داعش إلي مصر عبر الأنفاق مع غزة، التي تم إغلاق نحو 2000 منها منذ الإطاحة بالرئيس الإخواني محمد مرسي في يوليو 2013. من جانبها، حذرت عدة مؤسسات حقوقية مصرية من استخدام متظاهري الإخوان في 28 نوفمبر العنف والسلاح ضد أجهزة الدولة، مشددين علي خطورة جر الدولة للعنف ضد المتظاهرين، فيما أكدت مصادر أمنية مطلعة أن تنظيم الإخوان الإرهابي، تواصل مع ممثلي منظمة «هيومان رايتس ووتش» لتكون إحدي أذرعها في «تظاهرات الجمعة»، لمراقبة الأجهزة الأمنية وإظهارها للعالم علي أنها تعامل المظاهرات السلمية بعنف دام. وسيعتمد وفد «هيومان رايتس» علي نشطاء تابعين لمؤسسات حقوقية غير مسجلة قانونا، لمراقبة مظاهرات الإخوان في القاهرة وباقي المحافظات، وتصوير القوات الأمنية فقط دون رصد شغب وعنف الجماعة الإرهابية بالإضافة إلي إعداد فيديوهات مركبة تصور انتهاكات من جانب رجال الشرطة ضد متظاهري الإخوان ونشرها علي الإنترنت. وقال حافظ أبوسعدة رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان إن الدعوة لاستخدام السلاح يوم 28 اكبر خطأ يرتكب وسيدفع الداعون له ثمنا غاليا، لافتا إلي أن تحويل الوضع في مصر الي السيناريو السوري أمر خطير.