عنوان الانقسام في الوطن العربي، حكومتان، وبرلمانان، وجيشان، وبنكان مركزيان، وقوتان للشرطة، فضلاً عن إمارات مستقلة مثل درنة ومصراتة، من يحارب من في ليبيا؟، وماذا يريد كل طرف من الآخر؟. البحث عن الإجابة أشبه بالبحث عن المستحيل طالما أن الجزء الغاطس من المشهد أكبر بكثير من الظاهر منه.. مدينة بنغازي مهد «الثورة» الليبية تشهد في الأيام الأخيرة معارك طاحنة بين قوات الجيش الموالية للواء حفتر، وجماعات إسلامية متشددة، أسفرت عن مقتل العشرات. حفتر والقوات الموالية له التي أسماها "الجيش الوطني الليبي" أطلق ما يعرف بمعركة «الكرامة» ضد الجماعات الإرهابية الإسلامية ويهدف من خلالها إلي تحرير ليبيا. بينما تتوعد هذه الجماعات بقيادة «أنصار الشريعة» بتصفيته هو وقواته وتصفهم علي حد زعمها ب"الصحوات الليبية المدعومة من الاستعمار الأمريكي". أما طرابلس، فيحتدم فيها الصراع بين قوات بفجر ليبياا الأقرب إلي الإسلاميين وميليشيا «الدروع» التابعة لمصراتة.. وبين كتائب الصواعق والقعقاع.. وبعد استيلاء قوات فجر ليبيا علي مطار طرابلس ومنطقة «رشغالة» التي يتردد أن أنصار العقيد القذافي وراياتهم الخضر يتمركزون فيها، تقول تقارير إعلامية بأنها «أي قوات فجر ليبيا» بصدد اقتحام منطقة الزنتان واعتقال سيف الإسلام القذافي المعتقل في أحد سجونها.. في خلفية الأزمة الليبية التي باتت أسيرة بين الإرهاب الداخلي والتآمر الدولي وشبح إنتاج جماهيرية ثانية «في ظل الدور السلبي الذي يقوم به رجال نظام القذافي هناك» تبرز عوامل عدة، لعل أكثرها خطورة ما أعلنه برنادينو ليون مبعوث الأممالمتحدة إلي ليبيا بأن مجموعات مناصرة للدولة الإسلامية «داعش» بدأت تتحرك في الساحل الأفريقي ومن بينها ليبيا. كذلك اتساع الفجوة بين الأطراف المتصارعة علي الأرض من الاتجاه نحو حل الأزمة من خلال الحوار، خاصة مع وجود محاور عربية تدعم أطرافا بعينها بعيدا عن تبني دور عربي وفاقي بين هذه الأطراف برغم كل دعاوي الحوار التي لم تشمل حتي الآن الأطراف المتصارعة علي الأرض بحجة أن الحوار لا يجب أن يشمل من حمل السلاح وكأن القرار في ليبيا الآن هو لمن لا يحمل السلاح. المحلل السياسي الليبي، الدكتور محمد علي حراش، يري أنه مازالت كل الأطراف متقاتلة ومتعلبة في قرارها حتي اللحظة وإن كان الأمل في أن يتم الانتقال إلي السجال السياسي لكن للأسف لا يوجد ما يبرر هذا الأمل أو أن يقول أحد إن الطريق يتجه نحوه أكثر. ويري حراش، أن الاجتماعات ومجالس الحوار والمحاولات كلها لم تنتج شيئا حتي الآن بل ربما كان الغرض من انعقادها يثير بعض الارتياب من بعض الأطراف في نفس الوقت.. بل إن كثرة هذه الاجتماعات وكثرة الدعوات للحوار إنما تميّع الحوار وتجعله أقرب إلي المصطلحات التي كثر استخدامها مثل «الشرعية» و«الوطنية» و«الثورة» وكل تلك المصطلحات التي خفتت بكثرة استعمالها، فما يمكن أن تصاب الأمم بمصيبة أكبر من مصيبة احتكار القمة.. لتأتي بعدها فكرة شيطنة الآخر من أجل استباحته وهي قمة الفاشية. وفي الوقت الذي ينتظر الغرب الأقوي ومن سينتصر.. وينتظر البعض حسما قضائيا سوف تنطق به المحكمة الدستورية العليا في ليبيا يوم 5 نوفمبر القادم حول شرعية برلمان طبرق، يري آخرون أن فرص الحسم العسكري علي الأرض هي الأقرب للواقع.. فهل حسم المعركة عسكريا في بنغازي سوف يحدد بوصلة المعادلة الليبية؟ أم أن المشهد في طرابلس يحتاج إلي معادلة أخري خاصة بعد أن دعت حكومة عبدالله الثني التابعة لبرلمان طبرق في شرق ليبيا سكان طرابلس إلي العصيان المدني ولم تجد استجابة؟. محمد بوبصير، المستشار السياسي لما يسمي الجيش الوطني الليبي، والمقيم بالقاهرة، يقول: «النصر يبدو أمامنا، وبنغازي تتحول من مدينة أسيرة للإرهاب إلي مدينة طاردة وتهزم الإرهاب، وتعطي مثالا من جديد أمام العالم بأن الشعوب إذا استطاعت وتوفرت لها القيادات الجريئة والعاقلة والوطنية تستطيع أن تهزم الإرهاب حتي بدون دعم من المجتمع الدولي. ويري، أن وحدة السكان والقبائل في مدينة برقة التي التفت حول عملية الكرامة، إضافة إلي شجاعة شباب بنغازي الذين استجابوا للنداء وانطلقوا يقاتلون الإرهاب، كانت أهم عوامل تقدم عملية الكرامة حتي الآن. أما في بنغازي ف«أنصار الشريعة» يرفضون العملية السياسية، ويحتكمون فقط للسلاح، لذا نأمل أن تحل الأمور في طرابلس في إطار الحوار والتوافق علي عودة الحكومة إلي طرابلس وإلي بداية عودة الأمور إلي نصابها مع القبول بجميع الأطراف غير المسلحة والتي لا تعترض علي العملية السياسية أن تكون طرفا في العملية السياسية الليبية. بوبصير قال، إن تحرير بنغازي سيكون إشارة البدء لبداية تدشين نظام وطني سياسي ليبي فكل ما حدث منذ 71 فبراير إنما هي توابع لإسقاط النظام السابق ولكن لم يكن هناك عمل جاد يقوم علي القدرة والرغبة كما هي الظروف المتاحة الآن لبناء نظام سياسي وطني يقوم علي تخليص ليبيا من الإرهاب ومن فوضي السلاح وبناء جيش وطني يحمي البلاد ويحمي الشعب ويحمي العملية السياسية. ولكن بالعودة للواقع علي الأرض، فما مدي قدرة القوات الموالية للواء حفتر علي تدمير القدرات العسكرية للميليشيات التابعة لأنصار الشريعة حتي بعد طردها من بنغازي؟. يعترف بوبصير، أن قطاعات من هذه الميليشيات مازالت في بنغازي لكنها كما يتضح للجميع، لا تعمل الآن في إطار مجموعة منظمة كما كانت تعمل من فترة سابقة فقد تم استنزافها واستدراجها إلي معركة «بنينا» التي استطاعت أن تستنزف هذه المجموعات وأن تنهي وجودها والفضل يعود لما قام به أبناؤنا في السلاح الجوي، وإن كنا نتوقع أن يلجأوا إلي التفجيرات والعمليات الإرهابية، لكنه يري أن شباب ليبيا والجيش الليبي قادرون علي تحقيق الاستقرار.