د.بديع يواصل هواياته فى إطلاق التصريحات التحريضية واصل مرشد جماعة الإخوان المسلمين، الدكتور محمد بديع، هواية سلفه السابق، محمد مهدي عاكف، في إطلاق التصريحات التحريضية المستفزة والمثيرة لأجواء الفتنة والانقلاب والخروج علي الشرعية.. فلم يكتف بالإعلان عن تمسك جماعته بشعارها الطائفي "الإسلام هو الحل" في ماراثون انتخابات مجلس الشعب المقبلة، ووصفه المجتمع والحكومة ب"النجاسة" في حضور حشد إخواني كبير، وإنما طالب أيضاً بحذف كافة مواد الدستور التي لا تتفق مع ما أسماه بأحكام الإسلام وتعاليم القرآن، الأمر الذي يمثل خرقاً واضحاً لأسس الدولة المدنية وترويجاً للدولة الدينية،.. قبل أن يزعم في رسالته الأسبوعية الأخيرة أن السلطة الوطنية الفلسطينية توشك علي الزوال لمجرد جلوسها علي طاولة المفاوضات المباشرة مع إسرائيل.. لم يحتمل الدكتور محمد بديع لقب "مرشد الإخوان الهادئ" طويلاً.. ذلك اللقب الذي سعت كافة النوافذ الإعلامية الإخوانية جاهدة للترويج له منذ صعوده المفاجئ لسدة الحكم في الجماعة قبل بضعة أشهر، وذلك في محاولة للتشويش علي الانقلاب الداخلي الذي قاده الجناح الإخواني المحافظ المتشدد ضد الإصلاحيين وانتهي بتنصيب بديع مرشداً ثامناً للإخوان، فضلاً عن محاولة نفي صفة "الانغلاق والتعصب الفكري" عنه وإخفاء ميوله وجذوره »القطبية« نسبة لمنظر الجماعة التاريخي سيد قطب" الواضحة.. غير أن الدكتور بديع أبي أن يكمل سيناريو تبييض وجهه وتوجهاته، ورفض لعب دور المرشد الكومبارس الذي يطالع فلاشات الكاميرات مبتسماً فيما يردد ما يملي عليه من صقور الجماعة وحكّامها الفعليين. ومن ثم خرج في سلسلة تصريحات ورسائل نارية تكشف عن الوجه "الفاشستي" للجماعة التي تفتقد لأي رؤي أو خطط حقيقية للبلاد علي حد قول السيد ياسين مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية. ولعل آخر هذه التصريحات ما ادعي فيه مرشد الإخوان قرب انهيار السلطة الوطنية الفلسطينية وأنها تلفظ الأنفاس الأخيرة لها فيما تواصل الجلوس علي مائدة المفاوضات المباشرة مع إسرائيل.. مما عرض جماعة الإخوان والدكتور بديع نفسه لردة فعل عنيفة وفورية من قبل السلطة الفلسطينية التي أصدرت بياناً رسمياً وصف كلام بديع ب"فتوي لاستمرار الفتنة والانقلاب والإبقاء علي الانقسام الذي أقدمت عليه حركة حماس الجناح المسلح للإخوان في فلسطين. بيان السلطة الفلسطينية كان محدداً حينما فضح الأساليب الإخوانية المعتادة في قلب الحقائق قائلاً: "ويبدو واضحاً أن قادة الإخوان المسلمين كعادتهم دائماً يحاولون أن يقلبوا الحقائق ويزيفوا الوقائع ويزوروا التاريخ".. "وعندما يزعم من يسمي (بالمرشد) أن السلطة الفلسطينية توشك أن تلفظ أنفاسها فهو يعبر عن رغبة دفينة لدي جماعته كما يخططون لذلك أيضاً بضرورة هدم منظمة التحرير والسلطة الوطنية القلعة التي تقف في وجه مخططات الاحتلال الرامية إلي فرض الحل الإسرائيلي المنقوص بإقامة الدولة ذات الحدود المؤقتة والتي أعلنت حركة حماس وهي فرع حركة الإخوان المسلمين في فلسطين موافقتها عليها".. قبل أن ينتهي البيان نصاً: "إننا ننظر إلي تصريحات من يسمي ( بالمرشد العام ) لحركة الإخوان المسلمين علي أنها فتوي لاستمرار الفتنة والانقلاب والإبقاء علي الانقسام الذي أقدمت عليه حركة حماس خدمة لمخططات الاحتلال بإلغاء الشريك الفلسطيني وضياع القضية في أدراج التبعية والاستخدام والاستقطاب خدمة لأهداف بعيدة كل البعد عن الأهداف الوطنية لشعبنا".. "وعلي محمد بديع وجماعته أن يقرأ الواقع ويستخلص العبر الصحيحة إن كانوا يجيدون القراءة أو يقروا بالحقائق الصادقة دون تفسير ملتوٍ أو قصد مشبوه أو مآرب ضيقة موتورة".. وعليه لا يبدو صدفة أن يتزامن هجوم الدكتور بديع علي السلطة الوطنية الفلسطينية وعلي المفاوضات المباشرة التي يخوضها الرئيس عباس أبومازن مع إسرائيل برعاية مصرية ودولية كبيرة علي أمل إنقاذ الشعب الفلسطيني من محنته وإقامة دولته المستقلة، مع إشادته "الفجة" بإنقلابيي حركة حماس في غزة ووصفهم بالصمود والصبر والثبات، علي الرغم من أن القاصي والداني يدرك أن قادة الحركة هم الخارجون علي الشرعية، وأنهم يصرون علي تقسيم الشعب الفلسطيني ويرفضون كافة الجهود المصرية للمصالحة مع حركة فتح تنفيذاً لأجندات إقليمية بعيدة كل البعد عن المصلحة الوطنية. ما دعا الدكتور سمير غطاس، مدير مركز مقدس للدراسات الفلسطينية، للقول بأن: "موقف جماعة الإخوان المسلمين المحرض علي السلطة الفلسطينية والمروج لأكاذيب حماس أحد أذرعها في التنظيم الدولي لا يبدو مفاجئاً أو استثنائياً في ظل لعبة المزايدات السياسية التي تمارسها الجماعة من حين لآخر علي النظام المصري بهدف كسب أرضية لها في الشارع وتخفيف التضييق الأمني عليها، ويأتي كذلك في إطار رغبة الإخوان في الضغط علي الحكومة المصرية بورقة حماس والمصالحة الفلسطينية الفلسطينية قبل الدخول في لعبة انتخابات الشعب التي تبحث فيها الجماعة عن أي مكاسب وبأي وسيلة".. دعاية مرشد الإخوان المجانية لأكاذيب وافتراءات الانقلابيين الحمساويين في غزة لم تكن إلا قمة جبل الجليد لسلسلة من التصريحات التحريضية والطائفية التي أطلقها الدكتور بديع مؤخراً، ويبقي أشهرها ما زعمه في حفل إفطار رمضاني للجماعة بطنطا من أن الإخوان "يسعون بكل قوة لإزالة نجاسات المجتمع والحكومة"، قبل أن يمنح كعادة قادة الإخوان وتلامذة سيد قطب لجماعته صك القداسة بالادعاء أنها "تمتلك ماء السماء الطهور الذي سيطهر تلك النجاسات".. ووسيلتها في ذلك التمسك بشعار "الإسلام هو الحل"، ضارباً عرض الحائط بمبادئ المدنية والمواطنة التي اتخذها الدستور المصري عنواناً له. ويشار في هذا السياق إلي أن معظم القوي السياسية المصرية والعديد من القانونيين يعتبرون أن "الإسلام هو الحل" شعار عنصري بامتياز، يفرق بين أبناء الشعب المصري علي أساس عقائدي، كما يحمل في طياته معني احتكارياً وخصوصية لفئة دون أخري، ناهيك عن أنه يحمل مخالفة صريحة للمادة الخامسة من الدستور والتي تم تعديلها بموجب الاستفتاء الذي جري في 26 مارس2007 والتي "تحظر مباشرة أي نشاط سياسي أو قيام أحزاب سياسية علي أي مرجعية دينية أو أساس ديني".. وأيضاً فهو يحمل مخالفة للمادة الثانية من الدستور، والمعدلة أيضاً في نفس ذات الاستفتاء المشار إليه، وتنص علي "أن جمهورية مصر العربية دولة نظامها ديمقراطي يقوم علي أساس المواطنة".. وفيما قد يبرر البعض إقدام المرشد الحالي علي اتهام المجتمع بكافة فئاته والحكومة بمختلف أجهزتها بالنجاسة بكونه تلميذاً نجيباً لسيد قطب الذي سبق وأن رمي المجتمع بالكفر ووصفه بالجاهلي، فإن السيد ياسين مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية يضيف علي ذلك أن كلام الدكتور بديع يكشف خطر الإخوان علي المجتمع الذي يعتبرونه نجساً وأنهم وحدهم وبصفتهم ممثلين للإسلام يناط بهم دون غيرهم مهمة تغيير هذا المجتمع ليتواكب مع أفكارهم وقناعاتهم. يأتي هذا فيما مثلت مطالبات بديع بضرورة حذف "كل مادة في الدستور لا يستسيغها الإسلام، ولا تجيزها أحكامه" وأن يتم استقاء مواد الدستور من القرآن الكريم، نوعاً من الترويج للدولة الدينية وتحريضاً تاماً للانقلاب علي شرعية الدستور والقانون وحقوق المواطنة، إضافة –وكما يري الناشط السياسي جمال أسعد- إلي رغبة الإخوان، وعبر الترويج لمثل هذه الأمور، في مغازلة الشارع وإيهامه أنهم يتحدون النظام السياسي والتعديلات الدستورية ويرفعون شعارهم ويرددون أفكارهم دون خوف أو اكتراث.. وبحسب قيادي إخواني سابق لا تبدو تصريحات بديع الأخيرة من قبيل المفاجأة، بل هي امتداد لقناعاته وأفكار القطبيين وصقور الجماعة من المحافظين. فهو ابن بار لمدرسة منظر النظام الخاص الأول، سيد قطب، ولدراويشها المخلصين من المحافظين الإخوان. وهو ملتزم بكل آرائهم وأحكامهم تحت أي ظرف، ومنها ما يتعلق برفض صقور الإخوان لمسألة تولي المرأة أو القبطي للرئاسة، ففي تصريحات سابقة له يقول: "اختيارنا الفقهي هو أن المرأة لا تصلح لقيادة الدولة وهذا خيارنا ولكل قوي أو جماعة أن تقول رأيها".. "لدينا رأي وحديث نبوي يمنع تولي قيادة الدولة رجل علي غير الملة، وشروط تولي الإمارة ليس لأنه مسئول حكومة لكنه يقوم بأعباء دينية".. وخلال أزمة تصعيد الدكتور عصام العريان لمكتب الإرشاد إبان ولاية المرشد السابق مهدي عاكف انحاز الدكتور بديع بوضوح لصف المحافظين، مؤكداً أن الحديث عن تصعيد العريان خلفاً لعضو مكتب الإرشاد الراحل محمد هلال مخالف للوائح الداخلية للإخوان، وفي الوقت ذاته شن هجوماً علي الإعلام بزعم أنه من أشعل أزمة العريان وافتعلها من لا شيء، واصفاً الصحفيين ب "المغالين الذين ينفخون في النار لاصطناع أزمة في صفوف الجماعة، ويتصورون أن الإخوان ليسوا جماعة مؤسسية تعمل وفق لائحة مدروسة ومعتمدة تطبق علي الكبير قبل الصغير".. ووفق مصادر قريبة من مكتب الإرشاد يؤمن الدكتور بديع أيضاً بحتمية الحفاظ علي الطابع السري للجماعة، وضرورة حصر انفتاحها المتزايد في الفترة الأخيرة علي المجتمع السياسي وعلي الإعلام، ومن ثم تكثيف جهود الإخوان لإعادة كمون الجماعة من جديد، حتي تكتمل استعداداتها قبل أن تخرج في ثوب آخر يليق بهدفها تأسيس الأمة الإسلامية الحديثة.. كما أن مؤرخ الجماعة، أحمد رائف، يعتبر الدكتور محمد بديع من الأعمدة الرئيسية للنظام السري الخاص للإخوان في الوقت الراهن، وأنه يعمل إلي جانب أسماء من شاكلة، نائب المرشد، الدكتور محمود عزت، والقياديين البارزين، الدكتور محمود غزلان، والدكتور محمد مرسي، لأجل الحفاظ علي كيان الإخوان التنظيمي كخطوة رئيسية نحو تحقيق حلمهم الأكبر والمتمثل في "إقامة الخلافة الإسلامية".. وكذا إصدار الأوامر والتعليمات واجبة الطاعة والنفاذ إلي المستويات العليا للجماعة، علي أن تقوم تلك المجموعة بدورها بنشرها وتعميمها علي جميع المستويات والقواعد الإخوانية. علاوة علي مواجهة أي محاولات لاختراقها لعدم الإضرار بمصلحة الجماعة أو ضربها في العمق. إن اقتراب موسم الانتخابات يجعل من تصريحات الإخوان ومرشدهم التحريضية والإنقلابية أمراً متوقعاً، غير أن الآثار السلبية لتلك التصريحات تزيد بلا شك الهوة بين الجماعة والشارع الذي لم يعد ينخدع بأي كلمات براقة تخاطب عاطفته..