«65» هو عدد الآثار الإسلامية التي تتبع حي الدرب الأحمر، جنوبالقاهرة، ما يجعله بمثابة متحف مفتوح وسط بقعة سكنية شاسعة، قادرة علي ابتلاع التاريخ بأكمله، وليس تشويهه فقط. غالبية الآثار المصنفة إلي أسبلة ومساجد وحمامات وأضرحة تعاني حالة انهيار وتدهور واعتداء سافر، فهناك مايتعرض إلي السرقة، وهناك ما أصبح مسكناً للفقراء، وما تحول إلي ورش للنجارة وأخري لصناعة الأحذية، بخلاف أماكن أخري تحولت إلي مقالب وهناك من صار مقلباً للقمامة. لتبقي حقيقة مؤكدة أن معالم القاهرة الفاطمية يتم محوها يوماً بعد الآخر.. «آخر ساعة» رصدت كثيراً من الانتهاكات التي تحدث للآثار في شوارع المغربلين والسروجية والخيامية وتحت الربع وسوق السلاح.. وغيرها، من التي تضم في قلبها مباني آيلة للسقوط. بدأنا الجولة من «جانم البهلوان» أكثر المساجد التي حظيت بالنصيب الأكبر من تزاحم الباعة أمامه، نظراً لأنه مغلق للترميم. حتي أن اللوحة التي تفيد بذلك اختفت وراء أجساد النساء اللاتي حجزت كل واحدة منهن مكاناً مخصصاً لها. جميعهن لا يعرفن شيئا عن المسجد. منهن من تعرف الاسم فقط. والكثيرات لا يستطعن القراءة، المسجد مسجل أثر رقم 129 يعود إلي أيام السلطان الأشرف قايتباي، الذي بناه الأمير جانم البهلوان عام 883ه - 1478م، وجعله مدرسة لتدريس المذاهب الأربعة. وذكر أن جانم بني جامع في موضع مصلي الأموات القديم، وبه قبره تعلوه قبة مرتفعة. وكان مسجد جانم البهلون تعرض إلي سرقة 8 حشوات خشبية من منبره، واستطاعت وزارة الآثار عام 2008م استردادها من العاصمة الدنماركية كوبنهاجن. يلي "جانم البهلوان" مسجد الأمير جاني بك، الذي يشغل مساحة مستطيلة الشكل تشتمل علي صحن أوسط مغطي بسحابة من القماش السميك. ويحيط به أربعة إيوانات أكبرها إيوان القبلة بصدره دخلة المحراب، وتطل الإيوانات علي الصحن بعقود من الحجر المشهر، كما تغطي الإيوانات أسقف خشبية مزخرفة برسوم هندسية ونباتية، يحتوي المسجد الذي نُحتت علي جدرانه تاريخ نشأته عام 1328م علي 15 مصباحاً ونجفتين وتسعة أبواب خشبية، ويخبرنا أنور عبدالمقصود أحد المترددين علي المسجد أنه تم ترميمه منذ عشر سنوات، لكن لا يزال يحتاج إلي الكثير من الاهتمام حتي يسترد طابعه الأثري. وقرب شارع الخيامية، يقع مسجد إينال يوسف، المعروف بالجامع الإبراهيمي (أثر رقم 118) الذي يتعرض للسرقة من حين لآخر. بناه الأمير إينال بن عبد الله اليوسفي اليلبغاوي، أحد مماليك السلطان، عام 795ه - 1393م، ودفن به مع حفيده أحمد بن علي نائب الإسكندرية. وللمسجد واجهة رئيسية هي الواجهة الشمالية الغربية، التي وضعت بها عناصر المسجد الرئيسية، حيث يوجد بطرفه الغربي واجهة السبيل والكتاب الذي يعلوه، كما يوجد به المدخل الرئيسي، وكل من واجهة الإيوان الشمالي الغربي وواجهة القبة الضريحية. ويتعرض المسجد إلي استغلال فج، إذ تم تحويل إحدي شرفاته إلي "منشر غسيل"، في شارع الدرب الأحمر بالقرب من باب زويلة، يقع أشهر المساجد القريبة من قلوب السكان والمارة، الذي تكتشفه سريعاً عندما تجد نفسك أمام سقف يعلو أحد الأزقة، مكتوب عليه: "معانا يارب". بائعو المخلل الجالسون بجوار مسجد قجماس الإسحاقي المشهور باسم مسجد أبو حريبة، أخرج أحدهم ويدعي هشام صلاح من جيبه ورقة بخمسين جنيهاً، ليثبت لنا أهمية المسجد الذي نقف أمامه، فهو نفس المسجد الموجود في العُملة، والسقف الذي نقف أسفله موجود فيها أيضاً. يتوسل هشام:أنقذوا الجامع، أحجاره تتآكل، والأعمدة تنكسر، ويتعرض إلي سرقة منبره المصنوع من الخشب المطعم بالعاج، حتي أبوابه لم تسلم من السرقة، وتم نزع الزخرفة النحاسية من عليه الأسبوع الماضي". ومن المساجد الآيلة للسقوط، مسجد السيدة فاطمة شقراء، الموجود في شارع تحت الربع، وقد شيده في الأصل رشيد الدين البهائي عام 873ه 1468م في عهد السلطان المملوكي الأشرف قايتباي، ثم تعرض للتدهور مع مرور الزمن، ما دفع إحدي سيدات العصر العثماني وتدعي فاطمة شقراء إلي تجديده، وفي أيامنا هذه يعاني المسجد أشد أنواع الإهمال، إذ تدهورت مئذنته، وتآكلت جدرانه، واختفت ملامحه وسقطت الزخارف المعمارية المنقوشة من علي واجهته.