أبطال الفيلم الموريتانى «تمبكتو».. يشارك لأول مرة فى المسابقة الرسمية هذه الكلمات تلخص حالة مهرجان «كان» السينمائي هذا العام في دورته السابعة والستين مما عرض حتي الآن في المسابقة الرسمية والبرامج الموازية. لقد صنعت السينما من هذه المدينة الصغيرة التي كانت مرفأ صغيرا للصيادين لتتحول للمدينة الأشهر في عالم السينما وتنافس بمهرجانها وضيوفها كل مدن العالم. الأحاديث الجانبية عن أزياء النجوم والمجوهرات الثمينة التي يرتدونها.. والتي ليست بالضرورة أن تكون ملكهم.. كل هذه الأمور والأشياء تأخذ العقل. مع بداية المهرجان أصيبت المدينة بالشلل بسبب إضراب سائقي التاكسي.. ووسائل النقل العام.. لكن أهل المدينة الذين يعيشون علي أحداثها الثقافية والفنية من خلال المهرجانات والمؤتمرات الفنية والثقافية كانوا علي أتم استعداد لاستقبال الضيوف ووضع سياراتهم تحت خدمة ضيوف البلدة. ٭٭٭ لم يمض الكثير علي بداية المهرجان.. والمنافسة حتي الآن ليست حامية بالقدر الكافي.. وإن كان أكثر الأفلام التي حظيت بالإعجاب التي بالتأكيد سوف يكون لها نصيب من الجوائز (مستر تيرنر) إخراج «مايك لي».. والفيلم الموريتاني «تمبكتو» للمخرج «عبدالرحمن سيساكو» ليشارك للمرة الأولي في المسابقة الرسمية.. وإن كان حصل من قبل علي جائزة «الفيبرس» «النقاد الدولية» عام 2002 عن فيلمه «هير ماكونو في انتظار السعادة» الذي عرض في برنامج «نظرة ما» والجدير بالذكر أن «سيساكو» أنتج فيلمين للمخرج «محمد صالح هارون». وفي حوار مع «عبدالرحمن سيساكو» سألوه لماذا تبدو شخصيات «الجهاديين» المتطرفين يائسة بائسة؟.. فأجاب أقول صراحة أن وراء كل واحد فيهم حكاية تم استغلاله فيها. كما أضاف سيساكو أن الضحية الأساسية لهؤلاء المتطرفين هو «الإسلام».. الذي هو بعيد تماما عن تشددهم.. لأنه دين قائم علي التسامح والمحبة. الفيلم وإن كانت الراوية تبدو مثل كثير من المناطق التي يدخلها المتطرفون فيحرمون الموسيقي.. والتدخين.. وكل أنواع البهجة المحترمة في الحياة.. وحيث تعامل المرأة وكأنها كائن من الدرجة العاشرة.. ومن خلال مناظر طبيعية شديدة الجمال للصحراء يقدم سيساكو رؤيته لقرية صغيرة مع حكاية (كيدان) الذي يعيش في خيمة وسط التلال الصحراوية مع ابنته «تويا» ابنته الصغيرة وزوجته «ساتيما» وراعي الغنم والأبقار الذي يقارب عمره عمر ابنته. وفي أحد الأيام تصل أفضل البقرات في النهر وتقطع شبكة أحد الصيادين.. فيقوم بقتلها.. وعندما يذهب كيدان لمعاتبته يقتل بطريق الخطأ.. ويحكم علي «كيدان» بقطع الرقبة.. لينهي الفيلم برجم كيدان وزوجته بقسوة.. وهي التي حضرت لرؤيته قبل قطع رقبته.. إن الفيلم يوضح العنف الشديد الذي يمارسه المتطرفون علي أهل البلاد دون رحمة.. وبتطبيق مفاهيم خاطئة غير صحيحة عن الإسلام عمل سيساكو علي أن يصححها بصورة راقية للغاية من خلال حوار الإمام مع هؤلاء المتطرفين.. الذين يسيئون بكل ما يسيئون للإسلام الذي هو منهم بريء تماما. أنها أفريقيا القارة السوداء.. المخضبة أرضها بالدماء.. في حالة ثورة وغليان.. في محاولة للتخلص من الحروب العرقية التي تدمرها.. تحاول أن تنفض الغبار عن الجسد العليل الهزيل الذي هده الفقر والجهل وندرة الخدمات.. أفريقيا الأرض البكر المليئة بالثروات للأجانب فالخير بعيد عن أبنائها الغارقين في العتمة والظلام الأسود.. ورغم ذلك يحاول بعض من أبنائها الثورة والخروج بها إلي عالم أفضل إلي عالم يتجه نحو النور بعيدا عن الخرافات والمعتقدات التي مازالت تسيطر علي العقول ولا تقل في خطورتها عن الإرهاب في أنحاء أخري من هذه القارة.. التي كتب عليها حتي الآن أن يلفظ رحمها الأبناء الأصحاء الأسوياء فتجهض قبل أن تنجبهم.. كأن القدر لايريد لها إلا القليل من الأبناء البؤساء الصغار الغارقين في الفقر والضعف وقلة الحيلة.. ومما يزيد البلة سوءا أن حكامها معظمهم كانوا من مصاصي الدماء هم ومن يحيطونهم من وزراء وساسة سمحوا لأنفسهم بالثراء بلا حدود.. وأموال مهربة للخارج ليعيشوا في القصور بينما أهل البلاد معظهم حفاة.. عراة يسكنون الأكواخ الطينية يعانون الاحتياج لأبسط قواعد الحياة وفي احتياج دائم لرعاية صحية.. واهتمام بالتعليم وقبل كل ذلك لقمة (خبز نظيفة).. تسد القوت.. وتصلب العود. أفريقيا هذه القارة الثرية بثرواتها وخيراتها الطبيعية.. الصراع فيها يدمرها.. والمستفيد الوحيد هو «الغرب» الذي يحصد الأموال.. وتتضخم ثرواته.. بينما أبناء البلد في حالة من «العوز».. الشديد المادي والمعنوي. ولهذا كم كان جميلا الوجود الأفريقي في مهرجان «كان» هذا العام منافسا بشدة علي الجوائز بالأفلام التي تحمل بصمة أبناء هذه القارة.. وتعكس ملامح الأمل والوعي لدي أبنائها من خلال سينما راقية واعية.. ففي المسابقة الرسمية يعرض فيلم المخرج «الموريتاني» عبدالرحمن سيساكو «تمبكتو» الذي ينافس بقوة علي السعفة الذهبية.. ويعد من أفضل وأجمل وأقوي الأفلام التي عرضت في المسابقة الرسمية التي تضم ثمانية عشر فيلما. والفيلم الثاني من ساحل العاج وعرض في إطار مسابقة «الكاميرا الذهبية» والتي تضم خمسة عشر فيلما.. ويرأس لجنة تحكيمها الفنانة الفرنسية القديرة «نيكول جارسيا».. وتضم كلا من الممثل الفرنسي «ريتشارد انكونينا».. والتقني «جيل جايار» والناقدة «موفي جراسان».. و«ليزا نسلسون».. و«فيليب فان لويف».. «وهيلينيا كلوتز».. وبذلك تكون «النساء» حققن رقما قياسيا في عددهن هذا العالم في مختلف لجان التحكيم. ٭٭٭ في حضور وزير ثقافة ساحل العاج عرض فيليب لاكوت فيلمه الأول «العدو» أو الجري والذي ظل يعمل عليه لمدة عشر سنوات.. فيليب لاكوت من مواليد «أبيدجان» وبالتحديد في منطقة «بويوجون» التي شهدت أحداث حركة الشباب الوطني واندلعت منه الثورة.. ولد فيليب في حي «اسكارا» لذا فهو يعرف المنطقة جيدا وله العديد من الأصدقاء والزملاء.. البداية كانت في عام 2002 ليبدأ تصوير مايحدث بكاميرا رقمية ويستطلع آراء مئات من الشباب قبل أن يقرر بعد سنوات تقديم ما صوره وسجله في فيلم روائي طويل. الجدير بالذكر أن فيليب لاكوت سجل فيلما تسجيليا عن أدباء التسعينيات في مصر كصورة وواجهة للثقافة المصرية اليوم. وعودة لفيلم «العدو» الذي يعد العمل الروائي الأول ل فيليب الذي حاول بنجاح شديد أن يرسم صورة لملامح وطنه في فترة عصيبة ليثور الجميع ويسقط أكثر من ثلاثة آلاف شخص قتلي في أيام معدودة.. لنشاهد عشرين عاما من حياة شاب حياته هي انعكاس لتاريخ الوطن الأم. في البداية يقول المخرج عرفت أنني أعشق السينما عندما كنت طفلا صغيرا أشاهد مع أبناء الحي الذي أقطن فيه وكان عددنا تقريبا مائة وعشرين.. وكنا نشاهد فيلما «لبروس لي».. وعندما تعرض للهجوم وقف أحد الشباب وطعن الشاشة بخنجر لينقذ «بروس لي».. في هذا اليوم تأكدت أنني سوف أكون مخرجا سينمائيا.. وأنني سوف أؤثر في الناس من خلال الصورة التي أقدمها لهم. ٭٭٭ الفيلم يروي حياة «ران» الذي أطلق عليه هذا الاسم لقدرته الشديدة علي العدو والجري السريع.. إنه استعراض لثلاث مراحل من حياة شاب.. أمضي عامين في الشوارع يجوبها مرتديا ثياب «المجانين» الضائعين في الحياة.. لا يسترهم سوي «الخيش» ومن كثرة ما يعتقد البعض أنهم مهمشون للغاية بات لا أحد ينظر إليهم. طفولة يائسة في الملجأ لم ينقذه منها إلا المعلم «تورو» الذي وجد في روحه نوعا من الصمود فاحتضنه.. ومعه كان يحلم بأن يكون جالبا للمطر.. ثم مع «جلاديس» النهمة التي تقدم عروضا تبرز قدرتها علي التهام أكبر كمية من الطعام.. وهروبه عندما ثارت الجماهير عليها لعجزها عن الاستمرار في هذا الدور.. وأخيرا انضمامه لجماعة شباب ما أطلق عليهم «الشباب الوطني».. جعلوا من أنفسهم مراقبين.. حتي أصبح من يطلق عليه «ادميرال» رئيسا للوزراء.. مع أنه كان فاسدا مما دفع «ران» لقتله أمام الناس بعد أن تم تدريبه علي يد «إيسا». إن حياة «ران» هي انعكاس لتاريخ نزاع وثورة في بلد مثل ساحل العاج الفيلم بطولة كل من «عبدالكريم كونانيه» وإيساك دي بانكوليه. ٭٭٭ قد تمضي سنوات طويلة بفنان دون أن يؤدي فيها دورا يعتبر دور العمر بالنسبة إليه.. وأيا كانت النتائج التي يحدث فيها الكثير من المفاجآت فإن الممثل «تيموتي سبل» قدم دور الرسام الشهير (ج.م.ي. تيرنر) وهو الذي يؤهله للحصول علي جائزة أحسن ممثل.. لقد أمضي هذا الفنان القدير ما يزيد عن العامين وهو يحاول تقليد الرسام «تيرنر» في طريقة إمساكه للفرشاة وتعامله مع اللوحات.. ومعروف عن «تيرنر» إنه كان يرفض بيع لوحاته لأنه كان يتمني أن توضع جميعا في متحف واحد ليتعرف عشاق فنه علي أسلوبه وعمله المتواصل. في هذا الفيلم الرائع شديد الجمال بعود المخرج (مايك لي) إلي مهرجان «كان» للمرة الخامسة.. بفيلم يعد هو نفسه في حد ذاته لوحة فنية مكتملة الأركان.