أخيرا أجريت الانتخابات وأعلنت النتيجة بكل مافيها من أفراح للبعض وأحزان للبعض الآخر.. إلا أنها تمثل بالتأكيد نهاية مرحلة صعبة وشاقة وبداية مرحلة جديدة مليئة بالأمل والأمن والاستقرار لشعب العراق الشقيق الذي عاني لسنوات طويلة تحت القهر والابتزاز سواء تحت حكم الطاغية صدام حسين أو تحت نيران صواريخ ومدفعية الرئيس الأمريكي الأحمق قصير النظر بوش الابن الذي كذب علي العالم كله وغرر به لكي يغزو العراق بدعوي امتلاك نظام صدام حسين أسلحة نووية »الدمار الشامل« وهو ما تأكد فيما بعد عدم صحته. وكانت المفوضية العليا للانتخابات العراقية التي جرت يوم 7 مارس الحالي قد أعلنت في مؤتمر صحفي عقدته أمس في العاصمة بغداد فوز »القائمة العراقية« بزعامة رئيس الوزراء الأسبق أياد علاوي في هذه الانتخابات التي تعتبر أهم انتخابات يشهدها العراق منذ الغزو الأمريكي في عام 2003. وطبقا لإعلان المفوضية فقد فازت »القائمة العراقية« بعد حصولها علي 91 مقعدا مقابل 89 مقعدا لائتلاف »دولة القانون« بزعامة نوري المالكي رئيس الوزراء الحالي أي بفارق صوتين فقط بين أكبر تكتلين في الحياة السياسية العراقية.. في حين حصل »الإئتلاف الوطني العراقي« علي 70 مقعدا وحصلت القائمة الكردستانية علي 43 مقعدا. وبغض النظر عن اعتراض البعض علي نتائج الانتخابات وفي مقدمتهم رئيس الوزراء نوري المالكي الذي أعلن رفضه لها معلنا أنه سيتقدم بالطعن فيها أمام المحكمة الدستورية.. إلا أن إجراء هذه الانتخابات ونجاحها بهذه الصورة التي لم يكن يتوقعها أحد.. وكما أعلن رئيس المفوضية فرج الحيدري: »أن نتائج الانتخابات أيا كانت تعد فخرا للشعب العراقي كما هنأ كل الأطراف الفائزة وقال إن فوزها يعد نصرا للشعب العراقي« وهذه حقيقة يشهد بها الجميع داخل العراق وخارجه إن نجاح هذه الانتخابات في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها العراق وإقبال الجماهير العراقية علي المشاركة في الإدلاء بأصواتها برغم كل المخاطر التي كانت تتهددهم إنما تدل علي أن الشعب العراقي شعب أصيل ومثقف وأنه سيمضي في طريق الحرية والديمقراطية بكل ثبات نحو غد أفضل لأبنائه. ولاشك أن العراق بكل مايملك من تراث وحضارة عريقة وثروة بشرية ومادية سيكون سندا وعونا ودعما لأمته العربية واستقرار المنطقة وإعلان المالكي قراره في رفض نتيجة الانتخابات ونيته الطعن فيها فهذا حقه وهذه طبيعة العمليات الانتخابية الديمقراطية في كل مكان.. إلا أنه ينبغي علي المالكي وجميع الزعماء السياسيين في العراق أن يعلموا أن بلدهم الذي عاني طويلا من الحروب والانقسامات يمر الآن بمرحلة حاسمة وأنه أمام مفترق طرق ولابد أن يختاروا الطريق الآمن الصحيح حتي ينجو بالعراق إلي بر الأمان ويعوضوا مافاتهم في سنوات عجاف من تدهور وتراجع في جميع المجالات. إن التحديات الداخلية والإقليمية التي سيواجهها العراق خلال المرحلة القادمة كبيرة وخطيرة ولابد علي كافة القوي السياسية العراقية أن تتضامن وتتآلف علي أسس موضوعية وبوعي في مواجهة هذه الأخطار المتمثلة في الصراعات الطائفية والمطامع الإقليمية وخاصة الإيرانية بالإضافة إلي الجهود الكبيرة التي يجب بذلها لبناء وتنمية الاقتصاد العراقي وتأهيله. وبالرغم من موقف القيادة العراقية من مصر بعد إبرامها اتفاقية السلام التي بها استردت كامل ترابها الوطني من براثن الاحتلال الإسرائيلي وتزعمها تحت قيادة صدام حسين آنذاك عمليات العداء والمقاطعة ضد مصر وترهيبها الزعماء العرب إذا لم يشاركوا في مقاطعة مصر فإنها سوف تنقل المعركة إلي مضاجعهم.. بالرغم من كل ذلك فإن روح الود والأخوة والإحساس بالمسئولية القومية جعلت مصر حكومة وشعبا تقف دائما إلي جانب العراق وشعبه العظيم، ساندته وقت المحن ووقفت إلي جانبه بالجهد والمال كما تصدت بكل قوة وحسم ضد الغزوة الأمريكية الشرسة التي استهدفت كل مقدرات وثروات العراق معلنة رفضها الكامل لهذا العدوان بل ودعت كل الدول والمحافل الدولية والإقليمية للوقوف ضده. وتحملت مصر في سبيل ذلك العديد من المواجهات والتحديات من الولاياتالمتحدةالأمريكية والدول التي كانت تسير في فلكها وتؤيدها في غزوها للعراق. وبالرغم من تعرض سفير مصر السابق لدي بغداد للاغتيال إلا أنها كانت من أوائل الدول التي بعثت سفيرها إلي بغداد من أجل المساهمة في بث الثقة في النظام الحاكم ومن أجل تحقيق الأمن والاستقرار لشعب العراق. كما أن مصر التي استقبلت عشرات الآلاف من العراقيين الذين فروا هربا من الظروف الصعبة التي كان يعيشها العراق واحتضنتهم ومازالوا يعيشون فيها بين إخوانهم المصريين علي استعداد للمساهمة في تقديم كافة المساعدات الفنية والبشرية لتدعيم الاقتصاد العراقي من أجل إتاحة حياة أفضل وأكثر أمانا واستقرارا لكافة أبناء الشعب العراقي وكما استقبلت مصر نوري المالكي رئيس الوزراء قبل عدة أسابيع علي رأس وفد وزاري عراقي فإنها علي استعداد للتعامل مع أي قيادة سياسية عراقية جديدة دعما للشرعية وتأكيدا علي علاقات الود والصداقة التي تربط بين الشعبين المصري والعراقي.