كانت رحلتي الأولي إلي أوروبا.. رحلة استكشاف.. بدأتها في 5 يونيو سنة 1963 بزيارة روما، ومنها إلي فرانكفورت عاصمة المال والأعمال في ألمانيا في ذلك الوقت ألمانيا المقسمة.. صحيح أن العاصمة القديمة برلين مازالت تحمل رقم واحد (1) بينما تحمل فرانكفورت علي نهر الماين رقم 6 إلا أن فرانكفورت كانت فعلا هي أكبر المدن اقترابا من مدينة بون التي تحمل رقم (53) بين مدن ألمانيا وقد اختارها الألمان المنهزمون في ذلك الوقت مدينة صغيرة حتي لا تكون كبيرة وتنافس في أهميتها أهمية مدينة برلين لما لبرلين من مكانة في قلوب الألمان جميعا.. فبرلين رغم أنها محتلة من القوي الأربع الكبري في ذلك الوقت بعد الحرب العالمية الثانية روسيا وأمريكا وانجلترا وفرنسا.. روسيا قررت أن تنفرد بالجزء الشرقي منها لتصبح عاصمة لألمانياالشرقية التي تحتلها روسيا، وصبغتها بالصبغة الشيوعية وجعلت برلينالشرقية مضافة إلي كل الأرض الألمانية الشرقية بينما برلينالغربية تحتلها فرنسا وانجلترا وأمريكا كتلة واحدة في داخل الجناح الشرقي من ألمانيا أي أنها محاطة بالقوي السوفيتية الشيوعية في ذلك الوقت ولا يمكن لأي واحد من ألمانيا أو أي مكان من العالم أن يدخل إليها إلا عبر الأرض الألمانية الشرقيةالمحتلة بالقوي الروسية أو عبر الأجواء الألمانية الشرقية للهبوط في مطار «تمبلهوف» مطار الحلفاء في قلب ألمانياالغربية.. أما مطار الشرق فهو مطار «شين فيلد» أو الحقل الجميل مطار برلينالشرقية.. وكان اختيارات الممرات الجوية «الكوريدورات» يخضع للإشراف من الحلفاء جميعا.. وفي قلب برلين يوجد خط يقسم بين الشرق والغرب.. خط كان بعلامات بسيطة بين الشرق والغرب.. ولكن عندما لوحظ أن الشرقيين الخاضعين للإشراف السوفيتي أصبحوا كثيري الهرب من الشرق إلي الغرب، فقد قررت روسيا وحكومة شرق ألمانيا أن تضع حدا لهذا وأن تقرر في لحظة ما وضع حد لهذه العملية بأن أعلنت أنه لا عبور من هنا (الشرق) إلي هناك (الغرب) منذ هذه اللحظة فلا توحيد لمدينة برلين ولا علاقة بأبناء الشرق بأبناء الغرب.. ولا تزاور بينهم.. إنما هي قسمة أبدية.. هنا شرقيون وهناك غربيون الجنود الشرقيون يمنعون أي واحد أو واحدة من العبور حتي إذا كان الذي هنا هو الأب أو الأم وكان الذين هناك هم الأبناء.. قسمة بالقوة قسمة بالإكراه قسمة لا رجوع فيها.. واقفون علي الحدود لا حركة علي الإطلاق وليكن الموت هو جزاء كل من يحاولون الحركة.. بكاء ودموع.. بل لوعة القلوب والحزن علي الفراق بين كل الذين هم هنا والذين هم هناك.. وهناك أيضا كان وقوفي وتأملي.. ليطول الوقت ولتطول ساعات التأمل..... وللحديث بقية!..