«الفساد».. هو المعركة الحقيقية للرئيس القادم لجمهورية مصر العربية.. والتي لا مناص منها علي الإطلاق في المرحلة المقبلة.. فما هي الحلول الآنية والعاجلة وطويلة الأجل التي يجب علي الرئيس القادم ان يقوم بها لخوض هذه المعركة والتي ستكون حتما شرسة.. فالفساد يمنع من وصول ثمار النمو إلي المواطنين بما ينعكس سلبا علي استقرار المجتمع ككل وفي مختلف المجالات. إن من أخطر المشكلات التي ستواجه رئيس مصر القادم هي أن شعار ثورة 25 يناير «العيش والحرية والعدالة الاجتماعية» أقوي معبر عن عراقيل كبيرة ستقابله .. وهو أمر ليس من قبيل المبالغة وليس من باب التهويل كما أنه ليس افتئاتا علي الحقيقة .. حيث إن القضية ليست قضية أجور أو أموال وإنما تغيير منظومة كاملة أصبح الفساد ركنا أساسيا فيها..وهذا يتطلب اختيار فريق عمل متكامل يمتلك من الخبرات الحقيقية ومؤهل بشكل كامل لمواجهة الفساد وقادر علي ترجمة أفكار الرئيس والعمل بفاعلية علي الأرض.. خاصة أن الإدارة قد أصبحت علماً وفنا وأصبح تنفيذها يستوجب توافر ثالوث المعرفة والتدريب والخبرة (الممارسة العملية) سواء علي مستوي المؤسسات أو الدولة لأن الإدارة الناجحة هي التي تُحسن استغلال الموارد المتاحة لديها البشرية والمادية والفكرية واستخدامها بأفضل ما يمكن لتحقيق أقصي قدر من المكاسب..وقتها سنكون امتلكنا فعليا الأدوات الأولية لخوض المعركة ضد الفساد في كافة مناحي الحياة عندنا.. ووفق مؤشرات منظمة الشفافية الدولية فإن ترتيب مصر في مؤشر مدركات الفساد 114 من إجمالي 177 دولة وهو أمر مؤسف وبخاصة بعد مرور ثلاث سنوات علي ثورة 25 يناير..وعلي الرغم من ذلك الترتيب المتراجع إلا أنه لا توجد استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد.. كما أن اللجنة الوطنية المعنية بمكافحة الفساد لم تظهر إلي النور.. ولابد من إعادة هيكلة المؤسسات التي تحارب الفساد مثل مباحث الأموال العام وهيئة حماية المنافسة ومنع الاحتكار ومصلحة الضرائب بالإضافة إلي تأهيل الكوادر البشرية العاملة في تلك المؤسسات وتدربيهم علي أساليب مبتكرة ومتطورة مع تغليظ العقوبات وتفعيل القوانين لأن الفساد يجعل الجسم الاقتصادي المصري يتعفن لذا لابد من محاربته للقضاء عليه..إن هناك عدة صور لمكافحة الفساد الذي يعد السبب الرئيسي في تراجع المزيد عن الاقتصاد المصري وفي حال قدرة الرئيس القادم علي مواجهته ستستطيع مصر أن تعبر من عنق الزجاجة.. إن الفساد يعد واحدًا من أهم الانتهاكات الجسيمة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطن بمعني أنها تعد في بعض الأعراف جريمة ضد الإنسانية حيث يحرم المواطنون من ثمار التنمية.. حيث إن هناك أعدادا كبيرة من ضحايا الجرائم الاقتصادية لا تقل عن ضحايا جرائم حقوق الإنسان الأمر الذي ينعكس في عدم وجود الاستقرار والسلم الاجتماعي.. والقوانين الحالية ليست قادرة علي معالجة كافة الأمور بشكل واضح الأمر الذي يتطلب معرفة الحقيقة ووضع استراتيجية محددة لاستخدام آليات العدالة الانتقالية ليس فقط في الحقوق المدنية والسياسية ولكن أيضا فيما يتصل بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية ومكافحة الفساد والجرائم الاقتصادية. كما أنه لا يجوز تجاهل البعد الجغرافي والطبقي للفساد حيث يتطلب الأمر إرادة مجتمعية تقوم بشكل متواز مع الإصلاح القانوني حيث إن الإصلاح القانوني والتشريعي وحده لا يتيح منتجا نهائيا يعالج كل ما تم في الماضي..حيث تم إهمال البعد الطبقي في قضايا الفساد مثل ارتباطه ارتباطا وثيقا بالتوظيف بالوزارات السيادية داخل الدولة مثل القضاء والشرطة ولن يتم تطبيق آليات العدالة الانتقالية إلا من خلال الشارع (المجتمع) بحيث يتأصل لدي أفراده أنهم جزء أصيل من الحرب علي الفساد لا أن ينتظروا الرئيس القادم والحكومة لكي تحارب هي فقط الفساد. هنا أنصت إلي « ماجد سرور..مدير مؤسسة عالم واحد للتنمية» والذي يقول: إنه من المهم أن يتضمن ملف العدالة الانتقالية أهمية مكافحة الفساد والجرائم الاقتصادية في إطار العدالة الانتقالية لما لمكافحة الفساد من صلة وثيقة بآليات وإجراءات العدالة الانتقالية وبخاصة في آليتين أساسيتين.. الأولي وهي لجان كشف الحقيقة والتي تسعي لمعرفة الحقيقة حول الجرائم الاقتصادية الكبيرة التي تكشف الأمور التقنية والتكتيكات التي تم اتخاذها في الماضي لارتكاب وقائع الفساد.. أما الآلية الأخري فتتمثل في إصلاح المؤسسات وهي المتلازمة الأهم لعمليات مكافحة الفساد من أجل الوصول إلي آليات إصلاحية يمكن اتباعها في المستقبل لهذه المؤسسات.. ومن الأمور الإيجابية في هذه القضية أن الدستور المصري الحالي يتيح فرصة التعاون مع ملف الفساد جنبًا إلي جنب مع الاتفاقيات الدولية ومنها اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد.. وهي تشريعات تمثل فرصة كبري يجب استغلالها، مؤكدة علي أن عدم وجود ربط بين جرائم الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان يعد من سلبيات هذه المرحلة. إن مكافحة (جرائم الفساد) ونهب الأموال والاستيلاء علي أصول الدولة باستخدام آليات العدالة الانتقالية وهي لجان الحقيقة والمحاسبة وجبر الضرر وإصلاح المؤسسات تحقق أحد أهم ما خرج لها الشعب المصري في ثورتي 25 يناير و30 يونيو وهو تحقيق العدالة الاجتماعية. واتباع معايير النزاهة والشفافية في التعيين في الوظائف العامة في الدولة وبخاصة السيادية منها من الأمور التي يجب أن يتعامل معها الرئيس القادم من خلال لجان الحقيقة لمحاسبة المسؤولين بغرض إصلاح المؤسسات..وربما انشاء مفوضية العدالة الانتقالية قد يسهم بشكل كبير في التعامل مع قضايا الجرائم الاقتصادية نظرا لعدم وجود تشريعات وآليات تصلح للتعامل مع مثل هذه النوعية من الجرائم..علي أن الشهور العشرة القادمة تعد توقيتًا ملائمًا للقيام بكل العمليات التحضيرية لإصدار مسودات لمجموعة تشريعات خاصة بالعدالة الانتقالية ومواجهة الفساد لعرضها علي مجلس الشعب القادم..مع أهمية العمل مع وسائل الإعلام لتكوين حشد يمثل ظهيرا شعبيا يقف خلف مكافحة الفساد وجرائمه في مختلف القطاعات. إن الحديث عن نظم ديمقراطية كما يقول «الدكتور ماجد جبران..أستاذ التنمية البشرية»: لا يتحقق إلا بمؤسسات فاعلة في جميع المجالات وأن تعمل هذه المؤسسات بدرجة عالية من الشفافية بعيدا عن الغموض والألاعيب التحتية.. ويكفي أن أشير إلي أن حالات الفتنة والفوضي التي تحدث في البلاد الآن ما هي إلا نتاج لسياسة الفساد التي تأصلت.. ومصر تحتاج إلي آليات تواجه الفساد فإن كثرة الفساد أدت إلي صعوبة اتخاذ القرار بالنسبة للكثير من الوزارات.. وهذا جزء من الحمل الثقيل الذي يجب علي الرئيس القادم أن يضعه في اعتباره.. ومواجهة الفساد ليست بتعديل القوانين والتشريعات فقط وإنما بإعادة هيكلة دولاب العمل الاداري داخل مؤسسات الدولة المختلفة وتطبيق مفهوم الاستراتيجية الفعالة وتطبيق الإدارة الحديثة واختيار قيادات إدارية فعالة قادرة علي التغيير والابتكار والتطوير.