يأتي الحوار مع الدكتورة مني مكرم عبيد البرلمانية السابقة أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، لما تشهده الساحة المصرية من أحداث وقضايا ساخنة منها ترقب الشارع لفتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية والتحديات التي تواجه الرئيس القادم فيما يتعلق بملفات العدالة الاجتماعية والفساد والأمن والعلاقات مع بعض الدول خاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية وغيرها من الملفات الأخري وقد أكدت الدكتورة مني مكرم عبيد أننا نعيش مخاض تحول ديمقراطي متعثر وتداعياته ومازلنا نفتقدالرؤية المستقبلية بشأن طبيعة وشكل النظام السياسي مشيرة إلي أن أكبر مؤسسة في مصر مؤسسة الفساد التي ولدت الانفلات الأخلاقي، أضافت أن الشعب المصري تغير وأصبح لديه فائض من خبرات الثورة والتمرد وإذا لم يحصل علي حقه بالقانون سوف يحصل بالخروج عليه، وأوضحت أن تراجع قضية العدالة الاجتماعية والقصاص لدماء الشهداء سيفجرغضب ثورة جديدة، كما أشارت إلي أن المصريين في احتياج إلي رئيس يهتم بمشاكلهم ومطالبهم في العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، وكشفت د مني مكرم عبيد عن قضايا شائكة ومثيرة جاءت في هذا الحوار: انسحاب بعض المرشحين من سباق الرئاسة خطوة غير مؤثرة مصر أمامها خياران للتعامل مع السد الأثيوبي: اللجوء للمنظمات الدولية أو التصعيد حفاظا علي الأمن القومي استمرار السياسة الأمريكية تجاه مصر يهدد مصالحها ويهدد استقرار الشرق الأوسط خطاب أمريكا عن دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان فاقد للمصداقية في البداية أكدت د. مني أننا نعيش مخاض تحول ديمقراطي متعثر وتداعياته ومازلنا نفتقد إلي الرؤية المستقبلية بشأن طبيعة وشكل النظام السياسي نجم عن ذلك قصور في الرؤية وارتباك في الإجراءات العملية التي تكفل تنفيذ ونجاح خارطة الطريق وتتجه الرؤية نحو استمرار العنف والإرهاب في سيناء والقاهرة ومعظم محافظات مصر وأصبح الحل الأمني يسيطر علي جميع نواحي الحياة في مصر ولم يستطع حتي الآن حفظ دماء المصريين ووقف نزيف الاقتصاد وهنا أتساءل من يملأ الفراغ السياسي الذي تركه الإخوان المسلمين ؟ لكن هل الصراع الراهن بين تيار الإسلام السياسي والنظام الحاكم يدخلنا إلي بحر من الدماء؟ - الإصرار علي التصعيد واستمرار جرائم العنف والإرهاب يمنع مساعي التهدئة وبدء مرحلة جديدة تقوم علي سيادة القانون وإصرار جماعة الإخوان علي العنف وعلي معاداة أجهزة الدولة وترويع المواطنين وكلها أمور تهدد المستقبل السياسي للتيارات الإسلامية. أفهم من كلامك أنه إذا لم تكن هناك تهدئة ومصالحة فإن استمرار جرائم العنف والإرهاب تهدد المستقبل السياسي؟ - الوضع الآن لا يسمح بالمصالحة والطرف الثاني المتمثل في التيار المتشدد يرفض التهدئة وليس لديه أي خطوات تجاه المصالحة وأقول المكاشفة ثم المحاسبة ثم المصالحة. ماذا تعنين بالمكاشفة ؟ - أعني أن من تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء وبالتحريض علي العنف والكراهية والجريمة والذين رفعوا السلاح ضد الدولة لابد من مكاشفتهم ومحاسبتهم. هل نحن مقبلون علي ثورة غضب؟ - لابد أن نؤكد أن الشعب المصري قد تغير وأصبح لديه فائض من خبرات الثورة والتمرد وإذا لم يأخذ حقه بالقانون فسوف يحصل عليه بالخروج علي القانون وبالتالي أقول إن تراجع قضية العدالة الاجتماعية والقصاص لدماء الشهداء سيفجر ثورة غضب جديدة. لكن ألا ترين أن الفساد المنتشر بين أرجاء العديد من المؤسسات في الدولة كفيل بأن يولد ثورة غضب جديدة؟ - أستطيع أن أقول أن أكبر مؤسسة في مصر هي مؤسسة الفساد التي ولدت الانفلات الأخلاقي ولكن من الصعب اقتلاع الفساد من جذوره لأن غالبية مؤسسات الدولة اعتادت علي العمل في مناخ من الفساد وأصبح ثقافة موروثة أقول عندما زرت (هونج كونج) بكوريا الجنوبية بدعوة من رئيس الدولة ركزت علي آليات مكافحة الفساد فكوريا في عام (1960) كانت من مراكز البلدان التي تعاني من الفساد ثم في عام 2009 أصبحت ثاني بلد آسيوي تقدما وازدهارا بعد سنغافورة بسبب توافر الإرادة السياسية لاقتلاع الفساد. كيف ترين حكومة المهندس إبراهيم محلب؟ - المدة التي تولي فيها المهندس إبراهيم محلب رئاسة الحكومة قصيرة لكن كل ما أعرفه عن المهندس محلب أنه رجل نشيط وحازم ويريد تلبية طلبات بعض الفئات التي شعرت بأنها مظلومة ودعني أقول إن التغيير الملموس هو فعلا في شخصية رئيس الوزراء فهو معروف للشعب بتواجده باستمرار في الشارع ويستمع جيدا لشكاوي الناس أضيف الي ذلك ما لمسته منه بأنه سوف يتابع بنفسه تنفيذ خطط التطوير وضرورة وضع السياسات للتعامل مع الموضوعات والقضايا التي أثارها مثل الاهتمام بحماية الفئات المهمشة والاهتمام بمحدود الدخل وإعلاء سيادة القانون ومنع الاستثناءات وغيرها من القضايا ورأيي أن القضايا التي عرضها يجب أن تتم في الأجل القصير ويجب علي الشعب أن يسانده وأقول إذا استطاع المهندس محلب أن يكسب ثقة الشعب من خلال مصداقيته سيلبي الشعب دعوته. هل تتوقعين أن تشكل الانتخابات الرئاسية المقبلة بداية جديدة لمصر؟ - الانتخابات الرئاسية المقبلة تتطلب مرشحين يهتمون بمشاكل المواطنين وأن يعملوا معهم وليس في عزلة وأن يقدموا للمجتمع مايثبت أنهم يتبنون مطالب المصريين في العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية والعيش الكريم وأن يشعرالمواطن بأن الرئيس جزء من المجتمع يتدخل في أي وقت تنفيذا لمطالبهم وهذا سيكون بداية جديدة لمصر وعلي الرئيس القادم أن يدرك أن حاجز الخوف عند المصريين انكسر وأنه في حال عدم الاهتمام بمطالبهم وتجاهل شكواهم ونشر الاستبداد فسيخرجون في مظاهرات تطالب بعزله واستقالته. في رأيك هل الانتخابات الرئاسية ستشهد تغيرا في واقع الأحزاب السياسية المصرية؟ - علي الأحزاب أن تغير من استراتيجيتها القديمة وتتبني هموم المواطنين الاقتصادية والاجتماعية وعدم التركيز فقط علي الإصلاح السياسي كما يجب عليها أن تنشط في القري والنجوع وتتبني مطالب المواطنين البسطاء والضغط علي الحكومة لتنفيذها حتي يشعر المواطن بأن الأحزاب جزء منهم لحل مشكلاتهم والتعامل معها وهدم جدار الحاجز النفسي بين المواطنين والعمل الحزبي في ظل شعور قطاع عريض من المواطنين بأن السياسة هي عمل نخبوي، وبالتالي لابد أن تعمل الأحزاب علي إجبار الحكومة علي الانصياع لرغبات المواطنين وتلبيتها ومنع استغلال التيارات المتشددة في العمل بالسياسة مجددا تحت ستار العمل الاجتماعي وسد عوز الفقراء وقد اكتشفت من خلال لقاءاتي الجماهيرية مع عدد كبير من المواطنين خلال حملات الترشح للانتخابات البرلمانية المعاناة والمشاكل التي تواجه الكثيرمنهم ومثال ذلك عندما زرت إحدي المناطق والتقيت بأهالي المنطقة اكتشفت معاناتهم بسبب عدم وجود أجهزة للغسيل الكلوي واحتياجات المرضي لهذه الأجهزة مما جعلني أبذل جهودا كبيرة لتوفير هذه الأجهزة ونجحت في توفير جهازين للغسيل الكلوي حتي يشعر المواطن بأننا نعمل لخدمته وتغيير الصورة الذهنية عن العمل الحزبي. كيف ترين انسحاب كل من خالد علي ود.عبدالمنعم أبوالفتوح من سباق الرئاسة احتجاجا علي ما وصفاه بالأوضاع السياسية في البلاد؟ - خالد علي ليس له التأثير الكبير الذي اعتقده البعض وانسحابه قبل بداية فتح باب الترشح للانتخابات خطوة غير مؤثرة. أما د.عبد المنعم أبوالفتوح فقد كشفته مواقفه من خلال حكم الرئيس السابق والفترة التالية لعزله مما أفقده الكثير من أنصاره وأصبح واضحا للعيان بأنه يمثل أيديولوجية لفظها المجتمع المصري في 30 يونيو. هل تؤيدين قرارتوقيع الكشف الطبي علي المرشحين للرئاسة؟ - خوفا من تكرار نموذج أحد الرؤساء السابقين وتأثير مرضه علي قراراته خاصة أن الإعلام تحدث كثيرا عن مرض أحد الرؤساء السابقين وتأثير ذلك علي هيبة قرارات الرئاسة ولكن الأهم كيف يتم الكشف الصحي علي المرشحين للرئاسة في البلاد الديمقراطية. لاقت زيارة المشير عبدالفتاح السيسي لروسيا مؤخرا ترحيبا في الشارع المصري فهل الزيارة بداية صفحة جديدة في العلاقات المصرية الروسية خاصة في المجال العسكري؟ هذه الزيارة التاريخية تضع آفاقا كبيرة لمصر وتعزز من دورها الإقليمي والدولي والاستفادة من تنامي الدور الروسي في العالم واتخاذ الرئيس (بوتين) مواقف قوية وجريئة يتحدي بها العالم الغربي وحسب ما لمسته بنفسي خلال حضوري لأكبر المنتديات الروسية علي غرارمنتدي (دافوس) بسويسرا الذي أقيم في مدينة (سان بطرسبورج) شهدت رئيس دولة يريد استعادة أمجاد بلاده وعدم الاكتراث بأي تدخلات أجنبية حفاظا علي الأمن القومي الروسي وسينعكس الموقف الروسي الراهن علي دور مصر في المرحلة المقبلة. وماذا عن العلاقات المصرية الأمريكية؟ - البيت الأبيض وقع ضحية وهم كبير باعتبار أن الإخوان تنظيم معتدل يتمتع بشعبية كبيرة في مصر حيث استطاع الإخوان اختراق الإدارة الأمريكية وأقنعوهم بذلك ويقيني أن الولاياتالمتحدةالأمريكية ستعيد النظر في موقفها غير المبرر والعدائي تجاه إرادة الشعب المصري وستستأنف تقديم المعونة للجيش المصري لأن استمرار سياستها يهدد ليس مصالحها فقط ولكن يهدد استقرار الشرق الأوسط بأكمله وأقول نحن الآن في مواجهة حرب استنزاف شرسة وفي معركة استرداد مصر من الذين أرادوا تفكيكها وتفكيك جيشها وهذا يفسر الهجمة الشرسة علي مصر فالغرب خاصة أمريكا يري في الشعبية الجارفة التي يحظي بها المشير السيسي عبدالناصر جديدا (وطول عمر) الإدارة الأمريكية تتميز بالقراءة الخاطئة والحسابات غيرالدقيقة للواقع المصري والإخوان كانوا يوظفون صمت (واشنطن) عن نواقص التحول الديمقراطي وانتهاكات حقوق الإنسان للمزيد من الضغط علي المعارضة من ناحية والمضي قدما في السيطرة علي الدولة وخطاب أمريكا عن دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان فاقد للمصداقية ولكن أمريكا ليست البيت الأبيض فقط فهناك (الكونجرس) ومراكز البحوث والرأي العام أكثرتنوعا في قراءة الحالة المصرية عن الإدارة الأمريكية لذا فالتواصل مع البيئة الدولية ومع المراكز المختلفة لصنع القرار في الولاياتالمتحدة ضرورة في هذه الأوقات الحرجة من تاريخ مصر وهذا ما لمسته بنفسي عندما خاطبت الراي العام الأمريكي من خلال محاضرات في بعض مراكز الدراسات وقد أدرك الأمريكان بل والعالم كله أن الشعب المصري أصبح أهم لاعب في المشهدالسياسي الجديد لذلك فالإدارة الأمريكية مرتبكة في قراراتها أمام هذا الواقع الجديد الذي خلقته ثورة 25 يناير وامتدادها في 30 يونيو. أثير جدل مؤخرا بشأن النظام الانتخابي بالنسبة للانتخابات البرلمانية المقبلة فأيهما الأنسب لمصر في هذه الفترة النظام الفردي أم القائمة أم النظام المختلط؟ - عندما خضت الانتخابات بالنظام الفردي والقائمة وجدت أن الأنسب لمصر في هذه الفترة النظام المختلط وذلك من أجل الوصول إلي برلمان تعددي يضمن تمثيل جميع الفئات خاصة المهمشة مثل المرأة والأقباط والشباب والفلاحين والعمال والمعاقين وقد نص الدستور الحالي علي تمثيل هذه الفئات بطريقة مناسبة، ومن هنا أطالب بنسبة ال(30%) من تمثيل هذه الفئات في البرلمان القادم. كيف ترين إصدار القضاء المصري مؤخرا حكما بحظر كل أنشطة حركة حماس الفلسطينية داخل البلاد؟ - كل المؤشرات الأخيرة وأعمال العنف التي يشهدها المجتمع المصري تؤكد تورط حركة حماس مع التيارات المتشددة في ارتكاب جرائم عنف واستهداف أفراد الجيش والشرطة والمواطنين العزل ولم تهتم حماس بدعوات الابتعاد عن الشعب المصري وأصرت علي أن تكون في صالح طرف علي حساب إرادة جميع المصريين وأقحمت نفسها في تلك الجرائم مايعتبرها المصريون قضية أمن قومي بالنسبة لهم. برأيك كيف يتم التعامل مع ملف سد النهضة بعد فشل المفاوضات مع الجانب الأثيوبي؟ - تراخي الأنظمة السابقة في التعامل بجدية مع ملف سد النهضة يضع الرئيس القادم في أزمة حقيقية بسبب تطور الأوضاع علي أرض الواقع واتخاذ أثيوبيا خطوات لتنفيذ المشروع بجدية وإهدار التعامل الدبلوماسي والاتفاقات الدولية ولم يعد أمام مصر إلا خياران هما إما اللجوء للمنظمات الدولية والتحكيم الدولي واحترام الاتفاقيات الدولية، وإما تصعيدالموقف حفاظا علي الأمن القومي المصري، ولكننا نراهن علي العلاقات المتميزة والتاريخية بين مصر والقارة السمراء لإنهاء هذه الأزمة بشكل عادل وعاجل. كيف ترين ممارسات قطر المشبوهة وتدخلها في شئون بعض الدول العربية؟ - قطر تحصد ثمار سياساتها الطائشة وتغرد خارج السرب وإذا استمرت فستخسر الشرق الأوسط بأكمله وعزلتها تهدد حلمها في دور إقليمي ولا ننسي أن سجل قطر ليس ناصعا بالنسبة للعمالة، وفي نفس الوقت نري أن الأزمة الخليجية في حاجة إلي احتواء سريع لأن السياسة هي حسن إدارة الاختلافات. كيف ترين تعرض الأقباط في ليبيا إلي عملية اغتيال علي يد الجماعات المتشددة ؟ - هذه جريمة بشعة واغتيال جبان قام بة ليبيون متطرفون وتعتبر كارثة إنسانية وهي نتاج أفكار مسمومة انتشرت في منطقتنا العربية بدرجات مختلفة كانت قمتها القتل علي الهوية ونستعجب من السلطات الليبية التي لم تتمكن حتي الآن من القبض علي المجرمين والقتلة كما نستعجب أيضا من عدم موقف أكثر حزما من جانب السلطات المصرية حتي تأخذ عائلات الضحايا حقهم في دم الأقباط الأبرياء.