كان جدي وأبي وخالي وعمي والأجيال المواكبة لهم من خيرة مثقفي مصر يجيدون اللغات الأجنبية إجادة تامة إلي جانب اللغة العربية بالطبع، كما كانوا يحفظون الأشعار الشهيرة لفحول الشعر العربي مثل المتنبي وأمير الشعراء أحمد شوقي وشاعر النيل حافظ إبراهيم وأكثرهم كان يكتب الشعر ويتلوه في مسابقات مدرسية خصصت لذلك كما كان بعضهم يجيد العزف علي الآلات الموسيقية بتقنية عالية تكاد تطاول المحترفين ناهيك عن الأنشطة الرياضية الجادة التي أنتجت أبطالا عالميين. أتكلم هنا عن مدارس الزمن الجميل.. زمن الجادين من الحكومة والمدرسين وأولياء الأمور الذين استوعبوا قيمة التعليم وأهميته رغم أنهم كانوا من ذوي المؤهلات المتوسطة أو ممن لم يرتادوا المدارس أصلا. أتكلم عن حكومات كانت تقدس الرسالة التعليمية وتعتني بتربية وتهذيب أخلاق التلاميذ مع منحهم الثقافة والعلم. أتكلم عن مدارس كانت تهتم باختيار المعلم تربويا وثقافيا وعلميا حتي يكون لائقا بتنشئة الأجيال. أتكلم عن مدارس حكومية لا تطالب الآباء بمصروفات تعجيزية مقابل خدمات منطقية كآدمية الفصول والمراحيض والحفاظ علي النظافة وتدعيم الأنشطة الرياضية والفنية حتي لا ينشأ جيل معاد للثقافة والفن منتميا إلي حزب التحريم والإرهاب. كانت مدرسة أبي وخالي وعمي حكومية مثالية تضم المتفوقين من الطلبة وتمنحهم الرعاية علي كل المستويات، فإلي جانب دراسته للهندسة كان أبي عازفا ماهرا علي العود ورساما ماهرا هو وعمي أما خالي الذي تخرج ليصبح طبيبا فقد كان أثناء دراسته الثانوية رئيسا للجماعة الأدبية بالمدرسة ولم يغفل حبه للثقافة والأدب اللذين اكتسبهما في المدرسة فظل طوال حياته متابعا للحركة الأدبية وقارئا نهما في كل فروع المعرفة. هكذا كانت المدارس تدعم النشء وتحقق للتلميذ ما يدفعه للتطور وتؤازر قول الشاعر: كاد المعلم أن يكون رسولا. فأين نحن الآن من تعليم ومدارس الأمس الحكومية وذلك باستثناء المدارس الخاصة التعجيزية التي يلتحق بها فقط أبناء الأثرياء.