ارتبطت مهنة التمريض قديما بالمرأة، لا لنقص فيها، بل لطبيعتها التي تميزت بالصبر والحنان، فهي الأم والإبنة والإلهة، وكان قدماء المصريين يؤرخون علي جدران المعابد بالرسومات مسئولياتها التمريضية من عناية الأطفال ورعاية المسنين والمرضي والجرحي وذوي العاهات ومساعدتها في التوليد، حيث صمموا لهن «كرسي الولادة» لتجلس عليه الأم أثناء عملية الولادة وتسندها أربع سيدات؛ اثنتان وراء الرأس والكتف واثنتان في مواجهتها عند القدمين لاستقبال الجنين، لذلك اعتبرت مصر من أقدم الحضارات التي عرفت التمريض. وبقراءة سريعة في التاريخ، وجدنا أن الديانات هي الأخري شجعت المرأة علي الالتحاق بهذه المهنة، فكانت أول ممرضة في تاريخ الإسلام هي رفيدة بنت كعب الأسلمية، التي عاصرت عهد نبينا الكريم محمد ([)، وتولت مهمة مداواة المصابين والجرحي في الحروب التي يكون المسلمون طرفاً بها، إذ كان لها خيمة مخصصة لذلك. وقد تم وصف رفيدة ب: «الحنونة، المتعاطفة، القائدة الجيدة والمعلمة الرائعة»، وكانت تنقل خبراتها الطبية إلي المتدربين. وبرزت أيضاً أسماء عدد كبير من الصحابيات في كتب السير والتراجم كأول جيل قام بتأسيس هذه المهنة، منهن: أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق زوجة رسول الله، والربيع بنت معوذ التي تطوعت بسقاية الجيش ومداواة الجرحي ورد القتلي إلي المدينة، وممنة بنت جحش التي تطوعت في معركة أحد، وأم سنان الأسلمية تطوعت في غزوة خيبر. وسبقت الصحابيات الراهبات الكاثوليك اللاتي عملن في التمريض منذ القرون الوسطي، رغم أن المعروف لدي الدين المسيحي أن الراهبة تهب نفسها للرب والكنيسة، وأنهن يترفعن عن الزواج، لذلك لم يخش عليهن من الانحراف الأخلاقي، فكانت تساعد الطبيب في شئونه الطبية، وكان الجميع يحبهن لإخلاصهن في العمل وأطلق عليهن «الأخوات الصالحات». وعندما تحررت الدول الأوربية من قيود الدين، وانبثقت العلمانية طالبوا بفصل الدين عن الحياة والتوجه نحو العلوم التجريبية، فصار من ثقافة الطب توفير ممرضات من النساء. وخلال القرن السابع عشر كان التمريض يمارس في أوروبا من طرف السجناء رجالاً ونساءً علي حد سواء، ووقتها ساءت سمعة الممرضات ووصفن بالسكيرات، لكن سرعان ما ظهرت بعض النماذج التي غيرت هذه النظرة، منهن الإيطالية فلورنس نايتنجيل، الأم الروحية للممرضات، أول من وضعت أسسا لتعليم التمريض في القرن التاسع عشر، وكانت تؤمن بأهمية وضرورة وضع برامج لتعليم التمريض وبرامج لتدريس آداب المهنة وأن تكون هذه البرامج في أيدي نساء مدربات وعلي أخلاق عالية، بالإضافة إلي «ماري سيكول» التي اشتغلت بالتمريض خلال الحرب، و«اجنيس إيليزبيت جونس» و«ليندا ريتشردس» اللتين يرجع لهما الفضل في إنشاء مدارس تمريض من جودة عالية في اليابان والولايات المتحدةالأمريكية. وتعتبر»ليندا ريتشردس» أول ممرضة مدربة بطريقة احترافية في تاريخ أمريكا بعد تخرجها في مستشفي النساء والأطفال بمدينة بوسطن عام 1873 ومن وقتها تعتبر الممرضة في جميع دول العالم المتقدمة أحد أهم أفراد الفريق الطبي, وفي عهد محمد علي باشا مؤسس مصر الحديثة، شهدت مصر تطورا كبيرا في مهنة التمريض، بعد أن جلب أطباء فرنسيين خصيصاً لتعليم الفتيات مهنة التمريض، منهم الطبيب الشهير كلوت بك، وظل الاهتمام بالممرضات طيلة سنوات الملكية فكانت مهنة سيدات المجتمع الراقي وبنات الباشاوات اللاتي يتسارعن علي التطوع في الهلال الأحمر لمداواة جرحي الحروب. وبعد ثورة 1952تم الاستغناء عن الأجانب والتوسع في إنشاء مدارس التمريض بنوعياتها المختلفة، وعرفت الممرضات وقتها بالحكيمات اللاتي حصلن علي دراسة في التمريض مدتها خمس سنوات بعد الابتدائية القديمة أو الإعدادية (9 سنوات دراسة عامة) وكانت الخريجة تحصل علي دبلوم تخصص في الولادة والتدليك والكهرباء الطبية أو زائرة صحية وكانت تمنح ترخيصا بمزاولة مهنة التمريض والتوليد أو العلاج الطبيعي. وقد ألغي هذا النظام بغلق مدارس الحكيمات عام 1956وتحولت المدارس الموجودة في الجمهورية إلي مدارس تمريض نظام الثلاث سنوات. واشتهرت أيضا الممرضات المصريات بالدايات في أوائل القرن الماضي، فكن يتعلمن التوليد، ويتوارثن المهنة أما عن حدة، وكان أغلبهن أميات لذلك ظهرت مدارس لرفع مستوي الدايات، واختفت خلال فترة قصيرة خاصة بعد تولي الأطباء مهمة التوليد، أما الآن فهناك كليات ومعاهد للتمريض، تضم أيضاً شبابا بعدما تطلبت أقسام أمراض الذكورة ضرورة وجودهم، ويتم تعليمهم وتأهيلهم علي كيفية التعامل مع المرضي وتدريبهم علي الثبات الانفعالي معهم، وتجري قبل التحاقهم بالكلية اختبارات تشترط أن يكون المتقدم مكتملا نفسيا وبدنيا ومظهره لائقا ومكتملا صحيا. فقد أصبحت كلية التمريض من كليات القمة؛ حيث الإقبال الشديد عليها من الطلاب وتستقبل حوالي 300 طالب حاصلين في الثانوية العامة علي مجموع 95%. ويصل عدد الممرضين إلي 204 آلاف أغلبهم من النساء، وطبيعة عملهم لا تعتبر كطبيعة عمل جميع الموظفين بالدولة؛ حيث إنهم لا يقومون بعملهم المكلفين به فقط، ولكن يقومون بعمل غير عملهم، معتبرين أنفسهم لا يملكون توصيفًا وظيفيًّا واضحا وصريحًا ومطبقًا علي أرض الواقع؛ حيث يقوم التمريض بأعمال السكرتارية وتنظيف الأَسِرَّة وأعمال معملية وخلافه. والتمريض فئات، منها الإخصائي والفني والحاصلين علي دبلومات تمريض، ولكل منهم توصيف وظيفي واضح، أي أن الأخصائي يعمل كإشراف، والفني له أعمال تمريضية مع المريض، والدبلوم يقوم بأعمال الرعاية التمريضية للمريض نفسه فقط، وهنالك مساعد التمريض الذي يقوم بالأعمال الإضافية المنافية لطبيعة عمل الممرض.