«النيل هو شريان الحياة» جملة تتكرر في مصر دائما وفي معظم الأحيان دون الوعي بها، حيث إن هذا الشريان ينتهك يوميا من المخلفات الزراعية والصناعية والمنزلية وغيرها وهو ما يهدد صحة المواطن.. «آخر ساعة» تطلق إنذارا أخيرا لتفادي ما قد يسببه الإهمال بالنيل من خسائر صحية واقتصادية.. كشفت تقارير جهاز شئون البيئة الأخيرة عن كارثة محققة تحدث وستستمر حال الإغفال عن الحل حيث أوضح التقرير أن حجم التلوث الذي يقع علي النيل من مخلفات صلبة يصل إلي 14 مليون طن، والملوثات الصناعية 4 ملايين طن سنويا، هذا بخلاف مخلفات المنازل من الصرف الصحي والتي تصل إلي 5 مليارات متر مكعب. كما أشار التقرير إلي أن حجم الأضرار التي تقع علي المواطن جراء هذا التلوث تتسبب في وفاة 27 ألف طفل سنوياً متأثرين بالنزلات المعوية، 13 ألف حالة فشل كلوي، 40 ألف حالة سرطان مثانة. ويوضح ذلك أن الملوثات بجميع أنواعها تسربت إلي ينابيع ومصادر النيل ونظرا لتعدد أنماطها ومصادرها ومساراتها فإنها حتما تشكل خطورة علي صحة المواطنين وهي ليست فقط الرواسب الطينية والرملية والمواد العالقة والمعكرة ومغيرات لون وطعم ورائحة المياه ولا يعني خلو المياه من ذلك صلاحيتها بل إن الامر تطور بصورة أعمق من ذلك ليشمل ملوثات أخري لاتري بالعين أو بالفحص التقليدي والتي تتمثل في مخلفات الصرف الزراعي.. وتتمثل في آثار ملوثات الأسمدة والمبيدات الزراعية والمركبات العضوية غير القابلة للتحلل وتكوين مركبات الهيدروكربونات المكلورة والتي سميت بالمركبات المسرطنة وهو مايسبب الهلاك للمواطنين. هذا بالإضافة إلي مخلفات الصرف الصناعي والتي تتمثل في آثار الملوثات الناجمة عن الأغراض الصناعية من مواد سامة وعناصر ثقيلة كمركبات الرصاص والحديد والمنجنيز والكادميوم والكروميوم والباريوم والألومنيوم وبداهة هي مركبات ذات تأثير خطير علي الصحة العامة وثبت علميا ارتباط مرض الألزهايمر بعنصر الألومنيوم الموجود بالماء كل ذلك المصير الحتمي لها هو نهر النيل شريان الحياة والمصدر الرئيسي لمياه الشرب وتأثير ذلك تبعيا علي المياه الجوفية. وفي جولة ل «آخر ساعة» تبين أن وضع النيل يرثي له بداية من ضفتيه التي تنتشر المصانع علي طولها والتي تصب ملوثاتها في النهر. أما ترعة الإسماعيلية والتي تبدأ من النيل بجوار شبرا، وتصل إلي قناة السويس عند الإسماعيلية، ثم تتفرع إلي فرعين أحدهما يسير إلي السويس والآخر إلي بورسعيد، وهذه الترعة تروي محافظتي القليوبية والشرقية إلا أن مصانع البترول تنتشر علي جانبيها والتي أيضا تتخلص من مخالفاتها بالصب فيها رغم أنه أيضا يقوم بعض الصيادين بالعيش علي صيد الأسماك منها والشرب وغسل الأواني واستخدامها كمورد مائي دون النظر إلي حجم التلوث بها نتيجة لمخلفات المصانع وعربات الترنشات التابعة لهذه المصانع والتي تلقي بمخلفاتها أيضا بالترعة التي تصب في نهر النيل وهو ما يشكل تهديداً علي صحة المواطنين. وفي منطقة حلوان لم يختلف الأمر كثيراً فهي منطقة صناعية من الدرجة الأولي شملت أيضا تلوث نهر النيل حيث إنها تشتمل علي أكثر من 30 مصنعا تصب مخلفاتها بالنيل، وهو ما أكده أيضا تقرير لجهاز شئون البيئة دراسة مع خبراء من اليابان لرصد جودة مياه النيل وشملت الدراسة المنطقة الواقعة من التبين جنوب حلوان حتي مدينة القناطر الخيرية والتي أكدت عدم خلو مواقع القياس في هذه المناطق من التلوث الصناعي وارتفاع نسبة التلوث فيها بأملاح الفوسفات عند محطة كهرباء جنوب حلوان بمعدل يزيد علي المعايير البيئية التي تصل إلي 0.005 ملليجرام بينما تجاوزت نسبة الكربون العضوي الكلي الحد المسموح به عالميا عند مصنع طره ذلك الأمر الذي أدي إلي زيادة معامل التعكر بصورة واضحة في المنطقة المطلة عليها هذه المصانع كما لاحظت الدراسة ارتفاع نسبة النحاس والمنجنيز والألومنيوم في أغلب مواقع القياس نتيجة لمخالفات تلك المصانع في حين قدرت نسبة المخلفات الملقاة في المناطق المائية بقدر 80 مليونا من الأمتار المكعبة فبلغ نصيب ترعة الخشاب 31 مليون متر مكعب منها 22 مليون طن يصرفه إليها مصنع الحديد والصلب واستقبلت مخرات السيول الثلاثة في التبين وكفر العلو والمعصرة نحو مليون من المخلفات الصناعة السائلة التي تصب في نهر النيل بينما نحو 5 ملايين متر 18.3 مكعب في ترعة حلوان البلد من مخلفات قطاع الغزل والنسيج أما محطة التقنية في جنوب حلوان فاستقبلت 1.4 مليون متر مكعب الأمر الذي يجعل من المنطقة قنبلة موقوتة قابلة للانفجار. وعلي الصعيد الاقتصادي تخسر الحكومة سنويا ما يعادل 3 مليارات جنيه، وذلك نتيجة لتلك ملايين الأطنان من الملوثات الصناعية والزراعية والطبية والسياحية التي تلقي بنهر النيل سنويا، وذلك وفقا لتقارير صادرة عن وزارة البيئة ، والتي أشارت إلي أن الملوثات الصناعية غير المعالجة أوالمعالجة جزئيا والتي يقذف بها في عرض النهر تقدر بنحو 4 و 5 ملايين طن سنويا، من بينها 50 ألف طن مواد ضارة جدا، و 35 ألف طن من قطاع الصناعات الكيميائية المستوردة . وبينت التقارير أن نسبة الملوثات العضوية الصناعية التي تصل إلي المجاري المائية تصل إلي 270 طنا يوميا، والتي تعادل مقدار التلوث الناتج عن 6 ملايين شخص، كما تقدر المخلفات الصلبة التي تلقي في النهر سنويا بنحو 14 مليون طن، بينما يبلغ حجم الملوثات الناتجة عن المستشفيات سنويا بما يقدر بنحو 120 ألف طن سنويا من بينها 25 ألف طن مواد تدخل في حيز شديدة الخطورة. وأوضح التقرير أنه ترتب علي هذا التلوث إغلاق وتوقف أكثر من 8 محطات لضخ ورفع المياه تبلغ قيمة كل منها أكثر من 20 مليون جنيه، وتوقف الاستفادة من أكثر من 2 مليار متر مكعب من المياه سنويا، مما يتسبب في حدوث فاقد زراعي كبير نتيجة إلقاء الملوثات في المصارف والترع المائية ومن جانبه يوضح مجدي توفيق أستاذ البيئة المائية بجامعة عين شمس أن تلوث نهر النيل يرجع إلي عدة أسباب أبرزها صرف المخلفات الصناعية والزراعية ومخلفات الصرف الصحي بالنيل وأن أخطر أنواع المخلفات التي تصب في النيل المخلفات الصناعية والتي عادة تخرج من المصانع محملة بالرصاص والمعادن الثقيلة التي تفتك بصحة الإنسان وتصيبه بالعديد من الأمراض، مشيراً إلي أن مراحل تنقية مياه النيل وإضافة الكلور إليها ينقي المياه من البكتيريا فقط لكنه لا ينقي المياه من المعادن الثقيلة والمخلفات الصناعية من معادن ضارة ، كما أن الملوثات الصناعية المنصرفة بالمجاري المائية تصل إلي 270 طنا يومياً أي أنها تعادل التلوث الناتج عن 6 ملايين شخص، وتقدر المخلفات الصلبة التي يتم صرفها بالنيل حوالي 14 مليون طن، أما مخلفات المستشفيات تبلغ حوالي 120 ألف طن سنوياً منها 25 ألف طن من مواد شديدة الخطورة.. إن مساحة مخلفات المنازل من الصرف الصحي سنوياً حوالي 5 مليارات متر مكعب يتم معالجة 2 مليار م3 منها فقط في حين أن هناك 3 مليارات م3 يتم صرفها بنهر النيل. وأوضح أن تلوث نهر النيل أدي إلي خسارة كبيرة بالإنتاج الزراعي وأن 50% من فاقد الإنتاج الزراعي سببه الرئيسي يعود إلي تلوث المياه. وإذا كان نهر النيل يصيب أفراد الشعب بالعديد بالأمراض عندما يتناولون المياة الملوثة فما بالنا بالأحياء المائية والأسماك التي تعيش بالنيل وتتغذي به .. وحصيلة نهر النيل من خسائر التلوث هي اختفاء 33 نوعاً من الأسماك التي تحيا بمياه النهر في حين أن هناك 30 نوعا أخري في طريقها إلي الاختفاء، وتعتبر تلك الظاهرة بمثابة مؤشر شديد الخطورة ينبه بضرورة حماية الثروة السمكية والأحياء البحرية من التلوث الذي يدفع بها إلي الاختفاء والانقراض إضافة إلي أن النيل يقوم بدورة تتقلب خلالها مياهه كل عام وينتج عن هذه الدورة نفوق أعداد هائلة من الأسماك . يقول ضياء الدين القوصي خبير المياه والري أن عملية تغطية المصارف الزراعية لا تمثل حلا جذريا لهذه المشكلة، حيث إن انسداد تلك المصارف يحتاج إلي جهد ووقت ومال كبير لإعادتها إلي طبيعتها، مؤكدا أن هناك خطة قومية لحماية الموارد المائية من التلوث وتشمل برنامجا متكاملا للتحكم والسيطرة علي جميع مصادر التلوث، وتبلغ تكلفة هذه الخطة أكثر من 10 مليارات جنيه حتي عام 2017. وأشار إلي التحديات التي تواجه النهر مؤكدا أن هناك نحو 3 مليارات متر مكعب من المياه الناتجة عن معالجة مياه الصرف الصحي، وعلي الرغم من أن وزارة الإسكان تتكلف الملايين من أجل معالجة هذه المياه غير تكلفة المحطات، فإن من الصعب فتح هذه المياه علي النيل لأنها ستصيبه بالتلوث، ولذلك لجأت وزارة البيئة لزراعة آلاف الأفدنة بالغابات الخشبية التي تروي بمياه الصرف بعد معالجتها في مدن الإسماعيلية والسادات والوادي الجديد وأسوان والغابات كلها علي أراض رملية. ويضيف إن علاج هذا الجانب لن يتحقق بدون التوعية البيئية، وهذا ما يجب أن نسعي إليه لنشر التوعية البيئية في كل القري المطلة علي نهر النيل وفروعه، حيث أن سياسة التوعية البيئية في مصر الآن أصبحت مختلفة ومتطورة أكثر من الماضي، فإلي وقت قريب كانت الطائرات تقوم برش القطن بالمبيدات وسط فرحة الفلاحين، وهذه المبيدات كان يسقط نصفها في نهر النيل، وتتسبب في نفوق أسماك تقدر بآلاف الأطنان، ولخطورة هذا التصرف تم وقف العمل به بالاتفاق مع وزارة الزراعة. كما كانت المراكب السياحية الفاخرة المقامة علي سطح النيل تفرغ مخلفاتها من الصرف الصحي والمواد الصلبة داخل النهر، ولعلاج المشكلة تم إنشاء محطات ثابتة لتفريغ هذه المخلفات. كما أن القضاء المصري يقوم بتشديد العقوبة علي المخالفات البيئية خاصة إذا كانت علي النيل، مع إرسال إنذار للجهة الصادر منها ترخيص المنشأة لتصويب أوضاعها خلال 60 يوما، وبعدها يسحب الترخيص وتغلق المنشأة ويستثني من ذلك حالات الخطر الداهم مثل إلقاء مخلفات مستشفي في النهر أو مواد كيماوية سامة حيث لا تنتظر 60 يوما ويجري تطبيق القانون في الحال. ويري مراقبون أن قرار الإغلاق قد لا يكون قيد التنفيذ السريع بحجة عدم تشريد العمالة وزيادة البطالة، فظروف العمالة أصبحت تمثل وسيلة ضغط لمنع تنفيذ أي قانون وأي قرار، وأحيانا كثيرة تكون الحجة تأثير غلق المصنع علي صناعة معينة والحاجة لمنتجاتها، ومن هنا تصبح القوانين مجرد حبر علي ورق