الأنبا ماركوس يدشن كنيسة ويطيب رفات الشهيد أبسخيرون بدمياط    في خطاب عيد الأضحى.. بايدن: نعمل على وقف الحرب في غزة    طاقم حكام مباراة الإسماعيلي وإنبي في الدوري المصري    صحة كفر الشيخ: تنفيذ خطة التأمين الطبي بنجاح    كييف: روسيا تصعد هجماتها العسكرية خلال قمة السلام الأوكرانية في سويسرا    صائد النازيين كلارسفيلد يثير ضجة بتعليقاته عن حزب التجمع الوطني بقيادة لوبان    أجواء رائعة على الممشى السياحى بكورنيش بنى سويف فى أول أيام العيد.. فيديو    مراكز الشباب تحتضن عروضا فنية مبهجة احتفالا بعيد الأضحى في القليوبية    قرار جديد ضد 3 عاطلين لسرقتهم بطاريات السيارات والتكييفات والدراجات الهوائية بالقاهرة    وفاة حاج رابع من بورسعيد أثناء رمي الجمرات بمكة المكرمة    محمد أنور ل"فيتو": ليلى علوي بمثابة أمي، ومبسوط بالشغل مع بيومي فؤاد في "جوازة توكسيك"    الرئيس الأمريكى: حل الدوليتين السبيل الوحيد لتحقيق سلام دائم للفلسطينيين    متى آخر يوم للذبح في عيد الأضحى؟    بعد كسر ماسورة، الدفع ب9 سيارات كسح لشفط المياه بمنطقة فريال بأسيوط    أكلات العيد.. طريقة عمل المكرونة بالريحان والكبدة بالردة (بالخطوات)    أستاذ تغذية يوضح أفضل أنواع اللحوم وكيفية تخزينها    موعد مباراة البرتغال والتشيك في يورو 2024.. والقنوات الناقلة والمعلق    نغم صالح تتعاون مع الرابر شاهين في أغنية «شلق»    «البالونات الملونة» فى احتفالات القليوبية.. وصوانى الفتة على مائدة الفيومية    إريكسن أفضل لاعب في مباراة سلوفينيا ضد الدنمارك ب"يورو 2024"    الحج السعودية: وصول ما يقارب 800 ألف حاج وحاجة إلى مشعر منى قبل الفجر    بوفون: إسبانيا منتخب صلب.. وسيصل القمة بعد عامين    "Inside Out 2" يزيح "Bad Boys 4" من صدارة شباك التذاكر الأمريكي    تنسيق الجامعات 2024.. شروط القبول ببرنامج جورجيا بتجارة القاهرة    ماذا يحدث في أيام التشريق ثاني أيام العيد وما هو التكبير المقيّد؟    محد لطفي: "ولاد رزق 3" سينما جديدة.. وبتطمئن بالعمل مع طارق العريان| خاص    الدراما النسائية تسيطر على موسم الصيف    ريهام سعيد تبكي على الهواء (تعرف على السبب)    الغندور ينتقد صناع "أولاد رزق" بسبب "القاضية ممكن"    مرور مكثف على مكاتب الصحة ومراكز عقر الحيوان بالإسماعيلية    وزير الداخلية الباكستاني يؤكد ضمان أمن المواطنين الصينيين في بلاده    في أقل من 24 ساعة.. "مفيش كدة" لمحمد رمضان تتصدر التريند (فيديو)    التصعيد مستمر بين إسرائيل وحزب الله    فلسطينيون يحتفلون بعيد الأضحى في شمال سيناء    قصور الثقافة بالإسكندرية تحتفل بعيد الأضحى مع أطفال بشاير الخير    موراي يمثل بريطانيا في أولمبياد باريس.. ورادوكانو ترفض    قرار عاجل في الأهلي يحسم صفقة زين الدين بلعيد.. «التوقيع بعد العيد»    وفاة ثانى سيدة من كفر الشيخ أثناء أداء مناسك الحج    بعد تلقيه عروضًا خليجية.. جوميز يتخذ قرارًا مفاجئًا بشأن رحيله عن الزمالك    ما الفرق بين طواف الوداع والإفاضة وهل يجوز الدمج بينهما أو التأخير؟    هالة السعيد: 3,6 مليار جنيه لتنفيذ 361 مشروعًا تنمويًا بالغربية    ضبط 70 مخالفة تموينية متنوعة فى حملات على المخابز والأسواق بالدقهلية    حصاد أنشطة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في أسبوع    روسيا: مقتل محتجزي الرهائن في أحد السجون بمقاطعة روستوف    «سقط من مركب صيد».. انتشال جثة مهندس غرق في النيل بكفر الزيات    رئيس دمياط الجديدة: 1500 رجل أعمال طلبوا الحصول على فرص استثمارية متنوعة    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الأحد 16 يونيو 2024    عيد الأضحى 2024.. "شعيب" يتفقد شاطئ مطروح العام ويهنئ رواده    ما أفضل وقت لذبح الأضحية؟.. معلومات مهمة من دار الإفتاء    قائمة شاشات التليفزيون المحرومة من نتفليكس اعتبارا من 24 يوليو    محافظ السويس يؤدي صلاة عيد الأضحى بمسجد بدر    حاج مبتور القدمين من قطاع غزة يوجه الشكر للملك سلمان: لولا جهوده لما أتيت إلى مكة    شلالات بطعم الفرحة، أهالي الغربية يلقون البالونات على المواطنين احتفالا بالعيد (بث مباشر)    المالية: 17 مليار دولار إجمالي قيمة البضائع المفرج عنها منذ شهر أبريل الماضى وحتى الآن    محافظ الفيوم يؤدي صلاة عيد الأضحى بمسجد ناصر الكبير    محافظ كفرالشيخ يزور الأطفال في مركز الأورام الجديد    بالسيلفي.. المواطنون يحتفلون بعيد الأضحى عقب الانتهاء من الصلاة    ارتفاع نسبة الرطوبة في الجو.. الأرصاد تكشف تفاصيل طقس عيد الأضحى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في البحث عن مارية القبطية
إسكندرية .. مارية
نشر في آخر ساعة يوم 07 - 01 - 2014

مكتبة الإسكندرية الجديدة نسائم البحر توقظ البهجة في مخيلتك، وقد شارفت علي المدينة التي اتفق كل رحالتها علي وصفها بذلك، اتجه يميناً قبل دخولها لتصل لبوابة الشرق في حديقة الشلالات، تغوص في زحام منطقة كوم الشقافة الشعبية ثم هدوء صباح المسجد العمري باللبان وتتوه عن الكنيسة المرقسية وشارع النبي دانيال ثم أسوار المسرح الروماني في كوم الدكة لينتهي بك المطاف الطبيعي عند مكتبة الإسكندرية والشاطئ بأمواجه، تحاول أن تتخيل رحلة خروج السيدة مارية القبطية زوج رسول الله من أم مدن العالم متعقباً بالخيال والاحتمالات مكونات هذا المسار أو بشكل مباشر صورة الإسكندرية 7ه.
دقات سنابك الخيل النشيط علي بازلت الشوارع المنداة برطوبة فجر وبحر الإسكندرية تثير فضول المبكرين للرزق يتابعون موكب قائد حرس قافلة الضيوف متصدرها بخوذته المعدنية بريشها الأحمر علي زيه العسكري الجلدي والدوائر المعدنية لصديريته وسيفه الممنطق بوسطه وخلفه الفرسان علي الجانبين والمؤخرة بينهم جمل عليه أعرابي (الصحابي حاطب بن أبي بلتعة سفير رسول الله للمقوقس) وهودج لصبيتين جميلتين بأناقة ملابسهما الكتانية المزركشة (مارية وسيرين) وخلفها جمال وبغال تحمل صناديق خشبية مزركشة لهدايا وملابس وآلات موسيقية وطعاماً وقرباً للمياه وعلفاً للدواب (45 يوماً إلي يثربذ المدينة المنورة) بينها فرس أبيض وبغلة حمراء (بسروج جلدية) وحمار رمادي ببردعة من ورش صناعتها بالمدينة ولن يلحظوا وسط العبيد والجمالة وجود مأيور الخصي خادم الصبيتين ولا جبربن عبد القبطي مرسال المقوقس لمشاهدة خاتم النبوة وفهم المتفرجون أن القافلة تطمع قطاع الطرق ولابد من حراستها.
يعرف قائد الحرس بتدبير احتياجاته من قري الحاميات الرومانية علي فرع غربي النيل- رشيد- وحتي بلبيس والفرما والعريش ثم غزة وأيلة (إيلات) ثم عقبة الأردن وتبوك علي ساحل شرق البحر الأحمر إلي يثرب.
لا يدرك في مهماته مشاعر الفتاتين في غربتهما الثانية تغادران مصر والإسكندرية لنهاية العمر تتشربان نظرة أخيرة لحاضرة الدنيا وأول مدينة في مصر قبل ألف عام وقد جاءتاها من المنيا عقب خروج الفرس يتيمتين من (أنتوبوليس - الشيخ عبادة - شرق المنيا) المدينة الرابعة بعد الإسكندرية ونقراطيس وبطلمية وتتمتعان بالمواطنة الرومانية رغم أنهما قبطيتانذ مسيحيتان مصريتانذ أمهما رومانية ووالدهما مصري تعزفان في تراتيل الكنيسة موهوبتين في عزف آلة الهارب في كنيسة هناك وفازتا في المهرجان السنوي باستاد الإسكندرية لكشف المواهب.
ترفعان ستائر الهودج في حرية المدينة العالمية مغناطيس جاذب وصهر أجناس وثقافات وعادات الدنيا تتمليان واجهات البيوت العالية الرخامية في هدوء بياضها في الفجر قبل أن تغشي العيون انعكاسات الشمس تحميها ستائر حريرية خضراء في الشوارع الفرعية وقباب ثابتة في الشوارع التجارية ويغلب علي ملابس أهلها اللونان الأسود والأحمر ليظهرا في بياض المباني ومنه اختار الرهبان والراهبات اللون الأسود.
وباكيات من سقوف ثابته علي أعمدة تحمي من الأمطار علي جانبي الشارعين الرئيسيين.. الكانوني (طريق الحرية حالياً) والشارع المتقاطع معه (شارع قناة السويس) بعرض 30 م وزينة الأعمدة والتماثيل فقد بنيت المدينة من أنقاض مدن ممفيس وهليوبوليس وطيبة تلتقيان في ميدان السيما (الجسد الحي) حيث دفن الإسكندر الأكبر في المدينة المستطيلة وقد نظمت شوارعها باتجاه نسيم الصيف شمال جنوب بشوارع 7 موازية للبحر و12 عمودية وكلها بعرض 7م.

خارجون من قصر المقوقس بأعمدته الرخامية المزخرفة وبساتينه المشرفة علي البحر وبه دار سك العملات الذهبية والفضية الرومانية الرسمية ودار الجنسيم لنسج الحرير بخيوط الذهب للقياصرة ورجال الدولة وكبار التجار من ثياب الإسكندرية التي لا نظير في العالم وهو قرب أنقاض كنيسة العذراء الألف عمود المسجد العمري باللبان حالياً علي مرماها أنقاض كنيسة أثناسيوس (مسجد العطارين) بابا الإسكندرية 300 م وباني كنيسة العذراء وقد خربهما الفرس (617 م - 627 م) منذ 13 عاماً.
البطريرك الملكاني ونائب الإمبراطور بسلطة دينية ومدنية وقائد الجيش والقادم من القوقاز 631م لنشر مذهب هرقل بالإرادة الواحدة للمسيح لتوحيد المسيحيين في مصر قلب إمبراطوريته والذي رفضه المصريين تحيزا لمذهبهم بأجتماع الطبيعتين الإلهية والإنسانية للمسيح وهرب منه البابا بنيامين (633 662م) إلي الصعيد فقام باضطهاد القبط.
يتجهون لجنوب المدينة ليعبروا ترعة شيديا (المحمودية 1825 م) فوق مدخلها للمدينة (باب العمودذ باب سدرة بوابة المعهد الإيطالي) حتي تصب في الميناء الكبير علي شاطئيها جنوبا تمتد بساتين التين والزيتون (زيتهم المفضل للطعام والعطور وأدوات التجميل- لماذا لم يرسل المقوقس زيت زيتون في هداياه؟) والفواكه والنخيل والرياحين والقصب والسمسم والعنب (الأحمر والأسود) لصناعة النبيذ ومناحل العسل تلمح علي البعد محاريثها وطنابيرها ومزارعيها بالفؤوس وسواقيها بمياه نيلها من بحيرة مريوط (عذبه حتي 1801 ذ الحملة الفرنسية) بجمال مذاقها حتي قال قائد روماني لرجاله (أعندكم ماء النيل وتطلبون الخمر؟!) وأسماكها الوفيرة تطفو علي السطح فيصطادها الأطفال بالخرق ويجلسون الرجال علي شاطئها في العصر للصيد بالبوص وفي الليل يستخدم الصيادون مشاعل في القوارب تجذب الأسماك.. فالأهالي يعشقون السمك بأنواعه خاصة سمك البوري ويملحون سمك البسارية في جرادل خشبية (ملوحة) كما يفضلون الحمام البلدي وطائر السمان المهاجر في الخريف.. ثم ميناؤها لمراكب النيل بمنتجات الصعيد من قمح ونبات النيلة للصباغة والكتان لصناعة الحبال وملح وادي النطرون لصناعة صابون التنظيف ويأتي من جنوبها سكان غير محبوبين من بدو رعاة بالخراف والماعز والبقر والجمال والحمير والصوف والسمك المجفف في الشمس لأسواق المدينة وجزاريها ومن شواطئ مريوط صعاليك (البوكوليك) يعيشون في عشش بوص علي شواطئها وقوارب صغيرة يمارسون اللصوصية.
ويواجهون في جنوب الغرب الحي الشعبي (راقودة) بمنازله البسيطة وزحام العمال والحرفيين والشيالين وعمال اليومية الهاربين من فقر القري للعمل في مواسم الحصاد ونقل البضائع من النيل والبحر ثم يطردون لقراهم فيبيتون خارج الأسوار المغلقة ليلاً ليكرروا السعي في الصباح يرتدون ملابس الكتان الرخيصة بلونها (البيج) والحي هو أصل المدينة التي أقيمت حوله ومازال المصريون يسمون المدينة باسمها الأصلي رداً علي تعالي الرومان بمدينتهم (الإسكندرية المتاخمة لمصر) وأهلها وإن وصفوا بالهمة والنشاط لقرب البحر واستقرار الحرارة والبرد فهم عصبيون سريعو الغضب والمشاجرات طائشون لكنهم حرفيون مهرة في النسيج فالمدينة بها 14 ألف نول لنسيج الكتان والحرير والصوف وورش الخزف خاصة كؤوس خضراء وداخلها أصفر والزجاج للأواني والقوارير ومعاصر زيت الزيتون والسمسم وحبال السفن وأدوات الصيد والنجارة وورق البردي والحلي والعطور والحدادة وضجيج دكاكين البهار يطحن عمالها أصنافها في هون جرانيتي بذراع معدني ودقات صناع أقفاص جريد النخل لنقل الفواكه ووكالات القمح من الصعيد وسيوة والمطاحن والمخابز العامة خاصة التي توزع حصة يومية مجانية للفقراء معها قمح والمحلات التي تبيع العدس مطبوخاً والأسعار محددة من الحكومة ثم محلات بيع الطوب المحروق وطوب المحاجر الأبيض ويتراص بائعو الخضار والفاكهة في الأسواق المسقوفة بالستائر والخشب والأحجار ويعرفون أنهم سيرون ورش الصاغة الصغيرة المعتمة لليهود سحرة النقود في أسواق الأحياء الرومانية وحيث يرون أسواق العبيد من أسري الحروب يتاجر فيها جنود الحاميات الرومانية القدامي الحاصلون علي مرتبات ومكافآت يستثمرونها في تجارة الرقيق والإقراض بالربا.
يتابعون أطفالاً حفاة يلهون حول أمهاتهم حاملات الجرار الفخارية بمياه الخزانات العمومية التي تزاحم حولها النساء الفقيرات والعبيد والسقاءون بقرب يحملونها علي ظهورهم أو الحمير والجمال وعربات الكارو إلي خزانات بيوت الأغنياء والمحلات والأسواق من 400 خزان عمومي أرضي كمدينة سفلية تمتلئ في الفيضات والأمطار الشتوية بممرات خاصة في بازلت الشوارع لذلك وهي كبيرة حتي ينزلها الفارس بحصانه ورمحه وقنواتها متصلة ببعضها فتصب الزائد في الخالي (الأواني المستطرقة) لصعوبة الاعتماد علي مياه النيل التي تكاد تنعدم قبيل الفيضان الجديد في أغسطس (لم يبق منها إلا صهريج بحديقة الشلالات والوحيد المحتفظ بعماريته بمساحة 200 متر من 3 طوابق أرضية ومجموعة نادرة من الأعمدة والتيجان) وهي السبب في انتشار الأوبئة في المدينة إذا ما أهمل تنظيفها السنوي أو لوثت لأي سبب (الصرف الصحي) وهي نقطة ضعف المدينة في الحصار الطويل إذا قام العدو بغلق قنوات مياهها أو تسلل للمدينة من مسار الترعة أو الخزانات.
يقذف الصبية جماعات الكلاب والقطط المتسحبة لطعامها في أطراف السواق ويفزعون عصافير الأشجار وطيورها ويهللون لشبكة صيد طير مهاجر ثم يسحبون قطع جريد صغيرة يتبارزون في لعبة الفرسان قبل تخلصهم من جلابيبهم ليلهو في الترعة.

ترفعان النظر 27م (9 أدوار حديثة) لقمة عمود (دقلديانوس السواري) بجرانيته الأحمر تخليداً لزيارة الإمبراطور لمصر 292 م (فوق تل باب سدرة بين مدافن المسلمين- مدافن العمود- وبين هضبة كوم الشقافة بكرموز) علي أطلال معبد السيرابيوم يجمع بين آلهة المصريين والرومان بفكرة الإسكندر للتقارب معهم في الإله سيرابيوم (أخذ الثالوث الفرعوني إيزيس وأوزوريس وحورس إلي سيرابيون الأب والأم والابن) بسلالمه 100 درجة وأروقته علي بهو مكشوف وقد تهدم بعد مائة عام 391م عندما أصبحت المسيحية دين الدولة فقاد ثيوفيلوس- بابا الإسكندرية- كسر أصنامه وصبها أجراساً للكنائس، وأبقي صنماً واحداً للسخرية وأقيم به كنيسة يوحنا المعمدان (تهدمت في زلزل 902 م) ثم في (541 م) عندما عين الإمبراطور بابا للإسكندرية غير مصري فرجمه القبط بالحجارة فلجأ للمعبد فأضرموا فيه النار وضاعت في المرتين مكتبة دار الحكمة 700 ألف لفافة كتب- اللفافة تساوي أربعين صفحة من كتاب عادي حاليذ (وقد اعتقد المسلمون لضخامته أنه من بناء الجن في ملك سليمان فأطلقوا عليه سواري سليمان فأصبح عمود السواري)

ويلاصق غرب العمود المقبرة الغربية (كوم الشقافة) للمصريين والإغريق والرومان (بالفرعوني مدينة الأموات حيث تغرب الشمس- بتأثير المصريين في الحضارتين) منحوتة في الصخر تحت الأرض وبها نقوش بارزة من الفن الفرعوني واليوناني والروماني ذلك خلاف مقابر اليهود في الشرق خارج باب رشيد - ومعها مقبرة اللاتين (نقل بجوار حدائق الشلالات) وجبانات البطالمة ومقبرة الشاطبي اكتشفت 1893م ومقابر الأنفوشي (أمام مدخل رأس التين أكتشفت 1901) ومقابر شارع المعسكر الروماني- مقابر مصطفي كامل بمنطقة رشدي اكتشفت 1933 فقوة الثقافة الفرعونية أثرت في المسيحية حيث كانوا يصوِّرون إيزيس كنجم مع الشمس في الفيضان فصوروا العذراء فوق هلال، صاعدةً إلي السماء. وكانوا يشعلون الشموع بمعابدهم المظلمة، فصاروا يشعلونها بالكنائس وكان لهم عيدٌ يسمي عيد الشموع، فصار عيد الشعانين. وكانوا لهم في 25 طوبة عيد يأكلون فيه الحلوي، فصاروا يأكلونها في 6 طوبة في عيد الظهور (القيامة). وكان كاهن "طيبة يلقب حاجب باب السماء" فصار حامل مفاتيح السماء هو البابا.
ويجاور العمود الاستاد الرياضي لتدريب الرياضيين علي رمي الرمح والقرص والجري والمصارعة وكلها بصبغة عسكرية .

تتجه القافلة يميناً للشمال والبحر في الشارع العمودي الواسع (شارع النبي دانيال) جانبية المصالح الحكومية ومدرسة ومحكمة وقصور من 4 آلاف مبني مفروشة بالرخام الملون ولها حمام خاص مع 4 آلاف حمام عمومي تعقد في أجوائها صفقات التجارية وحوارات سياسية ونزهة للنسا (اكتشف حمام بكوم الدكة 15 *6 م) 400 ملهي للملوك و12 ألف بقال يبيعون (العدس والذرة والخضراوات) ويزدحم بالخيالة وعربات تجرها الدواب (الكارو) ونزق الجنود المرتزقة بسلطة الإيذاء دون الرد أو الشكوي وللقصور خزانات صرف صحي تنزح وتلقي في الصحراء خارج الأسوار.
ويصلون لشارع كانوب بين بوابتي الشمس في الشرق والقمر في الغرب- ميدان السوما (موقع الكنيسة المرقسية والمعبد اليهودي حالياً) في امتداد الميدان للبحر كنيسة الملاك ميخائيل منذ 354 م في بقايا معبد القيصرون ابن كليوباترا بأسواره 500 *250 ذراعا (63 ألف متر مربع 15 فداناً) (أحرقها القبارصة 912 م) تتوه العيون في زحام 400 عمود جرانيتي مزخرفة ومصفوفة بشكل صليب (ألقيت أمام الميناء الشرقي لعرقلة الصليبيين (589 ه) وأمامه مسلتا تحتمس الثالث منقولتين من الأقصر- الواقفة والنائمةذ مسلتا كليوباترا (أهدي محمد علي إحداهما للإنجليز وأهدي الخديوي إسماعيل الثانية للولايات المتحدة) وفي الغرب منه سوق كبير(للأجانب) بأعمدة وسقوف الستائر والأخشاب وبه مخازن لبضائع العالم النادرة ومنتجات مصرية للتصدير من مراهم وبذور وأحجار رملي وجرانيت وبخور اليمن وبجواره منازل كبار التجار ويمتد حتي الشاطئ وسمي لقربه قيصارية وبعد الفتح خففها العرب قيسارية للأسواق الكبيرة المسقوفة

يتجهون يميناً للشرق في الشارع التجاري العريض الذي لا يكفيه يوم للفرجة علي محلات الصناعات والحرف ومنتجات الصين والهند وأفريقيا من أخشاب وقطران وذهب وفضة ولؤلؤ بحر العرب وحديد ونحاس ورخام وسلاح وسجاد وحانات ومطاعم ومصابغ النسيج مزدحم بالباعة والمشترين في انفعالات تصل أحياناً للشجار وإلحاح شحاذين وبه فنادق للغرباء أشهرها فندق الراهب أقامه صدقة للضيوف ولأن الشارع يقسم المدينة إلي شمالها غني للرومان من كبار الموظفين والجنود ورجال الأعمال يليهم الأغريق واليهود والي جنوب من القبط كصغار تجار وملاك ومزارعين وحرفيين كما في المدينة زيجات مختلطة لأهلها وكل الاجناس فيها زيجات يهودية مسيحية وبين المذاهب المسيحية المتباغضة تولد العنف فتعرض الشارع لدمار غضبة شعب طائش يقذف بالحجارة ويصرخ في وجه حكامه يا يهوذا (خائن المسيح) وتشربت أرضه بدم المتطرفين الوثنيين ثم المسيحيين ومذاهبهم وتحدي الكنيسة القبطية للكنيسة القسطنطينية.
علي يمين الخروج هناك المسرح الروماني(في كوم الدكة) للاجتماعات السياسية والمسابقات الثقافية الفنية وهو مدرج علي شكل (حدوة حصان) من 13 صفاً رخامياً مرقمة باليونانية بمقصوراته الخمس (مقصورتين حالياً) وقبابه وأقواسه وأعمدته من العصور المختلفة منها فرعونية وفي منتصفه منطقة (الأوركسترا الموسيقية) وصالتا مدخل الغربي بزخارفهما الهندسية.
علي يسار الخارج امتداد قصور الحي الملكي في موقع حي اليهود الذين طردوا إلي خارج السور أما باب رشيد في منطقة أليوس 451م حيث يجاورهم منطقة تقدم اللهو والمجون ومنطقة مخصصة للقمامة ثم مضمار سباق الخيل وقد كانوا أكبر الجاليات ويشغلون اثنين من الأحياء الخمسة (خاصة الحي الرابع- دلتا) متمتعين بالحرية الدينية والتشبه باليونان في الملابس والأسماء ولغة الحديث والكتابة متحكمين في التجارة والبنوك فتعالوا علي المصريين وتسببوا في فتن للمنافسة الاقتصادية فحرمهم الإمبراطور هارديان من امتيازاتهم 117م ويضم الحي دار التمثيل وحديقة الحيوانات والبرك والسجن وشرق أسوارة معسكر للجيش.
و حي القصور الممتد حتي ساحل البحر يضم آثار مكتبة الإسكندرية 280 ق. م والتي ضمت مؤلفات البطالمة وحفظت مؤلَّفات اليونان ويقال أحرقت مرتين مع يوليوس قيصر عندما أشعل النار في سفنه فلم يكن لديه جنود للحراسة فالتهمت النيران جانباً من المكتبة وفي المسيحية بتعصُّب بعض الأساقفة الذين رأوها ثقافة وثنية 272م وهي المكتبة التي جمعت النابهين من العالم وبزغ علماؤها في كل العلوم (من تلاميذها أرشميدس في الرياضيات وأفلاطون في الفلسفة) والترجمة السبعينية للعهد القديم (70 مترجماً) لليونانية بدلا من العبرانية التي لا يعرفها يهود الإسكندرية وتحقيق مخطوطات هوميروس: الإلياذة، الأوديسة واخترع علامات الترقيم في الكتابة وفهرسة الكتب واستنباط النحو اليوناني ونقلت تراث الديانة المصرية إلي اليونان والتراث الروماني إلي المسيحية فأصبحت الإسكندرية العاصمة الروحية للعالم المسيحي.
(مكتبة الإسكندرية الجديدة افتتحت 2003 قرب موقع المكتبة القديمة وفيها نصف مليون كتاب ومرجع) ودار التمثيل، ويحيط بكل حي سور خاص وللمدينة سور عام وهي أحياء.. ميدان السباق خارج المدينة (الإبراهيمية -سبورتنج - سيدي جابر) وحي القصور عند الميناء الشرقي (الشاطبي- محطة الرمل- الأنفوشي) وكوم الدكة في الوسط (ميدان محطة مصر- محرم بك- ترعة المحمودية). وحي المتحف في الجنوب (المنشية- العطارين) وراقودة في الجنوب الغربي (كرموز- غيط العنب- بحيرة مريوط). (الإسكندرية حالياً 6 أحياء) وكانت مساحتها 25 كم مربع يسكنها نصف مليون نسمة-مساحتها حاليا 2300 كم (92 ضعفاً) وتعداد ها 4 مليون نسمة (8 أضعاف).
تؤجلان النظر إلي المنارة- من عجائب الدنيا السبعذ فارتفاعها (102 م 34 دوراً) فتشاهد لمسافة 50 كم تقطعها الخيول في يوم كامل وقد سقط منها تمثال إله البحر 7م وجزؤها العلوي الاسطواني 15م فقد كان ارتفاعها 124مذ أقل 10م من الهرم الأكبر- منها 60م مربعة تضمم 400 غرفة ثم جزء ثماني 30م له شرفة كبيرة وأعلاه مرايا محدبة من زجاج أو معدن مصقول بطول 10 أشبار (مترين) تعكس لهب يشعل ليلاً يشعله ديدبان (حارس) لتراه السفن وأشعة الشمس نهاراً لتحميه من مخاطر الشعب المرجانية بمدخل الميناء الشرقي وبأسفلها ممرات تؤدي للبحر يتوه فيها الغريب (يتحطم بعد عدة زلازل قوية منها زلزال 703ه. حيث طلع البحر إلي نصف البلد وأغرق سفن الميناء وشق المنار وهدم الأسوار وأفسد قماش التجار ومات الكثيرون تحت الأنقاض وهبط منسوب الأرض واختفي الحي الملكي واليهودي وأرصفة جزيرة فاروس) (علي أنقاضه أقيمت قلعة قايتباي بالأنفوشي 882ه من ثلاثة طوابق بارتفاع 17م) ومن هندسته بقاعدة مربعة ووسط ثماني أعلاه شرفة بمصباح أخذ تصميم المآذن الإسلامية (تبدل المصباح بالهلال مع العثمانيين).
بجوار المنار توجد كنيستان واحدة للقديس فوستوس والأخري للقديسة صوفيا (انهارت في زلزال وبني عليها مسجد موسي انهار في زلزال آخر) وبينهما فندق للغرباء الذي أقام به حاطب لمدة 8 أيام.

تتخيلان شط بحر إسكندرية وفتيات راقودة يلهون بين موجاته الحانية في حرية الفجرية يغادرنه مع الشمس واكتمال يقظة المدينة التي أصلها رمال بيضاء علي مرماها منطقة الرمل بكروم العنب والميناء الشرقي بغابة صواري سفنه الكبيرة 100 سفينة تنقل القمح للقسطنطينية من أبريل حتي سبتمبر في 3 رحلات تعج فيها الميناء بشياليها (5 ملايين جوال) وتربط في الميناء من أكتوبر حتي مارس أمام قسوة وغدر أمواج البحر الشتوية يملك بعضها الكنيسة وأكثرها لرابطة أصحاب السفن الأغني والأقوي تأثيراً في الإمبراطورية وهناك ميناء خاص للملوك ثم الميناء الغربي الأصغر الذي يسهل دخوله لرياحه الشمالية لكنها تجعل خروجهم صعباً تحميهما جزيرة فاروس من العواصف والتي بربطها بالمدينة ظهر حي الجمرك وتتراص أمام عيونهن الهياكل الخشبية لسفن وقوارب جديدة تصنع في دار صناعة السفن من أخشاب الأرز اللبناني والدقات المنتظمة لشواكيش الصنايعية ويتشممن الرائحة النفاذة للقطران الذي يذاب بنيران الفحم والأخشاب لعزل جدرانها ضد المياه في موقعهما غرب مصب النيل حتي لا يغلقها الطمي ويلمحن من بعيد السلسلة الحديدية لمدخل الميناء لمنع تسلل السفن الليلية.

لن يخطر ببال مارية عند خروجها أنه بعد 300 سنة سيتفاخر أهل الإسكندرية وحتي الآن بغموض (إسكندرية ماريا وترابها زعفران) باسم يشابه اسمها دون قصد لكنه من أصل مريم العذراء أو (ميرتذ الهيروغليفي) لميناء ماريا (45 كم غرب الإسكندرية) مفتاح مصر الإفريقي ومسمي إقليم وبحيرة مريوط وهي ميناء ترانزيت عالمي قرب فرع قديم للنيل أو ميري (البهجة) التي اتفق كل الرحالة علي وصفها أو "مار" بمعني قديس بالقبطي مثل "مار جرجس" أو "المِيرة" وهو الطعام الوفير أو من أصل مغربي من حجاج الأندلس والمغرب أو مدينة "مرية" الأندلسية العربية (344ه) وكانت مدينة صناعة وتجارة فشبهها تجارها كتفخيم بالإسكندرية.
والزعفران نبات بصلي بلون أحمر برتقالي له رائحة نفاذة وطعم مميز يستخدم لعلاج الكثير من الأمراض منذ الفراعنة وكان أكثر التوابل غلاء في العالم ويتواجد في جنوب غرب آسيا واليونان وإيران وزراعته وحصاده عملية صعبة ومكلفة فللحصول علي 500 جم تزرع 70 ألف زهرة ليصفوا كثرة تجارة الإسكندرية فيه وغزارة خيرها أن ترابها زعفران.

تستقبل القافلة في خروجها الأسوار تواجه الطبقة الداخلية الأقوي بارتفاع 20 قدماً 6 أمتار وأبراجها ومبانيها الضخمة بغرف الجند ومخازن الذخيرة وفي أسفله ممرات سرية للخنادق وفي قممها ترفرف الأعلام تعبر الخندق الكبير بعمق .. متر والذي يفتح علي البحر عند الغزو ليملأ بالمياه ثم تعبر البوابة الرئيسية الخشبية الضخمة المطعمة بالحديد ثم قبو بطول 7.5 م إلي السور الخارجي بابه الأقل حجما ويغلق الاثنان ليلاً تحسبا لغارات البر أو البحر وتبيت العمالة اليومية واليهود خارجه (تبقي حالياً جزء في حديقة الشلالات وجزء آخر في الاستاد الرياضي) وهو الباب الرابع للمدينة مع باب القمر في الغرب وباب البحر في الشمال وباب السدرة في الجنوب.
وقف الجنود مصفوفين متحفزين مبكرا ليزيحوا المبكرين من قوافل التجارة وعمال اليومية والتجار والصيادين واليهود لتخرج قافلة ضيوف المقوقس في تشريفة لائقة ليتجهوا إلي طريق القوافل المعروف

إلي رشيد ثم حصن أخنا ثم البرلس ثم نسترو علي بحيرة اليشمون ثم إقليم التخوم ثم سنهور ثم مسير ثم شبركمية ثم سخا ثم محلة صرد ثم منوف ثم سبك العبيد ثم شطنوف ويتوقف هذا الطريق في الفيضان.

تري هل سألت نفسها متي ينتهي الصراع الدامي بين أهلها القبط اليعاقبة وبين مذهب الملكيين الذي يمزق المدينة أم تراها تخلصت منه؟.
في البحث وراء مارية القبطية
دقات سنابك الخيل النشيط علي بازلت الشوارع المنداة برطوبة فجر وبحر الإسكندرية تثير فضول المبكرين للرزق يتابعون موكب قائد حرس قافلة الضيوف متصدرها بخوذته المعدنية بريشها الأحمر علي زيه العسكري الجلدي والدوائر المعدنية لصديريته وسيفه الممنطق بوسطه وخلفه الفرسان علي الجانبين والمؤخرة بينهم جمل عليه أعرابي (الصحابي حاطب بن أبي بلتعة سفير رسول الله للمقوقس) وهودج لصبيتين جميلتين بأناقة ملابسهما الكتانية المزركشة (مارية وسيرين) وخلفها جمال وبغال تحمل صناديق خشبية مزركشة لهدايا وملابس وآلات موسيقية وطعاماً وقرباً للمياه وعلفاً للدواب (45 يوماً إلي يثربذ المدينة المنورة) بينها فرس أبيض وبغلة حمراء (بسروج جلدية) وحمار رمادي ببردعة من ورش صناعتها بالمدينة ولن يلحظوا وسط العبيد والجمالة وجود مأيور الخصي خادم الصبيتين ولا جبربن عبد القبطي مرسال المقوقس لمشاهدة خاتم النبوة وفهم المتفرجون أن القافلة تطمع قطاع الطرق ولابد من حراستها.
يعرف قائد الحرس بتدبير احتياجاته من قري الحاميات الرومانية علي فرع غربي النيل- رشيد- وحتي بلبيس والفرما والعريش ثم غزة وأيلة (إيلات) ثم عقبة الأردن وتبوك علي ساحل شرق البحر الأحمر إلي يثرب.
لا يدرك في مهماته مشاعر الفتاتين في غربتهما الثانية تغادران مصر والإسكندرية لنهاية العمر تتشربان نظرة أخيرة لحاضرة الدنيا وأول مدينة في مصر قبل ألف عام وقد جاءتاها من المنيا عقب خروج الفرس يتيمتين من (أنتوبوليس - الشيخ عبادة - شرق المنيا) المدينة الرابعة بعد الإسكندرية ونقراطيس وبطلمية وتتمتعان بالمواطنة الرومانية رغم أنهما قبطيتانذ مسيحيتان مصريتانذ أمهما رومانية ووالدهما مصري تعزفان في تراتيل الكنيسة موهوبتين في عزف آلة الهارب في كنيسة هناك وفازتا في المهرجان السنوي باستاد الإسكندرية لكشف المواهب.
ترفعان ستائر الهودج في حرية المدينة العالمية مغناطيس جاذب وصهر أجناس وثقافات وعادات الدنيا تتمليان واجهات البيوت العالية الرخامية في هدوء بياضها في الفجر قبل أن تغشي العيون انعكاسات الشمس تحميها ستائر حريرية خضراء في الشوارع الفرعية وقباب ثابتة في الشوارع التجارية ويغلب علي ملابس أهلها اللونان الأسود والأحمر ليظهرا في بياض المباني ومنه اختار الرهبان والراهبات اللون الأسود.
وباكيات من سقوف ثابته علي أعمدة تحمي من الأمطار علي جانبي الشارعين الرئيسيين.. الكانوني (طريق الحرية حالياً) والشارع المتقاطع معه (شارع قناة السويس) بعرض 30 م وزينة الأعمدة والتماثيل فقد بنيت المدينة من أنقاض مدن ممفيس وهليوبوليس وطيبة تلتقيان في ميدان السيما (الجسد الحي) حيث دفن الإسكندر الأكبر في المدينة المستطيلة وقد نظمت شوارعها باتجاه نسيم الصيف شمال جنوب بشوارع 7 موازية للبحر و12 عمودية وكلها بعرض 7م.

خارجون من قصر المقوقس بأعمدته الرخامية المزخرفة وبساتينه المشرفة علي البحر وبه دار سك العملات الذهبية والفضية الرومانية الرسمية ودار الجنسيم لنسج الحرير بخيوط الذهب للقياصرة ورجال الدولة وكبار التجار من ثياب الإسكندرية التي لا نظير في العالم وهو قرب أنقاض كنيسة العذراء الألف عمود المسجد العمري باللبان حالياً علي مرماها أنقاض كنيسة أثناسيوس (مسجد العطارين) بابا الإسكندرية 300 م وباني كنيسة العذراء وقد خربهما الفرس (617 م - 627 م) منذ 13 عاماً.
البطريرك الملكاني ونائب الإمبراطور بسلطة دينية ومدنية وقائد الجيش والقادم من القوقاز 631م لنشر مذهب هرقل بالإرادة الواحدة للمسيح لتوحيد المسيحيين في مصر قلب إمبراطوريته والذي رفضه المصريين تحيزا لمذهبهم بأجتماع الطبيعتين الإلهية والإنسانية للمسيح وهرب منه البابا بنيامين (633 662م) إلي الصعيد فقام باضطهاد القبط.
يتجهون لجنوب المدينة ليعبروا ترعة شيديا (المحمودية 1825 م) فوق مدخلها للمدينة (باب العمودذ باب سدرة بوابة المعهد الإيطالي) حتي تصب في الميناء الكبير علي شاطئيها جنوبا تمتد بساتين التين والزيتون (زيتهم المفضل للطعام والعطور وأدوات التجميل- لماذا لم يرسل المقوقس زيت زيتون في هداياه؟) والفواكه والنخيل والرياحين والقصب والسمسم والعنب (الأحمر والأسود) لصناعة النبيذ ومناحل العسل تلمح علي البعد محاريثها وطنابيرها ومزارعيها بالفؤوس وسواقيها بمياه نيلها من بحيرة مريوط (عذبه حتي 1801 ذ الحملة الفرنسية) بجمال مذاقها حتي قال قائد روماني لرجاله (أعندكم ماء النيل وتطلبون الخمر؟!) وأسماكها الوفيرة تطفو علي السطح فيصطادها الأطفال بالخرق ويجلسون الرجال علي شاطئها في العصر للصيد بالبوص وفي الليل يستخدم الصيادون مشاعل في القوارب تجذب الأسماك.. فالأهالي يعشقون السمك بأنواعه خاصة سمك البوري ويملحون سمك البسارية في جرادل خشبية (ملوحة) كما يفضلون الحمام البلدي وطائر السمان المهاجر في الخريف.. ثم ميناؤها لمراكب النيل بمنتجات الصعيد من قمح ونبات النيلة للصباغة والكتان لصناعة الحبال وملح وادي النطرون لصناعة صابون التنظيف ويأتي من جنوبها سكان غير محبوبين من بدو رعاة بالخراف والماعز والبقر والجمال والحمير والصوف والسمك المجفف في الشمس لأسواق المدينة وجزاريها ومن شواطئ مريوط صعاليك (البوكوليك) يعيشون في عشش بوص علي شواطئها وقوارب صغيرة يمارسون اللصوصية.
ويواجهون في جنوب الغرب الحي الشعبي (راقودة) بمنازله البسيطة وزحام العمال والحرفيين والشيالين وعمال اليومية الهاربين من فقر القري للعمل في مواسم الحصاد ونقل البضائع من النيل والبحر ثم يطردون لقراهم فيبيتون خارج الأسوار المغلقة ليلاً ليكرروا السعي في الصباح يرتدون ملابس الكتان الرخيصة بلونها (البيج) والحي هو أصل المدينة التي أقيمت حوله ومازال المصريون يسمون المدينة باسمها الأصلي رداً علي تعالي الرومان بمدينتهم (الإسكندرية المتاخمة لمصر) وأهلها وإن وصفوا بالهمة والنشاط لقرب البحر واستقرار الحرارة والبرد فهم عصبيون سريعو الغضب والمشاجرات طائشون لكنهم حرفيون مهرة في النسيج فالمدينة بها 14 ألف نول لنسيج الكتان والحرير والصوف وورش الخزف خاصة كؤوس خضراء وداخلها أصفر والزجاج للأواني والقوارير ومعاصر زيت الزيتون والسمسم وحبال السفن وأدوات الصيد والنجارة وورق البردي والحلي والعطور والحدادة وضجيج دكاكين البهار يطحن عمالها أصنافها في هون جرانيتي بذراع معدني ودقات صناع أقفاص جريد النخل لنقل الفواكه ووكالات القمح من الصعيد وسيوة والمطاحن والمخابز العامة خاصة التي توزع حصة يومية مجانية للفقراء معها قمح والمحلات التي تبيع العدس مطبوخاً والأسعار محددة من الحكومة ثم محلات بيع الطوب المحروق وطوب المحاجر الأبيض ويتراص بائعو الخضار والفاكهة في الأسواق المسقوفة بالستائر والخشب والأحجار ويعرفون أنهم سيرون ورش الصاغة الصغيرة المعتمة لليهود سحرة النقود في أسواق الأحياء الرومانية وحيث يرون أسواق العبيد من أسري الحروب يتاجر فيها جنود الحاميات الرومانية القدامي الحاصلون علي مرتبات ومكافآت يستثمرونها في تجارة الرقيق والإقراض بالربا.
يتابعون أطفالاً حفاة يلهون حول أمهاتهم حاملات الجرار الفخارية بمياه الخزانات العمومية التي تزاحم حولها النساء الفقيرات والعبيد والسقاءون بقرب يحملونها علي ظهورهم أو الحمير والجمال وعربات الكارو إلي خزانات بيوت الأغنياء والمحلات والأسواق من 400 خزان عمومي أرضي كمدينة سفلية تمتلئ في الفيضات والأمطار الشتوية بممرات خاصة في بازلت الشوارع لذلك وهي كبيرة حتي ينزلها الفارس بحصانه ورمحه وقنواتها متصلة ببعضها فتصب الزائد في الخالي (الأواني المستطرقة) لصعوبة الاعتماد علي مياه النيل التي تكاد تنعدم قبيل الفيضان الجديد في أغسطس (لم يبق منها إلا صهريج بحديقة الشلالات والوحيد المحتفظ بعماريته بمساحة 200 متر من 3 طوابق أرضية ومجموعة نادرة من الأعمدة والتيجان) وهي السبب في انتشار الأوبئة في المدينة إذا ما أهمل تنظيفها السنوي أو لوثت لأي سبب (الصرف الصحي) وهي نقطة ضعف المدينة في الحصار الطويل إذا قام العدو بغلق قنوات مياهها أو تسلل للمدينة من مسار الترعة أو الخزانات.
يقذف الصبية جماعات الكلاب والقطط المتسحبة لطعامها في أطراف السواق ويفزعون عصافير الأشجار وطيورها ويهللون لشبكة صيد طير مهاجر ثم يسحبون قطع جريد صغيرة يتبارزون في لعبة الفرسان قبل تخلصهم من جلابيبهم ليلهو في الترعة.

ترفعان النظر 27م (9 أدوار حديثة) لقمة عمود (دقلديانوس السواري) بجرانيته الأحمر تخليداً لزيارة الإمبراطور لمصر 292 م (فوق تل باب سدرة بين مدافن المسلمين- مدافن العمود- وبين هضبة كوم الشقافة بكرموز) علي أطلال معبد السيرابيوم يجمع بين آلهة المصريين والرومان بفكرة الإسكندر للتقارب معهم في الإله سيرابيوم (أخذ الثالوث الفرعوني إيزيس وأوزوريس وحورس إلي سيرابيون الأب والأم والابن) بسلالمه 100 درجة وأروقته علي بهو مكشوف وقد تهدم بعد مائة عام 391م عندما أصبحت المسيحية دين الدولة فقاد ثيوفيلوس- بابا الإسكندرية- كسر أصنامه وصبها أجراساً للكنائس، وأبقي صنماً واحداً للسخرية وأقيم به كنيسة يوحنا المعمدان (تهدمت في زلزل 902 م) ثم في (541 م) عندما عين الإمبراطور بابا للإسكندرية غير مصري فرجمه القبط بالحجارة فلجأ للمعبد فأضرموا فيه النار وضاعت في المرتين مكتبة دار الحكمة 700 ألف لفافة كتب- اللفافة تساوي أربعين صفحة من كتاب عادي حاليذ (وقد اعتقد المسلمون لضخامته أنه من بناء الجن في ملك سليمان فأطلقوا عليه سواري سليمان فأصبح عمود السواري)

ويلاصق غرب العمود المقبرة الغربية (كوم الشقافة) للمصريين والإغريق والرومان (بالفرعوني مدينة الأموات حيث تغرب الشمس- بتأثير المصريين في الحضارتين) منحوتة في الصخر تحت الأرض وبها نقوش بارزة من الفن الفرعوني واليوناني والروماني ذلك خلاف مقابر اليهود في الشرق خارج باب رشيد - ومعها مقبرة اللاتين (نقل بجوار حدائق الشلالات) وجبانات البطالمة ومقبرة الشاطبي اكتشفت 1893م ومقابر الأنفوشي (أمام مدخل رأس التين أكتشفت 1901) ومقابر شارع المعسكر الروماني- مقابر مصطفي كامل بمنطقة رشدي اكتشفت 1933 فقوة الثقافة الفرعونية أثرت في المسيحية حيث كانوا يصوِّرون إيزيس كنجم مع الشمس في الفيضان فصوروا العذراء فوق هلال، صاعدةً إلي السماء. وكانوا يشعلون الشموع بمعابدهم المظلمة، فصاروا يشعلونها بالكنائس وكان لهم عيدٌ يسمي عيد الشموع، فصار عيد الشعانين. وكانوا لهم في 25 طوبة عيد يأكلون فيه الحلوي، فصاروا يأكلونها في 6 طوبة في عيد الظهور (القيامة). وكان كاهن "طيبة يلقب حاجب باب السماء" فصار حامل مفاتيح السماء هو البابا.
ويجاور العمود الاستاد الرياضي لتدريب الرياضيين علي رمي الرمح والقرص والجري والمصارعة وكلها بصبغة عسكرية .

تتجه القافلة يميناً للشمال والبحر في الشارع العمودي الواسع (شارع النبي دانيال) جانبية المصالح الحكومية ومدرسة ومحكمة وقصور من 4 آلاف مبني مفروشة بالرخام الملون ولها حمام خاص مع 4 آلاف حمام عمومي تعقد في أجوائها صفقات التجارية وحوارات سياسية ونزهة للنسا (اكتشف حمام بكوم الدكة 15 *6 م) 400 ملهي للملوك و12 ألف بقال يبيعون (العدس والذرة والخضراوات) ويزدحم بالخيالة وعربات تجرها الدواب (الكارو) ونزق الجنود المرتزقة بسلطة الإيذاء دون الرد أو الشكوي وللقصور خزانات صرف صحي تنزح وتلقي في الصحراء خارج الأسوار.
ويصلون لشارع كانوب بين بوابتي الشمس في الشرق والقمر في الغرب- ميدان السوما (موقع الكنيسة المرقسية والمعبد اليهودي حالياً) في امتداد الميدان للبحر كنيسة الملاك ميخائيل منذ 354 م في بقايا معبد القيصرون ابن كليوباترا بأسواره 500 *250 ذراعا (63 ألف متر مربع 15 فداناً) (أحرقها القبارصة 912 م) تتوه العيون في زحام 400 عمود جرانيتي مزخرفة ومصفوفة بشكل صليب (ألقيت أمام الميناء الشرقي لعرقلة الصليبيين (589 ه) وأمامه مسلتا تحتمس الثالث منقولتين من الأقصر- الواقفة والنائمةذ مسلتا كليوباترا (أهدي محمد علي إحداهما للإنجليز وأهدي الخديوي إسماعيل الثانية للولايات المتحدة) وفي الغرب منه سوق كبير(للأجانب) بأعمدة وسقوف الستائر والأخشاب وبه مخازن لبضائع العالم النادرة ومنتجات مصرية للتصدير من مراهم وبذور وأحجار رملي وجرانيت وبخور اليمن وبجواره منازل كبار التجار ويمتد حتي الشاطئ وسمي لقربه قيصارية وبعد الفتح خففها العرب قيسارية للأسواق الكبيرة المسقوفة

يتجهون يميناً للشرق في الشارع التجاري العريض الذي لا يكفيه يوم للفرجة علي محلات الصناعات والحرف ومنتجات الصين والهند وأفريقيا من أخشاب وقطران وذهب وفضة ولؤلؤ بحر العرب وحديد ونحاس ورخام وسلاح وسجاد وحانات ومطاعم ومصابغ النسيج مزدحم بالباعة والمشترين في انفعالات تصل أحياناً للشجار وإلحاح شحاذين وبه فنادق للغرباء أشهرها فندق الراهب أقامه صدقة للضيوف ولأن الشارع يقسم المدينة إلي شمالها غني للرومان من كبار الموظفين والجنود ورجال الأعمال يليهم الأغريق واليهود والي جنوب من القبط كصغار تجار وملاك ومزارعين وحرفيين كما في المدينة زيجات مختلطة لأهلها وكل الاجناس فيها زيجات يهودية مسيحية وبين المذاهب المسيحية المتباغضة تولد العنف فتعرض الشارع لدمار غضبة شعب طائش يقذف بالحجارة ويصرخ في وجه حكامه يا يهوذا (خائن المسيح) وتشربت أرضه بدم المتطرفين الوثنيين ثم المسيحيين ومذاهبهم وتحدي الكنيسة القبطية للكنيسة القسطنطينية.
علي يمين الخروج هناك المسرح الروماني(في كوم الدكة) للاجتماعات السياسية والمسابقات الثقافية الفنية وهو مدرج علي شكل (حدوة حصان) من 13 صفاً رخامياً مرقمة باليونانية بمقصوراته الخمس (مقصورتين حالياً) وقبابه وأقواسه وأعمدته من العصور المختلفة منها فرعونية وفي منتصفه منطقة (الأوركسترا الموسيقية) وصالتا مدخل الغربي بزخارفهما الهندسية.
علي يسار الخارج امتداد قصور الحي الملكي في موقع حي اليهود الذين طردوا إلي خارج السور أما باب رشيد في منطقة أليوس 451م حيث يجاورهم منطقة تقدم اللهو والمجون ومنطقة مخصصة للقمامة ثم مضمار سباق الخيل وقد كانوا أكبر الجاليات ويشغلون اثنين من الأحياء الخمسة (خاصة الحي الرابع- دلتا) متمتعين بالحرية الدينية والتشبه باليونان في الملابس والأسماء ولغة الحديث والكتابة متحكمين في التجارة والبنوك فتعالوا علي المصريين وتسببوا في فتن للمنافسة الاقتصادية فحرمهم الإمبراطور هارديان من امتيازاتهم 117م ويضم الحي دار التمثيل وحديقة الحيوانات والبرك والسجن وشرق أسوارة معسكر للجيش.
و حي القصور الممتد حتي ساحل البحر يضم آثار مكتبة الإسكندرية 280 ق. م والتي ضمت مؤلفات البطالمة وحفظت مؤلَّفات اليونان ويقال أحرقت مرتين مع يوليوس قيصر عندما أشعل النار في سفنه فلم يكن لديه جنود للحراسة فالتهمت النيران جانباً من المكتبة وفي المسيحية بتعصُّب بعض الأساقفة الذين رأوها ثقافة وثنية 272م وهي المكتبة التي جمعت النابهين من العالم وبزغ علماؤها في كل العلوم (من تلاميذها أرشميدس في الرياضيات وأفلاطون في الفلسفة) والترجمة السبعينية للعهد القديم (70 مترجماً) لليونانية بدلا من العبرانية التي لا يعرفها يهود الإسكندرية وتحقيق مخطوطات هوميروس: الإلياذة، الأوديسة واخترع علامات الترقيم في الكتابة وفهرسة الكتب واستنباط النحو اليوناني ونقلت تراث الديانة المصرية إلي اليونان والتراث الروماني إلي المسيحية فأصبحت الإسكندرية العاصمة الروحية للعالم المسيحي.
(مكتبة الإسكندرية الجديدة افتتحت 2003 قرب موقع المكتبة القديمة وفيها نصف مليون كتاب ومرجع) ودار التمثيل، ويحيط بكل حي سور خاص وللمدينة سور عام وهي أحياء.. ميدان السباق خارج المدينة (الإبراهيمية -سبورتنج - سيدي جابر) وحي القصور عند الميناء الشرقي (الشاطبي- محطة الرمل- الأنفوشي) وكوم الدكة في الوسط (ميدان محطة مصر- محرم بك- ترعة المحمودية). وحي المتحف في الجنوب (المنشية- العطارين) وراقودة في الجنوب الغربي (كرموز- غيط العنب- بحيرة مريوط). (الإسكندرية حالياً 6 أحياء) وكانت مساحتها 25 كم مربع يسكنها نصف مليون نسمة-مساحتها حاليا 2300 كم (92 ضعفاً) وتعداد ها 4 مليون نسمة (8 أضعاف).
تؤجلان النظر إلي المنارة- من عجائب الدنيا السبعذ فارتفاعها (102 م 34 دوراً) فتشاهد لمسافة 50 كم تقطعها الخيول في يوم كامل وقد سقط منها تمثال إله البحر 7م وجزؤها العلوي الاسطواني 15م فقد كان ارتفاعها 124مذ أقل 10م من الهرم الأكبر- منها 60م مربعة تضمم 400 غرفة ثم جزء ثماني 30م له شرفة كبيرة وأعلاه مرايا محدبة من زجاج أو معدن مصقول بطول 10 أشبار (مترين) تعكس لهب يشعل ليلاً يشعله ديدبان (حارس) لتراه السفن وأشعة الشمس نهاراً لتحميه من مخاطر الشعب المرجانية بمدخل الميناء الشرقي وبأسفلها ممرات تؤدي للبحر يتوه فيها الغريب (يتحطم بعد عدة زلازل قوية منها زلزال 703ه. حيث طلع البحر إلي نصف البلد وأغرق سفن الميناء وشق المنار وهدم الأسوار وأفسد قماش التجار ومات الكثيرون تحت الأنقاض وهبط منسوب الأرض واختفي الحي الملكي واليهودي وأرصفة جزيرة فاروس) (علي أنقاضه أقيمت قلعة قايتباي بالأنفوشي 882ه من ثلاثة طوابق بارتفاع 17م) ومن هندسته بقاعدة مربعة ووسط ثماني أعلاه شرفة بمصباح أخذ تصميم المآذن الإسلامية (تبدل المصباح بالهلال مع العثمانيين).
بجوار المنار توجد كنيستان واحدة للقديس فوستوس والأخري للقديسة صوفيا (انهارت في زلزال وبني عليها مسجد موسي انهار في زلزال آخر) وبينهما فندق للغرباء الذي أقام به حاطب لمدة 8 أيام.

تتخيلان شط بحر إسكندرية وفتيات راقودة يلهون بين موجاته الحانية في حرية الفجرية يغادرنه مع الشمس واكتمال يقظة المدينة التي أصلها رمال بيضاء علي مرماها منطقة الرمل بكروم العنب والميناء الشرقي بغابة صواري سفنه الكبيرة 100 سفينة تنقل القمح للقسطنطينية من أبريل حتي سبتمبر في 3 رحلات تعج فيها الميناء بشياليها (5 ملايين جوال) وتربط في الميناء من أكتوبر حتي مارس أمام قسوة وغدر أمواج البحر الشتوية يملك بعضها الكنيسة وأكثرها لرابطة أصحاب السفن الأغني والأقوي تأثيراً في الإمبراطورية وهناك ميناء خاص للملوك ثم الميناء الغربي الأصغر الذي يسهل دخوله لرياحه الشمالية لكنها تجعل خروجهم صعباً تحميهما جزيرة فاروس من العواصف والتي بربطها بالمدينة ظهر حي الجمرك وتتراص أمام عيونهن الهياكل الخشبية لسفن وقوارب جديدة تصنع في دار صناعة السفن من أخشاب الأرز اللبناني والدقات المنتظمة لشواكيش الصنايعية ويتشممن الرائحة النفاذة للقطران الذي يذاب بنيران الفحم والأخشاب لعزل جدرانها ضد المياه في موقعهما غرب مصب النيل حتي لا يغلقها الطمي ويلمحن من بعيد السلسلة الحديدية لمدخل الميناء لمنع تسلل السفن الليلية.

لن يخطر ببال مارية عند خروجها أنه بعد 300 سنة سيتفاخر أهل الإسكندرية وحتي الآن بغموض (إسكندرية ماريا وترابها زعفران) باسم يشابه اسمها دون قصد لكنه من أصل مريم العذراء أو (ميرتذ الهيروغليفي) لميناء ماريا (45 كم غرب الإسكندرية) مفتاح مصر الإفريقي ومسمي إقليم وبحيرة مريوط وهي ميناء ترانزيت عالمي قرب فرع قديم للنيل أو ميري (البهجة) التي اتفق كل الرحالة علي وصفها أو "مار" بمعني قديس بالقبطي مثل "مار جرجس" أو "المِيرة" وهو الطعام الوفير أو من أصل مغربي من حجاج الأندلس والمغرب أو مدينة "مرية" الأندلسية العربية (344ه) وكانت مدينة صناعة وتجارة فشبهها تجارها كتفخيم بالإسكندرية.
والزعفران نبات بصلي بلون أحمر برتقالي له رائحة نفاذة وطعم مميز يستخدم لعلاج الكثير من الأمراض منذ الفراعنة وكان أكثر التوابل غلاء في العالم ويتواجد في جنوب غرب آسيا واليونان وإيران وزراعته وحصاده عملية صعبة ومكلفة فللحصول علي 500 جم تزرع 70 ألف زهرة ليصفوا كثرة تجارة الإسكندرية فيه وغزارة خيرها أن ترابها زعفران.

تستقبل القافلة في خروجها الأسوار تواجه الطبقة الداخلية الأقوي بارتفاع 20 قدماً 6 أمتار وأبراجها ومبانيها الضخمة بغرف الجند ومخازن الذخيرة وفي أسفله ممرات سرية للخنادق وفي قممها ترفرف الأعلام تعبر الخندق الكبير بعمق .. متر والذي يفتح علي البحر عند الغزو ليملأ بالمياه ثم تعبر البوابة الرئيسية الخشبية الضخمة المطعمة بالحديد ثم قبو بطول 7.5 م إلي السور الخارجي بابه الأقل حجما ويغلق الاثنان ليلاً تحسبا لغارات البر أو البحر وتبيت العمالة اليومية واليهود خارجه (تبقي حالياً جزء في حديقة الشلالات وجزء آخر في الاستاد الرياضي) وهو الباب الرابع للمدينة مع باب القمر في الغرب وباب البحر في الشمال وباب السدرة في الجنوب.
وقف الجنود مصفوفين متحفزين مبكرا ليزيحوا المبكرين من قوافل التجارة وعمال اليومية والتجار والصيادين واليهود لتخرج قافلة ضيوف المقوقس في تشريفة لائقة ليتجهوا إلي طريق القوافل المعروف

إلي رشيد ثم حصن أخنا ثم البرلس ثم نسترو علي بحيرة اليشمون ثم إقليم التخوم ثم سنهور ثم مسير ثم شبركمية ثم سخا ثم محلة صرد ثم منوف ثم سبك العبيد ثم شطنوف ويتوقف هذا الطريق في الفيضان.

تري هل سألت نفسها متي ينتهي الصراع الدامي بين أهلها القبط اليعاقبة وبين مذهب الملكيين الذي يمزق المدينة أم تراها تخلصت منه؟.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.