عند حصن الفرما بسيناء .. كان أول صدام مسلح لجيش الفتح الإسلامي في »19ه« .. ورغم ضخامة آثار المدينة التي تبعد 35 كم شرق بورسعيد حالياً إلي أنها انهارت في شهر .. ثم استمرت لقرابة 500 سنة قبل أن يدمرها ملك القدس 1118م تماماً .. لكنها حتي الآن كنز أثري يستوجب الاهتمام .. إلي هناك سافرت وعايشت آخرساعة.. يافطة معدنية طمس معلوماتها صدأ رطوبة البحر فبالكاد يظهر عليها شعار هيئة الآثار لنعرف بالتخمين أننا قد نكون قد وصلنا الي منطقة تل الفرما وقد عبرنا بوابة محافظة سيناء الشمالية بمسافة 20 كم في اتجاه الشرق الي العريش لنتوقف عند منطقة بالوظه ونتجه يسارا علي طريق ممتد إلي مصنع علي مرمي البصر تتقاطر علية عربات نقل كبيرة وينتهي الطريق عند الشاطئ نعبركوبريين أعلي مسارين لترعة السلام التي امتدت إلي سيناء بعد نصر أكتوبر 1973 لتعيد مياه النيل من جديد لمنطقة الفرع البيلوزي الذي طمر بالزمن وأغلق (1118م) لنسير خمسة كم لنصل إلي اليافطة الصدئة. علي يمين ويسار وصولنا ربوتان من الآثار نعرف من اليافطة الصدئة الأخري أن ربوة اليمين لكنائس فنتجه يسارا بحثا عن الحصن ( محتمل أن يكون بناه الخليفة المتوكل علي الله مع قلعة 239ه عقب دحر غزو صليبي علي دمياط ) الذي نصل إلي أطلاله علي طريق مدكوك من الدبش وسط منطقة سبخية من الخطر المشي عليها بالأقدام فما بالك بالسيارة لأجد أمامي أطلال حصن ضخم متين مدعم الحوائط ومنظم من الداخل لأماكن للعبادة وخزانات مياه وغلال وممرات ومصاطب وسراديب متقنة وامتدادات حفرية تقول إن أسفلها بقايا حصن عظيم يقع في منطقة كانت في شرق بحيرة المنزلة القديمة ويتصل بالوادي بالإبحار في الفرع البيلوزي للنيل أو في البحر المتوسط إلي الإسكندرية وأمامه صحراء شاسعة وعليه أن يحمي مصر من غزاتها المتعددين عبر التاريخ الطويل ولابد أن يكون به حامية قوية لها قادة بمستوي متميز حربيا وقدرة علي اتخاذ القرارات في المخاطر الكثيرة ولابد للمدينة من اكتفاء ذاتي من الطعام والمياه والسلاح وعدد كبير من البشر للدفاع ولباقي الخدمات التي تحتاجها مدينة ضخمة كما أري أطلالها أمامي وإذا أضفنا أنها كانت أهم موانيء مصر مع ميناءي الإسكندريةودمياط ولها طريق إلي القلزم (السويس ) يأتي بتجارة البحر الأحمر من آسيا وأفريقيا وتأتيه تجارة تنيس ودبيق وتونه ودمياط من المنسوجات وتصدر إلي الشام وروما وقبرص فضلا عن مرور القوافل البرية من وإلي الشام وما تحتاجه من مؤن لبشرها ودوابها فهي ميناء ومدينة ضخمة تكشفها المساحات الكبيرة لبقايا أطلالها المطمورة تحت الأرض السبخية الملحية. أصعد أسوار الحصن بسمك جدرانها ويزيد علي مترين من الطوب الأحمر المدعم بمادة سوداء تقارب الإسمنت والأسوار مقامة في شكل نصف دوائر للخارج فتعطي للجدران قوة وللمراقبين سهولة في رؤية القادمين وسط بحر الرمال المنبسط من مسافات بعيدة وكفاءة في الدفاع لأن جنوده يمتلكون العالي والمهاجم منخفض في مستوي الأرض ولايمكن للمهاجم السيطرة علي الحصن إلا بسلالم مجهزة أو أبراج متحركة أو خيانة تمكنه من التسلل للحصن أو أن يكون جنود الحصن منهارين معنويا وليس لديهم إرادة صمود وإلا فلا يمكن لمهاجم أن يستولي علي مثل هذا الحصن بسهولة ولا أبالغ إذا قلت إن رجال الحصن لو كانت لديهم عزيمة الصمود فلا يستطيع أحد في زمانهم السيطرة عليه. والغريب أنه أكبر وأمنع وأصعب من حصن بابليون بالفسطاط فلماذا كل هذا الاهتمام من المؤرخين بمعركة بابليون ؟ ولم يذكروا عن الفرما إلا أن العرب قد حاصروها شهرا ثم استولوا عليها وأن ابن العاص ما كان ليستولي علي المدينة إلا بالهجوم وفتح الأبواب أو بالصبر حتي يدفع الجوع أهلها للاستسلام وكانت حراستها تهبط إليهم بين حين وحين لقتالهم لمدة شهرين ثم خرج إليهم جنودها مرة ليقاتلوهم ولما عادوا لائذين إلي مدينتهم تابعهم العرب فملكوا الباب وأن القبط ساعدوا العرب وبذلك فتحت (الفرما) في يناير 640م شهر المحرم لسنة 19 هجرية كبداية فتح مصرلتأمين سواحل سورية وفلسطين من أسطول الروم . ووصل ابن العاص في نهاية سنة 639م ، وعرض علي أهلها الإسلام أو الجزية أو القتال فاتفقوا علي القتال وخالفوا قائدهم ( المقوقس) فغادرهم إلي حصن بابليون. وأضاف السيوطي في (أسد الغابة فيمن دخل مصر من الصحابة )أن إبرهة بن شرحبيل هو من قاد 500 مقاتل واستولي علي المدينة ولم أفهم كيف يتأتي الجوع لميناء هام له طرق إمداد ثلاثة وعلي رأس بحيرة عذبة ويمكن دعمه بجنود من الإسكندرية العاصمة عن طريق البحر المتوسط (بحر الروم). الحصن مستطيل له أسوار في الشرق والغرب والجنوب وعلي جوانبه أبراج نصف دائرة ( شكل حرف U بارزة وعمودية علي السور وموزعة علي مسا فات منتظمة والبوابات في الشرقي والجنوب والشمال أما الغرب فبلا بوابة . سمك الجدران 2.2م و جدران الأبراج 1.7م لها سلالم ضيقة ومقامة من الطوب المحروق (آجر) فوق طبقة سميكة من مونة الجير مقاساتها ( 5 * 9 سم ) البوابات وأبراج الأركان لها بناء من الحجر والمونة وردية اللون والبوابات لها ممر متسع علي جانبيه برجان والأركان الداخلية مقواة بأحجار من الجرانيت. وأري أن حصن الفرما قد ظلم تاريخيا من كسل المؤرخين والرحالة العرب الذين لم يسافروا إلي هناك ليروا الواقع مما يستوجب اهتماما أكبر برصد تفاصيل هذه المعركة أو حتي وقائع الانهيار النفسي أوالخيانة. قد تكون معركة بابليون استغرقت 7 أشهر بسبب فيضان النيل مع كبر المعركة البرية في منطقة عين شمس ثم جبل المقطم لكني أري معركة الفرما أكبر وكانت تستحق رصدا تاريخيا أعمق. يمتد الحصن من الشرق إلي الغرب في عمقه مبان ومنازل وفي أقصي شرقه مسرح روماني متكامل من أكبر المسارح الرومانية في مصر طول خشبته 110 م وحوله أعمدة جرانيتية (يقال 28) وهو مبني من الطوب الأحمر والمدرجات من الطوب اللبن المغطي بالرخام الأبيض ويتكون من طابقين و مدرجاته من مستويين ويتسع لحوالي 7 آلاف متفرج وأعد ليكون حلبة مصارعة وألعاب ترفيهية فردية وجماعية وبه أماكن للأوركسترا وسلم صعود للمدرجات وبعض الحجرات أسفل المدرجات من مباني المسرح ويحتوي علي ستة مداخل للساحة الداخليةوأمامه في اتجاه الشمال رصدت مربعات لمقابر في الأرض السبخية. هناك القلعة الرومانية في أعلي نقطة من التل وعلي بعد مائة متر من بوابتها الشمالية يمتد الحمام و أبنيته بالطوب الأحمر والفخار وتم الكشف به عن ثلاث أرضيات من الموزايكو (الفسيفساء) الملون بمقاسات مختلفة وزخارف نباتية وهندسية ملونة بعشرة ألوان من القرن 3 الميلادي وأحد ألارضيات مكتوب عليها باليونانية "حظ سعيد لمنشئ الحمام" وأكبر الأرضيات في الصالة الرئيسية بمقاس 55* 3 م وهناك حمام في الجنوب وآخر في الشرق في منطقة الكنائس والأرضية مصنوعة من الزجاج والفخار والحجر الجيري والرخام وقامت وزارة الآثار بترميم خزانات مياه ومبان للاستحمام وقنوات صرف المياه وللحمام أربع صالات مستطيلة وفرن للتسخين وأربعة مغاطس نصف دائرية و قسم للحمام البارد وآخر للماء الساخن. في يمين الطريق الأسفلتي توجد أطلال المدينة بامتداد 3 كم طولاً وعرض 1 كم ثم مجمع الكنائس وأعبر مدقا ترابيا وأصعد 10 أمتار لأجد أرضية 3 كنائس كبيرة توسطها صومعتان عميقتان للمياه أو للغلال يربط بينهما ممر صغير منخفض وهناك وسيلة رفع منها بنظرية الأواني المستطرقة تأخذ بالتساوي من الخزانين وهناك ممرات صخرية وأعمدة رومانية وأرض مبلطة بالصخور المصقولة هنا الكاتدرائية الكبري الأكبر مساحة ( 82م * 42م) ثم كنيسة الملاك ميخائيل وأخري للشهيد أبي سيفين وأربع كنائس أخري في الشرق لذلك أطلق عليها علماء الحملة الفرنسية ( تل الكنائس ) وقد تم اكتشاف ثلاثة هياكل عظمية بها ونقلت إلي إيباريشية بورسعيد وهناك كنيسة العذراء وهي علي شكل دائرة مقامة تخليدا لمرور العائلة المقدسة وهي إحدي خمس كنائس في العالم علي شكل دائرة من القرن 4 م في (روما وسوريا وكنيستان في القدس ) وكان هنا أكثر من 5 آلاف راهب. وهناك دير (تل الهر) وبه بقايا كنيسة ضخمة يتقدمها فناء يحيط به الأعمدة وآثار كنيسة منحوتة في الصخر تنخفض أرضيتها 3 أمتار عن سطح الأرض وعلي جانبيها اثنان من السلالم. وفي شرق الكنائس توجد أثار مبني من الطوب الأحمر بطول 130م من القرن 3 م كخزان لمياه يتوسط منطقة صناعية بها أفران صناعة الزجاج والبرونز والفخار وبعدها يوجد الجزء الجنوبي الشرقي المسمي ( تل المخزن). كما توجد في المنطقة آثار لقلاع ومبان تجارية تؤكد علي وجود حقبة فارسية. كما كشفت حولها مجموعات فخار ترجع لأواخر العصر الروماني (مصري وتركي وقبرصي وسوري وفلسطيني) منها أوان خزفية محلاة بالميناء الحمراء وأخري بالأسود ولبعضها مقابض ووجدت أدوات معدنية . لتكتشف أنك أمام كنز أثري أهمل طويلا رغم بعض مشروعات الترميم غير المكتملة من عام 1985 و1995 في بعض ترميمات المسرح الروماني ولو تم ترميم الحصن والكشف عن أسرار هندسته العسكرية وتكوينات مدينة عسكرية حدودية متكاملة وترميم الكنائس القديمة لأمكن الكشف عن الكثير من وقائع التاريخ وأصبحت منطقة جذب سياحي عالمي. عانت المدينة من التخريب كثيرا .. من الفرس 616 م وحطموا كنائسها وأديرتها ثم أعاد تعميرها الرومان وفي الفتح العربي 640 م ليؤمن ابن العاص طريق العودة ولم يكن معه جند يحرسونها فأحرق سفنها ومراسيها ثم عمرها المسلمون ولعل واقعة أحمد بن محمدالمدبر والي خراج مصر في بداية عهد أحمد بن طولون الذي أرسل عام 220 ه من يهدم أبوابا من رخام بها لتنفيذ قصره في الفسطاط لولا مقاومة أهل الفرما بالسلاح، لأنها الأبواب التي ذكرها اللّه تعالي علي لسان يعقوب: يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة ( يوسف 67 ) يوضح بعضا من التعامل التاريخي مع هذه الأطلال كخرائب استخدمت في بناء القصور بل والمساجد مما ضيع الكثير من تراثها التاريخي والعلمي وجاء إطماء الفرع البيلوزي في العهد الفاطمي ليقلل من أهمية المدينة فهجرها سكانها وهو ما لاقاه بلدوين ملك المقدس عندما انسحب مهزوما عام 1118 لكنه أمر جنوده بتخريب وإحراق وهدم المساجد فتحولت إلي أطلال ثم اتخذت القوات الإسرائيلية المنطقة موقعا عسكريا (67 1982 ) فدمرت القلعة وكيلومتر مربع من الموقع الأثري ومحو منشآت من العصرين الروماني والإسلامي وحولوها إلي محجر لعمل الطرق العسكرية كما دمروا الكنائس بشرقي بحيرة البردويل وآثار درب الحج المصري القديم في قلعة نخل وقلعة رأس راية والميناء الأثري المملوكي بمنطقة تل الكيلاني وعمل حفائر بقلعة صلاح الدين بجزيرة فرعون وتصوير 400 نقش بوادي حجاج طريق العائلة المقدسة وعمل حفريات في 35 موقعا أثريا و سرقت لوحات أثرية من وادي المغارة و معبد سرابيت الخادم و 35 تابوت فريد من عام 1400ق م وتماثيل للمعبودة حتحور ومسح أثري لعدد 1166 مقبرة بوادي فيران وأخذت ما فيها ونهب مدينة دهب وميناء دهب البحري وقد سرق موشي ديان وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك ألف قطعة أثرية وإطماء الفرع البيلوزي كما فهمته من د.رشدي سعيد في كتابه الجميل (نهر النيل) جاء من تزايد الطمي في الفيضانات المنخفضة ويكون عند رسوبه طريا ولزجا ثم يقل حجمه ويصبح أرضاً صلبة عندما يفقد ماءه. وأن المصريين تعلموا منذ القدم تطهيرالنهر من رواسبه حتي لا يمتلئ بالطمي فجاء إطماؤها في أوقات تصرف النيل الشحيح مع صعوبة تطهير الترع والفروع خاصة مع الأوقات العصيبة التي تصاحب هذه الفيضانات والفرع البيلوزي كان واحدا من سبعة فروع طمس منها خمسة وبقي فرع رشيد ودمياط والخمسة هي : النهر الغربي (الكانوبي) ونهر الإله بتاح (البولبيتي) والنهر الكبير (السبنيتي)، نهر الإله أمون (الفاطمي) ونهر الإله رع (البيلوزي). كما أن منسوب 16 ذراعاً هوالمنسوب المناسب للري ومعه الخير والسعادة وعند منسوب 13 ذراعاً تشعر مصر بالمجاعة ومع منسوب 14 تأتي الفرحة و15 يتحرر الناس من الهموم حتي أنه وفي العصر الإغريقي - الروماني كان العدد 16 رمزا للحياة والرخاء وكان يوضع علي الأوسمة والنياشين الإمبراطورية وهو مستمر حتي الآن (هل جاء التشاؤم العالمي من رقم 13 من مقياس النيل كرمز للخراب والمجاعات؟) في فترة الدولة الفاطمية ( 969 -1171 م ) وخلافة المستنصر بالله (1036 -1094) و7 سنوات الشدة المستنصرية ( 1068 1075 ) جاءت فترة خاصة من تاريخ الفيضان من (930 1090 م ) فقد هبط النيل في معظمها إلي ما تحت منسوب الري المناسب وعم مصر بلاء عظيم فيها، وكان ارتفاع الحد الأقصي 8.8 متر بينما المنسوب المناسب للري من ( 8.8 مترا إلي 9.1 متر) فمعظم فيضانات هذه الفترة لم تكن تطول كل أراضي مصر، وكانت منخفضة دون تقلبات كبيرة وكانت سنة 967 من أوطي السنوات ، و بلغ تصرف النيل 56 بليون متر مكعب و كانت الفترة 945 77 منخفضة في عموما ولم تزد علي 83 بليون متر مكعب، لكنها لم تكن بسوء الفترة( 1052 1090 ) فقد شح النيل لسنوات متعاقبة فكان هناك 28 فيضانا منخفضا في هذه السنوات الأربعين في زمن الخليفة المستنصر الفاطمي وقد تسببت هذه الفترة في انهيار الاقتصاد والصناعة والحرف والهجرة الجماعية وانتشار الأوبئة والمجاعة، وتناقص السكان للنصف ( 1.5 مليون نسمة ). وجفت منطقة الساحل وشمال أفريقيا فأدت إلي إغارة البدو علي مصرفأهمل تطهير الفرع وأغلق. سميت الفرما (برما) بالفرعوني وبيلوزيوم بالروماني لكثرة أوحال فيضان الفرع البيلوزي وبرمون ( بر آمون ) أو برؤني أي الطينة اللزجة بالقبطي وذكرت في الكتاب المقدس باسم (سين) " سين مدينة مصرية " في سفر حزقيال ويقال كان بهامجمع البحرين ( البحر -والنيل ) - (مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان) ( الرحمن 19 ) وهونفس الأمر الذي يقوله أهل رأس البر في التقاء نهاية فرع دمياط مع البحر. فتحت الفرما علي يد الصحابي (أبرهة بن شرحبيل ) وهو حبشي حيث هاجر المسلمون الأوائل مرتين ) إلي النجاشي ملك الحبشة الذي لا يظلم عنده أحد،.. وهناك أسلم بعض الأحباش) أثيوبيا ( منهم والده ) ابن أبانا والذي جاء المدينةالمنورة بعد الهجرة الثانية ومعه 62 من الحبشة و8 من الشام وتلا عليهم الرسول : لتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصاري (المائدة 82 ) فأعلنوا إسلامهم. أبرهة كان يعمل لدي النجاشي، فكان رسول البشارة إلي السيدة أم حبيبة (رملة بنت أبي سفيان)، والتي هاجرت مع زوجها لكنه اعتنق المسيحية فلم تعد حلالاً له، فأرسل النبي لخطبتها من النجاشي وفي فرحتها أعطته سوارين من فضة وعدة خواتم. وأرسل لها النجاشي مهرها (400 دينار) مع أبرهة فأعطته منها هدية لكنه رد كل الهدايا وأعلن إسلامه. وظهرت حكاية أرمانوس ابنة المقوقس و أسرها وإرسالها لوالدها وهزيمة أرطبون والتي ستتكرر في الصالحية وبلبيس وكذا موضوع معاونة القبط للمسلمين وتسهيل تسللهم لكل الحصون. الفرما مدينة فرعونية من أقوي حصون شمال سيناء وعاصمة إقليم شرق الدلتا وتؤمن مدخل الدلتا الشرقي وتحمي العاصمة و معها الفرع البيلوزي كمانع مائي وشهدت معارك الهكسوس والآشوريين والبابليين والفرس والإسكندر الأكبر والصليبيين وكانت في العصر البطلمي واحدة من ثلاثة مراكز قانونية بجانب الإسكندرية ومنف و بها سجلات المحاكم والمصالح وسجلات الإقليم. وتتوسط طريق حورس الحربي القديم (رفح العريش الفرما الصالحية بلبيس عين شمس حصن بابليون) وكان به11قلعة عسكرية (بأسماء فراعنة مصر ) ماؤها من ماء المطر يخزن في الآبار الرومانية الأرضية ، وينقل لها ماء النيل بالمراكب من تنّيس وكانت من الأراضي التي تزرع طوال العام لأنها عالية لايصلها إلا الفيضان العالي و( تسمي أرض النيباري) وتروي برفع الماء من الآبار في عملية مجهدة لكنها مجزية فلأن رفع الماء مكلف كانت تزرع بمحاصيل ذات قيمة عالية من الكروم والفواكه و البلح والتين والجميز والرمان و أشجار السنط وشعر البنت من أشجار الزينة وكانت زراعة النخيل ترفع من سعر الأرض و كانت الفرما أحسن مناطق زراعة الكروم لعصر النبيذ فكانت مزارعها تحاط بسياج وترفع شجيراتها علي تكعيبة من الخشب وتروي بالدلو ثم بالشادوف ولها عمال مهمتهم طرد الطيور حتي لا تأكل العنب أهلها نحاف الأجسام قبط وعرب يتاجرون الشعير والعلف للقوافل وبها أسواق وحولها مصايد السلوي (طيور مهاجرة ) والأسماك ولها شهرة في صناعات الأواني الفخارية (من طمي النيل ) وأصل أهلها بحارة فينيقيون ومرتزقة من اليونان ولها طريقان إلي الفسطاط مرورا ببلبيس وبينها وبين بحر الأحمر ( القلزم ) مسيرة يوم وليلة وبين تنّيس 9 أميال وقديما تم حفر خليج منها إلي القلزم (السويس) طوله 200كم ً وطمر في القرن 6 م وتبعد 35كم عن مدينة القنطرة. ويقال إن السيدة هاجر زوجة سيدنا إبراهيم من هذه المدينة وأن (ست) قتل أخاه أوزوريس فيهاوأنها شهدت بعضا من حياة كليوباترا وولد فيها بطليموس الفلكي الشهير وبها قبر بومبي الذي أقام عمود السواري بالإسكندرية. محافظة بورسعيد أقيمت علي بعض من أراضي الفرما في 1859م عندما أصدر الخديو سعيد فرمان الامتياز الثاني وكان من بنوده (البند الثالث) حفر القناة من ميناء السويس إلي البحر المتوسط عند نقطة خليج الفرما. و كادت الفرما تصبح نهاية قناة السويس لولا آثارها واستبدلت ببورسعيد التي في 1863 تم ردم أجزاء من بحيرة المنزلة لإقامتها حيث سكنها العديد من الجنسيات منهم اليونانيون وبها حي المناخ للجمال القادمة بالسلع من القلزم كما انشئ ميناء شرق تفريعة ببورسعيد علي بعد 35 كم فقط من الفرما وتكرر بعد ذلك عام 1993 بتغيير مسار ترعة السلام بعيد عنها. من كتاب فتح العرب لمصر تأليف (ألفريد جورج بتلر) ورحلة عبد اللطيف البغدادي وحوارات مع د. عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمي بسيناء ووجه بحري بوزارة الآثار ولواء جابر العربي سكرتير عام محافظة شمال سيناء والباحث قدري الكاشف المتخصص في تاريخ سيناء. يبقي سؤال لماذا هذا الانهيار السريع للفرما؟ وهل تقاعس المصريون عن الدفاع بلادهم ؟ أعجبني تلخيص د. محمد حسين هيكل (لا شك أن القبط لم يعاونوا الروم في قتال العرب إلا بالقدر الذي يضطرهم إليه خضوعهم كارهين لسلطان القيصر وعماله ولكن لا شك في أنهم لم يعاونوا العرب إلا أن تكون معاونات فردية . أما فيما وراء ذلك فقد وقف شعب مصر من الفريقين المتحاربين موقف المتفرج شديد التطلع ). فالبعض يري المصريين قاوموا العرب وحاربوا مع البيزنطيين.كما حدث في الدلتا في قري سليطس، ومصيل، وبلهيب و إخنا ، رشيد ، البرلس دمياط، بلهيب، سخا، تنيس ، شطا ، ومدن منطقة إقليم البحيرة وقاوم (الصعيد) لمدة سنة وتقول بعض المراجع المسيحية أن المقاومة قادها ( مينا وقزمان) وهو أمر ليس غريبا أمام فكرة (اللي نعرفه أحسن من اللي ما نعرفوش) وفكرة عدم استبدال مستعمر بآخر علما بأن هذا الأمر لا ينجح في تنفيذه إلا جيش نظامي أو مجموعة مسلحة يمكنها أن تتحمل تبعات الاستقلال وهو أمر علي حد المعلومات التاريخية لم يكن متوفرا للمصريين أما العواقب فلن تخيفهم لأنه يا ما دقت علي الرأس طبول فهم لم يخلصوا بعد من مآسي احتلال فارسي لمدة 10 سنوات ( 17 627م) اتصف الفرس فيه بأنهم ( يحل الخراب والموت حيث يحلون) ولايزال يعاني المصريون من الضرائب والانحطاط في التجارة والزراعة والعمران كما أن الجيش الإسلامي في فترة قتاله الطويلة في مصر (3سنوات ) كانوا يرسلون مجموعات تهاجم القري لتوفير الغذاء والعلف مما أثار ضيق أهلها بالقطع. والبعض يري أن المصريين (رحبوا بالفاتحين كمخلصيهم مما هم فيه) وهو أمر أري فيه مبالغة تاريخية إسلامية لكن له أساس فالمصريون ( ليس لهم في التور ولا في الطحين ) في هذه الحرب فقد كانوا مواطنين من الدرجة الثالثة بعد الرومان واليهود وكان وجودهم في الجيش الروماني كاحتياطي كما أنهم يعانون من اضطهاد ديني بمحاولة فرض مذهب الإمبراطور بتعيين ( قيرس المقوقس ) حاكما لمصر وبطريركا ملكانيا أيضا بسلطات دينية وحربية ومالية ورفضوا وعانوا حتي اضطر بابا القبط 38 (بنيامين ) للهرب للصعيد كما أن التاريخ يؤكد علي طبيعة مقاومة المصريين مع كل مستعمر فرغم طوال زمن وجود الرومان في مصر ( 600سنة) بقيت مصر في خارج الإسكندرية ونقراطيس محتفظة بمصريتها وقلّما اصطبغ فيها شيء بالصبغة الرومانية من هذا لو كانت القوات الرومانية مستعدة ومؤهلة إلا أنها تفتقد جبهة داخلية قوية تساندها وتدعمها فأفقدهم المصريون سلاحا غير منظور لكنه أقوي أسلحة الدنيا وبدونه ممكن أن تنهار أقوي الجيوش. يبقي السؤال الأخير وأخذت إجابته من محمود عوض وكتابه البديع (وعليكم السلام ) وفيه يوضح بحسم أن الدفاع عن مصر يكون من الشام وفلسطين منذ التاريخ الفرعوني وحتي نهاية الزمن خاصة أن الاتجاهات الأربعة التاريخية لحدود مصر تحسم أن الخطر يأتي من الشرق فلذلك حسم المؤرخون بأنه لابد من نقل الحرب إلي مكان وراء سيناء حتي لاتضطر إلي الحرب في وادي النيل وأن الحكام التاريخيين خرجوا للدفاع عن مصر في الشام ولم ينتظروا الخطر وهم بداخلها فهل كان انتصار المسلمين في أجنادين 13 ه واليرموك 15 ه وفتح دمشقوالقدس ووصول الخليفة عمر بن الخطاب لتسلم مفاتيح المدينة. وتولي خالد بن الوليد ولاية يافا وعمرو بن العاص ولاية أيلة وغزة مؤشرات قوية علي حسم نجاح فتح مصر أعتقد أن التاريخ يؤكد ذلك قبل الفتح وبعده وحتي قيام الساعة أمن مصر ليس سهلا يافطة معدنية طمس معلوماتها صدأ رطوبة البحر فبالكاد يظهر عليها شعار هيئة الآثار لنعرف بالتخمين أننا قد نكون قد وصلنا الي منطقة تل الفرما وقد عبرنا بوابة محافظة سيناء الشمالية بمسافة 20 كم في اتجاه الشرق الي العريش لنتوقف عند منطقة بالوظه ونتجه يسارا علي طريق ممتد إلي مصنع علي مرمي البصر تتقاطر علية عربات نقل كبيرة وينتهي الطريق عند الشاطئ نعبركوبريين أعلي مسارين لترعة السلام التي امتدت إلي سيناء بعد نصر أكتوبر 1973 لتعيد مياه النيل من جديد لمنطقة الفرع البيلوزي الذي طمر بالزمن وأغلق (1118م) لنسير خمسة كم لنصل إلي اليافطة الصدئة. علي يمين ويسار وصولنا ربوتان من الآثار نعرف من اليافطة الصدئة الأخري أن ربوة اليمين لكنائس فنتجه يسارا بحثا عن الحصن ( محتمل أن يكون بناه الخليفة المتوكل علي الله مع قلعة 239ه عقب دحر غزو صليبي علي دمياط ) الذي نصل إلي أطلاله علي طريق مدكوك من الدبش وسط منطقة سبخية من الخطر المشي عليها بالأقدام فما بالك بالسيارة لأجد أمامي أطلال حصن ضخم متين مدعم الحوائط ومنظم من الداخل لأماكن للعبادة وخزانات مياه وغلال وممرات ومصاطب وسراديب متقنة وامتدادات حفرية تقول إن أسفلها بقايا حصن عظيم يقع في منطقة كانت في شرق بحيرة المنزلة القديمة ويتصل بالوادي بالإبحار في الفرع البيلوزي للنيل أو في البحر المتوسط إلي الإسكندرية وأمامه صحراء شاسعة وعليه أن يحمي مصر من غزاتها المتعددين عبر التاريخ الطويل ولابد أن يكون به حامية قوية لها قادة بمستوي متميز حربيا وقدرة علي اتخاذ القرارات في المخاطر الكثيرة ولابد للمدينة من اكتفاء ذاتي من الطعام والمياه والسلاح وعدد كبير من البشر للدفاع ولباقي الخدمات التي تحتاجها مدينة ضخمة كما أري أطلالها أمامي وإذا أضفنا أنها كانت أهم موانيء مصر مع ميناءي الإسكندريةودمياط ولها طريق إلي القلزم (السويس ) يأتي بتجارة البحر الأحمر من آسيا وأفريقيا وتأتيه تجارة تنيس ودبيق وتونه ودمياط من المنسوجات وتصدر إلي الشام وروما وقبرص فضلا عن مرور القوافل البرية من وإلي الشام وما تحتاجه من مؤن لبشرها ودوابها فهي ميناء ومدينة ضخمة تكشفها المساحات الكبيرة لبقايا أطلالها المطمورة تحت الأرض السبخية الملحية. أصعد أسوار الحصن بسمك جدرانها ويزيد علي مترين من الطوب الأحمر المدعم بمادة سوداء تقارب الإسمنت والأسوار مقامة في شكل نصف دوائر للخارج فتعطي للجدران قوة وللمراقبين سهولة في رؤية القادمين وسط بحر الرمال المنبسط من مسافات بعيدة وكفاءة في الدفاع لأن جنوده يمتلكون العالي والمهاجم منخفض في مستوي الأرض ولايمكن للمهاجم السيطرة علي الحصن إلا بسلالم مجهزة أو أبراج متحركة أو خيانة تمكنه من التسلل للحصن أو أن يكون جنود الحصن منهارين معنويا وليس لديهم إرادة صمود وإلا فلا يمكن لمهاجم أن يستولي علي مثل هذا الحصن بسهولة ولا أبالغ إذا قلت إن رجال الحصن لو كانت لديهم عزيمة الصمود فلا يستطيع أحد في زمانهم السيطرة عليه. والغريب أنه أكبر وأمنع وأصعب من حصن بابليون بالفسطاط فلماذا كل هذا الاهتمام من المؤرخين بمعركة بابليون ؟ ولم يذكروا عن الفرما إلا أن العرب قد حاصروها شهرا ثم استولوا عليها وأن ابن العاص ما كان ليستولي علي المدينة إلا بالهجوم وفتح الأبواب أو بالصبر حتي يدفع الجوع أهلها للاستسلام وكانت حراستها تهبط إليهم بين حين وحين لقتالهم لمدة شهرين ثم خرج إليهم جنودها مرة ليقاتلوهم ولما عادوا لائذين إلي مدينتهم تابعهم العرب فملكوا الباب وأن القبط ساعدوا العرب وبذلك فتحت (الفرما) في يناير 640م شهر المحرم لسنة 19 هجرية كبداية فتح مصرلتأمين سواحل سورية وفلسطين من أسطول الروم . ووصل ابن العاص في نهاية سنة 639م ، وعرض علي أهلها الإسلام أو الجزية أو القتال فاتفقوا علي القتال وخالفوا قائدهم ( المقوقس) فغادرهم إلي حصن بابليون. وأضاف السيوطي في (أسد الغابة فيمن دخل مصر من الصحابة )أن إبرهة بن شرحبيل هو من قاد 500 مقاتل واستولي علي المدينة ولم أفهم كيف يتأتي الجوع لميناء هام له طرق إمداد ثلاثة وعلي رأس بحيرة عذبة ويمكن دعمه بجنود من الإسكندرية العاصمة عن طريق البحر المتوسط (بحر الروم). الحصن مستطيل له أسوار في الشرق والغرب والجنوب وعلي جوانبه أبراج نصف دائرة ( شكل حرف U بارزة وعمودية علي السور وموزعة علي مسا فات منتظمة والبوابات في الشرقي والجنوب والشمال أما الغرب فبلا بوابة . سمك الجدران 2.2م و جدران الأبراج 1.7م لها سلالم ضيقة ومقامة من الطوب المحروق (آجر) فوق طبقة سميكة من مونة الجير مقاساتها ( 5 * 9 سم ) البوابات وأبراج الأركان لها بناء من الحجر والمونة وردية اللون والبوابات لها ممر متسع علي جانبيه برجان والأركان الداخلية مقواة بأحجار من الجرانيت. وأري أن حصن الفرما قد ظلم تاريخيا من كسل المؤرخين والرحالة العرب الذين لم يسافروا إلي هناك ليروا الواقع مما يستوجب اهتماما أكبر برصد تفاصيل هذه المعركة أو حتي وقائع الانهيار النفسي أوالخيانة. قد تكون معركة بابليون استغرقت 7 أشهر بسبب فيضان النيل مع كبر المعركة البرية في منطقة عين شمس ثم جبل المقطم لكني أري معركة الفرما أكبر وكانت تستحق رصدا تاريخيا أعمق. يمتد الحصن من الشرق إلي الغرب في عمقه مبان ومنازل وفي أقصي شرقه مسرح روماني متكامل من أكبر المسارح الرومانية في مصر طول خشبته 110 م وحوله أعمدة جرانيتية (يقال 28) وهو مبني من الطوب الأحمر والمدرجات من الطوب اللبن المغطي بالرخام الأبيض ويتكون من طابقين و مدرجاته من مستويين ويتسع لحوالي 7 آلاف متفرج وأعد ليكون حلبة مصارعة وألعاب ترفيهية فردية وجماعية وبه أماكن للأوركسترا وسلم صعود للمدرجات وبعض الحجرات أسفل المدرجات من مباني المسرح ويحتوي علي ستة مداخل للساحة الداخليةوأمامه في اتجاه الشمال رصدت مربعات لمقابر في الأرض السبخية. هناك القلعة الرومانية في أعلي نقطة من التل وعلي بعد مائة متر من بوابتها الشمالية يمتد الحمام و أبنيته بالطوب الأحمر والفخار وتم الكشف به عن ثلاث أرضيات من الموزايكو (الفسيفساء) الملون بمقاسات مختلفة وزخارف نباتية وهندسية ملونة بعشرة ألوان من القرن 3 الميلادي وأحد ألارضيات مكتوب عليها باليونانية "حظ سعيد لمنشئ الحمام" وأكبر الأرضيات في الصالة الرئيسية بمقاس 55* 3 م وهناك حمام في الجنوب وآخر في الشرق في منطقة الكنائس والأرضية مصنوعة من الزجاج والفخار والحجر الجيري والرخام وقامت وزارة الآثار بترميم خزانات مياه ومبان للاستحمام وقنوات صرف المياه وللحمام أربع صالات مستطيلة وفرن للتسخين وأربعة مغاطس نصف دائرية و قسم للحمام البارد وآخر للماء الساخن. في يمين الطريق الأسفلتي توجد أطلال المدينة بامتداد 3 كم طولاً وعرض 1 كم ثم مجمع الكنائس وأعبر مدقا ترابيا وأصعد 10 أمتار لأجد أرضية 3 كنائس كبيرة توسطها صومعتان عميقتان للمياه أو للغلال يربط بينهما ممر صغير منخفض وهناك وسيلة رفع منها بنظرية الأواني المستطرقة تأخذ بالتساوي من الخزانين وهناك ممرات صخرية وأعمدة رومانية وأرض مبلطة بالصخور المصقولة هنا الكاتدرائية الكبري الأكبر مساحة ( 82م * 42م) ثم كنيسة الملاك ميخائيل وأخري للشهيد أبي سيفين وأربع كنائس أخري في الشرق لذلك أطلق عليها علماء الحملة الفرنسية ( تل الكنائس ) وقد تم اكتشاف ثلاثة هياكل عظمية بها ونقلت إلي إيباريشية بورسعيد وهناك كنيسة العذراء وهي علي شكل دائرة مقامة تخليدا لمرور العائلة المقدسة وهي إحدي خمس كنائس في العالم علي شكل دائرة من القرن 4 م في (روما وسوريا وكنيستان في القدس ) وكان هنا أكثر من 5 آلاف راهب. وهناك دير (تل الهر) وبه بقايا كنيسة ضخمة يتقدمها فناء يحيط به الأعمدة وآثار كنيسة منحوتة في الصخر تنخفض أرضيتها 3 أمتار عن سطح الأرض وعلي جانبيها اثنان من السلالم. وفي شرق الكنائس توجد أثار مبني من الطوب الأحمر بطول 130م من القرن 3 م كخزان لمياه يتوسط منطقة صناعية بها أفران صناعة الزجاج والبرونز والفخار وبعدها يوجد الجزء الجنوبي الشرقي المسمي ( تل المخزن). كما توجد في المنطقة آثار لقلاع ومبان تجارية تؤكد علي وجود حقبة فارسية. كما كشفت حولها مجموعات فخار ترجع لأواخر العصر الروماني (مصري وتركي وقبرصي وسوري وفلسطيني) منها أوان خزفية محلاة بالميناء الحمراء وأخري بالأسود ولبعضها مقابض ووجدت أدوات معدنية . لتكتشف أنك أمام كنز أثري أهمل طويلا رغم بعض مشروعات الترميم غير المكتملة من عام 1985 و1995 في بعض ترميمات المسرح الروماني ولو تم ترميم الحصن والكشف عن أسرار هندسته العسكرية وتكوينات مدينة عسكرية حدودية متكاملة وترميم الكنائس القديمة لأمكن الكشف عن الكثير من وقائع التاريخ وأصبحت منطقة جذب سياحي عالمي. عانت المدينة من التخريب كثيرا .. من الفرس 616 م وحطموا كنائسها وأديرتها ثم أعاد تعميرها الرومان وفي الفتح العربي 640 م ليؤمن ابن العاص طريق العودة ولم يكن معه جند يحرسونها فأحرق سفنها ومراسيها ثم عمرها المسلمون ولعل واقعة أحمد بن محمدالمدبر والي خراج مصر في بداية عهد أحمد بن طولون الذي أرسل عام 220 ه من يهدم أبوابا من رخام بها لتنفيذ قصره في الفسطاط لولا مقاومة أهل الفرما بالسلاح، لأنها الأبواب التي ذكرها اللّه تعالي علي لسان يعقوب: يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة ( يوسف 67 ) يوضح بعضا من التعامل التاريخي مع هذه الأطلال كخرائب استخدمت في بناء القصور بل والمساجد مما ضيع الكثير من تراثها التاريخي والعلمي وجاء إطماء الفرع البيلوزي في العهد الفاطمي ليقلل من أهمية المدينة فهجرها سكانها وهو ما لاقاه بلدوين ملك المقدس عندما انسحب مهزوما عام 1118 لكنه أمر جنوده بتخريب وإحراق وهدم المساجد فتحولت إلي أطلال ثم اتخذت القوات الإسرائيلية المنطقة موقعا عسكريا (67 1982 ) فدمرت القلعة وكيلومتر مربع من الموقع الأثري ومحو منشآت من العصرين الروماني والإسلامي وحولوها إلي محجر لعمل الطرق العسكرية كما دمروا الكنائس بشرقي بحيرة البردويل وآثار درب الحج المصري القديم في قلعة نخل وقلعة رأس راية والميناء الأثري المملوكي بمنطقة تل الكيلاني وعمل حفائر بقلعة صلاح الدين بجزيرة فرعون وتصوير 400 نقش بوادي حجاج طريق العائلة المقدسة وعمل حفريات في 35 موقعا أثريا و سرقت لوحات أثرية من وادي المغارة و معبد سرابيت الخادم و 35 تابوت فريد من عام 1400ق م وتماثيل للمعبودة حتحور ومسح أثري لعدد 1166 مقبرة بوادي فيران وأخذت ما فيها ونهب مدينة دهب وميناء دهب البحري وقد سرق موشي ديان وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك ألف قطعة أثرية وإطماء الفرع البيلوزي كما فهمته من د.رشدي سعيد في كتابه الجميل (نهر النيل) جاء من تزايد الطمي في الفيضانات المنخفضة ويكون عند رسوبه طريا ولزجا ثم يقل حجمه ويصبح أرضاً صلبة عندما يفقد ماءه. وأن المصريين تعلموا منذ القدم تطهيرالنهر من رواسبه حتي لا يمتلئ بالطمي فجاء إطماؤها في أوقات تصرف النيل الشحيح مع صعوبة تطهير الترع والفروع خاصة مع الأوقات العصيبة التي تصاحب هذه الفيضانات والفرع البيلوزي كان واحدا من سبعة فروع طمس منها خمسة وبقي فرع رشيد ودمياط والخمسة هي : النهر الغربي (الكانوبي) ونهر الإله بتاح (البولبيتي) والنهر الكبير (السبنيتي)، نهر الإله أمون (الفاطمي) ونهر الإله رع (البيلوزي). كما أن منسوب 16 ذراعاً هوالمنسوب المناسب للري ومعه الخير والسعادة وعند منسوب 13 ذراعاً تشعر مصر بالمجاعة ومع منسوب 14 تأتي الفرحة و15 يتحرر الناس من الهموم حتي أنه وفي العصر الإغريقي - الروماني كان العدد 16 رمزا للحياة والرخاء وكان يوضع علي الأوسمة والنياشين الإمبراطورية وهو مستمر حتي الآن (هل جاء التشاؤم العالمي من رقم 13 من مقياس النيل كرمز للخراب والمجاعات؟) في فترة الدولة الفاطمية ( 969 -1171 م ) وخلافة المستنصر بالله (1036 -1094) و7 سنوات الشدة المستنصرية ( 1068 1075 ) جاءت فترة خاصة من تاريخ الفيضان من (930 1090 م ) فقد هبط النيل في معظمها إلي ما تحت منسوب الري المناسب وعم مصر بلاء عظيم فيها، وكان ارتفاع الحد الأقصي 8.8 متر بينما المنسوب المناسب للري من ( 8.8 مترا إلي 9.1 متر) فمعظم فيضانات هذه الفترة لم تكن تطول كل أراضي مصر، وكانت منخفضة دون تقلبات كبيرة وكانت سنة 967 من أوطي السنوات ، و بلغ تصرف النيل 56 بليون متر مكعب و كانت الفترة 945 77 منخفضة في عموما ولم تزد علي 83 بليون متر مكعب، لكنها لم تكن بسوء الفترة( 1052 1090 ) فقد شح النيل لسنوات متعاقبة فكان هناك 28 فيضانا منخفضا في هذه السنوات الأربعين في زمن الخليفة المستنصر الفاطمي وقد تسببت هذه الفترة في انهيار الاقتصاد والصناعة والحرف والهجرة الجماعية وانتشار الأوبئة والمجاعة، وتناقص السكان للنصف ( 1.5 مليون نسمة ). وجفت منطقة الساحل وشمال أفريقيا فأدت إلي إغارة البدو علي مصرفأهمل تطهير الفرع وأغلق. سميت الفرما (برما) بالفرعوني وبيلوزيوم بالروماني لكثرة أوحال فيضان الفرع البيلوزي وبرمون ( بر آمون ) أو برؤني أي الطينة اللزجة بالقبطي وذكرت في الكتاب المقدس باسم (سين) " سين مدينة مصرية " في سفر حزقيال ويقال كان بهامجمع البحرين ( البحر -والنيل ) - (مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان) ( الرحمن 19 ) وهونفس الأمر الذي يقوله أهل رأس البر في التقاء نهاية فرع دمياط مع البحر. فتحت الفرما علي يد الصحابي (أبرهة بن شرحبيل ) وهو حبشي حيث هاجر المسلمون الأوائل مرتين ) إلي النجاشي ملك الحبشة الذي لا يظلم عنده أحد،.. وهناك أسلم بعض الأحباش) أثيوبيا ( منهم والده ) ابن أبانا والذي جاء المدينةالمنورة بعد الهجرة الثانية ومعه 62 من الحبشة و8 من الشام وتلا عليهم الرسول : لتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصاري (المائدة 82 ) فأعلنوا إسلامهم. أبرهة كان يعمل لدي النجاشي، فكان رسول البشارة إلي السيدة أم حبيبة (رملة بنت أبي سفيان)، والتي هاجرت مع زوجها لكنه اعتنق المسيحية فلم تعد حلالاً له، فأرسل النبي لخطبتها من النجاشي وفي فرحتها أعطته سوارين من فضة وعدة خواتم. وأرسل لها النجاشي مهرها (400 دينار) مع أبرهة فأعطته منها هدية لكنه رد كل الهدايا وأعلن إسلامه. وظهرت حكاية أرمانوس ابنة المقوقس و أسرها وإرسالها لوالدها وهزيمة أرطبون والتي ستتكرر في الصالحية وبلبيس وكذا موضوع معاونة القبط للمسلمين وتسهيل تسللهم لكل الحصون. الفرما مدينة فرعونية من أقوي حصون شمال سيناء وعاصمة إقليم شرق الدلتا وتؤمن مدخل الدلتا الشرقي وتحمي العاصمة و معها الفرع البيلوزي كمانع مائي وشهدت معارك الهكسوس والآشوريين والبابليين والفرس والإسكندر الأكبر والصليبيين وكانت في العصر البطلمي واحدة من ثلاثة مراكز قانونية بجانب الإسكندرية ومنف و بها سجلات المحاكم والمصالح وسجلات الإقليم. وتتوسط طريق حورس الحربي القديم (رفح العريش الفرما الصالحية بلبيس عين شمس حصن بابليون) وكان به11قلعة عسكرية (بأسماء فراعنة مصر ) ماؤها من ماء المطر يخزن في الآبار الرومانية الأرضية ، وينقل لها ماء النيل بالمراكب من تنّيس وكانت من الأراضي التي تزرع طوال العام لأنها عالية لايصلها إلا الفيضان العالي و( تسمي أرض النيباري) وتروي برفع الماء من الآبار في عملية مجهدة لكنها مجزية فلأن رفع الماء مكلف كانت تزرع بمحاصيل ذات قيمة عالية من الكروم والفواكه و البلح والتين والجميز والرمان و أشجار السنط وشعر البنت من أشجار الزينة وكانت زراعة النخيل ترفع من سعر الأرض و كانت الفرما أحسن مناطق زراعة الكروم لعصر النبيذ فكانت مزارعها تحاط بسياج وترفع شجيراتها علي تكعيبة من الخشب وتروي بالدلو ثم بالشادوف ولها عمال مهمتهم طرد الطيور حتي لا تأكل العنب أهلها نحاف الأجسام قبط وعرب يتاجرون الشعير والعلف للقوافل وبها أسواق وحولها مصايد السلوي (طيور مهاجرة ) والأسماك ولها شهرة في صناعات الأواني الفخارية (من طمي النيل ) وأصل أهلها بحارة فينيقيون ومرتزقة من اليونان ولها طريقان إلي الفسطاط مرورا ببلبيس وبينها وبين بحر الأحمر ( القلزم ) مسيرة يوم وليلة وبين تنّيس 9 أميال وقديما تم حفر خليج منها إلي القلزم (السويس) طوله 200كم ً وطمر في القرن 6 م وتبعد 35كم عن مدينة القنطرة. ويقال إن السيدة هاجر زوجة سيدنا إبراهيم من هذه المدينة وأن (ست) قتل أخاه أوزوريس فيهاوأنها شهدت بعضا من حياة كليوباترا وولد فيها بطليموس الفلكي الشهير وبها قبر بومبي الذي أقام عمود السواري بالإسكندرية. محافظة بورسعيد أقيمت علي بعض من أراضي الفرما في 1859م عندما أصدر الخديو سعيد فرمان الامتياز الثاني وكان من بنوده (البند الثالث) حفر القناة من ميناء السويس إلي البحر المتوسط عند نقطة خليج الفرما. و كادت الفرما تصبح نهاية قناة السويس لولا آثارها واستبدلت ببورسعيد التي في 1863 تم ردم أجزاء من بحيرة المنزلة لإقامتها حيث سكنها العديد من الجنسيات منهم اليونانيون وبها حي المناخ للجمال القادمة بالسلع من القلزم كما انشئ ميناء شرق تفريعة ببورسعيد علي بعد 35 كم فقط من الفرما وتكرر بعد ذلك عام 1993 بتغيير مسار ترعة السلام بعيد عنها. من كتاب فتح العرب لمصر تأليف (ألفريد جورج بتلر) ورحلة عبد اللطيف البغدادي وحوارات مع د. عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمي بسيناء ووجه بحري بوزارة الآثار ولواء جابر العربي سكرتير عام محافظة شمال سيناء والباحث قدري الكاشف المتخصص في تاريخ سيناء. يبقي سؤال لماذا هذا الانهيار السريع للفرما؟ وهل تقاعس المصريون عن الدفاع بلادهم ؟ أعجبني تلخيص د. محمد حسين هيكل (لا شك أن القبط لم يعاونوا الروم في قتال العرب إلا بالقدر الذي يضطرهم إليه خضوعهم كارهين لسلطان القيصر وعماله ولكن لا شك في أنهم لم يعاونوا العرب إلا أن تكون معاونات فردية . أما فيما وراء ذلك فقد وقف شعب مصر من الفريقين المتحاربين موقف المتفرج شديد التطلع ). فالبعض يري المصريين قاوموا العرب وحاربوا مع البيزنطيين.كما حدث في الدلتا في قري سليطس، ومصيل، وبلهيب و إخنا ، رشيد ، البرلس دمياط، بلهيب، سخا، تنيس ، شطا ، ومدن منطقة إقليم البحيرة وقاوم (الصعيد) لمدة سنة وتقول بعض المراجع المسيحية أن المقاومة قادها ( مينا وقزمان) وهو أمر ليس غريبا أمام فكرة (اللي نعرفه أحسن من اللي ما نعرفوش) وفكرة عدم استبدال مستعمر بآخر علما بأن هذا الأمر لا ينجح في تنفيذه إلا جيش نظامي أو مجموعة مسلحة يمكنها أن تتحمل تبعات الاستقلال وهو أمر علي حد المعلومات التاريخية لم يكن متوفرا للمصريين أما العواقب فلن تخيفهم لأنه يا ما دقت علي الرأس طبول فهم لم يخلصوا بعد من مآسي احتلال فارسي لمدة 10 سنوات ( 17 627م) اتصف الفرس فيه بأنهم ( يحل الخراب والموت حيث يحلون) ولايزال يعاني المصريون من الضرائب والانحطاط في التجارة والزراعة والعمران كما أن الجيش الإسلامي في فترة قتاله الطويلة في مصر (3سنوات ) كانوا يرسلون مجموعات تهاجم القري لتوفير الغذاء والعلف مما أثار ضيق أهلها بالقطع. والبعض يري أن المصريين (رحبوا بالفاتحين كمخلصيهم مما هم فيه) وهو أمر أري فيه مبالغة تاريخية إسلامية لكن له أساس فالمصريون ( ليس لهم في التور ولا في الطحين ) في هذه الحرب فقد كانوا مواطنين من الدرجة الثالثة بعد الرومان واليهود وكان وجودهم في الجيش الروماني كاحتياطي كما أنهم يعانون من اضطهاد ديني بمحاولة فرض مذهب الإمبراطور بتعيين ( قيرس المقوقس ) حاكما لمصر وبطريركا ملكانيا أيضا بسلطات دينية وحربية ومالية ورفضوا وعانوا حتي اضطر بابا القبط 38 (بنيامين ) للهرب للصعيد كما أن التاريخ يؤكد علي طبيعة مقاومة المصريين مع كل مستعمر فرغم طوال زمن وجود الرومان في مصر ( 600سنة) بقيت مصر في خارج الإسكندرية ونقراطيس محتفظة بمصريتها وقلّما اصطبغ فيها شيء بالصبغة الرومانية من هذا لو كانت القوات الرومانية مستعدة ومؤهلة إلا أنها تفتقد جبهة داخلية قوية تساندها وتدعمها فأفقدهم المصريون سلاحا غير منظور لكنه أقوي أسلحة الدنيا وبدونه ممكن أن تنهار أقوي الجيوش. يبقي السؤال الأخير وأخذت إجابته من محمود عوض وكتابه البديع (وعليكم السلام ) وفيه يوضح بحسم أن الدفاع عن مصر يكون من الشام وفلسطين منذ التاريخ الفرعوني وحتي نهاية الزمن خاصة أن الاتجاهات الأربعة التاريخية لحدود مصر تحسم أن الخطر يأتي من الشرق فلذلك حسم المؤرخون بأنه لابد من نقل الحرب إلي مكان وراء سيناء حتي لاتضطر إلي الحرب في وادي النيل وأن الحكام التاريخيين خرجوا للدفاع عن مصر في الشام ولم ينتظروا الخطر وهم بداخلها فهل كان انتصار المسلمين في أجنادين 13 ه واليرموك 15 ه وفتح دمشقوالقدس ووصول الخليفة عمر بن الخطاب لتسلم مفاتيح المدينة. وتولي خالد بن الوليد ولاية يافا وعمرو بن العاص ولاية أيلة وغزة مؤشرات قوية علي حسم نجاح فتح مصر أعتقد أن التاريخ يؤكد ذلك قبل الفتح وبعده وحتي قيام الساعة أمن مصر ليس سهلا