وقائع 75 دقيقة في القمة الثانية للسيسي وترامب قبل عامين بالضبط.. قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لضيفه الرئيس عبدالفتاح السيسي في ختام أول مباحثات قمة تجمعهما بالبيت الأبيض: »إنني معك يا صديقي العزيز، ومع مصر وشعبها، وسنقف بجانبكم مائة بالمائة». ويوم أمس الأول، وفي مستهل لقاء القمة الثاني بين الرئيسين بالبيت الأبيض، أراد الرئيس السيسي أن يعبر عن امتنانه لالتزام الرئيس الأمريكي بالوعد الذي قطعه له قبل 24 شهراً، وقال للصحفيين: إن العلاقات الاستراتيجية بين مصر والولاياتالمتحدة شهدت نقلة نوعية، والفضل في هذا يرجع للرئيس ترامب ودعمه لمصر في كل المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية. وفي ختام قمة الثلاثاء.. عبر ترامب عن سعادته بلقاء الرئيس قائلا: »إنه كان لي عظيم الشرف أن التقي بالرئيس السيسي رئيس جمهورية مصر العربية». كانت هذه هي المرة الرابعة التي يثني فيها ترامب علنا علي الرئيس السيسي أمام الصحفيين والرأي العام، في غضون ساعة ونصف الساعة استغرقتها المباحثات في البيت الأبيض. مرة عندما قال عنه: إنه رجل عظيم، ومرة ثانية عندما قال: إنه رئيس عظيم، ومرة ثالثة عندما قال: إنه يؤدي عملاً عظيماً. وخلف الأبواب المغلقة لقاعة المباحثات، أشاد ترامب مرات عديدة بالرئيس المصري، بالأخص وهو يتحدث عن التقدم الاقتصادي الذي تشهده مصر، والجهد الهائل الذي تبذله في مكافحة الإرهاب، وكذلك عن حرص الرئيس السيسي علي تهيئة مناخ الحريات الدينية وتعزيز مكانة المرأة في المجتمع. لا يسرف ترامب في الثناء علي أحد سواء في تصريح أو تغريدة، ربما العكس هو المعروف عنه. لكنه كان يريد أن يعبر عن اعجابه بقيادة الرئيس السيسي لبلاده، وعن تقديره لعلاقات الصداقة الوطيدة التي نمت بينهما منذ التقيا لأول مرة في شهر سبتمبر عام 2016 بنيويورك قبيل إجراء انتخابات الرئاسة الأمريكية. أما الرئيس السيسي فقد اختتم زيارته لواشنطن صباح أمس بتغريدة أجمل فيها نتائج زيارته الرسمية الثانية للولايات المتحدة. وقال فيها: »كانت زيارتي للولايات المتحدة مثمرة علي كافة المستويات. ولقد سعدت بلقاء الرئيس ترامب، وبحسن الاستقبال، وتحدثنا سوياً عن موضوعات بالغة الأهمية وعن الكثير من الملفات ذات الاهتمام المشترك. وقد استشعرت مدي اهتمامه بكل التفاصيل وقدرته علي الإلمام بها». ومثلما ترامب معروف بالجرأة والوضوح. فإن الرئيس السيسي معروف بالصراحة وصدق القول، لذا فهو يعني ما يقول حين يتحدث عن زيارته الثانية لواشنطن بأنها كانت مثمرة علي كافة المستويات. • • • تشعر هنا في واشنطن، حينما تطالع بعض محطات التليفزيون وعلي رأسها »سي.إن.إن» وبعض المواقع الإخبارية وعلي رأسها »بلومبيرج» وبعض الصحف وعلي رأسها »نيويورك تايمز»، أن هناك إحساسا بخيبة الأمل إزاء الحفاوة التي قوبل بها الرئيس السيسي في واشنطن، والتفاهم الذي ساد المباحثات المصرية الأمريكية مع الرئيس ترامب، ولقاءات الرئيس مع مايك بومبيو وزير الخارجية ورؤساء الشركات الأمريكية في حفل العشاء الذي أقيم مساء أمس الأول بمناسبة مرور 40 عاما علي تأسيس مجلس الأعمال المصري الأمريكي. ألمس شعوراً بالاحباط لدي تلك الدوائر للنجاح الذي حققته الزيارة وبالأخص مباحثات القمة، وخلو المحادثات من ألغام كان يتمناها هؤلاء تعصف بمسار العلاقات الاستراتيجية بين البلدين أو علي الأقل تعرقل وتيرة تقدم التعاون المصري الأمريكي. قبيل القمة.. بدا من التقارير ومقالات الرأي في تلك الدوائر الإعلامية، وكأن الرئيس السيسي جاء إلي واشنطن ليحصل علي »مباركتها» للتعديلات الدستورية في مصر، وينال »التوجيهات» تجاه ملفات حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب وأزمات المنطقة، ويتلقي النسخة النهائية من صفقة القرن» التي ستنهي ملفاً اسمه القضية الفلسطينية! كانت تلك أمانيهم، وقد خابت. وقوبلت تلك التقارير التي كانت تتمني تقويض العلاقات المصرية الأمريكية بسخرية مزدوجة من المسئولين الأمريكيين والمصريين علي السواء. ولعل الرئيس الأمريكي لم يكن متجاوزاً، وهو يصف أكاذيب بعض هذه الصحف والمحطات الكبري بأنها تجعل منها عدوا للدولة. كانت الضربة الأولي لهؤلاء، عندما اتفق الرئيس ترامب والرئيس السيسي في حديثهما أمام وسائل الإعلام في بداية مباحثات القمة، علي أن العلاقات المصرية الأمريكية لم تكن في يوم من الأيام أفضل مما هي عليه الآن. وجاءت الضربة الثانية والقاضية في إجابة الرئيس ترامب الصادقة والحصيفة في نفس الوقت، علي سؤال ملغوم، يستفسر عن رأيه في التعديلات الدستورية التي تجري مناقشتها في مصر وبالأخص ما يتعلق بسنوات ولاية رئيس الجمهورية. قال ترامب بهدوء: إنني لا أعلم شيئا عن هذا الأمر. فقط يمكنني أن أقول أن هذا الرجل يقوم بعمل عظيم. وكان ترامب يريد بوضوح أن ينأي بنفسه عن شأن داخلي مصري، وأن يتجنب الحديث علنا فيما يشبه الاستدراج عن أمر من صميم السيادة المصرية والقرار الوطني الداخلي. أمام مدخل مبني البيت الأبيض، وقف الرئيس ترامب، في انتظار وصول ركب الرئيس السيسي الذي دلف لتوه من بوابة المنزل رقم 1600 بطريق بنسلفانيا، قادماً من قصر الضيافة في »بلير هاوس» علي الجانب الآخر من الطريق. رحب ترامب بضيفه الرئيس المصري بحفاوة بالغة، واصطحبه من الحديقة الخارجية، إلي قاعة »روزڤلت»، حيث دون الرئيس كلمة شكر وتقدير في سجل الزيارات، ثم توجه الرئيسان إلي المكتب البيضاوي، وجلسا أمام المدفأة الشهيرة داخل الغرفة، يتحدثان إلي الصحفيين. ركز ترامب في حديثه علي التقدم الكبير الذي حدث في مصر علي أكثر من صعيد، منها مكافحة الإرهاب، وقال أن المباحثات ستتناول موضوعات كثيرة منها الشئون العسكرية والتبادل التجاري. وقال إنه شرف عظيم أن أكون مع الرئيس السيسي وسنعمل معاً لتعميق التعاون بين بلدينا وتعزيز العلاقات التي لم تكن أفضل مما هي عليه الآن. ولم ينس ترامب أن ينوه بزيارة زوجته (السيدة الأولي) لمصر وجولتها في منطقة الأهرامات، وقال مداعبا إن زوجته لا تعجب بشيء بسهولة، لكنها كانت منبهرة للغاية بهذه الزيارة لواحدة من أهم عجائب الدنيا السبع. أما الرئيس السيسي فقد وجه الشكر والتحية للرئيس ترامب علي النقلة النوعية التي شهدتها العلاقات الاستراتيجية بين البلدين ودعمه لمصر في كل المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية. وكان قد استهل كلمته بالتأكيد علي أن العلاقات المصرية الأمريكية تمر بأفضل أحوالها علي مدار سنوات طويلة. مباحثات القمة المصرية الأمريكية استغرقت حوالي 75 دقيقة، بدأت باجتماع ثنائي في المكتب البيضاوي. وليس معروفا بطبيعة الحال تفاصيل ما جري في هذا اللقاء المغلق، لكن المعلومات تقول انه تركز علي تطورات القضايا والأزمات بمنطقة الشرق الأوسط واستعراض سريع لملفات الموضوعات الثنائية. معظم وقت القمة المصرية الأمريكية، استغرقته جلسة المباحثات الموسعة التي عقدت في »قاعة الحكومة»، وحضرها من الجانب المصري سامح شكري وزير الخارجية واللواء مصطفي شريف رئيس ديوان رئيس الجمهورية واللواء عباس كامل رئيس المخابرات العامة واللواء محسن عبدالنبي مدير مكتب رئيس الجمهورية والسفير ياسر رضا سفير مصر في واشنطن والسفير بسام راضي المتحدث باسم رئاسة الجمهورية. أما الجانب الأمريكي رفيع المستوي فقد ضم مايك بنس نائب الرئيس ومايك بومبيو وزير الخارجية وجيمس بولتون مستشار الأمن القومي. ثم انتقل الرئيسان وأعضاء الوفدين عبر الحديقة الداخلية إلي قاعة الغداء الرسمية حيث استكملت المباحثات. خلال جلستي المباحثات الثنائية والموسعة عبر الرئيس ترامب عن تقديره لشخص الرئيس السيسي، وقال للرئيس: إننا حريصون علي تشجيع أطر التعاون الثنائي وتعزيز التنسيق الاستراتيجي بين البلدين خلال الفترة المقبلة. وأشاد بدور مصر المحوري في المنطقة كدعامة رئيسية للسلم والأمن. ونوه ترامب بالخطوات الناجحة التي حققتها مصر لإصلاح اقتصادها وزيادة تنافسيته مؤكدا رغبة إدارته في زيادة حجم التبادل التجاري مع مصر وتعزيز الاستثمارات المشتركة. وقال ترامب للرئيس: إنني أثمن الجهود المصرية الناجحة في التصدي بحزم وشجاعة لخطر الإرهاب الذي يهدد استقرار المنطقة والعالم، وأود أن أعبر عن دعم الولاياتالمتحدة الكامل لمصر في هذا الصدد. وتناول ترامب الحفل الذي تابعه علي شاشات التليفزيون في افتتاح كنيسة ميلاد المسيح ومسجد الفتاح العليم بالعاصمة الإدارية، وعبر عن شكر بلاده بكافة مؤسساتها لجهود الرئيس في تعزيز التسامح الديني وحرية العبادة. أما الرئيس السيسي فقد عبر عن اعتزاز مصر بعلاقاتها الاستراتيجية مع الولاياتالمتحدة والقائمة علي الاحترام المتبادل والتعاون المثمر لما فيه صالح الشعبين المصري والأمريكي. وأكد أن تكثيف التنسيق بين البلدين من شأنه أن يحقق المصالح المشتركة ويسهم في دعم جهود استعادة الأمن والاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط التي تتعرض لاضطراب غير مسبوق. وعن قضية الإرهاب.. شدد الرئيس السيسي علي أهمية مواصلة التعاون لتقويض خطر التنظيمات الإرهابية ومنع وصول الدعم لها سواء بالمال أو بالسلاح أو الأفراد، وأشار إلي الجهود التي تبذلها مصر عسكرياً وأمنياً وتنموياً وفكرياً للقضاء علي الإرهاب والفكر المتطرف. واستحوذت التطورات في ليبيا علي جانب كبير من الوقت المخصص للقضايا في إقليم الشرق الأوسط.. وأكد الرئيس السيسي أن انتشار التنظيمات الإرهابية من شأنه ان يقوض أي فرصة للحلول السياسية في ليبيا مثلما هو الحال في سوريا واليمن، وشدد علي ضرورة محاربة تلك التنظيمات لفرض الأمن بما يسمح بإجراء الانتخابات. ولم يتناول اللقاء مشروعاً محدداً للتسوية السياسية للقضية الفلسطينية، وهو ما اصطلح علي تسميته إعلاميا ب»صفقة القرن»، غير أن الرئيس السيسي شدد علي أهمية التوصل إلي حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية، مؤكدا علي موقف مصر الثابت من ضرورة تحقيق السلام علي أساس قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، لإقامة الدولة الفلسطينية علي حدود عام 1967 وعاصمتها القدسالشرقية. وكانت قضية السلام قد هيمنت علي مجريات لقاء الرئيس السيسي مع جاريد كوشنر كبير مستشاري الرئيس ترامب عشية انعقاد القمة المصرية الأمريكية، وأكد الرئيس في ذلك اللقاء دعم مصر لأي جهد مخلص يضمن التوصل لحل عادل ودائم استناداً لقرارات الشرعية الدولية وحل الدولتين. وخلال قمة السيسي وترامب، تطرقت الجلسة الموسعة إلي موضوع سد النهضة، وعرض الرئيس السيسي مسار المفاوضات الجارية مؤكدا أهمية التوصل إلي اتفاق حول ملء وتشغيل السد يحافظ علي الحقوق المائية لشعب مصر ومصالح الدول الثلاث، اثيوبيا والسودان ومصر. جانب كبير من الفضل في النتائج المثمرة لزيارة الرئيس السيسي لواشنطن ومباحثات القمة مع الرئيس الأمريكي ترامب، يعود إلي أوراق القوة والتأثير التي تسلح بها الرئيس السيسي منذ القمة الأولي مع ترامب قبل 24 شهراً مضت، وحملها معه في لقاءاته مع المسئولين الأمريكيين ورجال المال والصناعة في واشنطن. فقد جاء الرئيس معززاً بتأييد شعبي جارف تمثل في انتخابات رئاسة الجمهورية العام الماضي، وبمعدل نمو مرتفع يتخطي 5.8٪، ويبشر بتجاوز نسبة 6٪ في العام المالي القادم، وبنجاح ملحوظ علي صعيد سحق تنظيمات الإرهاب في شمال سيناء، وبنهضة عمرانية تتمثل في إنشاء 14 مدينة كبري وعاصمة إدارية جديدة، وبمناخ يحفز علي الاستثمار ويشجع القطاع الخاص علي الانتاج والنمو. جاء الرئيس هذه المرة، وهو يتولي رئاسة الاتحاد الأفريقي، ويقود الجهود لاحتواء الأزمات التي عصفت بدول عربية وتهدد بتقويض المؤسسات الوطنية في دول أخري، ويملك مفاتيح المصالحة الفلسطينية في تحقيق التهدئة بين الفصائل في قطاع غزة والجانب الإسرائيلي. الفترة المقبلة ستشهد خطوات واسعة لتعزيز التعاون الاستراتيجي المصري الأمريكي من خلال اتصالات ولقاءات بين كبار المسئولين في البلدين، استنادا إلي نتائج مثمرة للقمة الثانية بين السيسي وترامب، ودفعاً لعلاقات تعيش أزهي أوقاتها. وفي نفس الوقت.. تواصل مصر تحركاتها دوليا علي الصعيد الثنائي، وبوصفها رئيسا للدورة الحالية للاتحاد الأفريقي، في عواصم العالم الكبري للمشاركة في محافل التعاون بين أفريقيا والقوي الدولية الفاعلة.