سعيد شيمي علامة بارزة في تاريخ السينما المصرية. هو مدير تصوير وأيضا مخرج وباحث سينمائي له حوالي عشرين كتابًا في السينما والتصوير وعن علاماتها من المخرجين أو غيرهم. باختصار هو من جيل الباحثين عن كل أوجه الحقيقة. رأيت الكثير جدًا من أفلام قام بتصويرها أو كان مديرًا لتصويرها ومن أبرزها ضربة شمس والشيطان يعظ وطائر علي الطريق والعار وسواق الأوتوبيس والحريف وإعدام ميت وسلام يا صاحبي والبريء والحب فوق هضبة الهرم وأربعة في مهمة رسمية وضد الحكومة والطريق إلي إيلات وغير ذلك كثير من الأفلام المهمة لمخرجين من كل الأجيال وخاصة من جيل السبعينات حتي الآن. قرأت له كتابين في الفترة الأخيرة صغيرهما حجمًا » ذاكرة الأيام والسينما ». في الكتاب بعيدا عن تربيته وتعليمه وسط عائلة مثقفة فيها من كان مناوئًا للاستعمار البريطاني من رجال الجيش وتم نفيه مع عرابي بعد الاحتلال البريطاني، أو من تم نفيه بعد أن فرضت الحماية علي مصر أثناء الحرب العالمية الأولي لمناوئته للاستعمار. الأول هو علي فهمي جد جدته والثاني هو سعيد شيمي جده لأبيه الذي حمل هو اسمه. من الكتاب تعرف ببساطة كيف عشق سعيد شيمي السينما وتعرف أيضا كيف كانت السينما همًا من هموم مصر الكبري وقف وراء تنفيذه والحفاظ عليه أعلام من السينمائيين والمثقفين الكبار أو الشباب الذين صاروا علامات في تاريخنا الثقافي. نري هنا مثلا بعد ثورة يوليو كيف توقف الإنتاج السينمائي بسبب ما شاع عن رغبة من الثورة في السيطرة علي السينما وتوقف المنتجين منتظرين ما يحدث. كيف أنشأ المنتح رمسيس نجيب ومدير التصوير العظيم وحيد فريد شركة للأفلام المتميزة وتابعهما عز الدين ذو الفقار وفاتن حمامة زوجته وقتها وفريد شوقي وزوجته هدي سلطان وأنور وجدي وزوجته ليلي فوزي وباشروا الإنتاج بالدين ولم يتأخر الممثلون عن التمثيل بأجر متأخر ولا أماكن التصوير ولم تتوقف السينما. وتري في الكتاب كيف كان التليفزيون وظهوره في أوروبا وأمريكا سببًا في تخلف الإنتاج السينمائي هناك حتي فكر المنتجون في حل بتغيير حجم الشاشة والبدء في إنتاج أفلام تاريخية كبري وكانت مصر مكانها وميدانها. هكذا لم يكن ممكنًا أن تتعرض السينما المصرية لسوء حتي بدأ القطاع العام في السينما عام 1963 وأسس شركات إنتاج تابعة له وأنتجت مصر أعظم الأفلام. ظهر خلال هذه الفترة مخرجون مثل شادي عبد السلام في فيلم المومياء وحسين كمال في فيلم المستحيل وسعيد مرزوق في فيلم زوجتي والكلب وخليل شوقي في فيلم الجبل وأنور الشناوي في فيلم السراب وفاروق عجرمة في فيلم العنب المر وجلال الشرقاوي في فيلم أرملة وثلاث بنات وعبد الرحمن الخميسي في فيلم الجزاء الخ الأسماء الرائعة أما عدد الأفلام فزاد علي مائة وخمسين فيلمًا من الأفلام الكبري في تاريخ السينما المصرية ولك أن تضيف البوسطجي والقاهرة 30 وثلاثية نجيب محفوظ وشيء من الخوف والرجل الذي فقد ظله وميرامار الخ الخ. كانت منذ أواسط الخمسينات ندوات وجماعات سينمائية بدأت في الظهور مثل ندوات مصلحة الفنون التي كانت مكانًا لتفريخ العشرات من الفنانين الكبار ويحضرها الكبار أيضا مثل أحمد بدرخان وأحمد كامل مرسي وصلاح أبو سيف وكمال الشيخ وغيرهم من أيقونات الإخراج والشباب أمامهم يتعلمون منهم وكان من قبل عام 1949 أن قام المركز الكاثوليكي في مصر بعد دعوة بابا الفاتيكان بأهمية السينما، بجمع تراث الإنتاج المصري وأقام عام 1952 أول مهرجان محلي للأفلام المصرية وهو مهرجان مستمر حتي الآن فضلًا عن ندواته. ثم كيف نشأت جمعية الفيلم التي أقامها عدد من الشباب علي رأسهم أحمد الحضري الذي كان قد عرف مثل هذه الندوات خلال دراسته في لندن وبدأت الجمعية نشاطها المستمر حتي الآن عام 1961 وأقامت منذ عام 1975 مهرجانها للفيلم المصري وجوائزها في كل المجالات ولقد أنتجت أفلامًا قصيرة للهواة كان له نصيب منها تصوير في بداية شبابه وهو فيلم »شهر الصيام» من إخراج أحمد راشد. أفلام قصيرة لا تزيد عن عشر دقائق لكنها تنطق قائلة هنا سينما وهنا أجيال جديدة ثم يمشي معنا إلي الدور الذي لعبته الثقافة الجماهيرية في نشر الوعي السينمائي في بداياتها ثم كيف ظهر نادي السينما عام 1968 وجماعات مثل جماعة السينما الجديدة وجماعة السينمائيين التسجيليين وجمعية نقاد السينما والجمعية المصرية لنقاد وكتاب السينما وتمر عليك أسماء مثل محمد راضي وعلي عبد الخالق وأحمد متولي وأشرف فهمي ونبيهة لطفي وفؤاد التهامي ومصطفي محرم وفايز غالي وسمير فريد وسامي السلاموني وصبحي شفيق وأمير العمري وداوود عبد السيد وممدوح شكري وغيرهم وتتنفس سائلا كل هؤلاء وغيرهم بأفلامهم ومقالاتهم مروا علي هذا الوطن -لازال بعضهم حيًا أطال الله في أعمارهم- ثم تلاقي السينما صعوبات كبيرة وصارت أفلامها الأكثر شهرة هي ما لا معني له ولا قيمة، وحين يفكر مخرج أن يصنع فيلما حداثيا تصبح كل الطرق مغلقة ويستطيع بجهد رهيب أن يجد من يدعم الفيلم وحديث كبير فيه كيف كانت تجربته، وداود عبد السيد في تصوير حرب أكتوبر عام 1973 وفيه كيف كانت تجربته في التصوير تحت الماء في فيلم الطريق إلي إيلات وفيه الكثير من الكفاح والبحث عن صورة أجمل لكني وقفت حزينا عندما صرت أقارن ما كان مع ما يحدث في السينما الآن. لكن في الكتاب متعة وثقافة وتجربة إنسانية وفنية وعلمية وتاريخ موجز لوطن وإلي لقاء مع الكتاب الثاني وهو رسائل محمد خان إليه من لندن وهما صديقا الطفولة يوما ما.