نعرف في نظامنا العربي أن اليانكي الأمريكي المغامر بطبعه لم يخلص لنا أبداً قولاً أو فعلاً، بل كلما طرأ طارئ وجدناه في صف العدو مخاتلاً مراوغاً ينوي الفجيعة دائماً، ورغمها نصدقه في كل مرة ونبتلع الطعم ونسلمه قيادنا، يوقعنا في مصيدته ويتلاعب بنا ويضرب مصالحنا ولا نتعلم الدرس مهما كانت كلفته باهظة علي أوطاننا وشعوبنا ومصالحنا. أقول هذا وأمامي مساحة عالمنا العربي المستباحة وقد حولها الأمريكان إلي صفيح ساخن، وآثر شيطانهم أن يبقي المنطقة ساخنة مشحونة مأزومة يتهددها الخطر تلو الآخر وتتلاعب بها المصائب من كل حدب وصوب، وتحيط بها المكائد من الرأس للسفح، فبعد أن أجهد العالم العربي سنوات طويلة واستهلك طاقتنا في الصراع العربي الإسرائيلي، وأمات قضيتنا المركزية في فلسطينالمحتلة، راح يدمر العراق ويعيدها للعصور الوسطي، ولا يتركها إلا بعد أن دمر جيشها وضرب فيها مخزون القوة العربية لصالح إسرائيل، وتركها فريسة لحرب طائفية بين سنة وشيعة وأكراد وعرضة للتقسيم، راح يلعب نفس اللعبة مع سوريا، وليبيا والسودان واليمن ولبنان، واستقر مخططه الصهيوأمريكي علي إعادة رسم خرائط المنطقة في سايكس بيكو جديدة، وشرق أوسط كبير تتحول فيه دول المنطقة إلي كنتونات صغيرة تتناوشها الحروب الإقليمية والطائفية والمذهبية، يدمر جيوشها ويستهلك طاقاتها ويسيطر علي بترولها ويتلاعب بأرصدتها ويضرب اقتصادها، ويستنزف أموالها في صفقات أسلحة لتحمي نفسها بعشرات المليارات تصب بسخاء في آلة اقتصاده ولصالح صقور المجمع الصناعي العسكري الأمريكي الذي يثري علي حساب إفقارنا. ساعده في ذلك كله اليمين الإسرائيلي المغامر مثله، وانساقت وراءه أوروبا وحلف شمال الأطلنطي طمعاً في جزء من التورتة، وغذي الأطماع الإمبراطورية الفارسية الإيرانية وترك لها الباب مفتوحاً لتلعب كيفما شاءت في العراقوسوريا واليمن ولبنان، وعقد معها صلحاً تاريخياً يغريها به، ثم يوقعها في حرب طائفية مذهبية بين السنة والشيعة، لتخلو الساحة لقوي إقليمية ينسق معها: إسرائيل وتركيا، واستغل ضعف الذاكرة العربية، ولعب كل أوراقه بداية من القاعدة، والنصرة وفجر الإسلام وتنظيمات بيت المقدس وغيرها وصولاً إلي داعش التي استخدمها حصان طروادة الجديد يهدد به العالم العربي، وأجهض مشروع مصر العربي الاستراتيجي في القوة العربية المشتركة، ولعب علي اصطناع تناقضات في المواقف العربية - العربية بشأن سوريا، واستطاع استقطاب علي عبد الله صالح والحوثيين بمساعدة إيران للعب دور قذر في تهديد الحدود السعودية في جيزان ونجران، ولعب علي التناقض الشيعي السني في البحرين ودق أسافين الفرقة بين الإمارات وقطر. ولنعترف أن الأمريكان لعبوا أوراقهم باحتراف وتحولت المنطقة نيراناً ما بين السنة والشيعة والأكراد والتركمان والإيزيديين والمسيحيين والموارنة والدروز وكل فصائل الإرهاب وتنظيماته، وهو أمر ليس في صالح أحد من الفرقاء المحتملين، إنما هو علي حسابنا جميعاً ولصالح مخططات صهيوأمريكية، وتستهدف جر مصر وإيقاعها في الفخ المنصوب، والدليل علي ذلك زيارة وزير الخارجية الأمريكي للمنطقة لخلق تحالف عسكري جديد من دول الخليج ومصر والأردن وإسرائيل ليكون ضد إيران، نحاربها بالوكالة وعلي حسابنا وضد مصالحنا، ويا له من منطق فج غبي ومكشوف. وأقدر أن مصر تحسب لمواقفها حساباتها الدقيقة حتي لا نغرق جميعاً لا السعودية ولا الخليج وحدهم، والشاهد علي ذلك ابتزاز ترامب للسعودية وتلاعب الأمريكيين بسعر البترول. في تقديري وبأي حسابات ممكنة لا يمكن لمصر في مثل ظروفنا الضاغطة المعقدة أن تنجرف وراء أصوات مغامرة تطالب باستخدام القوة العسكرية المصرية ضد إيران، هذا كلام غير مسئول، إذ علي مصر أن تبادر بدور دبلوماسي فاعل في تطويق الأخطار والتداعيات، وتفتح بكل شفافية وبلا أية حساسيات قنوات مباشرة مع إيران وتضغط مصر بكل أوراقها لتهدئة الأمور، مصر دولة إقليمية كبري وما تملكه بالدبلوماسية لا يقل أهمية عما تملكه بالقوة العسكرية، وفي تقديري أن إيران يمكن أن تستجيب للوساطة المصرية أكثر مما تستجيب لغيرها، لا تستسلموا لمخطط بومبيو ورئيسه الموتور فكل ما يقدمانه هو فخ أمريكي، فوق كونه مصيدة لمصر والسعودية والنظام العربي.