يحلو للبعض بفهم أو بغير فهم الادعاء بأن الحرب الدائرة حالياً في اليمن بين معسكر التحالف الذي تقوده السعودية والميليشيات الحوثية هي في جوهرها حرب مذهبية بين السُنَّة والشيعة. وحرب عرقية بين العرب والفرس.. والزعم بأن هذه الحرب كانت متوقعة منذ سنوات. حتي جاء السبب المباشر والظروف المناسبة لاشتعالها. وهؤلاء لا يدرون خطورة ما يقولون.. ولا يقدرون العواقب التي يمكن أن تترتب علي هذا التوصيف غير الواقعي.. وقد لا يدركون أنهم يروجون لمخطط أمريكي صهيوني. يستهدف إغراق منطقتنا في سلسلة حروب مذهبية وطائفية. وعرقية.. تنهك قواها وتستنزف مواردها وتشغلها بعداوات مصطنعة عن العدو الحقيقي. لا شك أن الحرب في اليمن تمثل تطوراً سلبياً.. ولا شك أنه كان من الأفضل لكل الأطراف ألا تصل الأمور إلي الحد الذي يدفع السعودية. إلي التدخل العسكري.. لكن السعودية فيما أظن اتخذت قرار التدخل بعد أن اختل توازن القوي بين الفرق المسلحة.. واستطاعت ميليشيات الحوثيين والقوات الموالية للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح أن تخلق واقعاً جديداً. وتقضي علي السلطة التي أوجدتها تفاهمات مجلس التعاون الخليجي.. وأصبح اليمن مهدداً بالانقسام وبحرب أهلية ستكون خطراً علي السعودية وأمنها واستقرارها. هذا ما وصلنا من أسباب الحرب.. وهذا ما نتفهمه ونصدقه.. ولا نصادر علي حق غيرنا في أن يفهم ما يشاء.. لكننا فقط ننبه إلي خطورة الادعاء بأنها حرب مذهبية أو عرقية.. لأن معني ذلك أن تشتعل منطقتنا العربية لعشرات السنين القادمة لا قدَّر اللَّه حتي تعود إلي البداوة والقحط.. ويحطم بعضنا بعضاً.. بينما يتفرج علينا العدو مبتهجاً بتخلفنا وبحروبنا..لو أنها حرب مذهبية إذن فسوف تصل إلي مناطق الشيعة في شرق السعودية والعراق والبحرين والإمارات وسوريا ومصر.. ولو أنها حرب عرقية بين العرب والفرس فسوف يكون علينا تكرار مأساة الحرب العراقية الإيرانية. التي بدأها صدام حسين مدفوعاً بغروره وجهله. ومدفوعاً أيضاً بإشارات أمريكية مشجعة.. وقد استمرت هذه الحرب ثماني سنوات عجاف. صعدت أرواح ملايين الأبرياء. واستنزفت موارد البلدين والتي كان يجب أن تنفق علي التنمية وتحسين مستوي معيشة الشعبين..لا نريد أن نكرر أخطاء الماضي وخطاياه.. ولا يتصور عاقل أن بمقدور أهل السُنَّة القضاء علي أهل الشيعة أو العكس.. ولا يتصور عاقل أن حرباً بين العرب والفرس اليوم. يمكن أن تحقق أي نصر لأي من الطرفين.. ولابد أن نفهم الخلافات والتناقضات المذهبية والعرقية علي وجهها الصحيح. دون أن يأخذنا الشطط إلي حروب بلا معني.. ولا يمكن أن تحسم خلافات تاريخية انتهي زمانها.. أمريكا تخطط منذ زمن بعيد لكي تغرقنا في مسلسل التدمير الذاتي من خلال النفخ في خلافاتنا المذهبية واختلافنا العرقي من أجل تأمين إسرائيل وحدها.. وتخطط علناً للزج بكل القوي الإقليمية في مستنقع الحروب غير المبررة. لإحياء الفتن المذهبية والعرقية في المنطقة: الفُرس. العرب. التُرك. الشيعة. السُنَّة. المسيحيين. الأمازيغ. الطوارق. أمريكا تريد أن تكون إيران هي العدو الأول للعرب. وليس إسرائيل.. وتريد أن تكون تركيا هي عدونا الأول وليست إسرائيل.. وتريد أن يكون الشيعة هم عدونا الأول. وليست الصهيونية.. وهكذا حتي نحترق جميعاً في نار الفتنة.. ويدمر بعضنا بعضاً. العالم من حولنا يحل مشكلاته بالحوار.. ويتعايش مع اختلافاته المذهبية والعرقية من خلال قبول الآخر. واحترام إرادته.. أما نحن فلا حل لخلافاتنا واختلافاتنا إلا الحرب.. أو هكذا يريدون لنا حتي نظل بين خيارين: إما قَتَلَة. أو مقتولين!!