أداما ديانج: شيخ الأزهر صوت عالمي للحكمة وركيزة في مواجهة التطرف والكراهية    النصر يحسم لقب كأس السوبر للبوتشيا بجامعة المنوفية ..صور    وزارة الشؤون النيابية تصدر إنفوجراف جديدا بشأن المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب    أسعار الذهب تواصل الهبوط والجرام يخسر 150 جنيهًا    تداول 61 ألف طن و900 شاحنة بضائع عامة بموانئ البحر الأحمر اليوم الجمعة    محافظ المنيا يبحث مع وفد الإصلاح الزراعي خطة تطوير المشروعات الإنتاجية    وزارة الطيران تنفى فى بيان رسمى إنشاء شركة طيران منخفض التكاليف    الهيئة القومية للأنفاق: تشغيل المرحلة الأولى من الخط الأول للقطار السريع في الربع الأول من 2027    تداول 61 ألف طن و900 شاحنة بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحر الأحمر    البرهان يدعو كل السودانيين المشاركة فى المعركة ضد ميليشيا الدعم السريع    الاتحاد الأوروبي يبحث تدريب 300 شرطي من غزة لهذا السبب    اليابان تستدعي سفير الصين للاحتجاج على تعليقات «غير لائقة» لدبلوماسي صيني    اتصال هاتفي بين وزير الخارجية ونظيره السعودي    إنفانتينو: الدوري الأمريكي يدخل عصرًا جديدًا قبل كأس العالم    دقيقة حدادا على روح محمد صبري قبل انطلاق ودية مصر والجزائر    سيطرة آسيوية وأوروبية على منصات الصدارة في بطولة العالم للرماية    الكرة النسائية.. الأهلي يحقق فوزًا كاسحًا 12-0 بعد انسحاب فريق الطيران    مباريات اليوم الجمعة 14 نوفمبر 2025.. مواجهات نارية في تصفيات أوروبا وكأس العالم للناشئين والوديات الدولية    "طلق مراتك وإلا هحبسك لو رجعت مصر"، الأمن يكشف حقيقة تهديد ضابط شرطة لمواطن    مصرع شاب برصاصة طائشة في أولاد عمرو بقنا    ضبط 25 طن ملح صناعي يعاد تدويره وتعبئته داخل مخزن غير مرخص ببنها    محافظ الدقهلية: ضبط 3.3 طن من مفروم اللحوم والدواجن غير الصالحة للاستهلاك    محمود عبد السميع بمهرجان القاهرة: الاهتمام بالمكان جزء أصيل من "الدراما"    بدء تطبيق نظام الحجز المسبق لتنظيم زيارة المتحف المصرى الكبير الأحد    المسلماني: مجلس «الوطنية للإعلام» يرفض مقترح تغيير اسم «نايل تي في»    مع انخفاض حرارة الجو، تعليمات يجب الالتزام بها لحماية أسرتك من الفيروسات    "سد الحنك" حلوى الشتاء الدافئة وطريقة تحضيرها بسهولة    حبس زوجة أب في سمالوط متهمة بتعذيب وقتل ابنة زوجها    أذكار المساء: حصن يومي يحفظ القلب ويطمئن الروح    مؤتمر السكان والتنمية.. «الصحة» تشارك في جلسة «تعزيز العمل اللائق بمصر»    اليوم.. عبد الله رشدي ضيف برنامج مساء الياسمين للرد على اتهامات زوجته الثانية    الائتلاف المصري لحقوق الإنسان: صعود المستقلين وتراجع المرأة في المرحلة الأولى لانتخابات النواب    محمد عبدالعزيز عن ابنه كريم عبدالعزيز: "ابني ينوي إعادة تقديم فيلم انتخبوا الدكتور"    بسبب تغيرات المناخ.. 29 حريقا خلال ساعات الليل فى غابات الجزائر.. فيديو    اللهم صيبا نافعا.. تعرف على الصيغة الصحيحة لدعاء المطر    «الصحة» و«الاتصالات» تستعرضان دور الذكاء الاصطناعي في دعم التنمية البشرية    وكيل شباب الدقهلية تشهد فعاليات إنتخابات مجلس إدارة نادي المنصورة الرياضي    اليوم العالمي للسكر| وزير الصحة يعلن توجيه ميزانية موسعة للوقاية منه    سلامة عيون أطفال مصر.. مبادرة الداخلية "كلنا واحد" تكشف وتداوي (فيديو)    استقبال الشرع بواشنطن يقلق إسرائيل بسبب جبل الشيخ    مبابي: سنعود أقوى بعد التوقف الدولي ونسعى للفوز بجميع البطولات    مؤتمر السكان والتنمية.. «الصحة» تنظم جلسة حول الاستثمار في الشباب من أجل التنمية    الداخلية تضبط آلاف المخالفات في النقل والكهرباء والضرائب خلال 24 ساعة    ضبط مصنع غير مرخص لإنتاج أعلاف مغشوشة داخل الخانكة    العثور على جثمان غريق داخل ترعة مياه فى جنوب الأقصر    نشاط الرئيس الأسبوعي.. قرار جمهوري مهم وتوجيهات حاسمة من السيسي للحكومة وكبار رجال الدولة    أحمد سليمان ينعى محمد صبري: «فقدنا أكبر مدافع عن نادي الزمالك»    قيصر الغناء يعود إلى البتراء، كاظم الساهر يلتقي جمهوره في أضخم حفلات نوفمبر    أيمن عاشور: انضمام الجيزة لمدن الإبداع العالمية يدعم الصناعات الثقافية في مصر    زيارة الشرع لواشنطن ورسالة من الباب الخلفي    أسعار اللحوم اليوم الجمعة في شمال سيناء    زى النهارده.. منتخب مصر يضرب الجزائر بثنائية زكي ومتعب في تصفيات كأس العالم 2010    هل ثواب الصدقة يصل للمتوفى؟.. دار الإفتاء توضح    سنن التطيب وأثرها على تطهير النفس    كيف بدأت النجمة نانسي عجرم حياتها الفنية؟    وزارة التعليم تضيف معلمي ثانية إعدادي للفئات المستحقة ل«حافز التطوير»    سنن الاستماع لخطبة الجمعة وآداب المسجد – دليلك للخشوع والفائدة    اليوم.. أوقاف الفيوم تفتتح مسجد"الرحمة"بمركز سنورس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حرمة البؤس

البؤس هو ذروة الألم.. هو العذاب المقترن بالعجز.. أي الوصول لليأس بفعل قلة الحيلة.. قد يظن البعض أن البؤس يعني فقط الفقر والعوز الممتزج بالقهر.. لكن البؤس يداهم النفس، الروح والبدن، يباغت الأغنياء والفقراء، يسكن ويكمن في العجز العاطفي.. الجسدي.. الاجتماعي والوجودي.. البؤساء هم الواقفون دوما علي حافة التيه في غياهب الحزن، القنوط، المرض، اليتم، الوحدة والغربة الإنسانية الموحشة، وللبؤس حُرمة.. رهبة وهيبة تم انتهاكها في مجتمعنا الذي صدر لنا المشهد المشوه عبر وسائل الإعلام.. فبينما ينشد المصري الجديد حمال الآسية شيئا من البهجة في قلب سنوات عجاف داهمه الأسي علي المتاجرة بتلك الأجساد العليلة الرقيقة الهزيلة والوجوه المتغضنة، الشاحبة، والمعذبة بالرغم من طفولتها، وهكذا عربد الإعلان وهو يقتات علي آلام البشر، يتاجر بكسرة النفس، ووجع البدن، فيخرج النجم من بلاتوه المستشفي حيث محنة الصراخ والألم إلي بلاتوه المحمول والكومباوند إلي الانقضاض علي منتخب الكرة حيث وجب العزل لحصد صفاء النفس وراحة البدن فكان الإنهاك والتشتت وتحولنا كلنا إلي بؤساء نكابد اختراق حرمات القيم.. الحق.. الخير والجمال.
لم ينج من تلك الصورة القبيحة، المشوشة إلا الإنسان العظيم د.مجدي يعقوب فبزغ للتنويه عن الصرح الطبي الخاص به بالرقي المنشود، الإنسانية والرحمة في أروع صورها والنأي عن الابتزاز الرخيص وانتهاك حرمة المرض المعذب فتظهر الأجساد الصغيرة القريبة من عالم الملائكة جميلة ، ويظهر هو د.يعقوب العالم المهيب بتلك الروح المحلقة، الطيبة، والسكينة البشوشة المرسومة علي هذا الوجه الأصيل.
لم أشهد منذ طفولتي أسوأ من هذا العام في الدراما، الإعلان وهزيمة بطعم الهزيمة والسقوط والفضيحة من نصيب المنتخب، والكل مدان باستثناء محمد صلاح البطل العصامي ، فقوته في قدمه، عقله، وخلقه، ولكن لامفر من عمل الواجب معه علي الطريقة المصرية، أي تكديره، إحباطه ولا مانع ببعض الاجتهاد من تحطيمه، ولم لا؟ وهنا أيضا انتهاك حرمة مشاعر 100 مليون مصري، حتي لحظات البهجة والفرح الشحيحة غير مسموح بها، فهي أقرب إلي ومضة خارقة مسرعة خارج منظومة النكد المزمن، أشعر بالأسي الجارف عندما أسمع وأري الكليشيهات النافقة، القاسية، منزوعة المنطق: »المصريون أكلوا فسيخ بمليار جنيه.. أكلوا كحك باثنين مليار جنيه»‬، وتنطلق الآلة الجهنمية في المعايرة إذن أنتم أغنياء! ومفاجيع! وعندما تسعي المعايرة فتحاكي أفعي رقطاء تبث سمومها يغيب العقل، فشم النسيم يوم واحد في السنة، بضع ساعات ينتظرها حمال الأسية الذي أحني ظهره من أجل لملمة وستر أشلاء بؤسه.. ينتظر لحظات العيد ليخطفها من زمن وناس وعيون وألسنة لا ترحم، يتوق بشغف المكلوم يقتفي أثر رشفة، قضمة، ضحكة ملتبسة تقربه من حلم البهجة القصية، والسعادة المستحيلة، أتأمل البذخ، والبهرجة والضجيج، وأجواء احتفالات منزوعة الفرحة الحقيقية ،الزيف في جوهرها مقيم، نجم يستجدي قطرة دواء، ثم هاهو يروج بملايين الجنيهات لرنة محمول ثم يغطس في حمام سباحة الكومباوند، ثم في قاعة المطار تفترشها حلوي مهولة في سفه واستعراض مقيت لسفرة مجموعة فنانين افتقدت رشد ووعي ماهو مناسب.. القوة الناعمة هي التي تنهض، تغير وترتقي بالأوطان ، أما ما نكابده في مصر الآن هي قوة عاجزة حبلي بالردة، فالفن رسالة، التزام وضمير قلق، حراكه الدءوب من أجل التغيير الإيجابي والارتقاء، أما عن البذخ والسفه والاستعراض في بلد به المهمش، المعدم، والفقير.. أذكر في البرنامج الصباحي للقناة الأولي في فرنسا عندما قدمت المذيعة في طبق اليوم سمك السلمون؛ فوبخها المذيع متهكما أنها ورثت ثروة مؤخرا!
ذات يوم قال المفكر والأديب ألبير كامو لجان بول سارتر فيلسوف الوجودية الأشهر: »‬أنا في خدمة الحقيقة أينما كانت فإذا كانت في اليمين سأكون هناك.. هي أهم من الخير والفضيلة».
نعم هي كذلك لأنها بمثابة المصباح الذي يضيء لك الطريق الصحيح المؤدي إلي الخير الحقيقي والفضيلة كما يجب أن تكون ، فأحيانا الخير والفضيلة صنوان قد ينال منهما الباطل والالتباس فوجب نزع الشوائب فتبدو الصورة الشفافة، الجلية فتكون الحركة والسعي في الطريق المنشود.
وهكذا تبدو معركة الأستاذ وحيد حامد الذي أحترمه، فهو الكاتب المبدع، الملهم، القلم الشارد دوما عن منظومة القطيع، الصارخ بالحقيقة في أزمنة الصمت، فالحقيقة معشوقته الأبدية أينما كانت وكيفما كانت، ولايهم حجم المعركة أو الثمن في سبيلها، فعرفنا معاركه النبيلة ضد كل تيارات الإظلام الخبيثة التي عصفت بالعقل المصري فاغتصبت وعيه وضميره لعشرات السنين، وعندما عرض الجزء الثاني من »‬الجماعة» فهتك »‬الأوميرتا» - أي كود الصمت- أن عددا كبيرا من ضباط 52 كانوا من جماعة الإخوان قامت الدنيا ولم تقعد، وبكل الشجاعة خاض وحيد حامد معركته مثلما فعل في معركة التنوير، واليوم هو يخوض معركة الضمير، الشرف، بل وأيضا حرمة البؤس، وحق المعذب، البائس، الفقير والمريض في ستر عورات عوزه وخصوصية لحظات انكساره الإنساني، ولكن يبدو إن اللي اختشوا ماتوا أوي، وحمرة الخجل ذهبت بلا رجعة، والرحمة صارت ضربا من الخيال، يذكرني وحيد حامد بالفيلسوف الأغريقي ديوچين، كان يحمل مصباحه يبحث عن رجل شريف في أتون مجتمع يلتهم البشر بعضهم البعض.. قنديل ينير عتمة القلب، الظلم والإظلام، وفي سلسلة مقالات مكتظة بالأرقام والوثائق يعرض وحيد حامد حجم الإنفاق الشاهق، علي الإعلانات والمرتبات والدعاية، بل حتي إنتاج المسلسلات الفاشلة علي نفقة كل متبرع سواء من الفقراء أو الأثرياء، والمشهد شديد الخطورة فنحن نحتاج لهذه الصروح الطبية بمساعدة كل فرد في المجتمع، ولكن علي أساس من الشفافية، الضمير اليقظ وفقه الأولويات والتقشف والبعد عن المتاجرة بآلام ومعاناة المرض والمعذبين والشاشات المكتظة بابتزاز المشاعر والمؤدية بالتأكيد إلي نتيجة عكسية، بل قاسية وهي الاستفزاز والتبلد إزاء البؤس الإنساني المفجع.
الدولة والمجتمع بأفراده ومنظماته مطالبون بواجب الالتزام بمساندة كل محتاج سواء في مجال العوز المادي، المرض أو العلم، المعرفة والتنوير ولكن علي أساس من الشفافية ومراعاة حرمة الإنسان، كرامته وعزة نفسه.. وهنا أتذكر في 1941 عندما قرر الملك فاروق القيام بحملة مكافحة الحفاء الذي كان منتشرا بين تلاميذ المدارس والفلاحين.. ولقد تبرع الملك آنذاك من ماله الخاص وأيضا عبود باشا، طلعت باشا حرب، 100 من العاملين في محلات صيدناوي، جروبي والقائمة شاهقة، والحفاة كانوا معرضين للعديد من الأمراض بل كان المظهر لا يليق بمصر الأولي في كل شيء منذ فجر التاريخ، مصدرة الحضارة التي اقتات علي حضارتها العالم حتي اليوم وبكل الأسي صارت الأخيرة، ولكنها محنة لن تدوم إذا أراد ناسها ذلك.. وعن ملحوظة انتشار وتفشي الحفاء في مصر الملكية- وربما هو أقرب لسؤال يمتلكني: ألم يكن هذا هو المرادف الغريب لندرة الفساد آنذاك، فالفاسد كان حالة استثنائية، زمن بائع الجرائد ينادي ويروج لصحيفة ب»‬اقرا الحادثة».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.