مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 28 مايو في محافظات مصر    الآلاف يتظاهرون في باريس تنديدا بالقصف الإسرائيلي للنازحين في رفح    تعرف على ترتيب جامعة المنيا في تصنيف الجامعات عالميا    مدير المستشفى الكويتي برفح: أُجبرنا على الإغلاق بعد مصرع اثنين من العاملين    محمد رمضان يعلق على أحداث رفح الفلسطينية    يتم إعلانها «اليوم».. تاريخ جوائز الدولة التقديرية والتشجيعية    هل يجوز الحج بالتاتو المؤقت؟ دار الإفتاء تجيب    بشير التابعي: الأهلي يعيش في حالة استقرار مالي وإداري عكس أي نادِ آخر في مصر    ترتيب هدافي الدوري السعودي بنهاية موسم 2023- 2024    السيطرة على حريق التهم مخزن أدوات كهربائية في ميت غمر بالدقهلية (صور)    صرف 1500 جنيه مكافأة للعاملين بجامعة طنطا بمناسبة عيد الأضحى    جوتيريش يدين الضربة الإسرائيلية في رفح ويدعو لوقف الحرب    حمدي فتحي: أتمنى انضمام زيزو لصفوف الأهلي وعودة رمضان صبحي    ذاكرة الكتب.. بعد حادثة مصرع «رئيسى».. «هل إيران جمهورية إسلامية أم سلطنة خمينية»؟    باقات الحج لرحلة ميسرة ومميزة تعرف التفاصيل    قيادي في حماس: ادعاء الاحتلال بوجود مسلحين في موقع مجزرة رفح «وقح وكاذب»    الحكومة: زيادة تدريجية بأسعار الكهرباء لتجنب الإثقال على المواطنين بزيادات يصعب تحملها    وزير الصناعة: بدأت الآن على مسار تصنيع السيارات الصديقة للبيئة (فيديو)    خبير: ملايين المصريين بحاجة إلى دخول عالم الذكاء الاصطناعي    شوبير: الشناوي هو أقرب الأشخاص لقلبي    عضو مجلس الزمالك: إمام عاشور تمنى العودة لنا قبل الانضمام ل الأهلي.. ولكن!    مصطفى شوبير: «رايح معسكر المنتخب وأنا الحارس رقم واحد في مصر»    مدرب الألومنيوم: ندرس الانسحاب من كأس مصر بعد تأجيل مباراتنا الأهلي    دويدار مهاجما إدارة الزمالك: «هذه الأخطاء لا يقع فيها مراكز الشباب»    «من حقك تعرف».. هل تتنازل الزوجة عن قائمة المنقولات الزوجية عند طلب الخلع؟    مفاجأة كشفتها معاينة شقة "سفاح التجمع" في مسرح الجريمة    تغير مفاجئ في الحرارة.. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم وتحذر من ظاهرة جوية متوقعة    نتائج السادس الابتدائي بالعراق 2024 الدور الأول    غرق طالب أثناء استحمامه فى ترعة «السوهاجية» ب سوهاج    نقابة الأطباء: قانون تأجير المستشفيات الحكومية يتسبب في تسريح 75% من العاملين    عيار 21 يسجل رقما جديدا.. سعر الذهب والسبائك بالمصنعية اليوم بالصاغة بعد الانخفاض    محمود فوزي يرحب بدعوة مدبولي لإشراك الحوار الوطني في ملف الاقتصاد    «دير البرشا» تستقبل بطلات «كان» بمظاهرة حب    إستونيا: المجر تعرضت لضغوط كبيرة لتفسير عرقلتها مساعدات الاتحاد الأوروبي لأوكرانيا    طالب فرنسي يهاجم معلمته والدوافع مجهولة    إدارة المقطم التعليمية تستقبل وفدا من مؤسسة "حياة كريمة"    متحدث الحكومة: رئيس الوزراء يحرص خلال زيارته على مناقشة طلبات توسع المشروعات    وزير التجارة والصناعة: الدولة تستمع لمشاكل وطلبات القطاع الخاص بصفة مستمرة    الكنيسة السريانية الأرثوذكسية تستعد لإقامة احتفالية بمناسبة عيد دخول السيد المسيح أرض الكنانة    اتصالات النواب تكشف مفاجأة بشأن رابط شوف صورتك بعد سنوات    عدد أيام إجازة عيد الأضحى المبارك 2024    4 أعراض للإصابة بمرض الربو، تعرف عليها    فوائد مذهلة لتجميد الخبز قبل أكله    الحق في الدواء: 90% من المواد الخام تستورد من الخارج ونعاني من نقص الأدوية    ياسمين رئيس أنيقة بالأسود وفنانة تحتفل بعيد ميلاد ابنة شقيقتها.. 10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    فوز الطالب أحمد حنفي بلقب بطل تحدي القراءة العربي في دورته الثامنة    رئيس اتحاد الجمعيات الأهلية يكشف لمصراوي أبرز تحديات العمل الأهلي في مصر    هل وصل متحور كورونا الجديد إلى مصر؟.. رئيس اللجنة العلمية يوضح    «صحة القليوبية»: رفع درجة الاستعداد لاستقبال عيد الأضحى المبارك    رئيس جامعة المنيا يشهد ختام فعاليات المُلتقى السنوي الخامس للمراكز الجامعية للتطوير المهني    حظك اليوم برج الحوت الثلاثاء 28-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    وزير المالية: تنمية الموارد وترشيد الإنفاق عنصران أساسيان لتكون الموارد بقدر المصروفات    الأمن العام يشارك ضمن معرض وزارة الداخلية المتنقل ‫    أخبار 24 ساعة.. وزير الأوقاف: إجمالى المساجد المجددة منذ تولى الرئيس السيسي 12 ألفا    تعرف على فضل وحكم صيام العشر الأوائل من ذي الحجة    الإفتاء: الفقهاء وافقوا على تأخير الدورة الشهرية للصيام والحج    هل يجوز تعجيل الولادة من أجل السفر لأداء الحج؟.. أمينة الفتوى بدار الإفتاء تجيب    «الشيوخ» يناقش سياسة الحكومة بشأن حفظ مال الوقف وتنميته    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البؤساء


البؤساء
الإحساس بمعاناة الفقراء وآلامهم ومحاولة رفع أثقال الحياة عن كواهلهم وصدورهم مهمة مقدسة، ورحلة حج نحو ينابيع الخير في أرواحنا الشاردة من بوصلتها. هي رحلة لا تحتاج إلى زاد أو راحلة بقدر ما تحتاج إلى قلب حي وعروق تنبض وأفق لا تحده الرغبات والشهوات ولا تعوقه النظرة المتطرفة في أنانيتها عن رؤية ما وراء المرايا والأحلام النرجسية. قد يكون ذلك الإحساس رغبة في التكفير عن بثور الروح وسلخ متعمد للذنوب التي تنوء بحملها الجبال والدواب. ولعله نفق نحفره لنلقي نظرة حب ونمد أيادينا الناعمة بباقة أمل نحو أناس خلعوا قهرا ثياب عزتهم أمام أبواب بيوتنا المحصنة والمغلقة حتى إشعار آخر لأننا نشعر في ذواتنا بثقوب تملأ جيوبهم الخاوية. هي رحلة نقطعها نحو الآخر الذين يسكن آخر بقاع الحياة وأول بقاع الموت ويحتل عن جدارة قلب الصفحات المهملة من تاريخ الحياة الصاخبة. رحلة حاول أن يجتاز تفاصيلها أحد الأثرياء من بني طمعنا ذات يوم ليطهر أدران روحه في بحر الألم.
حمل صاحبنا في يده المكتنزة باللحم يدا صغيرة لطفله الصغير، وشرّق به نحو أناس نسيتهم الأزمنة ونكرتهم الأمكنة ونفرت من بؤسهم الأعين والأيادي والقلوب. قال: "يا بني، في الكون أناس مثلنا، لهم قلوب وعقول وجوارح كالتي لنا، لكنهم لا يملكون قصورا ولا ضياعا، ولا يحملون مشاغلنا الكبيرة في صدورهم الصغيرة، ولا تتجاوز أحلامهم أفواههم. تعال يا بني أعرفك على بؤسهم عن قرب لتدرك نعمة الله عليك."
وانتقلت الأقدام من كوخ إلى كهف إلى علب من الصفيح والكرتون والجلود، وبعد صراع مع الطرق الموحلة والروائح العطنة والذباب والأتربة، وصل الاثنان إلى حفرة يعيش فيها بعض البؤساء ممن يعيشون على هامش الحياة وفي قاع الفقر فتعلما منهم ما لم يعلما وعرفا الكثير عن بؤس الإنسان وفاقته. تعلما كيف يسلخ الفقر الإنسان من إنسانيته وكيف تنسحق الأرواح المعذبة تحت صخور الحاجة والمرض واليأس من تغير دورة الحياة، وتعلما كيف تكون السنة فصلا واحدا من المعاناة والحرمان.ثم عاد الوالد والولد ليتجاذبا أطراف حديث حول دائرة بسط عليها كل ما لذ وطاب.
قال الوالد وهو يرفع لقمة إلى فيه: "أرأيت يا بني مدى البؤس الذي يعانيه هؤلاء؟" قال الولد بصوت مكتوم: "نعم رأيت." قال الوالد: "ما الذي تعلمته من تلك الرحلة إذن؟" قال الولد: "أدركت معنى الفقر والحاجة يا أبي." قال الوالد مسرورا: "وكيف ذلك؟" قال الغلام: "تمتلك تلك الأسرة زوجين ما الكلاب ولا نمتلك إلا زوجا واحدا. ولدينا بركة سباحة تمتد حتى منتصف الحديقة، بينما يمتلكون هم نهرا لا أول له ولا آخر. وتضيء النجوم ليلهم، بينما نكتفي نحن بمصابيح تعشي الأبصار وتصرف الأحلام. وتمتد باحتنا حتى الساحة الأمامية، بينما تمتد باحتهم خلف حدود الرؤية. ونمتلك قطعة صغيرة من الأرض بينما يفترشون هم الحقول والسهول والطرقات. ولدينا من يقوم على خدمتنا، أما هم فيخدم بعضهم بعضا ويتقاسمون الأعباء فيما بينهم. ونشتري نحن ما نأكله، بينما يأكل هؤلاء القوم ما يزرعون. ونحيط ممتلكاتنا بالأسوار لنحميها، بينما تحميهم سواعد الأصدقاء وقلوب المحبين." هل أحتاج أن أقول هنا أن الأب نكس رأسه بعد محاضرة غير متوقعة لطفل ظن والده أنه يمتلك كل شيء فتبين له بعد تجربة أنه أفقر الفقراء؟
هل نحتاج إلى رحلة بين العشوائيات والأحياء المعدمة على غرار تلك التي يقوم بها عمرو الليثي لندرك أننا محرومون نعمة الحب ونعمة الأمن ونعمة التعاطف؟ هل نحتاج إلى قراءة رواية البؤساء التي ثار فيها قلم المبدع فيكتور هوجو على قلوب الأثرياء المفرغة من كل محتوى شفقة كي تنبض قلوبنا التي في الصدور؟ وهل نحتاج إلى مشاهدة أفلام تسجيلية تبثها الجزيرة الوثائقية عن أناس سحقهم الفقر والعوز قبل أن تسحقهم صخرة الدويقة كي نحرك أقدامنا في أي اتجاه وندفع قلوبنا المعطلة عن كل مشاعر نحو الآخر؟
ما الذي ننتظره اليوم كي نشعر ببؤس الفقراء؟ هل نحتاج إلى رحلة كتلك التي تغيب فيها بوذا عن أهله سنوات بعد أن خرج في رحلة عبثية بحثا عن إله، لنعود كما عاد بفيض من المشاعر وبحر زاخر من الألم ورغبة عارمة في مد اليد نحو الأخر بطوق نجاة؟ وهل تحمل أنانيتنا المفرطة أمام صناديق الانتخابات وأمام الكاميرات أي أمل في حياة كريمة للإنسان في خاصرة البلاد المعدمة؟ ومتى ندرك أن فقر هؤلاء فقر في أخلاقنا وقيمنا وسلم أولولوياتنا وسقوط مدو لشعار العيش والكرامة الإنسانية الذي صدحنا به ذات إفاقة؟ يقول نيل جيمان: "فضيلة الفقر أنك لا تخسر شيئا حين تثور عليه."
عبد الرازق أحمد الشاعر
أديب مصري مقيم بالإمارات
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.