تشهد الساحة العربية هذه الأيام عملية لعب بالنار هدفها المزايدة والمغامرة بالمصالح القومية العربية. إن تركيا اردوغان هي محور هذه اللعبة الخطيرة والتي تعمد الأطراف الأخري علي تناسي ماضيها مع العالم العربي وأطماعها القائمة علي فكر تأسيس الدولة العثمانية. ليس من هدف لهذا السلوك سوي انه يتسم باللامبالاة إلي درجة الاستخفاف بالمسئولية والمصالح الوطنية والقومية. لا يجب بأي حال أن يكون هدف هذه التحركات المشاركة - سواء كان القائمون عليها يدرون أو لا يدرون - إلحاق الضرر بمصالح مصر وشعبها. في هذا الشأن لابد ان يكون معلوما ان لاسند للأمن القومي سوي مصر بشهادة كل الأزمات والمحن التي تعرضت لها الأمة العربية علي طول تاريخها الطويل. يجب أن يعلم ويدرك من وراء أي تحركات تتعارض مع الصالح القومي أن لا تعقيب ولا رد عليها سوي ما أعلنه الرئيس عبدالفتاح السيسي مفوضا من جموع الشعب بأن مصر لا تركع سوي لله. لا يمكن لأحد أن ينسي لمصر الشامخة ثبوتها علي مواقفها القائمة علي عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول والمتمسكة بمبادئها الملتزمة بالقيم والاخلاق والدفاع عن المصالح العربية. أنها وشعبها كانوا دوما سندا ودعما لحقوق الشعب الفلسطيني وهو الأمر الذي دفعهم إلي خوض ثلاثة حروب من أجل هذه القضية بالاضافة إلي ما تعرضت له من حصار سياسي واقتصادي. هل يمكن أن يُمحي من اذهان كل الشعوب العربية استجابة مصر لطلب النجدة من جموع دول الخليج الشقيقة وفي مقدمتها السعودية لمواجهة العدوان الهمجي الذي قام به صدام حسين وأدي إلي احتلال الكويت والاستعداد لغزو الأراضي السعودية؟ لا أحد يستطيع أن ينكر أن المشاركة المصرية الفاعلة والقوية في حرب الخليج لتحرير الكويت كانت الدعامة لمشروعية هذه الحرب والانتصار فيها. لقد كنت شاهدا بداية هذه المشاركة المصرية التاريخية من خلال متابعتي لاحداث مؤتمر القمة العربية الذي عقد في مقر المؤتمرات بالقاهرة عام 1990 بعد احتلال صدام حسين للكويت وتحركات قواته تجاه حدود السعودية استعدادا للانقضاض عليها ومنها إلي باقي دول الخليج العربي. كما هو معروف فقد كانت القوات المصرية هي صاحبة مبادرة دخول الكويت ايذانا باعلان تحريرها من احتلال صدام. بناء علي هذه التجربة القومية التي تجسدت علي أرض الواقع فإن الدولة المصرية داومت علي القيام بمسئولياتها بالوقوف ضد التهديدات والأطماع الايرانية التي لا تقل خطرا عن اطماع الاردوغاني العثماني الذي يحكم تركيا حالياً. هناك للأسف من يتناسي ما يقوم به أردوغان هذا العميل الإخواني لتفكيك وتفتيت الدولة السورية العربية تحت ادعاء مساعدة ثورة الشعب السوري علي استبداد الأسد. إنهم غافلون عن أن ليس وراء هذا المخطط سوي خدمة التطلع لاحياء الاطماع والاحلام الغابرة للدولة العثمانية. لا يجب أن يسقط من الاعتبار أيضا ما يجري من اتصالات ومباحثات تركية ايرانية تستهدف حفاظ كل طرف علي مصالح الطرف الآخر علي حساب الدول العربية. وسط كل هذه التحركات المريبة والغريبة والتي تتسم بالسطحية تجاه متطلبات الأمن القومي العربي أعلنت الخارجية المصرية أن مصر لا تتدخل ولا تعلق علي اتصالات وعلاقات أي دولة عربية بأي طرف حتي لو كان له موقف معاد لثورة الشعب المصري يوم 30 يونيو. انها تنظر إلي مثل هذه الأمور باعتبار أن ذلك يدخل في اطار السيادة والتقدير للمصالح الوطنية. في نفس الوقت فإنه لا يمكن التغاضي ان مثل هذه التحركات إذا كانت تستهدف مضايقة أو التضييق علي مصر فإنها لابد وأن تترك غصة في نفوس أبناء الشعب المصري الذي لم ولن يندم يوما ومستقبلا لقيامه بأي تضحية تخدم الصالح القومي العربي. من المؤكد أن ما يجري علي الساحة مؤسف للغاية ومتعارض مع الصالح القومي والحرص علي التشاور والعمل علي تحقيق التضامن ووحدة الصف لمواجهة المخاطر والمؤامرات. ليس من توصيف لهذا الوضع سوي انه يصب في النهاية لغير صالح الأهداف والمصالح الوطنية والقومية لتلك الأطراف التي تتبناه وتدفع الآخرين إلي مجاراته.