المعلم.. المصدر الأول للعلم والمعرفة, فمهنته سامية, يجب على كل إنسان أن يحترم من يعمل بها, وأن يلقى التبجيل الكامل والتوقير له من الجميع, فقد كرمه الله تعالى فى القرآن الكريم بقوله تعالى " يرفع الله الذين أمنوا والذين أوتوا العلم درجات " تقديراً لمكانة المعلم وأهمية وظيفته فى المجتمع, وأول الآيات التى نزلت من القرآن الكريم كانت " إقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ , خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ , اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ, الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ, عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ" فكانت البداية بالتعليم فى رسالة سيدنا محمد صل الله عليه وسلم, وكذلك قول أمير الشعراء أحمد شوقى " قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا, تقديراً للعرفان بالجميل والتقدير لمن له الفضل في إطلاق شرارة المعرفة في عقولنا, وإنارة مشاعل الحكمة في قلوبنا, لمن زرع زهور الثقة في طريقنا, لمن يضئ بالعلم دروبنا, وكل من يحيا على أرض الوطن له ذكرياته مع معلميه يتذكرها مهما مر به الدهر من السنين, وحكايات يرويها فى كل مجال, فمن منا لا يتذكر معلمه فى الصف الإبتدائى أو الإعدادى أو الثانوى أو حتى الجامعة, ولكن يبدو أن الزمن قد تغير بتغير الأيام, فلم يعد هناك من يقف له تبجيلا, فالأمر قد أختلف بالنسبة للطالب وولى الأمر وقد يكون بالنسبة للمعلم, فولى الأمر لم يعد كما كان فى الماضى, فالأب أصبح يعتبر أبنه سلعة أو تجارة يصرف عليها, فترة دراسته ليصبح مصدرا للدخل له فى المستقبل فيسعى بكل الطرق إلى أن يحصل إبنه على أعلى الدرجات حتى يلتحق بوظيفة غنية, والأبن يعتبر المعلم قائما على خدمته, وأن وظيفته ما هى إلا جسرا يعبر عليه للحياة, أما المعلم.. فقد تلاطمته أمواج الحياة من مرتب لا يكفيه الشهر, ومتاعب بالجملة فى مواجهة ظروف المعيشة الصعبة, وعدوه بالكادر .. وخانوه .. بشروه برغد المعيشة وتخلو عنه, ويطالبوه ببذل اقصى ما عنده للطلاب, الذين نسوا أن يقفوا له تبجيلا, فالفرق بيننا كطلاب زمان والطلاب هذه الأيام كنا في الماضي لا نجرؤ أن يمشي أمام معلمينا فى الشوارع , او نرفع صوتنا أمامه أو حتى نطيل النظر في عينيه, فقد كان يمشى ملكاً بدون حاشية, أما الآن فالطالب على إستعداد على أن ينظر ويجادل ويرفع صوته وقد يرفع يده أيضا في تحدى سافر لكل القيم والأخلاق, والأمر الأشد سوءا هو ولى الأمر عندما يستدعى ليرد خطأ إبنه , ينهش فى لحم المعلم وكأنه عبداً لدى إبنه, ما عليه إلا السمع والطاعة, فولى الأمر هو الأساس فى توقير المدرسة والمدرس, بتوجيه نجله نحو الإحترام المفروض لمعلمه, ومع بداية العام الدراسى رأيت ما يندى له الجبين من تعدى على المعلمين فى محراب فصولهم, والسبب أن ابنه يجلس فى الخلف وليس فى الصفوف الأمامية, ضربا بضعافى البصر وقصير القامة عرض الحائط, وبعد الإعتداء بالقول والفظ والأيدى على المعلم, يقوم بتحرير محضر لدى الشرطة ضد المعلم, ليسجن الملك بجريمة أرتكبت فى حقه, وقد يتطور الأمر ويتم القبض عليه فى مدرسته, ويزج به فى سيارة الشرطة, ويحتجز مع مرتكبى الجرائم. الأمر جد خطير.. ولن تعود منظومة التعليم إلى ما كانت عليه إلا بتبجيل وتوقير المعلم أساس بناء الإنسان, وإسترداده لِعرشه, حتى تنهض الأمة بمعلميها.