الطريق إلى ويمبلى معبد كرة القدم فى إنجلترا مزين بألوان بايرن ميونيخوبروسيا دورتموند.. والمدخل الرئيسى إلى المقصورة الرئيسية مزين باسمى الفريقين الألمانيين. بقدر الفرحة التى تعيشها ألمانيا نجد فى الجهة الأخرى من بحر المانش حيث الجزيرة البريطانية علامات استفهام كبيرة من نوع: كيف نكون أصحاب أقوى دورى ثم نخرج من بطولة أوروبا بلا تمثيل فى النهائى؟ والواقع أنه قد تكون المباراة ليست موضع ترحيب فى شارع الكرة الإنجليزية فاستاد ويمبلى سوف يتمايل على ايقاع النشيد الوطنى الألمانى. معروف أن الأندية الإنجليزية خرجت بخفى حنين من بطولة هذا الموسم الأوروبية.. تشيلسى لم يحافظ على لقبه ومانسشتر سيتى ومانشستر يونايتد وارسنال توالى خروجهم. ولم يتوقع احد هذا النهائى الالمانى.. بل إن التوقعات كانت ذهبت بعيدا مشيرة إلى أن أوروبا ستشهد هذا العام نهائيا إسبانيا خالصا، كلاسيكو جديد يؤكد هيمنة برشلونة وريال مدريد على كرة القارة العجوز وسط غياب الإيطاليين والفرنسيين والألمان.. إلا أن أحدا لم يكن قرأ جيدا المستوى الذى ظهر به منتخب ألأنانيا فى مونديال جنوب إفريقيا عام 2010 وكان نتاج جهد عشر سنوات، من الإصلاح الذى بدأ عقب أسوأ نتائج منتخب ألمانيا فى كأس الأمم الأوربية عام 2000. ماذا فعل الألمان حتى تتغير كرتهم ويرتفع مستوى أنديتهم ولاعبيهم؟ يجيب هانز يواكيم رئيس دورتموند على هذا السؤال بصيغة تحمل أكثر من معنى فهو يقول: «لا نطلب آسيا أو روسيا لتلقى الأوامر، لأنهم هناك يملكون المال.. لنا فلسفتنا، التى تقوم على شركات الرعاية والترويج. هذا أفضل. لابد من ابتكار. الكرة الألمانية تدار بالألمان من أجل الألمان. تلك تعويذة بايرن وبروسيا. هناك العديد من النجوم الأجانب فى الفريقين الألمانيين مثل روبين الهولندى، ريبيرى الفرنسى، والبولنديون ياكوب بلاسوفسكى ولوكاس، وروبرت لوندفسكى. لكن الأغلبية من لاعبى ألمانيا وكذلك المدربون (26 لاعبا فى فريقى بايرن ميوينخ وبروسيا دورتموند ألمان يمكنهم اللعب لمنتخب بلادهم.. وقد وقع اختيار مدرب ألمانيا على 19 لاعبا تحت 24 سنة للانضمام إلى صفوف المنتخب ).. ومشكلة الكرة الإنجليزية على مستوى المنتخب أيضا أن الأندية تشترى لاعبين يقتربون من مرحلة النهاية بأسعار باهظة بينما لا يصنعون بتلك الأموال أجيالا جديدة من الناشئين.. كذلك فى الناديين بايرن وبورسيا سنجد أن أغلبية الأسهم ملكا لألمان. كذلك اتبعت الفرق الألمانية سياسة حكيمة فيما يتعلق بأسعار التذاكر.. فالتذكرة الموسمية لبايرن موينيخ سعرها 101 جنيه إسترلينى بأقل 6 جنيهات عن أسعار التذاكر الموسمية فى الأندية الأخرى. وأقل من سعر التذكرة الموسمية لأرسنال على سبيل المثال بفارق كبير وتصل قيمتها إلى 985 جنيها. يقول يواكيم رئيس دورتموند: «أنه لأمر خطير ان تتعامل مع المشجع على أنه زبون. المشجع مشجع بقلبه ومن هنا يدفع الأموال. أسعار التذاكر المناسبة تعنى شباب أكثر وأغنياء أقل هذا طور من مناخ المدرجات ومن أجواء الملعب. لكن يقول توماس موللر نجم بايرن ميونيخ الذى يلقب بميسى بايرن كان أكثر وضوحا ومباشرا فى تجسيد فارق مهم بين الأندية الألمانية ومثيلاتها الإنجليزية ويقول: «الأندية الإنجليزية أسيرة قطر والإمارات وروسيا تايلاند وأمريكا.. رجال الأعمال والأمراء هم الذين يملكون أندية وهم أصحاب القرار بالطبع فى إنجلترا.. المهم أننا أمام إختبار شاق جدا.. فى حالة الفوز سنفوز بالكثير وفى حالة الهزيمة سنخسر الكثير.. فلو خسرنا النهائى الثالث فى أربع سنوات سنوصف بأننا فريق من الإغبياء». على أى حال مسائل التمويل والترويج والاعتماد على شركات الرعاية العملاقة ليست فقط من اسباب إصلاح الكرة الألمانية.. الواقع أن الإصلاح تحقق بما يعرف بمعجزة التدريب.. مرة أخرى نعود إلى المقارنة مع إنجلترا التى تعد نموذجا لأثرى دورى فى العالم.. فقد أدرك الألمان أنهم دولة بلا مواهب فى كرة القدم. كان سرهم طوال عقود أنهم يلعبون كرة مباشرة بفلسفة شهيرة: أقصر طريق بين نقطتين هو الخط المستقيم. والنقطتان هما المرميان. وبقدر ما حققت تلك الفلسفة انتصارات ونجاحات فى زمن مختلف. لم تعد الفلسفة القديمة صالحة لزمن جديد فى كرة القدم.. وكانت أزمة بطولة أوروبا عام 2000 هى المفتاح الذى أطلق خطط الإصلاح.. بصناعة أفضل المدربين لصناعة أفضل اللاعبين. الآن فى ألمانيا 28 ألفا و400 مدربا يحمل الرخصة (ب) من الاتحاد الأوروبى مقابل ألف و579 مدربا فى إنجلترا يحملون نفس الرخصة.. وفى ألمانيا 5500 مدربا يحملون الرخصة ( أ ) من الاتحاد الأوروبى مقابل 895 مدربا فى إنجلترا لنفس الفئة. أما المدربون الحاصلون على رخصة الاحتراف فيصل عددهم فى ألمانيا إلى 1070 مدربا مقابل 115 مدربا فى إنجلترا.. وعدد اللاعبين فى ألمانيا المسجلين رسميا 6 ملايين و82 لاعبا مقابل مليون و62 لاعبا فى إنجلترا.. كسر الألمان قاعدة تقول أن الناشئ الصغير لا يجب أن يشارك فى مسابقات تنافسية. ولذلك هناك الآن مسابقة دورى تحت 12 سنة بينما أول مسابقة تنافسية فى إنجلترا تحت 18 سنة.. هذا بجانب أن ساعات التدريب فى الأسبوع الواحد للناشئ الألمانى من عمر 17 إلى 19 سنة تصل إلى 34 ساعة. مقابل 9 ساعات فقط للناشئ الإنجليزى.. وتشمل برامج التدريب، الملعب، والصالات المغطاة، والجمنازيوم، والحديد، وحجرات خاصة لتعلم سرعة رد الفعل وسرعة التمرير.. بخلاف التغذية والاستشفاء ورفع معدلات اللياقة البدنية.. من أهم عوامل نجاح الكرة الألمانية فكرة الضغط على الخصم.. ومرة أخرى بعيدا عن الحديث عن تلك المهارة بطريقة الكلاشيهات، هى بالفعل أهم مهارات كرة القدم، أو أهم مهارات الفرق الكبيرة فى كرة القدم.. إذن الضغط مهارة مهمة واساسية. المحترفون يدركون أهميته وفى الدورى الإنجليزى الفريق الذى يضغط أفضل طوال الموسم يفوز غالبا باللقب. وهذا يسير على العالم كله. الألمان يلعبون بضغط متطور. التمركز الخلفى يكون جيدا وقويا والسؤال المهم عند ممارسة لعبة الضغط هو: متى تضغط ومتى لا تضغط. كيف توفر جهدك. الضغط فى توقيت خطأ سيكون منهكا لك. الخصم سيمرر الكرة ويضربك.. فى زمن بعيد كان إيان راش ودالجليش فى ليفربول نموذجا للاعب الذى يضغط بقوة. كانا يحظيان بمساندة الزملاء خلفهما فى الضغط. لاعب واحد لايفعل، لا يضغط، يفسد الأداء الجماعى.. مثلا زالاتان ابرافموفيتش فى برشلونة 2009.. كان يمكنك كمدرب أن تسعد حين ترسل إليه الكرة فسوف يحرق مرمى الخصم. فى 29 مباراة سجل 16 هدفا لكنه لايحب الضغط، ولا يجيد الضغط، ولذلك خرج من برشلونة.. ومن أهم اسباب تفوق بايرن ميونيخ على العملاق الإسبانى فى مباراتى أوروبا كان إتقان لاعبى بايرن للضغط. ومتى يكون ومتى لا يكون؟.. إنها جمهورية كرة القدم العزيزة.. إنها اللعبة فى مستوى القمة. حيث التفاصيل الصغيرة التى تصنع النجاح.