أظن أن القارئ الكريم صار يعرف رأى العبد لله كاتب هذه السطور فى أكذوبة وفرية «برلمان الثورة» التى يرمى بها الأخ البرلمان الحالى نفس جنابه زورا وبهتانا مع أن نظرة واحدة فى خلقة الست القاعدة على مقاعد أغلبيته والتمعن فى منظرها وحالها اللى يصعب على الكافر كفيلان بفضح حقيقة أن هذا الأخ «ثورة مضادة» على الأقل. ولأننى مقتنع وأعرف الحقيقة تلك وكتبتها بدل المرة مئة، فلست من زمرة السذج الطيبين الذين تورطوا فى التعبير عن أى تفاؤل بما قد يخرج عن هذا البرلمان عموما، وخصوصا فى قضيتى الحرية والعدالة الاجتماعية اللتين كانتا أقوى وأبرز عناوين وشعارات الثورة، بل بالعكس كنت وما زلت أستغرب جدا أن زملاء أعزاء أطلقوا العنان لطيبتهم وحسن ظنونهم، لدرجة انتظار أن تتحرك الست الأغلبية البرلمانية إياها وتزيل من تلقاء نفسها ترسانة القوانين والتشريعات الشاذة الموروثة التى تفرض حدودا وقيودا لا أول لها ولا آخر على حريات التعبير والصحافة والإعلام، وتكاد لو طبقت جميعا أن تمنع وتصادر حق التنفس شخصيا، وهو أمر يجعل ممارستنا الحالية لهذه الحريات مجرد «ممارسة عرفية» تتم خارج المنظومة القانونية القائمة فعلا، ومحفوفة بخطر الانقضاض عليها فى أى وقت ومهددة دائما بالمصادرة والتنكيل والعقاب. وبينما ظل الزملاء الأعزاء ينتظرون هذه الست البرلمانية التى جُبلت على العداء شبه الغريزى للحريات أن تتحرك وتستخدم سلطة التشريع الراقدة بين يديها فى تفكيك تلك الترسانة الشيطانية، بقى العبد لله يبتهل للمولى تعالى أن يعميها ويشلها فلا تتحرك أبدا، لأنها لو تحركت ستذهب حتما فى الاتجاه العكسى، وسوف تزيد الطين التشريعى الحالى بلة ووحلا، وهو ما أكده فيض من إشارات وتهديدات مرعبة تواترت وتراكمت بسرعة أمام عيوننا منذ أن استقرت تلك الأغلبية المتوحشة على مقاعدها تحت قبة البرلمان، حتى إن يوما واحدا لم يمر من دون أن نسمع صوت تلمظها المسعور لأكل هامش الحرية المتاح الآن وتصفيته تماما وفرض المزيد من القيود على حق التعبير بدل إلغاء أو تخفيف جبال الموانع الراسية حاليا على قلب هذا الحق. آخر هذه الإشارات وأكثرها بلاغة وأقواها قدرة على استدعاء الرعب أتت فى ثنايا خبر نشرته «الأهرام» أمس فى صدر صفحتها الأولى، مدعما بمعلومات وتصريحات منسوبة للشيخ المحامى أحمد أبو بركة القيادى البارز فى جماعة «الإخوان» و«ذراع» حضرتها الحزبى.. ملخص هذه المعلومات أن الست الجماعة والأخ «الذراع» تكرما وطبخا فى مطبخهما التشريعى مشروع قانون سيعرضانه قريبا على البرلمان، عنوان هذا المشروع أو ذريعته هى «مكافحة جرائم الإنترنت»، لكنه فى التفاصيل يتجاوز هذه الذريعة ويخترع قيدا إرهابيا جديدا ورهيبا على حريات التعبير، إذ يتضمن (طبقا لما هو منشور) بندا يقول نصا: «.. يعاقب كل من ينتج مادة من شأنها المساس (لاحظ) بالنظام العام أو القيم الدينية أو الآداب العامة أو حرمة الحياة الخاصة بالحبس لمدة لا تقل (لاحظ أيضا) عن خمس سنوات وغرامة لا تزيد على ثلاثة ملايين جنيه..»!! علامتا التعجب الأخيرتان هاتان ليستا موجودتين طبعا فى النص الأصلى المنشور، كما أننى لم أضعهما لأعبر عن دهشتى من منهج «البحر يحب الزيادة» الذى دفع الست «الجماعة» أن تتعب نفسها وتمد ذراعها لطبخ قانون جديد «مشموم» لا لزوم له، لأن فى القوانين القائمة ما يكفى وزيادة «لمكافحة جرائم الإنترنت»، لكنى أتعجب حقا من هذه القدرة المعجزة على اجتراح بلاوى تشريعية سوداء تتواضع بجوارها بلاوى نظام المخلوع افندى التى من هذا النوع. يعنى مثلا، لعلك لاحظت استعمال كلمة «مساس» فى وصف تهم وجرائم جنائية، إذ لا يوجد فى هذه الدنيا الواسعة من يستطيع تحديد معنى وشكل فعل «المس» هذا، وكيف يمكن قياسه ماديا ورؤيته وهو يتعين ويتحقق فى الواقع.. كما لا بد أنك توقفت عند جرائم «فنشكونية» عجيبة وفضفاضة ومرتخية وواسعة جدا، لدرجة تنطبق على أى حاجة وتشمل أى فعل، ويمكن استدعاؤها عندما يتعكر مزاج الست أو الذراع فى أى وقت، مثل «المس بالنظام العام والقيم الدينية والأداب العامة» وخلافه!!! هل تتوقع أننى استغربت وتعجبت أيضا من قسوة وفظاعة العقوبات المنصوص عليها فى هذا المشروع التشريعى الإجرامى (الحبس خمس سنوات على الأقل، يعنى ممكن تصل إلى السجن المؤبد، وكذلك غرامة ثلاثة ملايين جنيه)؟! بصراحة لم أستغرب ولا اندهشت من هذه العقوبات، بل الحق أنى ارتحت لها فقد كنت أتوقع القتل «صلبا» أو بالدق على خاذوق، أو بدس السيخ المحمى فى سرسور ودن كل من يعارض الست أو يمس لها ذراعا.. والله المنجى.