تأتى هذه الأيام بذكرى ميلاد الفنان الكوميدي المعروف بأشهر شرير في السينما المصرية أو الشرير الظريف الذى أسس مدرسة فنية متفردة في إبداعاتها وإمكاناتها، وأوجد لنفسه أسلوباً قائماً بذاته فأشتهر بأدوار الشر التي اختلطت بخفة الظل مما مكنه من كسب قلوب المشاهدين, صاحب قصة كفاح صميمة فيها تحدٍ وإرادة مثل كل قصص الكفاح لرموز في السياسة والاقتصاد والاجتماع والفن وغيرها . فرغم ظهوره مع العمالقة، زكي رستم وفريد شوقي ومحمود المليجي وعباس فارس ومحمود إسماعيل، إلا أنه لم يقلد أحدا ونهج نهجاً خاصاً به، واستند إلى الأداء السهل الممتنع الذي لم يتوقف أمام الشكل والكم، ولكنه غاص في المضمون ورفع شعار الكيف أولاً وأخيراً، مما أهله ليكون بمثابة الخلطة السحرية وإحدى الأوراق الجاذبة في أفلام الخمسينيات والستينيات ومنتصف السبعينيات من القرن الماضي. ومن أشهر إفيهاته " يا آه يا آه...أحلي من الشرف مفيش", و" صلاة النبى أحسن ", و" الو يا أمم", و" العلبه دي فيها إيه ؟ ", و" الشمعة دي تحطها فييي عينك .... ااااااه "..الفنان " توفيق الدقن " اسمه توفيق أمين محمد أحمد الشيخ الدقن ولد في الرابع من مايو عام 1924 في قرية "هورين" ببركة السبع التي كانت تتبع وقتها محافظة الغربية قبل أن تنتقل لمحافظة المنوفية في عهد الرئيس السادات. نشأ في أسرة متدينة تتألف من خمس بنات وأربعة أولاد وكان والده يحبه بشدة بسبب وفاة شقيقه الأكبر منه الذي ولد في عام 1920 ويقال إن والده لم يستخرج له شهادة ميلاد، بل عاش بشهادة ميلاد شقيقه والتحق بكتاب القرية لحفظ القرآن، وحصل علي الابتدائية من مدرسة "المساعي المشكورة" بالمنوفية، ولظروف خاصة بعمل الأب اضطرت الأسرة للانتقال إلي المنيا وهناك حصل علي الإعدادية والتوجيهية. أراد الدقن مساعدة أباه علي أعباء الحياة لأن أسرتهم كانت كبيرة العدد وأعباء الحياة أثقلت كاهل الأب فعمل بالحسابات في ورش السكك الحديدية، و أيضاً عمل كاتب مخالفات فى نيابة المنيا, أحب كرة القدم حيث لعب جناحاً أيسر في فريق المنيا كما لعب بنادي السكة الحديد قبل أن تقود الصدفة خطواته في عام 1946 ليقف علي خشبةالمسرح . فذات مرة بعد أن أنهى مباراة في جمعية الشباب المسلمين بالمنيا، كان من المفترض أن تُعرض رواية "حب الأبرياء" على مسرح الجمعية، وتغيب عبدالعزيز خليل الذي كان سيقوم بدور الشرير، مما وضع الفرقة في مأزق، خاصة الفنانة المصرية روحية خالد التي أصيبت بالتوترفبحثت عن ممثل آخر، ووجدت ضالتها في توفيق الدقن الذي رفض في البداية تمثيل الدور، ليقبل بعد إقناعها له بقبول الدور الذي أداه بتفوق صفق له جمهور الحاضرين. نجاح الدقن في تمثيل هذا الدور دفع روحية والممثل فتوح نشاطي بتشجيعه على مواصلة مشواره في عالم الفن، الأمر الذي رفضه والده، فقرر السفر إلى القاهرة، والالتحاق بمعهد الفنون المسرحية، ولكنه قدم طلب نقل من فرع السكك الحديدية في المنيا إلى القاهرة. الأمر الذي رفضه والده الذي كان يريد أن يكون مثله رجلاً أزهرياً، فقرر السفر إلى القاهرة، والالتحاق بمعهد الفنون المسرحية، ولكنه قدم طلب نقل من فرع السكك الحديدية في المنيا إلى القاهرة. أثناء محاولة الدقن الالتحاق بالمعهد العالي للفنون المسرحية والتقى بالفنان نجيب الريحانى .. وقد حدث مع الريحاني موقف طريف حين سأله الريحاني: "ليه الدقن؟" فأجابه وقال له: "زي ماسموك الريحاني" فاغتاظ منه الريحاني ومن أجل ذلك تأخر قبوله بالمعهد!! ولكن عندما تقدم مره أخرى وافق الفنان زكي طليمات على قبوله وقال له: "إنت فعلا موهوب جداً ولكنك مغرور!!" لكنه لم يكن مغرورا أبدا وقد سأل ذات مرة عما يقال عنه فأجاب بمقولة شهيرة وهي: "يضيع المرء بين الكبرياء والخجل". عرفت أمه بالتحاقه بالمعهد وكانت ترسل له الأموال في أرغفة الخبز، وأعلنت موافقتها على اتجاهه إلى التمثيل شريطة أن يصبح مثل محمود المليجي، وكبر هذا الحلم في داخله وصار واقعاً، وأصبح المليجي صديقاً له منذ أول تعاون بينهما في فيلم “أموال اليتامى" وكان المليجي يحبه جدًّا حتى أنه دعاه على الغداء برغم أنه كان معروفا عن المليجي وقتها أنه لا يعزم أحدا وأكد المليجي له أنه سيصبح نجما كبيرا وأصبحا بعد ذلك صديقين حتى رحل المليجي ويوم وفاته بكى الدقن كثيرا حزناً على فراق صديقه المقرب. وكان الأول على دفعة المعهد الثانية،وعملاً بلائحة المعهد التي تنص على تعيين أول الدفعة بالمسرح القومي فقد قام باستلام عمله الجديد وأصبح عضواً ممثلاً بفرقة المسرح القومي. وبدأ مشواره الفني في نفس عام تخرجه ليقف على خشبة المسرح، من خلال أول دور له بمسرحية "الناس اللي تحت" إخراج الفنان كمال ياسين وقبل أن يقدم هذه المسرحية اختاره د. طه حسين لتجسيد شخصية خباب بن الأرت في فيلم "ظهور الإسلام" الذي تفوق في أدائه وبدأ اسمه يلمع بين نجوم الوسط الفني، ثم رشحه المخرج يوسف شاهين لبطولة "درب المهابيل" الذي شكل نقطة انطلاقه نحو النجومية. التحق الدقن بعد تخرجه بالمسرح الحر لمده سبع سنوات كما عمل فى فرقة إسماعيل يس ثم التحق بالمسرح القومى وظل عضواً به حتى إحالته إلى التقاعد, اشتهر بأدوار الشر وإن لم يخل أدائه من خفه ظل، وكان ناجحاً في أدوار اللص والبلطجي والسكير والعربيد لدرجة أن بسطاء الناس كانوا يصدقونه فيما يفعله ويكرهونه بسبب تلك الأدوار فعندما سكن لأول مرة بالعباسية ذهب ليشتري لحماً من دكان جزار يقع تحت بيته، فطارده الجزار بالساطور لأنه لا يسمح للصوص بدخول محله وظل لعدة أشهر ينظر إليه شذراً عند دخوله وخروجه من البيت. توفيت والدته التي قدمت من المنيا للعلاج بعد أن إعتقدت أنه بالفعل شرير ولص وسكير كما نعته أحد المهووسين بشخصيات الأفلام أثناء سيرهم بسيارته في الطريق العام بشارع عماد الدين ولم يسمح الظرف بأن يشرح له أن هذا مجرد تمثيل فقد كانت تجلس بجواره وماتت قهراً بعد أن اعتقدت أن ابنها الوحيد بهذه المواصفات . وتوالت نجاحات الدقن من نجاح الي اخر وكان يقبل الأدوار الصغيره ليصنع لنفسه تاريخ وكانت لديه قناعه فنيه عبر عنها بقوله: "ليس هناك دور كبير ودور صغير، بل هناك فنان كبير وفنان صغير " ولعل السينما التي أعطته النجاح والشهرة وحب الناس قد ظلمته كثيرا بترشيحه في أدوار نمطية مكررة تعتمد علي نجاحه السابق ولا تحاول اكتشاف كنوز الموهبة في داخلهعلي المسرح التي قدمته بأدوار منوعة عديدة ولم تتأثر بالصورة السائدة التي انطبعت في أذهان الناس من شاشة السينما، فيقدم فيه أروع أعماله المسرحية ومنها "المحروسة " التي أدي فيها دور المأمور و"كفر البطيخ"التي لعب فيها دور العمدة و" السبنسة" حيث كان يؤدي شخصية الصاغ أمين خبير المفرقعات و"عائلة الدوغري" حيث قدم شخصية فريدة عليه وهي الشقيق الأكبر المتصوف الزاهد في الحياة الذي يراقب تصرفات إخوته بصبر وإيمان ونظرة متسامحة ثم الرجل المزواج في "كوبري الناموس" والريجسير الفهلوي في "سكة السلامة" وحداية الأعرج في "سليمان الحلبي" وغيرها من أدوار ستظل خالدة شاهدة علي حجم موهبته وقدرته علي التجدد والابهار. كان معروفاً عنه أنه يحب إطعام الحيوانات الأليفة، لذلك كان يحضر معه حينما يذهب إلى المقهى طعاماً للقطط التي كانت تملأ المكان بمجرد دخوله وكأنها كانت تعلم بحبه لها., وكان يكره المرض و يكره ان يعرف الناس أنه مريض، و لو قال له أحدهم: "سلامتك" يرد عليه فوراً: "سلامتك انت يا خويا أنا كويس و عال العال". قدم طول مشواره الفني العديد من الأعمال الفنية للسينما والمسرح والتلفزيون والإذاعة حيث بلغت أعماله السينمائية أكثر من 500 فيلم ما بين الدراما والكوميديا وغيرها و منها "أمير الدهاء" و "يوميات نائب في الأرياف" و "ابن حميدو" و "الناصر صلاح الدين". تغيرت أدوار الدقن عندما كبرت سنه فمثل أدوار الأب المغلوب علي أمره في "علي باب الوزير" ودور الفلاح في "خرج ولم يعد" وغيرهما، و كانت آخر أفلامه مع الفنان أحمد زكي في "سعد اليتيم". أما المسرحيات فبلغت 200 مسرحية أولها مسرحية "الناس اللي تحت" وآخرها "دماء على ملابس السهرة"، في حين أنه قدم للتلفزيون ما يزيد على 150 عملاً ما بين السهرات التلفزيونية والأفلام والمسلسلات وأشهرها "أحلام الفتى الطائر" و "بنت الحته" و "ألف ليله وليله" و غيرها و كانت آخر أعماله بالتليفزيون مسلسل "حلم الليل والنهار"، بالإضافة إلى الأعمال التي قدمها للإذاعة المصرية التي تجاوز عدد أعماله بها أكثر من 200 عمل إذاعي أولها و أشهرها هو مسلسل "سماره". حصل على العديد من الأوسمة وشهادات التقدير، منها وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1956، والاستحقاق والجدارة في عيد الفن عام 1978، ودروع وجوائز أخرى من المسرح القومي، واتحاد الإذاعة والتليفزيون، وجمعية كتاب ونقاد السينما، وجمعية الفيلم، كما حصل على جوائز عن أدواره في عدد من الأفلام، ومنها “في بيتنا رجل"، و"الشيماء"، و"صراع في المينا"، و"القاهرة 30′′، و"ليل وقضبان". تزوج من خارج الوسط الفني، وأنجب من الأولاد “ماضي" الذي يعمل محامياً على الرغم من دراسته الموسيقى، و"هالة" التي تعمل مديراً عاماً في الرقابة على المصنفات الفنية ، و"فخر" الذي يعمل في إحدى شركات الخليج في دبي، وقد توفي الدقن في 27 نوفمبر 1988 بعدما عانى لفترة من إصابته بالفشل الكلوي.