التحرير حين طالعت ردود أفعال بعض الناس الشامتة بإعصار ساندى، خصوصًا أمثال وجدى غنيم الذى طفق يدعو الله لإهلاك أمريكا بالإعصار، وقرأت تصريحات لبعض رموز السلفية الذين أكدوا أن إعصار ساندى هو غضب من الله نتيجة للفيلم المسىء للرسول، قفزت إلى ذهنى كلمة إنجليزية:pathetic وترجمتها: مثير للشفقة. نعم، كم نحن مثيرون للشفقة، بلغ بنا الغلب، والضعف، واليأس، أن أظلمت عقولنا فما عدنا نحسن الحديث عن الخالق، ولا نستشعر آلام المساكين، ولا ننظر إلى حالنا، بل انعدم بداخلنا كل ما هو إنسانى. أولًا: كل ما يحدث فى الكون هو من الله، سواء كان إعصارًا، أو نصرًا، أو خيرًا، أو ما نظنه شرًّا، هو الضار النافع، وكل ما أتى من الحبيب فهو حبيب، الله يتجلّى بصفاته فى الكون ويسيّره، فدخول النملة إلى جحرها من الله، وانهيار عقار على رؤوس أصحابه من الله. وحالنا المبكى المضحك المثير للشفقة من الله، والحمد لله على كل حال. إذن فلا يحق لأحد أن يدّعى قدرته على ترجمة ما يفعل الله بكونه ترجمة فورية، ومعرفة ما هو غضب، وما هو ابتلاء، وما هو امتحان، وما هو هبة، أو لطف. لو أن أحد المشايخ الذين أفتوا بأن الإعصار غضب من الله ينزل عليه الوحى فليطلعنا على حقيقته النبوية، ولو أنه لا يوحَى إليه من الخلاق، فعليه التأدب مع الخالق، والتبتل إلى الله: «تعلم ما فى نفسى ولا أعلم ما فى نفسك». ثانيًا: الشماتة سمة الضعفاء المرضى العَجَزَة، ونحن نعانى من ركام من الأمراض التى لن نتمكن من علاجها إلا إذا أقررنا بمرضنا، فحالنا يضاهى فى ذلك حال ابن الباشا الذى فقد كل أمواله فى القمار ثم وقف على قارعة الطريق يبيع فجلًا، صائحًا فى الناس: الفجل يا كلاب. ليس من مكارم الأخلاق، ولا المروءة، ولا الكرم أن يتشفى إنسان بمنكوب من بنى جلدته، بسبب ثارات بينه وبين ساسة لم يسلم المنكوب من أذاهم واستغلالهم. كما أنه ليس من الرجولة، أو الشجاعة، أو النُّبل أن يشمت امرؤ بامرئ آخر من جراء نكبة طبيعية، يبعثها الباعث، ويختار بحكمته مَن يصيبه بها، قد يكون فلانًا اليوم، وقد أكون أنا غدًا. وإن كان لك ثأر عند جهة ما، فعليك أن تقتصّ لنفسك، كالرجال، لا أن تنتظر كالولايا نازلةً تحلّ بعدوك، ثم تعقّب مثل ستى أطاطا: أهى دى دعوتى بقى.. المركب تولع فى البحر وما يلاقوش ميّه يطفوها. ثالثًا: الولاياتالمتحدةالأمريكية قوة عظمى، طاغية، غاشمة، محتلة، مستغلة، دائمة الدعم للطغاة والديكتاتوريات، لا تفهم إلا لغة المصالح، والمصالح بالنسبة إليها هى استغلال الشعوب، وتجويع البشر، ونهب ثرواتهم، حتى بلغ بها انعدام الإنسانية إلى احتكار الماء فى دول أمريكا اللاتينية، وقصف الأطفال والنساء والمدنيين بكل سلاح، بدءًا من السلاح النووى فى هيروشيما وحتى العنقودى فى العراق وأفغانستان، ولم تترك الولاياتالمتحدةالأمريكية بقعة فى العالم إلا واستغلت فقراءها، وساندت فاسديها، إلا أن المواطن الأمريكى ذاته لم يسلم من هذه السياسات حتى يشمت الشامتون فى إعصار لم يُصِب البنك الاحتياطى الفيدرالى، ولم يُصِب الإدارة الأمريكية، ولم يُغرِق البنتاجون، بل إنه لم يُصِب المواطن الذى يتمتع بنتائج السياسات الأمريكية إصابة تبعث حقًّا على الشماتة. أكثر المنكوبين الذين فقدوا حياتهم وأبناءهم هم من الفقراء المعدمين، الذين تسحقهم الإدارة الأمريكية بالداخل، تمامًا كما تسحق مساكين العالم فى الخارج، أما مَن تتعلق دماء أطفالنا برقابهم فهم فى مأمن من الكارثة، يهبون بسخاء مساعدات كريمة للمنكوبين الذين كانوا قد سرقوهم قبل ذلك، أى أنهم يحسنون على الفقراء من أموال الفقراء المنهوبة. رابعًا: إيه الخيابة دى؟ هاه؟ إيه شغل النسوان ده؟ هو انتو مش حتبطلوا تكشفوا راسكو زى الولايا كده؟ لم ينفك أئمة المساجد، خصوصا السلفى منهم، الدعاء على أمريكا وإسرائيل بالموت، ويُتم الأطفال، وذل الرجال، وتشريد النساء، ويبدو والله أعلم أن الملك يقف على رأس الداعى، ويقول: ولك بمثل ذلك. فلم نرَ يُتمًا ولا ذلًّا ولا تشريدًا إلا فى بلادنا العربية والإسلامية، ولم نرَ تحقق الدعاء إلا فينا، طيب مش ننضف نفسنا من جوه كده وندعى دعوات محترمة يمكن ربنا يكرمنا؟ من العار والعيب أن أوجِّه تساؤلًا إلى «إخوة الإسلام» الشامتين إذا ما كانوا يعلمون أن فى الولاياتالمتحدةالأمريكية مسلمين نُكبوا كما نُكب غيرهم من المواطنين، وكأنى أقرّ بأنهم يجب أن لا يتعاطفوا إلا مع مسلم، لكننى أسألهم سؤالًا واحدًا: انتو مش بنى آدمين؟