هل توجد علاقة بين مفاجأة قرار التنحى الذى اتخذه القاضى فى محاكمة المنظمات المدنية.. وبين تصريحات هيلارى كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية بأن الولاياتالمتحدة ومصر تمضيان نحو حل سريع لأزمة منظمات المجتمع المدنى التى تحصل على أموال أمريكية؟ لقد اتخذ القاضى قراره بالتنحى لأنه كما أعلن استشعر الحرج نتيجة الضغوط المتواصلة للتأثير على نظر القضية.. وكان ذلك الطلب الذى طلبه رئيس الاستئناف بإلغاء قرار منع سفر الأمريكيين كما اتضح بعد ذلك هو القشة التى كشفت عن التدخلات غير المشروعة.. وسارعت النيابة العامة إلى تكذيب تدخلها مؤكدة أنها مسئولية القاضى وحده! وللحقيقة فإنه لم يمض يوم واحد منذ تكشفت أبعاد الأزمة، دون أن تمارس الضغوط الأمريكية على مصر بشكل أو بآخر. إما بتصريحات رسمية من المتحدث بلسان الخارجية، أو ببيانات تصدر عن مجموعة من أعضاء الكونجرس، أو بقيام مبعوثين بارزين مثل السناتور جو بايدن المرشح الجمهورى السابق.. وكلها تنطوى على تهديد بقطع المعونة الأمريكية إذا لم يتم الإفراج عن الأمريكيين الماثلين أمام القضاء للمحاكمة وعددهم 19 أمريكيا، بالإضافة إلى عدد من المصريين وجنسيات أخرى. ومهما تكن النتائج التى ستترتب على تنحى المحكمة وما قد تفضى إليه من وقف سير المحاكمة أو تعطيلها نتيجة لمحادثات بين الطرفين، ظهر تأثيرها من تدخل رئيس محكمة الاستئناف لحمل المحكمة على رفع الحظر عن سفر الأمريكيين المتهمين.. فلن يكون هذا هو الحل السليم لأزمة أشعلتها أمريكا فى غطرسة واضحة دون تقدير لعواقبها ودون إدراك للمتغيرات التى طرأت على الأوضاع فى مصر بعد ثورة يناير. إذ لابد فى هذه الحالة من إعادة النظر فى الوضع القانونى لهذه المنظمات الأمريكية التى ترك لها الحبل على الغارب طوال حكم مبارك. وهى فى حقيقتها ليست منظمات حقوقية مدنية للدفاع عن حقوق الإنسان وتعزيز الديمقراطية، ولكنها تعمل بمثابة وكلاء للحكومة الأمريكية. وموظفوها من المعهدين الديمقراطى والجمهورى وفريدوم هاوس من موظفى الحكومة السابقين. ولا يقتصر نشاطهم كما توهم بعض الإعلاميين المصريين على تدريب الناشطين السياسيين والحزبيين على تنظيم الندوات وإلقاء المحاضرات وإقناع القواعد الشعبية بمبادئ الديمقراطية البرلمانية وما إلى ذلك. وإلا فما كانت حاجتهم إلى الاستعانة بموظفين من صربيا وبولندا والتشيك وغيرهم؟ وما كانت حاجتهم إلى دخول البلاد بتأشيرات سياحية والعمل فيها دون حاجة للحصول على ترخيص؟ يعود تاريخ إنشاء هذه المنظمات التى تسمى بالغلط منظمات المجتمع المدنى إلى حقبة الحرب الباردة.. حين ألقى الرئىس الأمريكى رونالد ريجان خطابا أمام البرلمان البريطانى عام 83، وطالب دول المعسكر الغربى أن تساعد على بناء الديمقراطية فى الدول حديثة الاستقلال فى غرب أوروبا، كإجراء لمقاومة جاذبية الشيوعية والمبادئ الماركسية التى لم تكن قد اقتلعت جذورها بعد! وقد لعبت هذه المؤسسات أدوارا مهمة فى دول أمريكا اللاتينية وآسيا. ويذكر أن المعهد الجمهورى لعب دورا أساسيا فى انقلاب هاييتى الذى أطاح بالديكتاتور ارستيد عام 2004. كما يذكر أنه كان للتحول الديمقراطى فى بولندا إلى الوسط ويمين الوسط نتيجة جهود وأموال المنظمات التابعة للمعهد الجمهورى فضل التأثير على ديناميكيات الحياة السياسية فى بولندا حتى اليوم. يتساءل البعض لماذا سكتت الحكومة المصرية طوال هذه السنوات على نشاط تلك المنظمات؟ والإجابة تبدو معقدة بعض الشىء. ففى عهد مبارك كانت حكاية التراخيص تستخدم كذريعة للانقضاض على المنشقين وجماعات حقوق الإنسان بهدف ترويض، المجتمع المدنى والقوى الراديكالية المعارضة التى تعمل على نشر وترويج الربيع العربى للديمقراطية.