أخيرًا وبعد مرور أكثر من عام ونصف (18شهرًا) على إجبار مبارك على التنحى فى 11 فبراير 2011، بعد 18 يومًا من الثورة والاعتصام والعصيان والإضراب العام، سقطت إحدى أهم قلاع الفساد من زمن مبارك وسرور، بعدما تمت إحالته إلى محكمة الجنايات بتهمة الكسب غير المشروع واستغلال السلطة فى الحصول على رشاوى ومنافع شخصية.. إلخ وذلك يوم 16 سبتمبر 2012، ليظل السؤال: لماذا طالت فترة التحقيق معه؟! ولماذا استمر طوال هذه الفترة (عام ونصف) بعد الثورة فى موقعه رغم انتخاب برلمان كان يزعم رئيسه الإخوانى محمد الكتاتنى، أنه «برلمان الثورة»؟! فالحقيقة الصادمة أننى كتبت 5 مقالات متصلة فى جريدة «اليوم السابع» و5 مقالات أخرى فى جريدة «الأخبار» وغيرهما، بخلاف أحاديثى التليفزيونية العديدة، وجميعها يتعلق بفساد هذا الرجل وبطانته، ومعه أمين عام مجلس الشورى وبطانته، ومن أسف أنه لا حياة لمن تنادى! كما أن جهود الشرفاء فى داخل المجلسين كانت كبيرة، وتقدموا ببلاغات للنائب العام للتحقيق فى اتهامات سامى مهران بحرق المجمع العلمى وتمكين البلطجية من دخول المجلس بترتيبات مع قيادات المجلس العسكرى فى إطار مسلسل إجهاض الثورة، بخلاف بلاغات من الفساد والتزوير وإهدار المال العام، ومن أسف أيضا، لا حياة لمن تنادى! مثلها مثل آلاف البلاغات المركونة إلى حين ميسرة، أو إلى حين التعليمات بتحريك هذا أو حفظ هذا.. إلى آخر ما نعرفه عن النيابة العامة، والمفروض أنها ضمير الشعب وحامى المال العام.. إلخ. فقد كتبتُ فى «اليوم السابع» مقالات خمسا هى: «أوقفوا الفساد فى مجلسى الشعب والشورى أولا»، فى 27/12/2011، و«من يقاوم طبقات الفساد المؤسسى فى مجلسى الشعب والشورى» فى 3 يناير 2012، و«عزل الأمين العام ونائبه فى مجلسى الشعب والشورى بداية لوقف الفساد وإطفاء الحريق» فى 10 يناير 2012، و«تطهير مجلسى الشعب والشورى من الفساد» فى 22/1/2012، و«ماذا تبقى لاقتلاع الفساد فى مجلسى الشعب والشورى؟» فى 28/1/2012. ومن يتتبع هذه المقالات، يرَ أنها سارت منتظمة أسبوعيًّا كل يوم ثلاثاء حسب ما هو مقرر لموعد مقالى الأسبوعى فى الأسابيع الثلاثة الأولى، وابتداءً من المقال الرابع نشر مختصرًا فى غير موعده، وبعد أسبوعين من المقال الثالث فى يوم الأحد 22/1/2012! وكذلك المقال الخامس نشر مختصرًا وفى غير موعده أيضا يوم السبت 28/1/2012! والمقالان تم نشرهما فى غير المكان المخصص للنشر! ومن العجائب أن اتصل بى أحد الأشخاص المهمين من داخل مجلس الشعب بعد المقال الثالث، وأبلغنى أنه لن يتم نشر مقالات لى فى هذا الشأن، لتدخل سامى مهران لدى الجريدة ومندوبها فى مجلس الشعب! كما أبلغنى أحد المسؤولين فى جهاز سيادى بضرورة وقف المقالات وأن الرسالة وصلت! واتصل بى أحد رموز الفساد فى مجلس الشعب من أتباع مهران وسرور، ليتودد إلىّ بضرورة الكف عن الاستمرار فى هذه المقالات، كما اتصل بى مكتب سامى مهران ليبلغنى بطلب سامى مهران بالحديث معى، فأغلقت المكالمة. وتأكدت أن الاتصال والتوافق قد حدث بين مهران والجريدة بكل أسف، وحاولت الاتصال برئيس التحرير ولم يرد عدة أيام، واتصلت بمشرف الصفحة الذى أكد لى أن نشر المقال الرابع سيكون فى موعده، لأكتشف بعد ذلك أنه لم يُنشر. وبعد محاولات مضنية تمكنت من الاتصال برئيس التحرير لأكشف له ما حدث، وأَنكَر ذلك! إلا أن الواقع أكد أن المقالين الرابع والخامس نشرا فى غير موعدهما الأسبوعى، كما تم اختصارهما، وفى غير مكانهما المعتاد، الأمر الذى استهدف أن النشر قد تحقق فى مواجهتى، وأنه تم إجهاض أثر المقالين والسلسلة كلها مجاملة لسامى مهران وكتيبة الفساد فى مجلسى الشعب والشورى! وقد سردتُ هذه الوقائع، وهى حقائق دامغة، لتأكيد أن الفساد قوى ونافذ ويستطيع التحكم فى الصحافة وفى منع النشر أو إجهاض آثاره، وأن الصفقات تعقد من خلف ظهور الكتاب الشرفاء، وأن التدخلات قائمة، وأن الإرادة المجتمعية فى مكافحة الفساد فى النظام السابق والقائم حاليا، غائبة. ومن ثم فإن تقويض فساد مبارك المخلوع يحتاج إلى جهود مضنية وصبر طويل وإرادة سياسية ثورية، وإلا ضاعت حقوق هذا الشعب وأمواله المنهوبة. ولا أخفى سرًّا، فإن هذه الواقعة والتلاعب بمقالاتى كان بداية ميلاد حاجز نفسى بينى وبين الجريدة، حتى أنهيت علاقتى بها نهائيًّا فى بداية أبريل 2012، ورفض رئيس التحرير نشر مقالى الأخير الذى ذكرت فيه هذه الواقعة وغيرها عبر مسيرة امتدت إلى ما يقرب من عشرة شهور! منتهكًا بذلك قواعد الشفافية والحرية وحقوقى الأدبية وغيرها. واضطررت إلى نشرها فى بوابة «الوفد» مع الصديق عادل صبرى رئيس التحرير. وعلى الجانب الآخر، بدأ برلمان ما بعد الثورة، عمله فى 23 يناير 2012، وتولى الكتاتنى رئاسة البرلمان، وبنهاية فبراير بدأ مجلس الشورى جلساته وترأسه د.أحمد فهمى، وكلاهما من الإخوان وحزب الحرية والعدالة. واستبشرنا خيرًا، واستبشر العاملون فى المجلسين، وتفاءل الناس بأنه قد حان موعد قطع رؤوس الفساد بمحاكمتهم محاكمات ثورية سريعة وناجزة وعادلة، وآن أوان المكافحة الحقيقية لفساد استشرى لمدة ثلاثين عامًا، وقد كتبت مقالا فى جريدة «الأخبار» يوم الخميس 9 فبراير 2012، بعنوان «طهروا بيتكم أولا.. حتى يصدقكم الشعب»، تناولت فيه مخاطبة رئيس مجلس الشعب الإخوانى د.الكتاتنى، بضرورة تطهير مجلس الشعب من الفساد، خصوصا الرؤوس «سامى مهران وعصابته، وقيادات المجلس من أمن الدولة والقوات المسلحة، والمخابرات» وإعطاء فرصة للقيادات الشريفة لقيادة المجلس، إلا أنه بكل أسف لم يلتفت إلى هذه الأصوات، ولا إلى مقالات الشرفاء، ولا مطالبات الكثيرين. ومن ثم فقد قدم د.الكتاتنى ود.فهمى من الإخوان المسلمين، أسوأ نموذج فى التستر على الفساد، وأكدا بما لا يدع مجالا للشك أنهما غير راغبين فى تغيير البلاد، أو مكافحة الفساد، فقد كانت المهمة المقدسة للإخوان هى الوصول إلى السلطة والانفراد بها والاستحواذ عليها، وما زالت المهمة تسير على قدم وساق فى تحقيق غاياتها دون مراعاة لدم الشهداء وثورة الشعب العظيم. وأخيرًا.. هل آن الأوان لعزل سامى مهران وفرج الدرى من وظيفتيهما فى أمانة مجلس الشعب بعد أن شارفا على الثمانين عامًا، وبعد تحويل الأول إلى محكمة الجنايات بتهم كثيرة، أم سيتم تركهما يمارسان عمليهما فى فرم المستندات وترتيب الأوراق بالمخالفة للقانون؟! الثورة مستمرة، وستنتصر بإذن الله، وما زال الحوار مستمرا ومتصلا.