يتناول الكثيرون موضوع اختيار الأشخاص فى عهد د.مرسى، من زوايا عديدة.. فالبعض يصنف الاختيار بين إخوانى ولا إخوانى، والبعض الآخر يصنف الاختيار بين الكفء وغير الكفء، والبعض الثالث يصنف الاختيار بين أهل الثقة وأهل الخبرة، وآخرون يصنفون الاختيار بين الشخصيات العامة المعروفة للرأى العام والشخصيات المجهولة وغير المعروفة.. ومن ثم فإن هناك اختلافًا فى التفسير والتصنيف، الأمر الذى يستلزم ضرورة أن أشارك بالرأى فى شرح ما حدث للرأى العام لكى يكون شاهدًا على ما يحدث فى مصر بعد الثورة. فالثورة هى فعل شعبى يستهدف التغيير الجذرى للأوضاع السائدة قبل الثورة، وبهذا المعنى فإن أى فعل يأتى بعد الثورة لا يتضمن تغييرا جذريا، إنما يقع فى خانة استمرار النظام القديم الذى ثارت الجماهير ضده لإسقاطه. فالشعب رفع شعارا رئيسيا فى ثورته هو: «الشعب يريد إسقاط النظام»، ويتواءم هذا الشعار مع الهدف الأساسى للثورة، وهو هدم النظام القديم واستبدال نظام جديد به، ويتحدد النظام بثلاثة أركان هى: قواعد عمل النظام ورموزه ثم سياساته.. فالتغيير أول ما يستهدف هو تغيير قواعد العمل السائدة بأخرى جديدة تكون مقدمة لتغيير الأشخاص وفقًا للقواعد الجديدة، ومؤدى ذلك تغيير السياسات داخليا وخارجيا تجسيدًا لفكرة بناء النظام الجديد للثورة، فإذا لم يتم ذلك فإن موجات أخرى للثورة تتحرك لترجمة هدفها الأساسى وهو بناء نظام جديد ليحل محل النظام القديم الذى تم هدمه وإزالة أنقاضه. فإذا انتهج البعض ممن تتاح له الفرصة للوصول إلى السلطة بأى طريقة بعد الثورة، منهج استبدال الأشخاص بآخرين، دون تغيير قواعد عمل النظام فإن هذا يعنى استمرار النظام القديم بقواعده، وأن استبدال الوجوه معناه استنساخ القديم دون طرح جديد، الأمر الذى يؤكد الحفاظ على الأوضاع القائمة دون تغييرها، وكأن الثورة لم تقم، أو تندلع، وتذهب تضحيات الشعب هباء ومعها أرواح الشهداء.. طيب الله ثراهم وأسكنهم الجنة خالدين فيها، الذين رووا بدمائهم حديقة الحرية، ومن ثم فإن معيار الحكم عما يحدث، هو فى اتساقه مع التغيير الثورى أم لا. وقد قلت وصرحت من قبل أن يشكل د.مرسى الحكومة أو يختار رئيسها أولا. إن طريقة الاختيار ستنحصر فى الإتيان بغير الكفاءات، والاستعانة بقيادات إخوانية -بلا خبرة إدارية سابقة اللهم فى مكتب الإرشاد أو شورى الإخوان أو إدارة المقرات الإخوانية أو رعاية شؤون الجماعة- ثم إتاحة الفرصة لعدد من القيادات السلفية لاحتوائهم وضمان مناصرتهم ضد الآخرين عند أى منافسة، والبعض من قيادات الجماعات الإسلامية كمحاولة للسيطرة عليهم لتكوين ما يمكن تسميته «تجمع تيارات الإسلام السياسى»، ثم الاستعانة ببعض الشخصيات المؤيدة للإخوان والأنصار دون الاستعانة ولو بشخص واحد معارض حقيقى، بل المعارضة الودودة المستأنسة التى كانت تلعب نفس الدور فى عهد حسنى مبارك المخلوع، ولا بأس من الاستعانة ببعض قيادات الحزب الوطنى المنحل المسؤول عن خراب البلاد، وفى مصالحة معه بصورة مريبة وبعضهم ممن عادوا الثورة وهاجموها علنًا، والاستعانة ببعض رجال الأعمال وأصحاب الأعمال الخاصة فى التشكيلات الحكومية وغيرها، وينطبق ذلك على أول تشكيل للحكومة برئاسة د.هشام قنديل، عديم الخبرة، اللهم إن كان مديرًا لمكتب وزير رى الحزب الوطنى سابقا د.محمود أبو زيد، وأعضاء حكومته، كما ينطبق ذلك على آخر تشكيل للمحافظين، حيث تم تعديل واستبدال أشخاص بآخرين بنفس القواعد القديمة التى أشرت إليها «6 من قيادات الإخوان أبرزهم اثنان من مكتب الإرشاد سعد الحسينى، ومحمد بشر. الأول مقاول خاص فى المحلة الكبرى «رجل أعمال»، والثانى أستاذ جامعى، والآخرون شخصيات إخوانية «طبيب أمراض نساء فى المنيا وغيره»، ثم ثلاثة أشخاص من رجال القوات المسلحة، ثم شخص من قضاء مجلس الدولة صاحب الأحكام الداعمة للإخوان، والملاحظ أن ذات قواعد الاختيار فى نظام مبارك هى ذات قواعد اختيار د.مرسى، وبالتالى لم تتغير القواعد، الأمر الذى يؤكد استمرار نظام مبارك باستنساخ جديد مع استبدال رجال الإخوان المسلمين برجال الحزب الوطنى!! وكذلك تنطبق نفس القواعد على تشكيل فريق المساعدين لرئيس الجمهورية وهيئة المستشارين وكذلك نائب رئيس الجمهورية، مع احترامى الكامل لشخصه وشخوصهم جميعا. فبعضهم كفاءات بلا شك والبعض الآخر بلا كفاءات إلا بانتمائهم إلى الإخوان المسلمين أو أنصارهم كما سبق القول. لاحظوا معى أن عددًا من المستقلين الذين تم اختيارهم فى الحكومة، ومن المحافظين، والهيئة الاستشارية كانوا ممن يدعمون سياسات وآراء الإخوان، وكانوا داعمين لعدم حل البرلمان وأفتوا بذلك، منتهكين بذلك أحكام السلطة القضائية، وهو أمر ثابت من خلال تصريحاتهم ومواقفهم فى الصحف ووسائل الإعلام الأخرى، ولدى هذه الاستشهادات، ومن أمثلة ذلك وبوضوح الرفض المستمر للمستشار أحمد مكى حكم «الدستورية» ودعمه لعدم حل البرلمان وتأييده لمرسى فى استدعاء البرلمان لممارسة أعماله، كان أساسا فى قرار اختياره وزيرا للعدل، وينقلب الآن على الثورة التى نادت بإلغاء قانون الطوارئ، بطرحه قانونا جديدا للطوارئ لإحكام السيطرة على الأوضاع تمكينًا للإخوان كما كان يتصرف ترزية الحزب الوطنى!! وكذلك د.محمد محسوب، وأيضا المستشار محمود مكى الذى أصبح نائبًا.. إلخ! بالإضافة إلى ذلك ما تم من اختيار لكادر الموظفين الكبار ابتداء من المتحدث الرسمى وفريق العمل المعاون وحتى رئيس ديوان رئيس الجمهورية، فإن جميعهم من رجال الإخوان أو أنصار الجماعة. وقد ينطبق ذلك تأكيدا على اختيارات مجلس الشورى القيادات الصحفية الجديدة، والمجلس القومى لحقوق الإنسان والمجلس القومى للمرأة الذى سيصدر قرار به خلال الأيام القادمة إن لم يكن الساعات، والمجلس الأعلى للصحافة، فاقرؤوا معى مانشيتات الصحف والصفحات الأولى صارت كما كان الأمر فى عهد حسنى مبارك المخلوع ليتأكد مفهوم أخونة الدولة من خلال أخونة المؤسسات، وتأثير ذلك السلبى على حرية الصحافة والإعلام والحرية التى قامت الثورة من أجلها وفى شعارها العبقرى الجماهيرى «حرية- تغيير- عدالة اجتماعية»، وفى شعار آخر «عيش- حرية- عدالة اجتماعية». ومن الأمثلة أيضا قرار رئيس الجمهورية بتعيين رئيس شركة «المقاولون العرب» الجديد من الإخوان المسلمين، وتعيين رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات دون تغيير قانون وقواعد الاختيار فى ما بعد، وهو من الشخصيات المهمة والداعمة لتيار الإخوان، ومن تغيير تبعية هيئة الاستعلامات إلى رئاسة الجمهورية لتكون تحت سيطرة رجال الرئيس مباشرة وندب أحد السفراء لرئاستها دون رؤية لقواعد العمل الجديدة فى هذه الهيئة!! ولا شك أن معيار الكفاءة الذى يتشدق به أصحاب القرار والموالين بأنه أساس كل هذه الاختيارات، فإن هذا لأمر عجيب، وها هو نموذج عصام الحداد الذى عين مساعدًا للرئيس للشؤون الخارجية وهو طبيب وخبرته لا تتعدى تنطيم علاقة الإخوان فى مصر بالتنظيم الدولى، وتم اختياره ليكمل الدائرة مع رئاسة الجمهورية!! ويستتر خلف ذلك كله. الهدف النهائى لجماعة الإخوان التى تعتبر الرئيس إحدى أدواتها ورأس الحربة، هو السيطرة والتمكين والاستحواذ على كل سلطات الدولة ومفاصلها تمهيدًا للقضاء النهائى على الثورة ومتطلباتها وتأهيلاً للانفراد بالحكم لنصف قرن قادم من الزمان وإجراء الإصلاحات الشكلية واستبدال الأشخاص بآخرين، فى ظل استنساخ جديد لنظام مبارك المخلوع، فهل يرى أحد رؤية مغايرة تحترم عقولنا؟ وهل من جهود مكثفة من جانب القوى السياسية لمواجهة «الأخونة» الشاملة التى لم تأت من فراغ؟ إن الثورة مستمرة.. وستنتصر بإذن الله، وللحديث بقية، وما زال الحوار مستمرًا ومتواصلاً.