أظن أن العبد لله كاتب هذه السطور، ضمن عدد قليل جدا من سكان هذا الوطن الذين لم يستمتعوا ولا مرة واحدة فى حياتهم بالفرجة على عروض المسخرة والكوميديا السوداء التى يقال إن السيد توفيق عكاشة يقدمها ويبثها يوميا وبانتظام ممل من شاشة قناة فضائية يملكها جنابه ويسميها «الفراعين»، بل لعلى الوحيد فى هذا البلد الذى قام عمدا بحذف تلك القناة الطريفة من قائمة الفضائيات المتاحة للمشاهدة فى بيتى، ولست أبالغ أبدا لو قلت إننى لا أكاد أعرف أو أستطيع التعرف على ملامح خلقة وجه السيد «عكاشة» هذا، كما أننى أنفقت (حتى تعبت) زمنا طويلا فى إبداء الدهشة والعجب ممن سمعتهم يتندرون ويحكون أمامى عن طرائف المذكور ومساخره المتفوقة، وبقيت أتساءل ملتاعا: كيف لعاقل أن يبدد وقته فى مشاهدة سخف وهراء وجنان من هذا النوع؟! ومع ذلك، فقد استقبلت بقلق وجزع شديدين نبأ إقدام الست الحكومة «الإخوانية الفلولية» المشتركة بنين وبنات، ممثلة فى وزارة الأخ وزير الاستثمار (لا أعرف اسمه) على إصدار قرار إدارى بوقف قناة الأخ عكاشة لمدة شهر، واعتبرت هذا القرار نذير شؤم وبروفة لممارسة ديكتاتورية ممجوجة وخطرة جدا (فضلا عن خيابتها، لأن الدنيا تغيرت وتقنيات الاتصال الحديثة تسمح بالهروب السهل من حصار الإغلاق والمصادرة)، ليس فقط لأن شعار الحرية الذى شق به ملايين المصريين حناجرهم فى أثناء الثورة يأبى هذا الصنف من الممارسات المجلوبة من مزبلة تاريخ القمع، وإنما لأنه يكشف (مع غيره من العربدات المتلاحقة) أبشع نيات «الجماعة» الظالمة المظلمة العقل التى تحاول الآن السطو على البلد، وتتوهم أن باستطاعتها خطفه وتأميمه لحسابها، إذ يبدو واضحا الآن لكل صاحب بصر وبصيرة أن جنابها قررت وراثتنا من المخلوع وفرض نظام وسياسات أسوأ وأوسخ من سياساته ونظامه. إن من يخنق ضميره ويصمت اليوم على قمع ومصادرة حقوق وحريات من يكرههم أو يخالف آراءهم وتوجهاتهم ولو بلغت مستوى الخبل والشطط، فسوف يأتى الدور عليه غدا حتما، وعندئذ لا يجب أن يلوم إلا شياطين نفسه التى زينت له تقطيع المبادئ وتشطيرها وتحويلها إلى ما يشبه الأصنام التى كان يصنعها الوثنيون القدماء من العجوة، يعبدونها ويبجلونها فإذا جاعوا قَطَعوها وأكلوها من دون أن يهتز لهم جفن. الحرية يا سادة أمر جليل وعظيم، ولن يكون لها معنى أو وجود فى حياتنا (دعك من الغناء لها) إن لم ندرب أنفسنا على احترام الاختلاف والتنوع الذى فطر المولى تعالى الكون عليه، وعليه فأنا أفهم أن يحال الأخ عكاشة بشخصه وحده إلى القضاء لو كان متهما بارتكاب جريمة يعاقب عليها قانون رشيد وعادل (ترسانة القوانين القائمة حتى الآن والتى تصادر حقوق التعبير كافة، ليس فيها أى رشد ولا تمت للعدالة بصلة)، كالتحريض على العنف مثلا، لكن العقاب الجماعى خارج المحاكم (تعطيل وسيلة إعلامية عقاب يطال كل العاملين فيها وكل مشاهديها) هو أم الجرائم وأشدها غلظة وفحشا، ولا تعرفه النظم الديمقراطية، فهو سلوك ظلامى وديكتاتورى بامتياز لا يمكن تبريره أو تسويغه بأى ذريعة أو حجة بما فيها «البذاءة العكاشية». ثم، وبمناسبة البذاءة، لماذا تذكرت الست حكومتنا «الإخوانية الفلولية» التعبانة بذاءات عكاشة المبثوثة من «فراعينه»، ولم تحفل ولا اهتمت (بل تبدو سعيدة راضية جدا) بوساخات وسخائم مروعة تفيض بها علينا فضائيات أخرى عديدة تتحدث باسم الدين وتلوث قدسيته بقذارات يخجل منها الصيع الغلابة المقيمون على الأرصفة؟! هذا طبعا غير عصابة «اللجنة الإليكترونية» التابعة لستنا «الجماعة» إياها، وهى عصابة تمارس فى فضاء الشبكة العنكبوتية أحط وأشرس جرائم التشهير بأشرف وأنبل خلق الله ممن يجاهرون بالخلاف مع الست ونقد ارتكاباتها وأفعالها النكراء.. غير أن هذا حديث آخر وملف عفن وفظيع لا بد من فتحه وفضح أصحابه قريبا.