مشاعر الحيرة المخلوطة بتعب ويأس وقنوط، تبدو الآن وقد استبدت تمامًا بالأغلبية الساحقة من المصريين، بينما هم يتابعون ويكابدون خسائر وويلات تلك الحرب الرهيبة التى تخوضها جماعة الإخوان حاليًّا ومن خلفها قطعان أتباع وأزلام وأشياء بعضها مثير للقرف حقا. الكل يسأل وهو مدهوش مذهول عن المصلحة أو أى شىء يخصه فى حرب تشنها الست الجماعة من أجل إتمام خطة «تمكين» حضرتها من سلطات الدولة والتحكم فى مفاصلها ومؤسساتها، تمهيدًا لاختطاف المجتمع بأثره، مدفوعة بأوهام وهلاوس عقلية تصوِّر لها أن بمقدورها تفكيك هذا المجتمع وسحق تنوعه وتبديد ثراء تكوينه الاجتماعى والثقافى، ومن ثم إعادة تفصيله وتركيبه على مقاسها الضيق، وبما يناسب الخزعبلات المظلمة الراقدة فى مخيلتها المريضة. لقد أصبح المواطن المصرى مهجوسا هذه الأيام بالسؤال عن موقع أهداف الثورة الأصلية (عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية) وسط غبار تلك الحرب حامية الوطيس التى استباح فيها إخوانّا «الإخوان» وتوابعهم ترسانة أسلحة أقلها مشروع وأغلبها إجرام صافى، من نوع إهدار أبسط معانى ومتطلبات احترام دولة القانون وحصار المحاكم واقتحامها وإشاعة أجواء إرهابية وفاشية واستجلاب الغلابة (بالمال الوفير الذى لا أحد يعرف مصدره) وحشدهم ورصهم فى الشوارع واستخدامهم بخسة وندالة فى ضرب وبهدلة المعارضين وشتمهم والتشهير الواطى ببعض أنبل وأشرف رموز هذا الوطن. هل أفعال وارتكابات وعربدات شائنة من هذا النوع تنبئ بأننا على أعتاب بناء الوطن الجديد الذى أنفقنا عمرنا نحلم به ونجاهد لرؤيته متحررا متقدما ينهض على أنقاض الخرابة الوطنية الشاملة التى تركها نطام المخلوع أفندى، أم تشى بأن الظالمين المظلمين يجاهدون لوراثة الخرابة نفسها ويسعون إلى زيادة رقعتها وتأسيس نظام بديل ربما يكون أشد فسادا وفحشا وإجراما وديكتاتورية من الذى اندحر؟! هذا السؤال ليس موجهًا إلى الحفنة التعبانة فى عقلها التى تتمترس الآن بعناد وغباء فى خندق الفاشية الجديدة (بزعم مواجهة بضعة جنرالات لا شىء يفوق بلادتهم وفشلهم إلا ضعفهم وعشوائيتهم وخيبتهم الثقيلة)، كما أن عنوانه ليس بالطبع تلك العصبة الانتهازية الشريرة المستعدة طول الوقت لنفاق ولعق أحذية أى سلطة مهما كانت. السؤال موجه فقط إلى أصحاب الحس الوطنى المرهف وضمير قد يغيب وينام قليلاً لكنه ما زال حيًا يقاوم الموت تحت ركام السطحية والوعى البائس. ** فاجئنى بعض أصدقائى الطيبين بأن أملا ما زال يداعب خيالهم، مختصره أنه بالإمكان إقناع جحافل الأمية والجهل المتحصنة فى لجنة «تفصيل» دستور البلاد الجديد بحقيقة الفرق الشاسع بين الدساتير و«خطب الجمعة» التى يهلفط بها عادة أنصاف المتعلمين ويلقونها بالعافية على مسامع خلق الله الغلابة فى الجوامع والزوايا الريفية. مشكلتى أصبحت مع هؤلاء الأصدقاء الطيبين، كيف أقنعهم بأنه «مافيش فايدة ولا عايدة» ولا حل للكارثة الوجودية والمصيبة الدستورية التى تنتظر المصريين إلا بدفن جثة اللجنة المذكورة كما دفنت جيفة شقيقتها الأولى، أو أن يتولى المولى تعالى الأمر كله عنا ويهدينا من واسع فضله وفائض كرمه نازلة قوية تأخذ إلى الجحيم جحافل الجهلة أخذ عزيز مقتدر.. يعنى مثلا، تسقط عليهم «بلكونة» وهم سائرون يتسكعون فى صحراء غباوتهم، أو يتفشى فيهم واحد من أمراض وأوبئة الصيف (كوليرا وخلافه)، لكنى والله أخشى أن يسقط الوباء نفسه صريعًا ويموت متأثرا بإصابته بتلك الفيروسات الدستورية الفتاكة الخطيرة!!