علي عكس عمال سيادته وأتباعه وأنفاره من كبار المسئولين وأصاغرهم والنجوم اللامعة في حزب سيادته بمن فيهم العصبة المتحصنة في مجلس شارع قصر العيني، كرر الرئيس حسني مبارك أمس الأول، وللمرة الثانية في أقل من أسبوع واحد، الاعتراف بوجود مشكلة طائفية حقيقية تنخر بعنف في وحدة نسيج هذا الوطن وتتغذي كما قال الرئيس من «الجهل والتعصب وغياب الخطاب الديني المستنير من الأزهر والكنيسة» ما يستدعي دورا ضروريا وحيويا لابد أن يلعبه «عقلاء الشعب ومثقفوه وإعلاميوه» المحترمون.. طبعا. ومن جانبي أعترف بأنه من المرات القليلة النادرة التي أجدني فيها متفقا رغما عني مع شيء يقوله الرئيس هاتين المرتين، فلا تحفظ عندي علي حرف واحد من هذا الكلام، غير أنني وغيري تغاضينا عن احتمال إساءة الأدب وسألنا سيادته بصفته رئيسا حاكما متحكما في هذا البلد منذ ثلاثة عقود كاملة تقريبا عمَّنْ هو ياتري المسئول عن هذا الوضع الممتاز الذي أصبحنا نتردي فيه.. يعني مثلا : مَنْ المسئول عن إشاعة مظاهر الفاقة والعوز والتخلف والخراب في جنبات مجتمع ودولة المصريين المحدثين، ومَنْ الذي يحمل وزر تجويع الناس وإفقارهم ماديًّا وعقليًّا وروحيًّا وزرع مشاعر اليأس والقنوط في نفوسهم بينما هم واقفون مقموعون وعاجزون أمام سياسات هوجاء ومتهورة تشرعن (من الشرعية) الفساد والنهب المنظم والمسعور لخيرات وثروات البلد ونزحها وضخها في كروش حفنة ضئيلة من «ألاضيش» الحكم وسدنته وخدامه؟! مَنْ المسئول عن مصادرة وإعدام السياسة في المجتمع وترك المواطنين عرايا ومشردين في فيافي العدم الديمقراطي بغير أحزاب حقيقية ولا منظمات شعبية مستقلة من أي نوع بحيث لم يعد أمامهم إلا التحصن في جحور الجهوية والعصبية والطائفية والاحتماء خلف أسوار مسجد «ضرار» أو كنيسة مظلمة ؟! مَنْ المسئول عن تحويل نظم ومؤسسات الدولة قاطبة إلي ما يشبه ملاجئ للمجندين والمخبرين في مباحث أمن الدولة ؟! مَنْ المسئول عن «خصخصة» منابر صحفية وإعلامية معتبرة مملوكة للشعب وتحويلها إلي خرابات خاصة وإقطاعيات تُقطع وتهدي للأميين المساكين الفقراء من كل مهارة أو كفاءة اللهم إلا خبرة العمل المخلص في خدمة مباحث التموين ؟!.. ومن المسئول عن تسليط هؤلاء علي أدمغة الناس وضمائرهم وتركهم يلقون فيها النفايات آناء الليل وأطراف النهار؟! مَنْ المسئول عن مرمغة مصداقية مؤسسة الأزهر الشريف في وحل النفاق وإسقاط كل هيبة لها عند الناس من خلال استخدامها وتشغيلها في الفارغة والمليانة لكي تنتج أسوأ الفتاوي السياسية وأكثرها مدعاة للخجل ؟! مَنْ المسئول عن تحويل الوطنية لأغنية بذيئة يشدو بها الهاربون من التجنيد، وكيف استحال الشعور الوطني إلي مرض أو عاهة عقلية تظهر أعراضها في المهرجانات والحروب الكروية فحسب؟! هذه الأسئلة كلها سبق أن أشرت إليها من بعيد في مقال كتبته قبل أيام تعليقا علي كلام الرئيس في عيد العلم (لطيفة حكاية عيد العلم دي)، وقد أنهيت المقال بترجيح أن المسئول عن كل هذه البلاوي هم «الشياطين الزرق»، غير أنه يؤسفني إبلاغ الرئيس أن «الشياطين الزرق» هؤلاء قرأوا مقالي هذا وأرسلوا إلي العبد لله رسالة غاضبة تعقيبا عليه وصلتني علي عنوان بريدي الإلكتروني (مع أني لم أذعه ولم أنشره في هذه الزاوية قط لكنهم عرفوه لأنهم شياطين زرق) ولدهشتي فقد وجدت في الرسالة استنكارا شديدا ونفيا قاطعا للتهمة التي تهورت واتهمتهم بها اعتمادا علي سوء الظن والسمعة فقط وبغير دليل قطعي مقبول أمام المحاكم، وقد أنذرتني الشياطين بنشر مضمون رسالتهم في المكان عينه وبالمساحة نفسها إعمالا لحق الرد المنصوص عليه في القوانين.. وها أنا ذا أفعل و..أنا متأسف جدا.