فى الربع الأول من القرن الماضى ظهر مصطلح «النقابات الصفراء»، واشتق منه تعبير «النقابيين أو النقابى الأصفر»، وسرعان ما شاع هذا المصطلح ثم استقر تماما فى قاموس الهجاء السياسى، وبات يستخدم بكثرة لدمغ وتمييز صنف معين من التنظيمات النقابية، يسيطر عليها ويسيرها نقابيون انتهازيون موالون للرأسماليين وأرباب العمل، أو حتى لأجهزة المباحث والأمن، ويمارس هؤلاء خيانة ممنهجة ومدفوعة الأجر لمصالح وحقوق جموع العمال، بعدما اغتصب هؤلاء «الصفر» تمثيلهم بالخديعة أو بالتزوير المفضوح. ويعود أصل اختيار اللون الأصفر بالذات، وإلصاقه بهذه النقابات المشوهة، لأنه (غالبا) لون يميل إلى نوع من الحياد المراوغ، ومن ثم يجسد النقيض الإيحائى لصراحة ووهج اللون الأحمر، الذى كان ولا يزال الصبغة اللونية المفضلة لرموز وشعارات التنظيمات السياسية والنقابية اليسارية التى يقودها عادة مناضلون نقابيون شديدو الصلابة والإخلاص لحقوق ومصالح الكادحين البنائين المنتمين للطبقة العاملة. هذا الكلام مقدمة ضرورية للتعليق على حرب الحياة أو الموت التى تخوضها هذه الأيام فرقة ديناصورات، طال احتلالها الغاشم وغير الشرعى لمواقع القيادة فى النقابات العمالية المصرية، بهدف تعويق تنفيذ حكم قضائى صدر مؤخرا، وقضى بحل هياكل الاتحاد العام للعمال، وإنهاء عصر أسود اختطف فيه هذا التنظيم النقابى الخطير من أصحابه الأصليين، وصار واحدا من أمضى الأسلحة المستخدمة ضدهم وأكثرها فتكا بحقوقهم. ولست أعرف والله ما اللون المناسب الذى كان سيختاره ذلك الرجل الذى نحت قبل نحو قرن من الزمان مصطلح «النقابات والنقابيين الصفر»، لو أنه عاش فى بلادنا وزماننا الحاضر، وشاهد ارتكابات وعربدات تلك القطعان الهرمة المسنة التى «نشلت» صفة تمثيل عمال مصر، وحولت التنظيمات النقابية الرسمية إلى خرابات يعشش الفساد واللصوصية فى أركانها، وإلى فروع للمباحث وأوكار للمخبرين، ومنصات إطلاق لأسوأ التشريعات والسياسات، التى أهانت الطبقة العاملة المصرية، وجوعتها وضيعتها، وفرضت عليها علاقات عمل مسروقة من عصور العبودية؟! هل يصلح تعبير «نقابى أصفر» لوصف حالة مخبر عتيق أكل عليه الدهر وشرب، بينما هو يحتكر مقعد القيادة النقابية لمدة ثلاثة أو أربعة عقود متصلة، لم يفعل فيها شيئا إلا النفاق والنهب ومراكمة الثروات الحرام من دماء العمال الغلابة، مقابل الانتظام الممل فى إعلان مبايعة رئيس العصابة الحاكمة (آخرها حدث فى يناير من العام الماضى فى أثناء انعقاد الجمعية العمومية لاتحاد العمال)، والتطوع بتقديم الغطاء لسياسات إجرامية من شاكلة «الخصخصة»، وقانون العمل الموحد، وخطط نهب وتخريب ممتلكات الشعب؟! هل هم مجرد قادة فى نقابات عمالية صفراء هؤلاء الذين نراهم يمتطون أفخر السيارات، ويسكنون فى القصور والفيلات، ويشاركون بالملايين فى شركات ومشاريع تجارية؟! ألا يخجل اللون الأصفر ويغضب إذا اقترن اسمه بمن تجاوزوا فى الإجرام حدود اللصوصية والنشل، وخيانة مصالح طبقتهم وشعبهم، ووصل بهم الفجور إلى التخطيط والمشاركة المباشرة فى قتل المئات من زهرة شباب مصر فى أثناء ثورة 25 يناير (موقعة الجمل)؟! أظن أن اللون الأصفر لن يطيق، ولن تحتمل سمعته الاقتران بهؤلاء، لكن اللون الأزرق ربما يكون مؤهلا أكثر للقبول، باقتراح أن نستخدم اسمه فى الإشارة إلى هذه القطعان العجوزة، ويتركنا نطلق على أعضائها وصف «النقابيين الزرق».. على وزن «الشياطين الزرق»!!