تعليقا على حكم المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية قانون العزل السياسي وبطلان انتخاب ثلث أعضاء مجلس الشعب كتب ناثان براون، أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن والباحث في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي في مجلة فورين بوليسي، أن قرارات المحكمة -في السياق السياسي الحالي- تعيد تشكيل عملية الانتقال في مصر بدرجة تجعل كثيرا من المصريين يشكون فيما إذا كانوا يشهدون من الأساس "عملية انتقالية"، ولديهم ما يبرر هذا القلق، ف"العملية" ماتت بالفعل، والآن "الانتقال" هو الذي يحتضر. وأضاف أن "المشكلة مع الأحكام ليست في الجانب القانوني، فقانون العزل السياسي كان يستهدف بوضوح أفرادا بعينهم (أبرزهم عمر سليمان)، ويحرم أشخاصا من حقوقهم السياسية دون توجيه اتهام جنائي أو إجراءات قضائية، وقانون الانتخابات البرلمانية كان متعارضا أيضا مع أحكام سابقة للمحكمة الدستورية العليا تعطي للمستقلين فرصا متساوية للترشح مع أعضاء الأحزاب، ولأن تخصيص ثلثي مقاعد البرلمان للقوائم الحزبية منصوص عليه في الإعلان الدستوري (بصيغته المعدلة في سبتمبر 2011)، لا يجوز الطعن عليه بسهولة، في مقابل الطعن بعدم دستورية الثلث، (ورغم أن الأحكام السابقة المتعلقة بالحقوق الدستورية في دستور عام 1971 قد أزيلت من الإعلان الدستوري في مارس 2011، إلا أن الفقهاء الدستوريين يرون أن المحكمة اعتبرت قانون الانتخابات يميز ضد المصريين من غير أعضاء الأحزاب)، ولذلك لم يكن مضمون الأحكام صادما، وإنما نتائجه المحتملة، خاصة وأنها صدرت بسرعة وفي توقيت حساس، ما شكل مفاجأة كبيرة، ففي الماضي كانت المحكمة الدستورية العليا تستغرق وقتا أطول، ففي عام 1987 حلت البرلمان المنتخب في 1984، وفي عام 1990 حلت البرلمان المنتخب في عام 1987، وفي عام 2000 ألغت قانون الانتخابات البرلمانية، بينما كان البرلمان الذي انتخب على أساسه قد أنهى دورته، والمحكمة أيضا تؤجل الحكم في الطعن على دستورية محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية، واليوم، تتصرف على النقيض تماما، فقد حلت البرلمان المنتخب في العام نفسه، وتصدر حكما في قضية تتعلق بمرشح للرئاسة في أول جلسة لنظر القضية. وتابع الباحث المتخصص في شؤون الإسلام والشرق الأوسط بقوله إن "النتائج الكاملة للحكم ليست واضحة بعد، فماذا سيحدث للجنة صياغة الدستور؟ والسؤال له شق قانوني وشق سياسي: من الناحية القانونية، هل يمكن لجمعية انتخبها برلمان غير دستوري أن تستمر؟ هل يظل قانون تشكيل لجنة الدستور ساريا رغم أن البرلمان الذي أقره قد تم حله، ورغم أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة لم يوافق عليه؟ وحتى لو لم يتم حل لجنة الدستور ألا يمكن الطعن عليها إذا كان عدد من أعضائها قد اختارهم البرلمان من بين أعضائه (وسقطت عضويتهم في البرلمان نتيجة لحكم المحكمة الدستورية)؟ وسياسيا، هل يوافق الذين قاطعوا لجنة صياغة الدستور الآن على العودة لمقاعدهم؟ وفي المجال القانوني هناك حاجة إلى قانون جديد للانتخابات البرلمانية، فمن سيصدره؟ هل يصدر المجلس العسكري في أيامه الأخيرة مرسوما بذلك؟ هل يصدره الرئيس الجديد؟ وبشكل أعم هل يستخدم المجلس العسكري غياب البرلمان كغطاء لإصدار إعلان دستوري جديد حتى لا يسلم كل صلاحياته للرئيس نهاية الشهر؟ أم أنه سيعيد إحياء دستور عام 1971 الذي ألغي العام الماضي؟.. وإذا كانت التفاصيل غير واضحة فتأثيرها العام واضح، فما كان يبدو وكأنه انقلاب بطيء لم يعد كذلك، فالأحكام قوية ويمكن الدفاع عنها، وتشكيل المحكمة الدستورية متنوع بما يكفي لكي لا يكون أداة في يد أحد، وفاروق سلطان رئيس المحكمة العليا الذي يتهمه البعض بأن له علاقات سابقة بالجيش، تنحى عن نظر قضية شفيق، والمحكمة شعرت بتهديد من تحركات برلمانية ضدها، لكنني لا أعرف كيف يمكن أن يؤثر الشعور بالتهديد على القضاة، ولذلك لا أعتقد أن الحكم قد صدر وفقا لما يسميه المصريون "الأحكام بناء على مكالمة تليفونية" من مسؤول كبير. وأضاف براون "لكن الأمر لن يكون كذلك في المدى البعيد: تشتت البرلمان، والفراغ الدستوري المفاجئ، وصعود شفيق، وردة وسائل الإعلام المملوكة للدولة، وإعادة عنصر أساسي من عناصر حالة الطوارئ بقرار من وزير العدل، كل هذه الأمور تشير في اتجاه واحد، لقد كتبت في مارس الماضي أن "المجلس العسكري إن لم يكن لديه رغبة في انقلاب ثان، أو يكتشف بطريقة أو بأخرى وسيلة لتوظيف دميته كرئيس، الأداة الدستورية التي أعطت للجيش سلطة سياسية سرعان ما ستتحول إلى ثمرة ضخمة"، الآن يبدو أن المجلس العسكري استعاد شهيته ومرشح النظام القديم قد يفوز قريبا بالرئاسة، والديمقراطية -بمعنى حكم الأغلبية مع الحفاظ على حقوق الأقلية- تخسر الآن بقوة.