اخبار مصر "بنتي ليه يتحط في صحيفتها سنة مع إيقاف التنفيذ وهي معملتش حاجة"، عبارة أطلقتها "هدى" مهندسة الكهرباء ووالدة "روضة حسام شلبي"، إحدى الفتيات اللاتي اتهمن بالتجمهر وقطع الطرق وإتلاف المنشآت، لم تستطع الأم إخفاء فرحتها التي تغمر قلبها برؤية ابنتها حرة طليقة بعد ساعات قليلة من صدور الحكم، وفي المقابل لم ترض في كل الأحوال بحكم محكمة استئناف الإسكندرية، والتي رأته إثبات إدانة لفتاتها، التي وُجدت في موقع الأحداث فقط نظرا لمسكنها بالقرب من كوبري ستانلي، مكان إلقاء القبض على فتيات حركة "7 الصبح". "روضة حسام شلبي" في ال22 من عمرها، حديثة التخرج من كلية الهندسة قسم الهندسة النووية، ووالدها أستاذ في نفس الكلية، تعتبر أصغر من ساهمت في مفاعل نووي مصغر عملي، كانت فخر لوالديها، فرأتها والدتها "متفوقة في دراستها"، مؤكدة أن "قسمها كان يقبل أعدادا محدود جدا ما بين من 30 أو 40 طالبا وطالبة، وعاملين مفاعل نووي صغير عملي، بكل المقاييس والمقاسات، وكان أملها أنه يطبق في مصر وفي العالم العربي كله، المشرف بتاعها الدكتور يسري أبوشادي، في وكالة الطاقة النووية، قال إنها أحسن واحدة في المشروع وأشاد بأخلاقها"، قضت حياتها بين العلم والرياضة، وهي متعتها بعد الدراسة، معيشتها بالقرب من كوبري ستانلي، يجعلها لا تتوقف عن ممارسة الرياضة باستمرار، حيث تستمتع روضة كل بضعة أيام بالتريض على كورنيش الإسكندرية، إلا أنها لم تعلم أنها ستدفع ثمنا غاليا من حريتها أو مستقبلها مقابل التريض على كوبري ستانلي.اتصلت بي بعد القبض عليها وأخبرتني أنها في مديرية الأمن والمحامين أكدوا خروجهن على الفور عندما علمت الأم بأخبار القبض على ابنتها أصابها الذهول، "قالوا عنها إنها حاملة سلاح، اتصدمت لأني عارف روضة كويس، وأول ما عرفت كده قولت غلطة وهتطلع"، وتكمل عن تفاصيل ذلك اليوم "روضة طالعة تتمشى الصبح لقت المسيرة فوقفت فيها، إحنا ساكنين جنب كوبري ستانلي، وقفت على البحر شوية لقت هيصة والبنات بتهتف، وقفت معاهم، وبعد شوية لقت هيصة الداخلية"، وتستطرد الأم عن تفاصيل القبض على ابنتها: "لقت مشاكل ولفت علشان ترجع البيت راحوا ماسكينها، هي أصلا مدخلتش شارع سوريا، اللي قالوا إنهم كسروا المحلات فيه"، وتستكمل الأم رواية القبض على ابنتها قائلة: "كان في راجل بيزقها قالته متزقش أنا همشي لوحدي، كانت مش متخيلة إنها حتى لو خدوها هتتسجن، وكان بيزقها تاني، فتتدخل واحد من الظباط اللي معاه وقاله سيبها هي قالتلك هتمشي لوحدها". روضة كانت لا تزال تحتفظ بهاتفها المحمول، على الفور اتصلت بوالدتها وأبلغتها بما حدث، تقول الأم: "قولتلها إنتوا رايحين فين، قالتلي معرفش، لما لقت نفسها عند مديرية الأمن قالتلي إنهم خدوهم مباشرة على مديرية الأمن، فكلمنا محامي وراح، لكنه قال لنا مفيش حاجة هناك". المحطة التالية كانت النيابة، وفي هذا الشأن قالت أم روضة "وكيل النيابة لما حقق معاها، قالتله إنها ساكنة هناك مش جاية من كان بعيد"، مؤكدة أن الأهالي ذهبوا إلى مديرية الأمن في انتظار الإفراج عن البنات، لكن المفاجأة كانت "خدوا 15 يوم"، على الرغم من أن المحامين قالوا إن البراءة هي الحكم المنتظر، مضيفة: "خدوا 15 يوم وبعدين 15 زيهم وفي النهاية 11 سنة على حاجة محصلتش، مش متخيلة الظلم ده كله". وعن شارع سوريا قالت السيدة هدى "الساعة 7 الصبح المحلات بتبقى قافلة في شارع سوريا، مفيش واحد من أصحاب المحلات راح بلغ وقال المحل بتاعي اتكسر، الوحيد اللي جابوه هو بواب عمارة وقالوا إن البنات اعتدت عليه، الحارس قال إنه محدش اعتدى عليه، كمان الاتهامات اللي وجهت للبنات إنهم كسروا مدخل العمارة، والتحريات قالت إنه مجرد خدش في العمارة"، وأضافت أن أقوال الشهود في المحاكمة كانت كلها في صالح البنات "الشهود قالوا مكسروش حاجة"، مؤكدة أن بواب العقار في أقواله بمحضر النيابة قال: "محدش ضربني"، مضيفة أن "النيابة حققت 3 مرات، لقوا باب في عمارة فيه خدش، 21 بنت كل واحدة فيهم واخدة 4 سنين إتلاف علشان الخدش في باب العمارة"، رافضة ما أثير حول أن سنوات الحبس الإحدى عشر موزعة على الفتيات كلهن، قائلة: "الناس بتقول إن ال11 سنة متوزعين عليهم كلهم، لأ طبعا كل واحد واخد 11 سنة وشهر".الحكم كان قاسيا ولن يؤلف بين قلوب الناس بل سيقلبهم على بعضهم أكثر تحكي الأم عن يوم المحاكمة قائلة: "خدوهم طلعوهم على السجن على طول، قالولنا الحكم هيطلع الساعة 6 وللأسف إحنا روحنا ومعرفناش الحكم، المحامين قعدوا يستنوا يعرفوا الحكم، وفي حدود الساعة 5 المغرب لقينا ناس بتكلمنا بتقولنا الحكم نازل في اليوم السابع، فتحنا عرفنا إنه 11 سنة، كلمت المحامية في المحكمة عن الحكم قالت لي إحنا قاعدين لسه منعرفش، وبعد شوية وكلمتني قالتلي فعلا الحكم اتأكد"، مؤكدة أن الحكم تم تسريبه و"المحامين ميعرفوش". تقول الأم نقلا عن ابنتها عن كواليس ما دار خلال المحاكمة، إن المحامين دافعوا عن البنات بأدلة قوية، مؤكدة "روضة شافت إن كل حاجة في صالحهم، وبعد جلسة المحكمة البنات قالوا إنهم خلاص طالعين، لكن مع الأسف القاضي مكنش بيسمع كلام المحامين أصلا، القاضي لم يناقش البنات ولا هيئة الدفاع في أي حاجة، سبهم يتكلموا وراح مشي". كان الحكم صادما للأم التي لم تتمالك نفسها من الضحك على حد قولها، كانت تتساءل بينها وبين نفسها: "11 سنة ليه؟ هو في إيه في البلد؟"، بعد ذلك لم تتمالك نفسها من البكاء "عيطت على اللي بيحصل في الدنيا، عيطت على الظلم"، مضيفة في تساؤل: "حتى لو كان واحد نازل يعبر عن رأيه، ليه ياخد 11 سنة؟، وطالما كانت واقفة في حالها مبتأذيش حد، زي ما الشهود قالوا، ليه الحكم ده؟ الحكم ده ظالم وجائر ومش هيألف بين قلوب الناس، ده هيقلب الناس على بعضها أكتر وأكتر عليهم، لازم يتقوا الله في بنات الناس". وتمضي الأم في حكاية الفترة التي عاشوها قبل تخفيف الحكم إلى سنة مع وقف التنفيذ، حيث ذكرت أنها نبهت على المحامين عدم إبلاغ البنات بالحكم القاسي حتى يزوروهم، "تاني يوم، لما روحنا الزيارة كان مدير السجن يوم الخميس جمعهم الصبح وقالهم الحكم، بسأل روضة لما شوفتها، قولتلها إيه اللي حصل لما سمعتي الحكم، قالتلي أنا مش مصدقة نفسي، أنا كنت متوقعة إنهم هيدونا براءة وهنمشي، وكلنا كنا متوقعين كده، إحنا معملناش حاجة أصلا"، مؤكدة أن ابنتها ضحكت من الأدعاء بحمل السلاح قائلة: "هو أنا أصلا بعرف أقشر بطاطس؟ قولتلها معلش إذا كان في قاضي ظلمكم القاضي التاني مش هيظلمكم".أرفض وصف الحكم الأخير ب"البراءة" بل هو إثبات "إدانة" لابنتي لا ريب أن الفترة كانت عصبية على الأم التي وجدت أصغر بناتها الثلاث معرضة للحبس مدة تزيد عن عقد من الزمان، ولا يمكن تخيل ما دار في ذهنها وهي التي لم تفقد الأمل في خروج ابنتها ومن معها من البنات الأخريات، لكن بجوار الأمل الكبير يبقى بعض من الخوف ألا ترى ابنتها مرة أخرى لمدة 11 سنة، تفقد فيها متعة مراقبتها تنمو وتعمل وتتزوج، أما الآن وبعد الحكم بسنة مع وقف التنفيذ، فإن المخاوف قد تبددت وانتعشت الآمال من جديد، حتى وإن كانت الأم ترى أن الحكم لا يعني البراءة، لكنه مرادفا للحرية خارج جدران السجن.