26/11/2011 10:46:03 م لن تتوافق القوي السياسية حتي لو شگلنا مجلساً رئاسياً يضم مصطفي كامل وسعد زغلول والنحاس وعبد الناصر وحسن البنا الصورة كما أراها: مجموعتان من القوي السياسية تتجاذبان طرفي حبل يلتف حول عنق وطن يقف علي حافتي صدع يتسع! المشهد الحالي خطير، والقادم أخطر! الآن.. لدينا رئيس وزراء مكلف من السلطة الشرعية المؤقتة ممثلة في المجلس العسكري بتشكيل حكومة انقاذ وطني لها صلاحيات كاملة في إدارة شئون البلاد ولدينا أيضا رئيس وزراء ونائبان له مكلفان من شخصيات عامة وحركات ثورية في ميدان التحرير بتشكيل حكومة انقاذ وطني تتولي إدارة شئون البلاد بديلا عن المجلس الأعلي للقوات المسلحة أمام مجلس الوزراء.. تقف مجموعات من المتظاهرين المعترضين علي تكليف د.كمال الجنزوري، تتوعد بمنعه من دخول مقر الحكومة. وفي الأروقة السياسية.. تتوعد قوي وحركات معظمها إسلامي وبعضها ليبرالي، بتنظيم مليونية مضادة، لو استجاب المجلس العسكري لضغط نخبة التحرير وتخلي عن سلطة إدارة البلاد للدكتور محمد البرادعي ونائبيه! هناك ما هو أكثر ثمة شخصيات عامة وحركات ثورية في ميدان التحرير وغيره من ميادين الجمهورية، تنادي برحيل المجلس العسكري فورا بحجة انه »افتقد الشرعية«، وتدعو إلي تشكيل مجلس رئاسي مدني يتولي سلطة الحكم لحين انتخاب رئيس الجمهورية الجديد إذا سألت من الذي سيعين المجلس الرئاسي؟!.. أجاب البعض: المجلس العسكري!.. وقال البعض الآخر: ميدان التحرير! وإذا سألت: علي أي أسس سيتم اختيار أعضاء المجلس الرئاسي الثلاث أو الخمس دون غيرهم من الشخصيات؟!.. وهل هناك ضمان بألا يحدث تنازع وصدام وتراشق بين القوي السياسية علي هذه الأسماء؟! إذا قلت : لو شكلنا مجلسا يضم مصطفي كامل وسعد زغلول ومصطفي النحاس وجمال عبدالناصر.. سوف يعترض البعض علي أسماء منهم وسوف يعترض البعض الآخر لأن القائمه لا تضم حسن البنا! إذا تملكتك الحيرة وسألت: ما العمل إذن؟! انتقلت الحيرة إلي محدثيك وقالوا: نلجأ للانتخابات! لو رددت عليهم وقلت: نحن فعلا بصدد انتخابات، تبدأ غدا »الاثنين« بالمرحلة الأولي لانتخابات مجلس الشعب، وقبل نهاية شهر يناير، أي بعد شهرين من الآن ستنتقل إلي المجلس سلطة التشريع، ثم تجري انتخابات مجلس الشوري، ومع نهاية شهر مارس أو مطلع شهر ابريل، سيجتمع الأعضاء المنتخبون بالمجلسين لاختيار أعضاء الجمعية التأسيسية وفي منتصف ابريل المقبل.. سيتم فتح باب الترشيح لانتخاب رئيس الجمهورية، وفي غضون شهرين ستجري انتخابات الرئاسة وجولة الاعادة إذا لزم الأمر، وبذلك ستنتهي الفترة الانتقالية قبل نهاية شهر يونيو، ويعود الجيش إلي ثكناته والمجلس العسكري إلي مهامه الأصلية، وربما يطرأ جديد يبكر بانتخابات الرئاسة عن ذلك الموعد. لو قلت هذا.. لوجدت من يقول لك: لكننا نريد من المجلس العسكري ان يترك السلطة الآن دون استفتاء شعبي، لانه لو أجري الاستفتاء سيفوز المجلس بالثقة، وسيظل في السلطة يستبد بها وقد يمد الفترة الانتقالية! اللا منطق هو المهيمن علي الجدل الدائر المحتدم في الشارع السياسي بين القوي الوطنية والنخب السياسية والمثقفة، والنتيجة هي ما نراه من تجاذب في الشارع بين عموم الناس، وما نشاهده من مظاهرات حاشدة معارضة للمجلس العسكري في ميدان التحرير وميدان القائد إبراهيم وغيرهما، ومظاهرات مؤيدة في ميدان العباسية وساحة رأس التين. وكل ما نخشاه ان يتحول التجاذب إلي انقسام ثم احتراب بين جماعات ومجموعات كانت كلها منذ أشهر معدودة كتلة واحدة ثائرة تدعو إلي اسقاط النظام! هناك ما هو أخطر! فإذا ساد الظن لدي كل فرد أو طرف أو جماعة، انه وحده صاحب الحق، وان عنده وحده الحقيقة، وأنه دون غيره يحتكر التعبير عن الثورة، أو يمتلك دون الآخرين المعرفة بصالح الوطن، قد تداهمنا أحداث مروعة تدفع بالبلاد إلي الفوضي وربما الاقتتال الأهلي علي سبيل المثال.. إذا قبل المعارضون لشخص الدكتور كمال الجنزوري المكلف بتشكيل حكومة الانقاذ، بمبدأ قيام بعض المجموعات بحصار مجلس الوزراء لمنعه من مباشرة مهامه، فما موقفهم لو قامت القوي الليبرالية واليسارية بالتظاهر امام مجلس الشعب لو فاز الاسلاميون في الانتخابات، أو قامت القوي الإسلامية بمحاصرة مقر المجلس لمنع النواب الليبراليين واليساريين من دخوله لو فازت أحزابهم بالأغلبية؟! هل نريد أن نصل إلي مرحلة ينظم فيها الخاسر في انتخابات الرئاسة مليونية أمام مقر الحكم لمنع الفائز من الدخول، وأن يرد أنصار الرئيس المنتخب بمظاهرة متعددة المليونيات لتفريق من لا يتقبلون الخسارة؟! المأزق الذي نعيشه يتقاسم مسئوليته كل الأطراف. القوي السياسية - جميعا بدون استثناء - التي استهوتها السلطة، واستبد بها طول الحرمان، فجنحت لتعبيد طريقها نحو الحكم علي حساب التوافق اللازم لتحقيق المصلحة العامة الشخصيات العامة والمثقفة التي أغوتها أضواء الإعلام، فانصرفت إلي صراعات الديكة في ساحات الفضائيات، وإلي مزايدات المواقف ومناقصات الرشد والعقلانية لجنة إعداد التعديلات الدستورية برئاسة المستشار طارق البشري، التي وضعت العربة قبل الحصان، فاختارت إجراء الانتخابات قبل وضع الدستور، رغم ان الدستور هو الأساس الذي تبني علي ركائزه كل مؤسسات الدولة. حكومة شرف التي انفقت قدرا كبيرا من الوقت في البحث عن مشروعات كبري، ليس هذا أوانها، ولن يكون بمقدورها كحكومة انتقالية تنفيذها، وأصبحت أشبه بالبائعة حاملة سلة البيض، التي تداعت بها أحلام استثمار أموال بيع البيض بعيدا، وغفلت عن الطريق، فتعثرت وسقطت منها السلة وتحطمت كل أحلامها جهاز الشرطة الذي لم يتخلص من نهج النظام السابق في قمع المتظاهرين، فأسال الدماء، وأجج نزعات الثأر في نفوس الثوار وأسرهم وعموم الناس، وتسبب في تحويل اعتصام محدود قوامه بضع مئات في ميدان التحرير إلي اعتصامات حاشدة في مختلف ميادين البلاد، وتسبب أيضا في مسيرات الجماعات الغاضبة من اراقة الدم التي ذهبت للاحتجاج أمام مقر وزارة الداخلية وعدد من مديريات الأمن، لتختلط بهم عناصر البلطجة مدفوعة الأجر وتندس وسطهم لاشعال الموقف بغرض اسقاط جهاز الشرطة نهائيا المجلس العسكري الذي تباطأ حين كان ينبغي ان يسارع، وانتظر حين كان يجب ان يبادر، وجاءت معظم قراراته علاجية لوقائع بينما كان لابد لها ان تكون وقائية من أحداث وبذلك تسبب في تحويل اجماع غير مسبوق كان يحظي به لدي كل فئات الشعب وكل ألوان الطيف السياسي، الي انقسام علي ادائه، في وقت نحن أحوج ما نكون للاحتشاد بجانب »عمود الخيمة الوحيد« لاجتياز العواصف القادم أخطر، ما لم تغب عنا البصيرة وندرك اننا نقتاد الدولة صاحبة أول حكومة في التاريخ، لتصبح كانتونات ترتع فيها فوضي تحرق أي آمال في المستقبل طريق النجاة أمامنا ومداخله واضحة: حكومة انقاذ وطني لها صلاحيات كاملة في إدارة الشئون الداخلية، مرشح لها رجل نظيف اليد خبير بشئون الحكم، ندعوه إلي اختيار أعضائها من الشخصيات الوطنية المشهود لها بالحنكة السياسية، ونعطيه الفرصة لإعادة الأمن إلي البلاد والانتظام إلي مواقع العمل والانتاج، في ظرف انتقالي شديد الصعوبة مجلس عسكري يختص بمباشرة الشئون الأمنية والخارجية والدفاعية، يسلم سلطة التشريع إلي مجلس الشعب فور انتخابه، وسلطة الحكم إلي الرئيس المنتخب في أقرب وقت ممكن قبل نهاية يونيو المقبل الاسراع بمحاكمة الرئيس السابق وأعوانه من القتلة والفاسدين، وتقديم المسئولين عن أحداث 91 نوفمبر وما بعدها إلي محاكمات عاجلة، واعمال القانون الجديد لمحاسبة الذين أفسدوا الحياة السياسية أولي خطواتنا علي طريق النجاة والعبور إلي بر الأمان، هي الاحتكام للانتخابات البرلمانية التي تبدأ أولي مراحلها غدا، والقبول بإرادة الشعب أيا كانت اختياراته علينا ان نراهن علي أن وعي جماهير هذا الشعب العظيم أعمق من نخبه وحكامه، وسوف نربح الرهان