سيطرت أحداث العنف التي تشهدها مصر منذ السبت الماضي على الصحف المصرية والعربية والأجنبية، ففي الوقت الذي يطالب فيه المتظاهرون بتحقيق أهداف الثورة ويطالب سياسيون بتشكيل حكومة إنقاذ وطني، يرى مراقبون أن الهدف من تلك الأحداث تأجيل الانتخابات البرلمانية، فيما يرى محللون أن ما يحدث في مصر هو مواجهة متأخرة بين مؤسستين قويتين إحدهما المؤسسة العسكرية والجيش المصري، والثانية هي تنظيم جماعة الإخوان المسلمين، فيما وقفت بينهما القوى الليبرالية والعلمانية حائرة. كتبت صحيفة الأهرام في صدر صفحتها تحت عنوان "تصاعد المواجهات بين الأمن والمتظاهرين في الميدان.. قوات الجيش والشرطة تخلى التحرير"، مشيرة إلى أن قوات مشتركة من الشرطة العسكرية والمدنية أخلت مساء أمس ميدان التحرير من المعتصمين به, إلا أنها عادت وانسحبت ليعود المعتصمون مجددا إلي الميدان.
وأضافت الصحيفة: أسفر القذف المكثف بالقنابل المسيلة للدموع علي الحديقة الدائرية بوسط الميدان عن احتراق الخيام وسقوط عدد من المصابين, كما لقي أحد الأشخاص مصرعه اثر سقوطه تحت أقدام المتظاهرين
فيما كتبت صحيفة روز اليوسف تحت عنوان "«التحرير» يطالب ب «مجلس رئاسي» ويواصل الاشتباكات مع الأمن"، مشيرة إلى أن أعدادا كبيرة من المتظاهرين رشقت قوات الأمن التي تحرس وزارة الداخلية بالحجارة وردت قوات الأمن باستخدام القنابل المسيلة للدموع لتفريق جموع المتظاهرين.
وجاءت عناوين الصحف مقاربة لما نشر، حيث كتبت صحيفة "الأخبار" " معارك كر وفر بين آلاف المتظاهرينوقوات الأمن" و"محاولات لاقتحام وزارة الداخلية "و " 3 شهداء و192 مصابا أمس" و"مظاهرات حاشدة فى الاسكندرية والسويس والاسماعيلية احتجاجا على أحداث التحرير".
أما عناوين صحيفة "الجمهورية" فجاءت كالتالي، " مصر تناديكم.. الحكماء يتقدمون" و " البورصة خسرت 7 مليارات جنيه "..أما صحيفة "الوفد" فكان عنوانها الرئيسى "مصر فوق بركان" ، وصحيفة "المصرى اليوم".. "معارك دامية بين الجيش والشرطة والمتظاهرين".
كما سيطرة أحداث التحرير على الصحف العربية أيضا، حيث كتبت صحيفة الشرق الأوسط "التحرير يشتعل.. وقوى سياسية تدعو لحكومة إنقاذ وطني"، فيما كتبت صحيفة القدس العربي " "مجزرة التحرير تشعل طبعة ثانية من الثورة.. عودة: الشعب يريد اسقاط النظام، ومطالبات بتنحي العسكر وحكومة إنقاذ وطني". فيما عنونت صحيفة الحياة اللندنية صدر صفحتها "معركة ميدان التحرير تضع الانتخابات على المحك".
فيما قالت صحيفة الجارديان البريطانية " الغارديان: "العنف يعود لمصر"، مشيرة في تقريرها إلى أن الاشتباكات التي عادت لتشهدها ميادين مدن عديدة في مصر بين محتجين على ما يرونه تباطؤ المجلس العسكري في تسليم السلطة للمدنيين وبين رجال الجيش والشرطة الذين أفرطوا في استخدام القوة لإخراج المعتصمين من ميدان التحرير بالقاهرة، قبل أسبوع فقط من موعد إجراء الانتخابات النيابية.
ونقلت صحيفة روز اليوسف تصريحات خاصة للواء محسن الفنجري عضو المجلس الأعلي للقوات المسلحة بأن الشارع المصري ليس ميدان التحرير، ومصر بها 80 مليون نسمة، فمن هم المحتجون كم عدد الموجودين بميدان التحرير، مليون نسمة أو 3 ملايين أو أربعة ملايين، هؤلاء لا يعبرون ولا يمثلون شعباً قوامه 80 مليون نسمة، ونحن نسعي عبر ما وعدنا باجراء الانتخابات، لأن الشعب المصري يسعي للاستقرار.
فيما كتبت صحيفة الأهرام تحت عنوان "المجلس العسكري:لا نسعي إلي إطالة الفترة الانتقالية..وملتزمون بتسليم الحكم إلي سلطة مدنية منتخبة"، مشيرة إلى أن المجلس الأعلي للقوات المسلحة كلف الحكومة باتخاذ إجراءات عاجلة للوقوف علي أسباب الأحداث التي شهدتها مصر خلال اليومين الماضيين، والعمل علي إنهائها ومنع تكرارها مستقبلا, من خلال حوار ايجابي من كافة القوي والتيارات السياسية والائتلافات الشبابية علي أن ينتهي ذلك في أسرع وقت ممكن.
وشدد المجلس علي أنه لا يسعي لإطالة الفترة الانتقالية ولن يسمح لأية جهة بعرقلة عملية التحول الديمقراطي وبناء مؤسسات الدولة في مصر. وأكد المجلس حرصه الشديد علي تنفيذ خريطة الطريق التي سبق وتعهد بها أمام الشعب, وتسليم مقاليد الدولة إلي سلطة مدنية منتخبة بطريقة ديمقراطية ونزيهة.
وعلى جانب آخر، نقلت صحيفة الأهرام أن مجلس الوزراء برئاسة د. عصام شرف أكد الالتزام بإجراء الانتخابات في موعدها, لافتا إلي أن التوتر المفتعل حاليا يستهدف تأجيل الانتخابات أو إلغاءها لمنع إعادة بناء مؤسسات الدولة.
وعلقت صحيفة الجمهورية على الأحداث في افتتاحيتها قائلة: إن "مصر الثورة تواجه أخطر مرحلة في تاريخها، وهي تعبر من عهد الفساد والاستبداد إلي عهد يريده الشعب صاحب ثورة"25 يناير" ، للحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
وأضافت الصحيفة أن هذه المرحلة الصعبة تتطلب حكماء ذوي بصيرة وعقلاء يستلهمون سلامة الوطن ومصالح الشعب وأهداف الثورة لادعاة للتفرقة والتشرذم ، لا مثيري العنف والحرق والتدمير لخلق الفوضي، ولا شراذم من فلول النظام السابق تتلاعب بالنار.
وفي ردود الأفعال حول الأحداث أشارت صحيفة الأهرام إلى أن عددا من القوي الشبابية والشخصيات العامة أعلنت تعليق حملاتها الانتخابية لخوض الانتخابات البرلمانية اعتراضا علي استخدام رجال الأمن العنف والرصاص في فض الاعتصام السلمي بميدان التحرير.
وكتب الكاتب محمد السعدني في مقاله "هنيئا للمتصارعين.. حافة الدولة الفاشلة" بصحيفة الأهرام قائلاً: إن الكارثة الحقيقية أن الفوضي التي تقود مصر الي مصاف الدولة الفاشلة لم تأت من داخل نظام الحكم المؤقت الذي يدير العملية السياسية في الفترة الانتقالية؛ ولكنها جاءت من قلب ميدان التحرير الذي شهد انطلاق ما كنا نعتقد انها الثورة الأعظم من نوعها علي مستوي العالم في التاريخ الحديث, حيث انقلب الي مسرح لاستعراضات القوي المختلفة والمتصارعة ومجالا للدعايات الانتخابية الفجة ولو علي حساب اللحظة التاريخية الحرجة التي تعيشها البلاد.
وقال الإعلامي حمدي قنديل في مقاله " الناس ستلعن السياسيين جميعاً" بصحيفة المصري اليوم: في رأيي أن المجلس العسكرى لن يرضخ لهذا المطلب إلا إذا تكتلت أمامه القوى السياسية فى جبهة واحدة.. المجلس لن يسلم البلد إلى قوى سياسية متصارعة.. هذه حقيقة لابد أن نعيها، ولابد أن نعى أيضاً أن الثورة على كف عفريت والبلد فى خطر داهم: الأمن غائب، والأزمة الطائفية عالقة، والاقتصاد منهك، وفلول الحزب المنحل متربصون، والانتخابات ستزيد الأوضاع المتردية اشتعالاً.
وأضاف: ليس أمام الكل سوى أن ينظروا لوجوههم فى المرآة، وأن يعترفوا بأنهم، وهم نخبة البلد وقادته، قد خانوا الثورة، أهدروا نبض ميدان التحرير، وانصرفوا للبحث عن المصالح والمكاسب وأمعنوا فى التناحر فيما بينهم، خاصة أن البعض منهم تراءى له أن ثمار الثورة ستسقط فى حجره هو دون غيره.
فيما طالب الكاتب ضياء رشوان في مقاله بصحيفة المصري اليوم المجلس العسكرى بأن يعيد تشكيل الحكومة لتصبح أكثر فاعلية وحسماً وسياسة وقدرة على التعامل المستقل مع الأزمات والقضايا الكبرى التى تواجه المصريين. وعليه أيضاً أن يتخذ، بالتعاون مع أجهزة الشرطة، كل الإجراءات العاجلة والضرورية لوقف حالة التدهور الأمنى الجنائى فى البلاد، مستخدماً فى ذلك جميع الإمكانيات المادية والقانونية المتاحة لديه، وفى مقدمتها قانون الطوارئ.
وأضاف: عليه قبل كل ذلك أن يجتمع مع ممثلى القوى السياسية والحزبية الرئيسية فى البلاد، لبحث نقاط الاختلاف الرئيسية، وفى مقدمتها الجدول الزمنى للمرحلة الانتقالية وتسليم السلطة وقضية المبادئ الدستورية ومعايير تشكيل اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور وموضع القوات المسلحة فيه وفى النظام السياسى المقبل.
وذهبت صحيفة القدس العربي إلى أبعد من ذلك، فقالت في افتتاحيتها "صراع فيلة جديد في مصر": في مصر الآن مؤسستان قويتان، الاولى مؤسسة الجيش العسكرية التي حسمت الموقف لصالح الثورة عندما امرت الرئيس مبارك بالتنحي، والثانية حركة الاخوان المسلمين التي تحظى بتأييد في الشارع المصري، وتشير كل التوقعات الى انها قد تحصل على النسبة الاكبر من مقاعد البرلمان في الانتخابات المقبلة.
وأضافت الصحيفة "الصدام بين هاتين المؤسستين كان متوقعا، ولكن ما كان غير متوقع هو ان يتأخر طوال هذه الاشهر، حيث نأت حركة الاخوان بنفسها عن جميع اعتصامات ومظاهرات شباب ثورة يناير والاحزاب القومية والليبرالية الاخرى عندما كانت تنزل الى الميادين لتصحيح مسار الثورة، والاحتجاج على بعض ممارسات الحكم العسكري. من المرجح ان تكون وثيقة السلمي، المذكورة آنفا، وعدم تحديد موعد لانتخابات رئاسية، وتزايد تدخلات العسكر في السياسة هي عوامل مجتمعة او متفرقة ادت الى سقوط الهدنة وبدء الصدام".
وتابعت: "من المفارقة ان الاحزاب الليبرالية والعلمانية تعيش حاليا ظرفا حرجا للغاية، فهي تقف موقف المتفرج على هذا الصراع بين الفيلين الاضخم في مصر، ولا تعرف مع من ستقف"
وقالت صحيفة الأهرام في افتتاحيتها: مما لا شك فيه أن الأحوال الاقتصادية في مصر ليست في أحسن الاحوال أو ماينبغي ومايمكن أن تكون عليه, الا أن الحقيقة تقتضي الاقرار بأن قواعد اللعبة الاقتصادية في الأوقات السابقة تميزت: بالاحتكار, والفساد, وعدم تشجيع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة, فضلا عن الخلل الرهيب في توزيع الاعباء الاقتصادية, وبالتالي جاء توزيع الثروة مختلا هو الآخر كمحصلة طبيعية مما أسفر عنه وجود قلة محظوظة في مقابل أغلبية محرومة.