قدمت الصين مؤخرا على لسان وزير خارجيتها يانغ جيه تشى ببكين مقترحات من أربع نقاط تبلور خلالها رؤيتها الجديدة للحل السياسي للقضية السورية. ويأتي ذلك في محاولة جديدة لدعم جهود الوساطة الدبلوماسية للمبعوث الدولي لمنظمة الأممالمتحدة وجامعة الدول العربية الأخضر الإبراهيمي الذى أنهي جولة مكوكية اختتمها بزيارة العاصمتين الروسية والصينية، أراد من خلالها البحث من جديد عن بارقة أمل في الأفق بعد فشل هدنة عيد الأضحى للتهدئة ولمحاولة وقف نزيف الدم المراق للشعب السوري المغلوب على أمره . ويرى الخبير والأكاديمي فو زي منج الأستاذ بجامعة الدراسات الأجنبية الصينية ببكين، أن المقترحات الصينية الجديدة تتلاءم مع الواقع الحالي لضرورة الحل السلمي كما أنها تعطى الفرصة للسوريين لحل مشكلاتهم بأنفسهم وليس عبر التدخلات الخارجية التي تعقد الأمور. وأضاف فو في لقاء خاص مع وكالة أنباء الشرق الأوسط، أن مقترحات الصين، تحث قيام الأطراف المعنية في سوريا ببذل كافة الجهود الممكنة لوقف القتال وأعمال العنف والتعاون بنشاط مع جهود الوساطة التي يقوم بها الإبراهيمى، مع تنفيذ خطوات فعالة تجاه وقف إطلاق النار على مراحل، وتوسيع مناطق وقف إطلاق النار وتحقيق فك الاشتباك وفى النهاية الوصول إلى انهاء كافة أشكال النزاع المسلح وأعمال العنف . وأشار الخبير الصيني إلى أن بلاده ترى أهمية أن يكون للأطراف المعنية في سوريا متحدثين ومفاوضين حتى يمكن بمساعدة من الإبراهيمي والمجتمع الدولي صياغة خارطة طريق للانتقال السياسي عبر المشاورات، وإقامة جهاز حكم انتقالي بقاعدة عريضة، وتنفيذ الانتقال السياسي من أجل إنهاء الأزمة السورية في أقرب وقت، ولضمان تحقيق انتقال آمن ومستقر وهادئ يجب الحفاظ على استمرارية وفعالية مؤسسات الحكومة السورية . وقال فو أن على الأطراف في سوريا إعلاء المصلحة العامة بعيدا عن المصالح الشخصية والنظر لمصلحة الشعب السوري والاستماع إلى العقل والبدء بجدية في بحث المقترحات الصينية والدولية لحل الأزمة، خاصة وأن الشتاء على الأبواب وسيعاني الشعب السوري من الأطفال والنساء والشيوخ من البرد القارس والأمطار إذا لم يتنبه الجميع أن هذا الشعب هو الذي يدفع الثمن على حساب الخلافات السياسية ولذلك فان التفاوض والحوار وسرعة وقف العنف هو السبيل الوحيد الآن لحل الأزمة وهو ما اقترحته الصين مؤخرا وقدمت للإبراهيمي هذه المقترحات لإيقاف نزيف الدم وعودة الهدوء إيذانا لحل القضية السورية. من جانبه قال الباحث الصيني في شؤون الشرق الأوسط هيو مينغ ، إن المقترحات الصينية الجديدة تتميز بالإنصاف والواقعية لإيجاد تسوية نهائية للأزمة السورية،حيث تطالب المجتمع الدولي بالعمل بسرعة ملحة ومسؤولية أكبر للتعاون الكامل مع وساطة الإبراهيمى ودعم جهوده وتحقيق تقدم حقيقي في تنفيذ بيان اجتماع وزراء خارجية جنيف لمجموعة العمل الخاصة بسوريا وخطة أنان المكونة من ست نقاط وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، إضافة لتأثير الجهود الإيجابية للجامعة العربية ودول المنطقة بحثا عن تسوية سياسية . وأضاف أن بكين تريد عبر مقترحاتها أن تتخذ الأطراف المعنية خطوات ملموسة لتخفيف الأزمة الإنسانية في سوريا، وزيادة المساعدات الإنسانية للشعب السوري وضمان إعادة توطين ملائمة للاجئين خارج سوريا ومساعدة ملائمة للمحتاجين من اللاجئين داخل سوريا، في وقت يجب أن توفر الحكومة السورية والأطراف المختلفة كامل التعاون لعمل الأممالمتحدة والمؤسسات المحايدة ذات الصلة لتقديم المساعدة الإنسانية في كل المناطق المتأثرة بالنزاعات وضمان سلامة أفرادها وعدم تسييس المشكلات الإنسانية وعسكرة المساعدات الإنسانية". وأوضح الباحث الصيني هيو، في لقاء مع وكالة أنباء الشرق الأوسط، أن وقف التعنت المستمر لطرفي النزاع في سوريا، وتخلي الغرب عن نيته التدخل عسكريا في سوريا، سيجعل المقترحات الصينية تتجه بالقضية نحو التسوية السلمية بحيث توضع في الحسبان أثناء صياغة الخطة الجديدة بشأن سوريا التي يعتزم المبعوث الأممي العربي الأخضر الإبراهيمي تقديمها إلى الأممالمتحدة الشهر الجاري. وأشار إلى أن المقترح المكون من أربع نقاط يأتي استكمالا للرؤية الصينية السابقة التي طرحتها بكين في ست نقاط خلال مارس الماضي للحل السياسي للأزمة السورية ، لكنها الآن تتكيف مع تطورات الوضع الحالي للأزمة، خاصة وأنها بنيت على متابعة الصين وتحليلها للوضع السوري الراهن وترتكز على أرضية مشتركة مع المجتمع الدولي . وأوضح الباحث الصيني هيو أن المقترحات الصينية تهدف أيضا إلى حل معضلتين تتمثلان في وقف إطلاق النار والانتقال السياسي على أساس معالجة الأمور الهينة أولا ثم المشكلات والأزمات الكبيرة الصعبة، وتلبية المطالب المقبولة للشعب السوري في إجراء إصلاحات وحماية مصالحه واستقراره وأمنه ليتحقق مع ذلك حل متوافق وعادل وسلمي للقضية السورية". من جانبه قال شيوي تشنغ قو، الأكاديمي والمتخصص في شؤون المنطقة بجامعة الدراسات الأجنبية ببكين إن "المقترح الجديد "لا يتناقض مع دعوات الصين المستمرة إلى عدم التدخل في الشؤون الداخلية لسوريا واحترام خيار الشعب السوري، فالصين لا تدعم طرفا وتعارض آخر بل تدعم كل الوسائل المفيدة للتسوية السياسية للأزمة". وأضاف شيوي أن "موقف الصين ثابت ومقترحاتها متوافقة تجاه الأزمة السورية، موضحا أن "هناك سوء فهم دولي وانتقادات لموقف الصين بعد أن استخدمت الأخيرة حق النقض "الفيتو" ضد مشروع القرار بشأن سوريا في مجلس الأمن الدولي في فبراير الماضي. غير أنه بعد مضي أكثر من نصف عام على ذلك، أصبحت دول كثيرة تتفق مع الموقف الصيني وتعتبره موقفا مسؤولا نظرا لأنه إذا ما وافق مجلس الأمن الدولي على مشروع القرار آنذاك لكان سيناريو ليبيا قد تحقق مجددا في سوريا". وأضاف أن "الصين تلعب دورا فعالا في جهود البحث عن حل سياسي للأزمة السورية في الوقت الراهن الذي يبدو فيه أن طرفي النزاع غير قادرين على مواصلة القتال وتلوح فيه آمال الحل السياسي، وهذا هو سبب سعي الإبراهيمي إلى اغتنام الفرصة لمحاولة كسر الجمود الذي انتاب المأزق، وكذلك سبب دعم الصين الكامل لوساطته . وأوضح شيويه أن تكرار مأساة الحرب العراقية في سوريا سيؤدى إلى "كارثة" على المنطقة العربية والشرق الأوسط بوجه عام، مضيفا أن "الحفاظ على استمرارية النظام في سوريا لا يصب في مصلحة الشعب السوري حتى ولو كان لابد من تغيير بعض الزعماء أو القادة، فإن هذا لا يجب أن يعني كسر آلة النظام برمتها، وأفضل الأمثلة على العواقب الوخيمة لمثل هذا التوجه هو تجربة العراق حين انكسرت آلة النظام برمتها وانهارت قوات الجيش والشرطة ومؤسسات الدولة، ما ترك فراغا إداريا كبيرا وفوضى". وعن ما يتردد من التوافق على إدارة انتقالية جديدة في سوريا، قال آن هوي هو، الباحث بمعهد الدراسات الدولية في الصين، إن "تشكيل هذه الإدارة يمثل "أرضية دولية مشتركة شاملة شريطة ألا تستبعد هذه الإدارة أي طرف، كما ينبغي أن تضم ممثلين عن مختلف أطياف المعارضة بالإضافة إلى ممثلين عن النظام الحالى السوري". وأضاف آن "إن المعارضة السورية ليس لديها قيادة واضحة مؤثرة تأخذ قرارات قوية ومصيرية، كما لا يوجد أي تيار يتمتع بتأثير كاف ليمثل مختلف أطياف المعارضة، ولذا، لا بد أن تتمتع الإدارة الانتقالية بالشمولية الواسعة حتى ينجح تشكيلها". وأضاف آن ، فى لقاء مع (أ ش أ) أن "التنبؤ بمستقبل سوريا أمر في غاية الصعوبة، لكن الحرب والعنف ليس مخرجا والتدخل الخارجي غير مقبول، وأن الحل الوحيد للأزمة السورية يتمثل في التسوية السياسية، كما أن الحل لا يمكن إيجاده في ساحات الحرب بل يوجد فقط على طاولة المفاوضات مهما كانت شدة القتال بين الطرفين . وأضح الباحث الصيني آن هو، أن انتشار الأزمة السورية خارج الحدود أمر لا يصب في مصالح الغرب أيضا، لذا على القوى الغربية تغيير نهجها ليتجه إلى طريق الحل السياسي، وعدم فرض أمر واقع على طرف على حساب آخر .